يتبــــــــــــــع للبحث 18
من الصفات التي لا غنى عنها مطلقاً، ولا اختلاف عليها بين الناس هو اشتراط الغنى في المتقدم للزواج، وأقل الغنى هو الكفاف والقيام بواجبات الزوجية. وقد فسر العلماء حديث الرسول: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج..> الحديث. أن المقصود بالباءة هو نفقات الزواج وإمكان إعاشة الرجل للمرأة. والإسلام يشترط في صحة عقد النكاح واستمرار قدرة الرجل على الإنفاق.
ولكن الناس ينظرون في الرجل الآن إلى كثرة المال لا مجرد الكفاف والغنى عن الناس وذلك بعد تعاظم الحياة المادية، وانفتاح الأساليب المذهلة للاستمتاع بالحياة واقتناء الزينة التي لا تقف عند حد في أثمانها أو أشكالها.. والمسلمون فقط من يسألون عن طالب الزواج الغني كيف اكتسب ماله؟.
وذلك بعد أن فسدت وسائل الكسب في العصر الراهن وأصبحت المقامرات والرياء وبيع الأعراض والذمم والرشاوي من أعظم وسائل الكسب في هذه الجاهلية الحديثة. ولا شك أن كل فتاة تريد السعادة الحقيقية يجب أن تعلم من أين اكتسب المتقدم للزواج بها ماله. فالرجل الشريف العفيف نظيف اليد هو أولى الناس بأن يؤسس بيتاً قائماً على الاستقرار والسعادة، وأصحاب الدخول والأموال القذرة يتعاملون مع زوجاتهم بنفس تعاملهم مع الدينار والدرهم ويقدرونهم بقدر منافعهم المادية فقط. باختصار تصبح المرأة عندهم كالسلعة تماماً. تفقد قيمتها بالقدم (وبروز الموديل الجديد) وبنضوب المنافع المادية وقد كان من علامات الشرف (علو المكانة والمنزلة) في الجاهلية القديمة الكسب.
وذلك أن المتكسب المكافح العامل لا يقارن مطلقاً مع العاجز الكسول العالة على غيره. ولذلك كان من أقسى أنواع الذم في الجاهلية هذا السب:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أي المطعوم المكسو. وقد أتلفت الحياة الحاضرة قيمة الإنسان الحقيقية وذلك بالتوظيف الحكومي. فالوظائف الحكومية الهرمية والتي يراعي فيها كثيراً الغش والنفاق والمحسوبية، رفعت أناساً يستحقون الوضع، ووضعت أناساً يستحقون الرفعة، وأصبحت السمة الغالبة أن نرى كل إنسان في غير موضعه بل لا نكاد أن نرى إنساناً في موضعه الصحيح من هذا الهرم الوظيفي المغشوش.
ولذلك فالتعويل على معرفة القيمة الحقيقية للإنسان من خلال الحسب والمال أصبحت لاغية تماماً في عصر اختلطت فيه موازين الكسب والتوظيف، ومع ذلك لن نعدم أيضاً التقييم الحقيقي للرجال الذين يلتزمون بالعفاف وطهارة اليد.
وليس اشتراط الغنى بالنسبة للمرأة مطلوباً على النحو الذي يطالب به الرجل وخاصة في المجتمعات التي يستطيع الرجال أن يكسبوا ما يكفيهم بسهولة ويسر، ولكن في المجتمعات الفقيرة، حيث يصبح عمل المرأة وكسبها ومالها جزءاً أساسياً للمعيشة أصبحت المرأة مطالبة بالمشاركة والمساهمة اللازمة في نفقات العيش.. وهذا من أعظم فساد الحياة ومن أعظم البلاء الذي وفد إلينا من الحضارة الغربية المادية، وبذلك أصبح أمام المرأة عبئان: عبء الحمل والولادة وتربية الأولاد والعناية بشئون المنزل، وعبء الخروج للتكسب والإنفاق. والعجيب أن الذين يؤيدون خروج المرأة للعمل خارج البيت ليسوا قطعاً من الأمهات الذين لهم بيوت آمنة مستقرة وأولاد وإنما هم في جميع بقاع العالم إما أن يكن زوجات فاشلات أو عوانس مغبونات، وأما الأمهات الحقيقيات والزوجات الناجحات في كل بقاع العالم فيصرخن بأعلى أصواتهن أنه من الظلم للمرأة أن تطالب بوظيفتين وظيفة الفطرة (الحمل والإرضاع والتربية) ووظيفة المجتمع الظالم والقوانين الجائرة (المساهمة في نفقات الأسرة وما يسمى ببناء المجتمع الاقتصادي) وبالطبع فالرجال الذين لا يتسمون بالإنصاف والخلق يجادلون في خروج المرأة للعمل لمرض قلوبهم وإرضاء شهواتهم لا لنفع المرأة ونهضة المجتمع.
ولكن المشكلة الحقيقية في كل ذلك أن المجتمعات التي قطعت شوطاً بعيداً وراء الحضارة المادية قد جعلت خروج المرأة للعمل ضرورة حتمية أمام من يريد الزواج وذلك أن نفقات السكن والمعيشة لا يكفي لها راتب الزوج في المعتاد، وبذلك أصبح الشاب في خيار أن يستمر بلا زواج سنوات طويلة أو يعيش بما لا يتلاءم مع وضعه الاجتماعي والأخلاقي ويتزوج أو أن يتزوج من امرأة عاملة أو موظفة.
والذين يغامرون أو يغرون ويتزوجون من امرأة موظفة أو عاملة فهم يغامرون بسعادتهم واستقرار أسرهم، فالمرأة التي تدفع من راتبها على زوجها وأولادها لا يمكن أن تكون زوجة كاملة مطلقاً اللهم إلا إذا تحلت بأخلاق هائلة من الكرم وضبط النفس وعدم المن بالفضل، وهي صفات نادرة جداً في هذه الأيام. وعلى كل حال ليعلم الرجال الذين يمدون أيديهم لزوجاتهم أن هذا يجب أن يكون عن طيب نفس تماماً، وليحذر أن يكون هذا وسيلة من وسائل الاستذلال مستقبلاً. وقد عرفت عشرات الحالات لإخوان وأصدقاء كثيرين فشلت حياتهم الزوجية بسبب عمل وكسب زوجاتهم. هذا عدا المتاعب الهائلة التي تسببها امرأة عاملة منهكة لزوجها وأسرتها وذلك بما تلقيه في بيتها من هموم العمل ومتاعبه ومشكلاته. ولا يمكن أن نتصور بتاتاً كيف يمكن أن يكون هناك أسرة سعيدة حقاً في ظلال امرأة عاملة منهكة.
وأما الغنى الوراثي أو الذي حازته بغير طريق العمل اليومي فهو من المغريات لكثير من الرجال الذين يريدون الثروة السهلة الميسرة.. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك من أسباب طمع الرجال في النساء كما قال: [تنكح المرأة لأربع>، وعد من ذلك المال فيجب أن نعلم أيضاً أن هذا المال لا يجوز أن يكون مسوغاً للزواج بالمرأة إلا إذا كان في يد امرأة عفيفة كريمة النفس تنفق منه على بيتها ولا تمن بإنفاقها. هذا إذا كان الرجل راغباً في الزواج بالمرأة الغنية لا لأجل مالها فقط. أما إذا كان لا رغبة له إلا المال فقط وقد عبر إلى هذا المال بطريق الزواج فهذا شأن آخر. وما أظن أن عقد الزواج بهذه النية يكون صحيحاً مشروعاً، ولعل هذا أشبه بالنصب والاحتيال. وتحتاج المرأة الغنية أيضاً التي تريد الزواج إلى أن تتريث طويلاً في قبول المتقدم لها حتى تتحقق أنه يريد من الزواج أموراً أخرى غير ثروتها وغناها.
خامساً: الأخلاق:
عرفنا أننا يجب أن نبحث قبل الزواج عن (المعدن) النقي للإنسان وهذا المعدن صناعة إلهية ليست كسبية كما جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لزيد الخير: [إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة>، قال: يا رسول الله خصلتان جبلت عليهما أم تخلقت بهما؟ قال: [بل جبلت عليهما..> الحديث. وهذا يعني أن هذا الصحابي قد خلق حليماً متأنياً قبل أن يكون مسلماً وهذه المعادن البشرية تتفاوت نقاوة وجودة. ثم الدين وعرفنا أن المقصود بالدين حقيقة الدين لا ظاهره فقط والدين عاصم من الظلم والانحراف ومقيم للزوجين -إن أقاماه- على سنن الخير والسعادة والصلاح.
وإذا اجتمعت هاتان الصفتان في رجل أو امرأة صنعت الأعاجيب فنقاوة المعدن إذا صادفت فقه الدين وتشربت أحكامه أخرج هذا ثماراً طيبة من الخلق الكامل والعفة والطهارة والاتزان والصدق والوفاء والتفاني في خدمة الآخرين والاعتراف بالجميل. وهذه الصفات كلها صفات لازمة ضرورية في الزوجين لكل زواج ناجح، وذلك أن الشذوذ والانحراف أو التقلب والتذبذب أو الجحود ونكران الجميل أو الكذب أو التعالي.. واحدة من هذه الصفات في أحد الزوجين كافية لهدم السعادة الزوجية ومورثة للشقاء والهموم، ونحن نكشف عن طبيعة معدن الإنسان (رجلاً كان أو امرأة) وطبيعة دينه بمعرفة هذه الأخلاق؛ فالأخلاق الطيبة هي نتاج طيب للمعدن الطيب والدين الصحيح السليم، وأما الأخلاق الخبيثة فهي أيضاً نتاج خبيث للمعدن الخبيث والدين الكاذب أو الدين الباطل. ولهذا قال تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}. فعلى تفسير النكاح هنا بالزواج يكون المعنى لا يرغب في الزواج ممن اشتهرت بالزنا إلا مثيلها في هذا الخلق الذميم أو مشرك لا يقيم وزناً للأخلاق، وكذلك العكس لا ترغب المرأة في الزواج من رجل اشتهر بالفسق والفجور إلا أن تكون على شاكلته أو تكون مشركة لا دين يردعها عن مثل هذا النكاح. وأعم من هذه الآية قوله تعالى: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات}. والآية على تفسير الطيبات والخبيثات بالزوجات، وعلى تفسير الطيبين والخبيثين بالأزواج، والخبث والطيبة هنا أوصاف للأخلاق الذميمة والطيبة وهذه الأخلاق كما أسلفنا القول ثمار للمعدن والدين.
سادساً: الجمال:
الجمال هو الصفة التي يبحث عنها كل من الرجل والمرأة عند الآخر. وهذه الصفة الظاهرية لها أثر عجيب في دوام العشرة وبقاء الألفة وبالرغم من أن الإنسان من حيث هو إنسان مخلوق في أحسن تقويم فإن التفاضل بين البشر في هذه الصفة متفاوت لدرجة كبيرة جداً.
ومع أن الناس أيضاً يتفقون على خطوط رئيسية للجمال إلا أنهم يختلفون أيضاً في الحكم على تفصيلاته وتفريعاته ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل>. وترك النبي صلوات الله وسلامه عليه مسألة ما يدعو الرجل إلى الزواج من امرأة متروكاً إلى الشخص.
ولقد شدد النبي في هذه الناحية أعني اشتراط الجمال أو على الأقل اشتراط القبول لشكل المرأة ووجهها فقد جاء في الحديث الصحيح أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه خطب امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [هل نظرت إليها؟> قال: لا. قال: [اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما>. وهذا أمر يقتضي الوجوب في الحديث الآخر إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إليها ومعلوم أن النظر هنا بحث عن الجمال والشكل. وليس عيباً ولا منافيا للدين والخلق والإحسان أن يرغب رجل عن زواج امرأة لأنها دميمة فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إني أهب لك نفسي فرفع إليها نظره ثم ألقاه إلى الأرض وسكت ورغب النبي عن نكاحها لأنها لم تكن جميلة.. حتى أنه قام صحابي بجوار النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها.. فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم إياها على أن يعلمها سوراً من القرآن وكذلك ليس منافياً للدين والإحسان والخلق الكامل أن يشاهد رجل امرأة جميلة فيرغب في الزواج منها لذلك، وقد فعل هذا سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه فما تزوج جويرية بنت الحارث رضي الله عنها إلا لملاحتها وجمالها بعد أن رآها في السبي وكان زواجه منها خيراً عميماً على أهلها جميعاً. وما يريده الرجل في المرآة تريده أيضاً المرأة في الرجل وإن كانت المرأة بوجه عام مطلوبة لا طالبة إلا أنها أيضاً تنتظر أن يتقدم إليها الوسيم الجميل ولا ينافي الخلق الطيب والاستقامة للمرأة المسلمة أن ترفض رجلاً ليس بجميل وإن كان على دين وخلق، وقد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قيس بن شماس وزوجته لأنها كرهته لدمامته، وكذلك لا ينافي تقواها ودينها أن تطلب وترجو أن يتقدم إليها الوسيم الجميل.
وهذا الذي قدمنا بأدلته نسوقه للذين يظنون أن الدين لا يقيم اعتباراً لهذه القضية التي يظنونها من نتاج الفكر المادي وأهل الشهوات والدنيا. وهذا الفهم فهم خاطئ سخيف لأحكام الدين في هذه القضية.
ومع ذلك يجب علينا أن نضع قضية الجمال مكانها من حيث مجموع الصفات المثالية التي يبحث عن توفرها في الزوج الصالح والزوجة الصالحة، فالجمال حقاً شكل وظاهر ومع ذلك فهو مراد ومطلوب ومحبوب ومرغوب ديناً وطبعاً وإن كان الجمال في ذاته صفة وهبية من الخالق سبحانه وتعالى ولا كسب للإنسان غالباً فيه ولكننا أيضاً شرعاً وديناً في حرية وإباحة للتخير والمفاضلة وهذا من رحمة الله وتوفيقه. ولكن المنهي عنه شرعاً أن تغلب هذا الظاهر على الجوهر الأساسي للإنسان من الأصل والدين. بل يجب علينا أن نضع الجمال في المستوى والحد اللائق به والمتناسب مع الصفات العامة التي يجب علينا مراعاتها في اختيار شريك الحياة.
سابعاً: البكارة:
البكارة من (الصفات) المحببة في الزواج لدى الرجل والمرأة (يقال رجل بكر وامرأة بكر أي لم يسبق لهما زواج). وهذه الحالة نسميها صفة تجاوزاً. وقد جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم الحض على زواج البكر كما في حديث جابر في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله ماذا تزوجت قال: ثيباً يا رسول الله (والثيب هي المرأة التي سبق لها زواج) فقال له الرسول: [هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك>.
وفي الحديث التعليل لزواج البكر بأنه للملاعبة والسبب أن البكر التي لم يسبق لها زواج تتفتح طاقاتها النفسية والعاطفية والجسدية على لقائها الأول مع الرجل سواء كان لقاء شرعياً أم سفاحاً، وشتان بين ما يخلقه لقاء النكاح ولقاء السفاح. فلقاء النكاح يورث الحب والألفة والتراحم ولقاء السفاح يورث البغضاء والندم والشعور بالإثم والألم من مواجهة المستقبل ويعرض المرأة إلى الاستذلال سواء تزوجت برجل آخر أو تزوجت بمن واقعها سفاحاً. وقد كان فعل الرب حازماً مع المرأة إذ جعل غشاء البكارة خاتماً ودليلاً على الطهارة والعفة وذلك أن رحم المرأة هو مستقر الولد، وأولاد السفاح من أعظم الفساد في الأرض.
والفلسفات المادية والحديثة والدراسات النفسية وخاصة المنحى (الفرويد) قد هون من شأن العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة زاعماً أنه ينبغي أن ينظر إليه كالنظر إلى الطعام والشراب وأنه لا يجوز أن نحيطه بسياج الأخلاق والدين والتقاليد والعادات التي تحدد من إشباع الإنسان في هذه الناحية. وزاعماً أيضاً أن الجنس هي الغريزة التي يدور الوجود كله عليها فالسموات والأرض والبشر ما خلقوا إلا لممارسة الجنس وإذا كان هذا هو غاية خلقهم فلا يجوز أن توضع حدود وعقبات أمام هذه الغاية. هذه هي خلاصة العقيدة الفرويدية التي صبغت وجه الحضارة الحديثة وكان لها أعظم الأثر في الثورة الجنسية التي يعيشها العالم في هذا العصر الراهن. وبالرغم من هذه الفلسفة الخائنة المغلوطة فإن الانحراف ما زال في جميع المجتمعات على السواء ينظر إليه باحتقار وازدراء حتى تلك المجتمعات المادية التي تركت الدين منذ مدة طويلة؛ وذلك أن نداء الفطرة ما زال يأبى هذا الانحراف ونحن -المسلمين- الذين لم تتدنس نفوسنا بعد، وما زال الدين حياً في نفوسنا يدعونا إلى الاستقامة والعفة، نمجد الفضيلة والعفاف ونزدري السقوط والانحراف.
المهم أن البكارة شيء محبب وصفة من الصفات التي يحرص عليها اللهم إلا إذا كانت هناك مصالح في الزواج ترجح صفة أخرى كما أقر رسول الله جابراً الذي تزوج ثيباً عندما قال: إن أبي قتل شهيداً في أحد وترك تسع بنات فلم أرد أن أضيف إليهن واحدة مثلهن وإنما أحببت أن أتزوج ثيباً تقوم عليهن وتمشطهن. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: [فنعم إذن>. والشاهد أن المرأة البكر أحظى لدى زوج يريد امرأة تبحث عن كنف ومرشد ورجل قوام عليها وهذه الحاجة الفطرية في المرأة عموماً ولكنها في البكر أشد.
ويبدو أن هذه القضية عكسية تماماً في الرجل البكر فهو أشد مراساً وأقسى طباعاً في معاملة زوجته وإن كان أحلى عشرة وأبهج حياة. وأما الرجل الثيب فإنه أطوع للمرأة وأضعف أمام رغباتها ولكنه مع ذلك أنكد عشرة وخاصة كلما تقدمت به السن وعلاه الشيب ولا يظنن ظان أن الضعف والطواعية للمرأة من أسباب سعادتها ولكنه في الحقيقة من أسباب شقائها وتعاستها. وهذا من قوانين الفطرة الصارمة التي لا تتخلف.
فالواجب علينا إذن أن نضع هذه الصفة (البكارة) في مكانها الصحيح أيضاً من الصفات المثالية التي ننشدها في الرجل والمرأة ولتعلم الفتاة أن مستقبل حياتها الزوجية مرهون بالمحافظة على الخاتم الذي وضعه الخالق البارئ. وأن التفريط في هذا الشيء العزيز الذي لا يرتق هو بمثابة خسارة لا تعوض. وإذا كان على المرأة أن تبحث عن الرجل البكر أيضاً فيجب أن يكون أيضاً بحيث يصلح مرشداً وهادياً وقواماً ولذلك فزواج الأقران (الذين في سن واحدة) من أفشل الزواج لأن الأسرة لا ينتظم أمرها إذا كان الزوجان ندين. وقانون الفطرة أن تسعد المرأة فيمن تجد عنده مع الحب والحنان والعطف والرعاية والقوامة والرجولة.
فالقوامة والرجولة صفتان أساسيتان لزواج سليم. (وسيأتي إن شاء الله تفصيل كامل لمعنى القوامة). وكذلك على الذين يتزوجون امرأة ثيباً ألا يتعلقوا بمستقبل وهمي من التطبع والامتاع النفسي والجسدي الذي يوجد لدى الأبكار وأن يعلق أمله فقط بالمنافع الممكنة من هذا الزواج وليس بالمنافع المستحيلة. وكذلك يستحسن أن تنصرف الفتاة عن زواج قرنها ومساويها في السن ما أمكن إلا أن تكون على استعداد للتنازل أحياناً عن فهمها وعلمها ورأيها مع تحققها أنه صواب حفاظاً على حياتها الزوجية. وأما اللاتي يقدمن للزواج من كبار السن من الرجال فيجب عليهن أيضاً أن تعرف الممكن الذي يستطيع الرجل أن يقدمه للمرأة من مال ومتاع ونحوه أو من فضائل أخروية كأن تقبل الزواج برجل كبير احتساباً لله لخدمته ورحمة لشيخوخته، وكما يفعل من يتزوج امرأة ليرعى عيالها أو يؤنس وحدتها ووحشتها، فليس الزواج للمنافع المادية الدنيوية فقط. لكنه أيضاً مجال واسع للمنافع الأخروية وطلب الحسنات والثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى. والمهم أن الإنسان إذا عرف هدفه وغايته ولم يطالب بالمستحيل استراح وأراح وإنما إذا تعلق بالأوهام وطالب بالمستحيل وأقدم على الأمور بجهل عواقبها خاب أمله وضل سعيه.
ثامناً: الشرف والحسب: