في تفسير ابن كثير
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
أَيْ هَلْ جُوزِيَ الْكُفَّار عَلَى مَا كَانُوا يُقَابِلُونَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الِاسْتِهْزَاء وَالتَّنْقِيص أَمْ لَا ؟ يَعْنِي قَدْ جُوزُوا أَوْفَر الْجَزَاء وَأَتَمّه وَأَكْمَله . آخِر تَفْسِير سُورَة الْمُطَفِّفِينَ وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة .
===================================
تفسير القرطبي
ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي أَوَّل سُورَة " الْبَقَرَة " . وَمَعْنَى " هَلْ ثُوِّبَ " أَيْ هَلْ جُوزِيَ بِسُخْرِيَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِالْمُؤْمِنِينَ إِذَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّهُ مُتَعَلِّق بِـ " يَنْظُرُونَ " أَيْ يَنْظُرُونَ : هَلْ جُوزِيَ الْكُفَّار ؟ فَيَكُون مَعْنَى هَلْ [ التَّقْرِير ] وَمَوْضِعهَا نَصْبًا بِ " يَنْظُرُونَ " . وَقِيلَ : اِسْتِئْنَاف لَا مَوْضِع لَهُ مِنْ الْإِعْرَاب . وَقِيلَ : هُوَ إِضْمَار عَلَى الْقَوْل , وَالْمَعْنَى ; يَقُول بَعْض الْمُؤْمِنِينَ لِبَعْضٍ : " هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّار " أَيْ أُثِيبَ وَجُوزِيَ . وَهُوَ مِنْ ثَابَ يَثُوب أَيْ رَجَعَ ; فَالثَّوَاب مَا يَرْجِع عَلَى الْعَبْد فِي مُقَابَلَة عَمَله , وَيُسْتَعْمَل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ . خُتِمَتْ السُّورَة وَاَللَّه أَعْلَم .
=================================
تفسير القرطبي
عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
أَيْ لَنَسْأَلَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَرَى ذِكْرهمْ عَمَّا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا . وَفِي الْبُخَارِيّ : وَقَالَ عِدَّة مِنْ أَهْل الْعِلْم فِي قَوْله : " فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " عَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .
قُلْت : وَهَذَا قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا , رَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم قَالَ : حَدَّثَنَا الْجَارُود بْن مُعَاذ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن مُوسَى عَنْ شَرِيك عَنْ لَيْث عَنْ بَشِير بْن نَهِيك عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : " فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " قَالَ : ( عَنْ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه : مَعْنَاهُ عِنْدنَا عَنْ صِدْق لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَوَفَائِهَا ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ فِي تَنْزِيله الْعَمَل فَقَالَ : " عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " وَلَمْ يَقُلْ عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْقَوْل أَيْضًا عَمَل اللِّسَان , فَإِنَّمَا الْمَعْنَى بِهِ مَا يَعْرِفهُ أَهْل اللُّغَة أَنَّ الْقَوْل قَوْل وَالْعَمَل عَمَل . وَإِنَّمَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) أَيْ عَنْ الْوَفَاء بِهَا وَالصِّدْق لِمَقَالِهَا . كَمَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : لَيْسَ الْإِيمَان بِالتَّحَلِّي وَلَا الدِّين بِالتَّمَنِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوب وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَال . وَلِهَذَا مَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّة ) قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا إِخْلَاصهَا ؟ قَالَ : ( أَنْ تَحْجِزهُ عَنْ مَحَارِم اللَّه ) . رَوَاهُ زَيْد بْن أَرْقَم . وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيَّ أَلَّا يَأْتِينِي أَحَد مِنْ أُمَّتِي بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَا يَخْلِط بِهَا شَيْئًا إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا الَّذِي يَخْلِط بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه ؟ قَالَ : ( حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا وَجَمْعًا لَهَا وَمَنْعًا لَهَا , يَقُولُونَ قَوْل الْأَنْبِيَاء وَيَعْمَلُونَ أَعْمَال الْجَبَابِرَة ) . وَرَوَى أَنَس بْن مَالِك قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه تَمْنَع الْعِبَاد مِنْ سَخَط اللَّه مَا لَمْ يُؤْثِرُوا صَفْقَة دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينهمْ فَإِذَا آثَرُوا صَفْقَة دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينهمْ ثُمَّ قَالُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه رُدَّتْ عَلَيْهِمْ وَقَالَ اللَّه كَذَبْتُمْ ) . أَسَانِيدهَا فِي نَوَادِر الْأُصُول .
قُلْت : وَالْآيَة بِعُمُومِهَا تَدُلّ عَلَى سُؤَال الْجَمِيع ) وَمُحَاسَبَتهمْ كَافِرهمْ وَمُؤْمِنهمْ , إِلَّا مَنْ دَخَلَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) . فَإِنْ قِيلَ : وَهَلْ يُسْأَل الْكَافِر وَيُحَاسَب ؟ قُلْنَا : فِيهِ خِلَاف وَذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَة . وَاَلَّذِي يَظْهَر سُؤَاله , لِلْآيَةِ وَقَوْله : " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " [ الصَّافَّات : 24 ] وَقَوْله : " إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابهمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابهمْ " [ الْغَاشِيَة : 25 - 26 ] . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " وَلَا يُسْأَل عَنْ ذُنُوبهمْ الْمُجْرِمُونَ " [ الْقَصَص : 78 ] وَقَالَ : " فَيَوْمئِذٍ لَا يُسْأَل عَنْ ذَنْبه إِنْس وَلَا جَانّ " [ الرَّحْمَن : 39 ] , وَقَالَ : " وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه " [ الْبَقَرَة : 174 ] , وَقَالَ : " إِنَّهُمْ عَنْ رَبّهمْ يَوْمئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : 15 ] . قُلْنَا : الْقِيَامَة مَوَاطِن , فَمَوْطِن يَكُون فِيهِ سُؤَال وَكَلَام , وَمَوْطِن لَا يَكُون ذَلِكَ فِيهِ . قَالَ عِكْرِمَة : الْقِيَامَة مَوَاطِن , يُسْأَل فِي بَعْضهَا وَلَا يُسْأَل فِي بَعْضهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( لَا يَسْأَلهُمْ سُؤَال اِسْتِخْبَار وَاسْتِعْلَام هَلْ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ; لِأَنَّ اللَّه عَالِم بِكُلِّ شَيْء , وَلَكِنْ يَسْأَلهُمْ سُؤَال تَقْرِيع وَتَوْبِيخ فَيَقُول لَهُمْ : لِمَ عَصَيْتُمْ الْقُرْآن وَمَا حُجَّتكُمْ فِيهِ ؟ وَاعْتَمَدَ قُطْرُب هَذَا الْقَوْل . وَقِيلَ : " لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُكَلَّفِينَ ; بَيَانه قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم " [ التَّكَاثُر : 8 ] . وَالْقَوْل بِالْعُمُومِ أَوْلَى كَمَا ذُكِرَ . وَاَللَّه أَعْلَم .
======================
وفي تفسير ابن كثير
عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
وَقَالَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عُمَر فِي قَوْله " لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" . قَالَ عَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيّ عَنْ لَيْث هُوَ اِبْن أَبِي سُلَيْم عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى " لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" قَالَ : عَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيّ وَابْن جَرِير وَابْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث شَرِيك الْقَاضِي عَنْ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم عَنْ بَشِير بْن أَبِي نَهِيك عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " قَالَ : عَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَرَوَاهُ اِبْن إِدْرِيس عَنْ لَيْث عَنْ بَشِير عَنْ أَنَس مَوْقُوفًا وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَحْمَد حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد حَدَّثَنَا شَرِيك عَنْ هِلَال عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَكِيم قَالَ : وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث أَنَس مَرْفُوعًا . وَقَالَ عَبْد اللَّه هُوَ اِبْن مَسْعُود وَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا سَيَخْلُو اللَّه بِهِ يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يَخْلُو أَحَدكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر فَيَقُول : اِبْن آدَم مَاذَا غَرَّك مِنِّي بِي ؟ اِبْن آدَم مَاذَا عَمِلْت فِيمَا عَلِمْت ؟ اِبْن آدَم مَاذَا أَجَبْت الْمُرْسَلِينَ ؟ وَقَالَ أَبُو جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله " فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" قَالَ يُسْأَل الْعِبَاد كُلّهمْ عَنْ خُلَّتَيْنِ يَوْم الْقِيَامَة عَمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَعَنْ مَاذَا أَجَابُوا الْمُرْسَلِينَ وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة عَنْ عَمَلك وَعَنْ مَالِك وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبِي الْحَوَارِيّ حَدَّثَنَا يُونُس الْحَذَّاء عَنْ أَبِي حَمْزَة الشَّيْبَانِيّ عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا مُعَاذ إِنَّ الْمَرْء يُسْأَل يَوْم الْقِيَامَة عَنْ جَمِيع سَعْيه حَتَّى كُحْل عَيْنَيْهِ وَعَنْ فُتَات الطِّينَة بِإِصْبَعِهِ فَلَا أُلْفِيَنَّك يَوْم الْقِيَامَة وَأَحَد غَيْرك أَسْعَد بِمَا آتَاك اللَّه مِنْك " وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " ثُمَّ قَالَ " فَيَوْمئِذٍ لَا يُسْأَل عَنْ ذَنْبه إِنْس وَلَا جَانّ " قَالَ لَا يَسْأَلهُمْ هَلْ عَمِلْتُمْ كَذَا ؟ لِأَنَّهُ أَعْلَم ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يَقُول لِمَ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ .
واذا توصلت الى اي معلومه اخرى ان شاء الله راح انزلها ولا راح ابخل عليك بشيء
تحياتي
الك
اخاك
اسير الصحراء