لم تكن الأخلاقُ العظيمةُ في الإسلام شِعاراً فَضْفاضاً، ولا قِيَماً خاليةً مِن مَضامِينها الإنسانيَّةِ، بل كانت حركةً نابضةً بالحياة، جَسَّدَها الرَّسولُ الكريمُ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في قٌدوَتِهِ لنا بصورةٍ مُضيئةٍ ، فقد آذته قريشٌ في معركة أُحُد، وجمعت جهدَها لقتْلِهِ ووَأْدِ دعوتِهِ، وخرج من المعركة جريحاً وقد كُسِرت رَباعيَّتُهُ وشُجَّ وجهُهُ الكريمُ، فقيل له: يا رسولَ الله ادْعُ على المُشركين، فقال: "إنِّي لم أُبْعَثْ لَعّاناً وإنَّما بُعِثْتُ رحمةً ".
إنَّ رحمتَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وشفقتَهُ العظيمةَ وسماحَتَهُ القلبيَّةَ هي التي تغلِبُ في المواقف العصيبةِ، التي تبلغُ فيها المُعاناةُ أشدَّ مراحلِها، وهذا ما بَرزَ واضحاً لَمَّا سألتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هل أتى عليكَ يومٌ كان أشدَّ مِن أُحُدٍ ؟ قال : لقد لَقيتُ مِن قومِكِ ما لَقيْتُ،وكان أشدَّ ما لَقِيْتُ منهم يومَ العَقَبةِ؛ إذ عَرَضْتُ نفسي على ابنِ عبْدِ يالَيْل فلم يُجِبْني إلى ما أردْتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفِقْ إلاَّ وأنا بقَرْنِ الثَّعالبِ، فرفعتُ رأسي،فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظلَّتْني فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ عليه السَّلامُ ، فناداني فقال: إنَّ اللهَ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لكَ وما ردُّوا عليكَ، وقد بعثَ اللهُ إليكَ مَلكَ الجِبالِ لتأمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فناداني ملك الجِبال فسَلَّمَ عليَّ، ثمَّ قال: يا مُحمَّدُ ! إنْ شِئتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأَخشَبَيْنِ. فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبُدُ اللهَ وحدَهُ لا يُشرِكُ به شيئاً.
مع تحيات : " محب الشام "