وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحض للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ). رواه البخاري.
في رحاب هذه الأحاديث النبوية العظيمة التي تبين أفضال الصوم وترغب وتحفز المسلمين وتحبب لهم هذه العبادة، حيث نجد الحديث الآخير أعطى للشباب الأعزب الذي لا يقدر على الزواج حلا لترويض النفس وللسيطرة على شهوة الفرج وهو الصوم، الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث بالوجاء. فبقدر صدق نية الصائم في صومه وكان من أجل التقرب إلى الله عز وجل ونيل رضاه، إلا وكان الصيام كآلة تحكم، إذ بواسطته يسدل الصائم سيطرته على ذلك الغليان الشهواني داخل نفسه الذي يكون نتاجا لتناوله أو إكثاره من بعض الأغذية والمشروبات التي تتكون من بعض المواد التي تساعد على تحريك الغريزة الجنسية لديه. فترك هذه السنة المحمدية سبب في انتشار الانحلال الخلقي لدى كثير من سباب الأمة الإسلامية، فأصبحت غريزة الشهوة تسيطر عليهم حتىأثر ذلك على تفكيرهم وسلوكاتهم. وتوضح الأحاديث السالفة الذكر جزاء الصائمين الذي خصص لهم الله عز وجل بابا في الجنة يدعى الريان لا يدخله غيرهم، وكفى أن الصيام شفيع على العبد الصائم يوم يفر المرء من أخيه وأبيه ووالده فيقول ربي منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه. وكل هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الله سبحانه وتعالى رحيم بنا، فأنعم علينا نعما كثيرة لا تعد ولا تحصى يبقى فقط منا أن نشكره عليها وباب الله مفتوح في كل وقت وحين.
2- الصوم قبل الإسلام وبعده:
إن الصوم عبادة قديمة معروفة في جميع الأديان والشرائع وهو شأن عرفه المتدين وسيلة من وسائل التقرب إلى الله، وعرفه الوثني طريقا من طرق التهديب والرياضة. فهو ليس خاصا بطائفة ولا رسالة دون رسالة وإنما كان شأنا فطريا يشعر بالحاجة إليه في فترات متتابعة أو متفرقة.
فالصوم كان إذن مشروعا في جميع الملل والنحل يؤدون هذه العبادة مع اختلاف في الكيفيات. فنجد الديانة الهندية تختلف عن الديانة المسيحية والديانة اليهودية يختلف صيامهم عن صيام المسلمين وهكذا، وسنعمل على تبيان ذلك الاختلاف في أربعة أديان من خلال ما يلي:
الديانة البرهمية الهندية: وهي من أقدم الديانات التي لا يزال عدد لا بأس به من الناس يدين بها. فمجموعة من الطوائف الهندية خصصت لنفسها أيام للدعاء والعبادة يصومونها أكثر أفرادها، فيكفون عن تناول الطعام فيصومون نهاره ويسهرون الليل كله، ويبيتون يتلون الكتب المقدسة ويراقبون الله. وهناك أيام ينفرد النساء فقط دون الرجال بصيامها وتسمى ب "برت" أو العهد.و الغاية من الأيام التي تصومها الطائفة الهندية هي من أجل تغذية الروح بالغداء الروحاني.6 ويصوم البراهمة كذلك في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر من كل شهر هندي، ويبلغ بذلك عدد الأيام التي تصام عند البراهمة أربع وعشرين يوما من كل سنة، مع التشديد في شرائط الصوم وأحكامه بالنسبة للطائفة الجينية بالهند، إذ يصوم أتباعها ويواصلون أربعين يوما7