خامسا – الدم إذا كان من أدمي أو حيوان ميتته نجسة :وقد استدل بقوله تعالى : ( أو دما مسفوحا ) وكذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة المستحاضة : إذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلي ) وقال في دم الحيض يصيب الثوب : تحته ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه ) بهذا استدلوا على نجاسة دم الآدمي .
قال بعض العلماء : إن الدم الخارج من الآدمي ليس بنجس إلا دم الحيض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل دم الحيض أما ما عداه فليس بنجس واستدلوا على قولهم بما يلي :
1. أن الأصل الطاهرة .
2. أنه لو قطعت يد الآدمي فهذه اليد طاهرة فإذا كان العضو إذا انفضل من الجسد طاهرا فالدم من باب أولى .
أما الحيض : فهو نجس بنص الحديث لأنه دم منتن
خبيث ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة : إن ذلك دم عرق وليس بحيض . ففرق بين دم العرق ودم الحيض ، وذلك معلوم لخبثه ونتنه .
3. أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بغسل دماء الشهداء ، ولو كانت نجسة لغسلها وأزالها لأنها أذى ، ولا يمكن أن تقدم الشهيد إلى ربه وهو متلوث بالنجاسة .
4. أن المسلمين كانوا يصلون في جراحاتهم ولا سيما الرجلان اللذان بعثهما الرسول صلى الله عليه وسلم ليكونا عينا على العدو فجعل أحدهما يصلي والثاني ينظر فطعن الآخر وهو يصلي ولكنه بقي في صلاته حتى أتمها ، فلو كان نجسا لما أتم صلاته .
5. لا دليل على نجاسة دم الآدمي إلا دم الحيض والفرق بين دم الحيض والدم الطبيعي من وجوه متعددة لا في ذاته ولا في أحكامه فالحيض يوجب ترك الصلاة والصيام والغسل وتجنب الإنسان لزوجته وغيرها من الأحكام وهو خبيث الرائحة غليظ أسود اللون .
الراجح : أن دم الآدمي طاهر وليس بنجس إلا إذا كان دم حيض فقط وذلك لعدم الدليل على نجاسته والإجابة على دليل أصحاب القول الأول بالآية : ( أو دما مسفوحا ) نرد عليهم : لا شك أنه مسفوح مما يؤكل لأنه قال : ( لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ) ولا يتبادر إلى ذهن قارئ الآية دم الآدمي ولا يقصد الدم مطلقا .
الحيوان الذي ميتته نجسة : كالحمار والجمل ونحوها واحترزنا بقولنا : الحيوان الذي ميتته من الحيوان الذي ميتته طاهرة كالحوت ونحوه ، لأن الدم جزء انفصل ولقد جاء في الحديث : ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت ، وإذا كان السمك ميتة طاهرة لزم أن يكون دمه طاهرا ، وذلك ما لا نفس له سائلة فإن دمها طاهر .
أم دم الآدمي : فليس بنجس إلا ما دل الدليل على نجاسته كدم الحيض .
وقال بعض العلماء : ما خرج من سبيل كدم الحيض والاستحاضة وما اشبهه ويستثنى من هذه القاعدة : ما يبقى في اللحم والعروق بعد الذكاة الشرعية ، ولو كان كثيرا كدم الكبد ودم القلب وما يخرج من اللحم عند التقطيع ونحوه يكون طاهرا لأنه بعد الذكاة الشرعية ، وإذا كان اللحم الذي يحمل هذا الدم طاهرا فالدم كذلك طاهر . وقولنا : بعد شرعية احترازا مما يبقى في اللحم والعروق بعد الموت .
ويستثنى أيضا : دم الشهيد عليه ( عند من قال بنجاسة دم الآدمي ) وقولنا : عليه ، احترازا مما لو أصاب غيره ، فإنه إذا أصاب غيره فإنه يكون نجسا .
وإذا قال قائل : كيف يكون طاهرا على صاحبه وإذا انتقل إلى غيره يكون نجسا ؟
نقول له : كذلك العذرة فإنها إذا انتقلت إلى خارج جسم اإنسان تكون نجسة أما وهي في بطنه تكون طاهرة ودليل ذلك : أن الرسول صلى الله عليه وسلم ( أمر بشهداء احد أن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم )
ويسثنى المسك وفأرته : وهو عبارة عن بعض دم الغزال أما فأرته : فهي وعاؤه الذي فيه وسمى بالفأرة لأنه شبيه بها وهو يعتبر طاهرا لأنه استحال من الدم إلى المسك نظير ذلك قياسا الخمرة إذا تحولت من خمر إلى خل فهي في هذه الحالة تطهر .