نواقض الوضوء
جمع : ناقض ، ومعنى الناقض : أي المفسد أي : مفسداته .
الأول – الخارج من السبيلين :
وهما القبل والدبر ، وسيما سبيلين لأنهما طريقان للخارج ، سواء كان الخارج طاهرا كالمني أو نجاسا كالبول والغائط .
الدليل من الكتاب : قوله تعالى : ( أو جاء أحد منكم من الغائط )
أما من السنة : حديث صفوان بن عسال : ولكن من غائط وبول ونوم وحديث أبي هريرة قال : قال الرسول الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ
قيل : ما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال : فساء أو ضراط .
الثاني – النوم إذا كان كثيرا :أما القليل فلا ينقض وحد القليل من الكثير : القليل ما لا يذهب معه الإحساس والكثير ما يذهب معه الإحساس .
دليله : حديث صفوان بن عسال : ولكن من غائط أو بول أو نوم هذا دليل النوم الذي يذهب معه الإحساس .
أما النوم الخفيف : فدليله حديث أنس أن الصحابة كانوا ينتظرون العشاء الآخر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون .
يقاس على النوم الكثير ما يغيب بها العقل كالإغماء أو البنج أو الجنود .
الثالث – لحم الإبل :لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال : يا رسول الله أتوضأ من لحم الإبل ؟ قال نعم قال : أتوضأ من لحم الغنم ؟ قال : إن شئت .
وجه الدلالة : أنه في لحم الغنم قال : عن شئت ولحم الإبل قال نعم ولو لم يكن ناقضا لرجع الوضوء إلى المشيئة .
الوضوء من لحم الإبل ليس محل إجماع .. الأئمة الثلاثة يرون أنه لا ينقض ، مالك والشافعي وأبو حنيفة .
ودليلهم : حديث جابر قال : أنه كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم : ترك الوضوء مما مست النار ، ويقولون : إنه لا يتوضأ مما مسه النار ، وهو شامل للحوم الإبل وغيرها ، فيكون ناسخا للأول ، ورد عليهم بأن هذا الحديث لا يدل على نسخ الوضوء من لحم الإبل لأنه عام والوضوء من لحم الإبل خاص وهناك قاعدة أن العام لا ينسخ الخاص ، ويعمل بالعموم في ما عدا الخاص وهناك حديث آخر سنده حسن : توضئوا من لحوم الإبل .
سؤال – هل تشمل كلمة لحم الإبل كل أعضاء الجسم أم تخص ببعض أجزاء الجسم ؟
الجواب ( أ) يكون الوضوء من الهبر فقط ، أما الكبد والكرش والمصران لا يتوضأ منها ، لأنها لا يطلق عليها : لحم لو وكلت شخصا ليحضر لك لحما وأحضر لك كبدا أو مصرانا لما رضيت لأنه لا يسمى لحما .
(ب) الوضوء من جميع لحوم البعير مطلقا وأجابوا أصحاب القول الأول :
1. أن قولكم : إن اللحم لا يشمل المصران والكرش والكبد فيما لو وكلت شخصا يشتري لك لحما ، ليست هذه حقيقة شرعية ولا لغوية وإنما حقيقة عرفية والحقائق العرفية لا يخصص بها الألفاظ الشرعية والألفاظ الشرعية تبقى على عمومها والله سبحانه لما قال : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) فهل أحد من الناس يقول : إن المراد من لحم الخنزير الهبر فقط ويجوز أكل غيره من شحم وأمعاء وكبد فالتحريم من لحوم الخنزير شامل لجميع أجزاء جسمه كذلك في لحوم الإبل فهو شامل لجميع أجزائه .
2. الدليل الثاني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : توضئوا من لحم الإبل فهو يعلم أن الناس يأكلون من الإبل كل شيء من هبر أو لحم أو كبد أو أمعاء أو شحم ولوجدنا أن الهبر يشكل نسبة قليلة من ذلك فكيف يصرف الدليل إلى القليل ويترك الشيء الكثير .
3. إنه جاء في ما روى الإمام أحمد في مسنده عن اسيد بن حضير أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : توضئوا من الباب الإبل وهذا يدل على أن الوضوء من الأمعاء والكرش وغيره أبلغ من اللبن .
4. يقال : إنه إذا أكل هبرة من هذا البعير انتقض وضوؤه وغذا أكل كرشا لم ينقض فقد جعلتم جسما واحدا مختلفا في الحكم ولا يوجد في الشريحة الإسلامية شيء من الحيوانات يكون لبعضه حكم ولبعض جسمه حكم آخر وإنما يوجد في شريعة اليهود .
5. إن القول بالعموم ابرأ لذمته وأحوط والاحتياط مع الاشتباه أمر مطلوب للشرع لقوله صلى الله عليه وسلم : دع ما يريبك إلى ما لا يربيك .
الرابع – الخارج من غير السبيلين من بقية البدن :
مثل القيء والدم ونحوه وفيه خلاف :
1. من قال : أنه ينقص الوضوء .. ودليلهم أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم فتوضأ ويشترط أن يكون كثيرا وهو ما استكثره عامة الناس .
2. أنه لا ينقض الوضوء لأنه لا دليل على نقض الوضوء بذلك ويجيبون على حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم السابق .
(1) أن الحديث مختلف فيه بدل احتجم فتوضا أم قاء فتوضأ ونحوه .
(2) على تقدير صحة الحديث ، فإن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب وإنما على الاستحباب فقط وهذا هو الراجح لأنه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه إذا أعاد وضوءه فهذا أفضل .
الخامس – مس المرأة للرجل :المس المباشر فيه ثلاثة أقوال كما يلي :
1. مس المرأة ينقض الوضوء مطلقا .. دليلهم قوله تعالى :0 أو جاء احد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا ) ولأن المس مظنة الشهوة غالبا كالنوم لأنه مظنة الحدث .
2. مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا .. ودليله : حديث عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم : قبل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ، وروى هذا الحديث أحمد وضعفه البخاري ، وقالوا إن الأصل عدم النقص . ورد عليهم بأنه وجد دليل وهي الآية السابقة وأجابوا عن هذه الآية :
1. المراد بالمس هنا الجماع ، كما صح عن ابن عباس .
2. أن الله يكني عن الجماع ولا يذكره باسمه الصريح ، مثاله : قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة ) ولا يوجد التصريح باسم الجماع في القرآن .
3. قوله تعالى : ( أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء ) فلو جعل المس حدثا أصغر لكانت الآية ذكرت شيئين من الحدث الأصغر وأهملت الحد الأكبر .
وإذا قلنا : المراد بالملامسة : الجماع ، تكون الآية ذكرت أعلى أنواع الحدثين إذا . إذا حملت الآية على القول الأول صار في الآية تكرار ونقص ، أما على القول الثاني تكون الآية ليس فيها نقص ولا تكرار.
ومن المعلوم أنه يجب أن يحمل القرآن على أنواع البلاغة والرأي الأول فيه إخلال ببلاغة القرآن .
4. قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا )
ذكرت الطهارة بالتراب وذكر فيها الحديثين الأكبر والأصغر . في الطهارة بالماء فيجب أن يحمل : ( أو لامستم ) على الجماع .
مس المرأة ينقض إذا كان بشهوة وإذا كان بغير شهوة فلا ينقض ويرد عليه بأنه : إذا تبين بأن المس ليس بناقض فإن الشهوة لا توجب النقض ويرد بدليل : إن الرجل لو فكر تفكير بالغ ووصل إلى أعلى الشهوة ولم يحصل منه إنزال أو إمذاء لم ينتقض وضوؤه ودل هذا على أن الشهوة لا توجب الوضوء . وكذلك المس
ربما يقال : إذا كان المس بشهوة فيستحب الوضوء لتهدئة الإنسان أما القول بالوجوب مطلقا يمكن ذلك .
السادس – غسل الميت :الذي يغسل الميت هو الذي يباشر التغسيل ، أما الذي يصعب فهو يساعد فيه خلاف :
1. يجب على المغسل الوضوء لحديث أبي هريرة : من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ . وفي حديث آخر : إن الرسول صلى الله عليه سلم أمر من عسل ميتا فليتوضأ .
2. لا يجب الوضوء من غسل الميت ، لأن الحديث الوارد في ذلك ليس بصحيح ، والأثر ليس بحجة ، والأصل بقاء الطهارة .
الراجح من مس فرجه : أخذ حكم مس الفرج أما إذا لم يمس فرجه فإن لا ينقض وضوؤه بمجرد الغسل ، ولكن إذا توضأ فهو أفضل .
السابع – الردة عن الإسلام :الردة عن الإسلام تحبط جميع الأعمال إذا مات الإنسان عليها لقوله تعالى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ).
1. إذا عاد الإسلام فيجب عليه الوضوء .
2. إذا عاد الإسلام قبل انتقاض الوضوء فلا يجب عليه ، لأن الآية علقت بطلان الأعمال بالردة بالموت ، وهو الراجح .
سؤال : إذا تيقن الطهارة وشك في الناقض فما الحكم وما الدليل ؟
- في هذه الحالة لا يجب عليه الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه أم فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) وكذلك لأن الأصل بقاء الطهارة يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل .
سؤال : إذا شك في الطهارة فما الحكم ؟
- في هذه الحالة عليه الوضوء ، لأن الأصل عدم الوضوء .
الذي يحرم على الحدث :
1. الصلاة فرضها ونفلها : دليل قوله تعالى ( يأ أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم . فقد أوجب الله عند القيام إلى الصلاة الوضوء .
والدليل على ذلك من السنة : قول الرسول صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ، والتقرب إلى الله بما يبقل استهزاء بالله وذهب أبو حنيفة إلى أن الرجل إذا صلى وهو محدث فهو كافر ، لأن الصلاة للإنسان وهو محدث استهزاء بالله ، والاستهزاء بالله كفر لقوله تعالى ( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ، لا تعتذروا قد كفر تم بعد إيمانكم ) وذهب جمهور العلماء إلى أنه يعتبر أثما فاسقا .
2. الطواف بالبيت : فيه خلاف :
(أ*) يحرم على المحدث وهذا قول الجمهور لحديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطواف بالبيت صلاة إلا أنالله أباح فيه الكلام ، فإذا كان صلاة فله عليها وهي تبكي وكانت معتمرة متمتعة بالعمرة إلى الحج فقال : ما يبكيك ؟ فأخبرته أنها حاضت ، قال : إن هذا الشيء كتبه الله على بنات آدم ولكن افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ، وفي رواية لمالك وغيره : ولا بين الصفا والمروة .وحديث صفية لما أراد منها ما يريد الرجل من امرأته قالوا : إنها حائض قال : أحابستنا هي ؟ قالوا إنها قد أفاضت . وحديث عائشة قالت : إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة فتوضأ وطاف بالبيت .
(ب*) لا يجب الوضوء في الطواف ، قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض العلماء ن وأجاب على أصحاب الرأي الأول بما يلي :
1. حديث ابن عباس لا يصح مرفوعا إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو قول ابن عباس من المعلوم أن قول الصحابي لا يوجب على الأمة شيئا
2. لو فرض رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأنه غير مطرد فليس الفرق بين الطواف والصلاة إباحة الكلام فقط وإنما المراد أنه صلاة في الفضل الآخر لا في الأحكام .
3. أنه منع الحائض من الطواف بالمسجد ليس لأنه لابد للطواف من الوضوء وإنما لأنه يجوز لها المكث في المسجد .
4. حديث عائشة الثاني أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم طاف بالمسجد هذا دليل على استحباب الوضوء للطواف لأنه ليس كل فعل فعله الرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون واجبا مثل ذلك استلام الحجر والاضطباع .
النتيجة : الراجح هو قول ابن تيمية وهو عدم اشترط الوضوء للطواف ، لكن لا نفتي للناس فتوى عامة ، لأنه يؤدي إلى أن يتهاون الناس حتى بالوضوء لكن لو جاء رجل بعد فارق مكة وقال : إني طفت طواف الإفاضة بدون وضوء ، نقول له : طوافك صحيح ، ولا نلزمه بالعودة إلى مكة لا سيما إذا كان بعيدا لكن إذا كان في مكة ولم يفارقها نلزمه بإعادته ، لأنه يؤدي حجة على وجه متفق فيه أهل العلم ، خير من أن يؤديه على وجه فيه خلاف .
2- مس المصحف :
1- بعض العلماء يرى : عدم جواز مس المصحف على المحدث ، استدلوا بقوله تعالى : ( لا يمسه إلأ المطهرون ) وحديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب : إن لا يمس القرآن إلا طاهر )
2- لا يحرم على المحدث مس المصحف ، وأجابوا على أدلة أصحاب القول الأول بالآتي :
(أ*) الآية الكريمة ليس فيها دليل على تحريم مس المصحف لأن الضمير في قوله ( لا يمسه ) يعود على الكتاب المكنون لا على المصحف لأن الأصل في الضمائر تعود على أقرب مذكور وهو في هذه الآية الكتاب المكنون .
(ب*) قال تعالى : ( إلأ المطهرون ) ولم يقل إلا المتطهرون أو المطهرون والمطهرون هم الملائكة .
وأجابوا على حديث :
(أ*) أن الحديث عمرو بن حزم ضعيف لأنه مرسل ورد عليهم : لكن يقال : إن هذا الحديث مرفوع باشتهاره بين الأمة وتلقيها له بالقول دل ذلك على صحته .
(ب*) قوله أنه لا يمس القرآن إلا طاهر المراد بالطاهر : المؤمن أو الطاهر من الحدث الأكبر وهناك قاعدة تقول : إذا ثبت الاحتمال سقط الاستدلال وعلى هذا يكون أقل أحوال الحديث أن يكون دالا على أن الكافر لا يمس المصحف وما زاد على ذلك فهو محل احتمال وما كان محل احتمال فإنه يسقط به الاستدلال وهذا هو الراجح ولكن الأفضل الوضوء لتعظيم كلام الله وعبادته على طهارة .