أنواع الرجاء
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
فإن الرجاء عبادة عظيمة من أجل العبادات ومن أعلاها رتبة .
قال تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}.
وقال تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
الرجاء هو الطمع في وعد الله ببذل أسباب تحقيقه.
وهو نوعان: رجاء محمود ، ورجاء مذموم .
النوع الأول: الرجاء المحمود ؛ وله حالان:
الحال الأول: رجاء من عمل بطاعة الله ثوابَ الله.
الحال الثاني: رجاء من تاب من ذنبه مغفرة الله وعفوه.
النوع الثاني: الرجاء المذموم وهو الغرور والتمني والرجاء الكاذب ؛ وله حالان:
الحال الأول: رجاء من فرط في العمل بالطاعة تمامَ الأجر وتمام الأمن يوم القيامة وهو لا يخاف المؤاخذة على التقصير.
الحال الثاني: رجاء المتمادي في الذنوب والمعاصي رحمةَ الله دون توبة ولا أوبة.
ومن الرجاء المذموم رجاء المرجئة وهم مِنْ أَهْل البدع، الَّذِيْنَ يخرجون العَمَل مِنْ مسمى الإيْمَان، بل تمادى الْجَهْمِيَّة فِي كفرهم حَتَّى أخرجوا أعمال القلوب مِنْ مُسَمى الإيْمَان وحقيقته .
ومن الرجاء ما هو شرك أكبر ومنه ما هو شرك أصغر.
فالرجاء الشركي شركاً أكبر نوعان:
النوع الأول: أن يرجو من غير الله شيئاً من خصائص الله ، كمغفرة الذنوب والهداية التوفيقية ونحوذ لك.
النوع الثاني: أن يرجو من غير الله شيئاً يقدر عليه العبد ولكنه يعتقد في المرجو أن بيده النفع والضر من دون الله.
كمن يرجو من غيره أن يداوي مريضه وهو يعتقد أن الطبيب بيده الشفاء .
أما الرجاء الشركي شركاً أصغر فهو أنواع منها:
النوع الأول: أن يعمل عملاً تعبدياً ويعمله قاصداً به وجه الله وهو مع ذلك يرجو به ثناء الناس ومدحهم وهذا من الرياء.
قال تعالى في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ.
النوع الثاني: أن يعمل عملاً تعبدياً ويعمله قاصداً وجه الله وهو يرجو ثواب عمله في الدنيا كمن يجاهد من أجل الغنيمة وكمن يحج عن الغير من أجل المال.
قال تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم )) الحديث.
قال العلامة ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(3/523) :
"والمقصود أن تجريد الحب والذكر عن الخوف يوقع في هذه المعاطب، فإذا اقترن بالخوف جمعه على الطريق ورده إليها كلما شرد.
فكأن الخوف سوط يضرب به مطيته لئلا تخرج عن الدرب، والرجاء حَادٍ يحدوها يطيب لها السير، والحب قائدها وزمامها الذي يسوقها.
فإذا لم يكن للمطية سوط ولا عصا يَرُدُّهَا إذا حادت عن الطريق، وتركت تركب التعاسيف خرجت عن الطريق وضلت عنه.
فما حُفِظَتْ حدودُ الله ومحارمه، ووصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبته، فمتى خلا القلب عن هذه الثلاثة فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا
ومتى ضعف فيه شيء من هذه ضغف إيمانه بحسبه اقتران الخيفة والخفية بالذكر والدعاء.
فتأمل أسرار القرآن الكريم وحكمته في هذا الاقتران، فإنه قال: {اذكر ربك في نفسك} فلم يحتج بعدها أن يقول خُفْيَةً، وقال في الدعاء: {وادعوه خوفاً وطمعاً}، فلم يحتج أن يقول في الأول: ادعوا ربكم تضرعاً وخيفة، فانتظمت كل واحدة من الآيتين للخيفة والخفية والتضرع أحسن انتظام، ودلت على ذلك أكمل دلالة.
وَذَكَر الطمع الذي هو الرجاء في آية الدعاء لأن الدعاء مبني عليه، فإن الداعي ما لم يطمع في سؤاله ومطلوبه لم تتحرك نفسه لطلبة؛ إذ طلب ما لا طمع فيه ممتنع.
وذكر الخوف في آية الذكر لشدة حاجة الخائف إليه، كما تقدم.
فذكر في كل آية ما هو اللائق بها والأولى بها من الخوف والطمع فتبارك من أنزل كلامه شفاء لما في الصدور وهدي ورحمة للمؤمنين".
وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ