غزوة بني قينقاع
قال ابن سعد : و كانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجره .
قال ابن إسحاق : و كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمعهم بسوق بني قينقاع ، ثم قال : " يا معشر يهود ! احذروا من الله مثل ما نول بقريش من النقمة ، و أسلموا ، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم و عهد الله إليكم " . قالوا : يا محمد ! إنك ترى أنا قومك ! و لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب ، فأصبت لهم فرصة ، إنا و الله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس . فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ـ أو عن عكرمة ـ عن ابن عباس ، قال : ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم : " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم آية في فئتين التقتا " ـ أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و قريش ـ " فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار " [ آل عمران : 12 ـ13 ] قال : و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، أنهم كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و حاربوا فيما بين بدر و أحد ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلوا على حكمه . قال ابن هشام :
و ذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة ، عن أبي عون ، قال : كان من أمر بني قينقاع أن امراة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع ، و جلست إلى صائغ ، فجعلوا يريدونها على كشف و جهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوءتها ، فضحكوا منها ، فصاحت ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ، و كان يهودياً ، و شدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستصرخ أهل المسلم على اليهود ، فغضب المسلمون ، فوقع الشر بينهم و بين بني قينقاع ، و تبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و تشبت به عبد الله بن أبي فيما روينا عن ابن إسحاق ، عن أبيه ، عن عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت .
قال : و فيه و في عبد الله نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " إلى قوله : " فإن حزب الله هم الغالبون " [ المائدة : 51 ـ 56 ] .
و روينا عن ابن سعد ، قال : و كانوا قوماً من يهود حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول ، و كانوا أشجع يهود ، و كانوا صاغة ، فوادعوا النبي صلى الله عليه و سلم ، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي و الحسد ، و نبذوا العهد و المدة ، فأنزل الله تعالى : " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين " [ الأنفال : 58 ] فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا أخاف من بني قينقاع . فسار إليهم و لواؤه بيد حمزة بن عبد المطلب ـ و كان أبيض و لم تكن الرايات يومئذ ـ و استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ، و حاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة ، و كانوا أول من غدر من اليهود ، و حاربوا و تحصنوا في حصنهم ، فحاصرهم أشد الحصار ، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب ، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، على أن لرسول الله صلى الله عليه و سلم أموالهم ، و أن لهم النساء و الذرية ، فأنزلهم ، فكتفوا ، و استعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي ، فكلم ابن أبي فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألح عليه ، فقال : " حلوهم لعنهم الله و لعنه معهم ، و تركهم من القتل ، و أمر بهم أن يجلوا من المدينة " ، و تولى ذلك عبادة بن الصامت ، فلحقوا بأذرعات ، فما كان أقل بقاءهم بها .
و ذكر ما تنفل رسول الله صلى الله عليه و سلم من سلاحهم ، و سيأتي ذكرنا له ، و خمست أموالهم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية الخمس ، و فض أربعة أخماس على أصحابه ، فكان أول ما خمس بعد بدر . و كان الذي ولي قبض أموالهم محمد بن مسلمة . انتهى ما وجدته عن ابن سعد .
كذا و قع صفية الخمس ، و المعروف أن الصفي غير الخمس ، و روينا عن الشعبي ، من طريق أبو داود ، قال : كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم سهم يدعى الصفي يختاره قبل الخمس . و عن عائشة رضي الله عنها كانت صفية رضي الله عنها من الصفي . فلا أدري أسقطت الواو أو كان هذا قبل حكم الصفي ، و الله أعلم . و كانوا أربعمائة حاسر ، و ثلاثمائة دراع ، و كانوا حلفاء الخزرج .