و روينا من طريق أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء بالسند المذكور آنفاً ، " قال أخبرنا علي بن العباس المقالعي ، عن محمد بن مروان ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن السدي في كتاب الناسخ و المنسوخ له قال : قوله تعالى : " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " [ البقرة : 142 ] قال : قال ابن عباس : أول ما نسخ الله تعالى من القرآن حديث القبلة . قال ابن عباس : إن الله تبارك و تعالى فرض على رسوله الصلاة ليلة أسري به إلى بيت المقدس ركعتين ركعتين ، الظهر و العصر و العشاء و الغداة و المغرب ثلاثاً ، فكان يصلي إلى الكعبة و وجهه إلى بيت المقدس . قال : ثم زيد في الصلاة بالمدينة حين صرفه الله إلى الكعبة ركعتين ركعتين إلا المغرب فتركت كما هي . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه يصلون إلى بيت المقدس . و فيه : قال : فصلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة سنة حتى هاجر إلى المدينة . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبه أن يصلي قبل الكعبة ، لأنها قبلة آبائه إبراهيم و إسماعيل . قال : و صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة حتى هاجر إلى المدينة و بعدما هاجر ستة عشر شهراً إلى بيت المقدس . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر لعل الله أن يصرفه إلى الكعبة . قال : و قال رسول الله صلى ا-لله عليه و سلم لجبريل عليه السلام : وددت أنك سألت الله أن يصرفني إلى الكعبة . فقال جبريل : لست أستطيع أن أبتدئ الله جل و علا بالمسئلة ، و لكن إن سألني أخبرته . قال فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقلب وجهه في السماء ينتظر جبريل ، ينزل عليه ، قال : فنزل عليه جبريل و قد صلى الظهر ركعتين إلى بيت المقدس و هم ركوع ، فصرف الله القبلة إلى الكعبة . . " الحديث . و فيه : فلما صرف الله القبلة اختلف الناس في ذلك ، فقال المنافقون : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ و قال بعض المؤمنين : فكيف بصلاتنا التي صلينا نحو بيت المقدس ؟ فكيف بمن مات من إخواننا و هم يصلون إلى بيت المقدس ؟ تقول : قبل الله عز و جل منا و منهم أم لا ؟ و قال ناس من المؤمنين : كان ذلك طاعة و هذا طاعة ، نفعل ما أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم . و قالت اليهود : اشتاق إلى بلد أبيه و هو يريد أن يرضي قومه ، و لو ثبت على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبي الذي كنا ننتظر أن يأتي ، و قال المشركون من قريش : تحير على محمد دينه ، فاستقبل قبلتكم و علم أنكم أهدى منه ، و يوشك أن يدخل في دينكم . فأنزل الله في جميع الفرق كلها :
فأنزل في المنافقين : " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " إلى دين الإسلام " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " [ البقرة : 142 ـ 143 ] إلى آخر الآية .
و أنزل في المؤمنين : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " يقول : إلا لنبتلي بها . و إنما كانت قبلتك التي تبعث بها إلى الكعبة ، ثم تلا : " وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : من المتقين . قال المؤمنون كانت القبلة الأولى طاعة و هذه طاعة ، فقال الله عز و جل : " وما كان الله ليضيع إيمانكم " [ البقرة : 143 ] . قال : صلاتكم ، لأنكم كنتم مطيعين في ذلك ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : " قد نرى تقلب وجهك في السماء " يقول : تنتظر جبريل حتى ينزل عليك " فلنولينك قبلة ترضاها " يقول : تحبها " فول وجهك شطر المسجد الحرام " [ البقرة : 144 ] نحو الكعبة " وإنه للحق من ربك " [ البقرة : 149 ] أي أنك تبعث بالصلاة إلى الكعبة .
و أنزل الله في اليهود : " ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك " [ البقرة : 145 ] قال : لئن جئتهم بكل آية أنزلها في التوراة في شأن القبلة أنها إلى الكعبة ما تبعوا قبلتك ، قال : و أنزل الله في أهل الكتاب : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " [ البقرة : 146 ] قال : يعرفون أن قبلة النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل عليهما السلام قبل الكعبة ، كذلك هو مكتوب عندهم في التوراة ، و هم يعرفون بذلك كما يعرفون أبناءهم ، و هم يكتمون ذلك ، و هم يعلمون أن ذلك هو الحق ، يقول الله تعالى : " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " [ البقرة : 147 ] يقول من الشاكين .
قال : ثم أنزل في قريش و ما قالوا ، فقال : " لئلا يكون للناس عليكم حجة " قال : لكيلا يكون لأحد من الناس حجة " إلا الذين ظلموا منهم " يعني قريشاً ، و ذلك قول قريش : قد عرف محمد أنكم أهدى منه فاستقبل قبلتكم ، ثم قال : " فلا تخشوهم " قال : فحين قالوا يوشك أن يرجع إلى دينكم يقول : لا تخشوا أن أردكم في دينهم ، قال " ولأتم نعمتي عليكم " [ البقرة : 150 ] أي أظهر دينكم على الأديان كلها .
كل هذا عن السدي من كتابه في الناسخ و المنسوخ و هو مروي لنا بالإسناد المذكور ، و هو مروي عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، ثم يتخلل سياق خبره فوائد عن بعض رواة الكتاب ، ثم يقول جامعه عند انقضائها و عودة إلى الأول : رجع إلى السدي . ثم يقول عنه : قال ابن عباس كذا في أخبار متعددة متغايرة ، فيحتمل أن يكون ذلك عنده عن أبي مالك عن ابن عباس ، و يحتمل الانقطاع ، و لو كان ذلك في خبر واحد لكان أقرب إلى الاتصال .
و السدي هذا هو الكبير : إسماعيل بن عبد الرحمن ، يروي عن أنس ، و عبد خير ، روى عنه الثوري و شعبة و زائدة ، و كان يجلس بالمدينة في مكان يقال له السد فنسب إليه ، احتج به مسلم ، و وثقه بعضهم و تكلم فيه آخرون .
و السدي الصغير : هو محمد بن مروان المذكور في الإسناد إليه ، مضعف عندهم .
و قال آخرون إنه عليه الصلاة و السلام صلى أول ما صلى إلى الكعبة ثم إنه صرف إلى بيت المقدس .
قال أبو عمر : ذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم أول ما صلى إلى الكعبة ، ثم إنه صرف إلى بيت المقدس ، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه عليه الصلاة و السلام بثلاث ، و صلى النبي صلى الله عليه و سلم بعد قدومه ستة عشر شهراً ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة .
و قال ابن شهاب : و زعم ناس ـ و الله أعلم ـ أنه كان يسجد نحو بيت المقدس و يجعل وراءه ظهره الكعبة و هو بمكة ، و يزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها ، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس .
قال أبو عمر : و أحسن من ذلك قول من قال : إنه عليه الصلاة و السلام كان يصلي بمكة مستقبل القبلتين ، يجعل الكعبة بينه و بين بيت المقدس .
و قد روينا ذلك من طريق مجاهد " عن ابن عباس ، قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي بسفح قاسيون ، أخبركم الشيخ أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادي ، و أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران بن الزهري سماعاً عليهما ، الأول بالشام و الثاني بالعراق ، قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن البسري بن الزاغوني ، زاد ابن ملاعب : و أبو منصور أنوشتكين بن عبد الله الرضواني ، قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري ، و قال ابن الزغواني : أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد الزينبي ، قالا : أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص ، حدثنا يحيى ، حدثنا الحسن بن يحيى الآرزي أبو علي بالبصرة ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان ـ يعني الأعمش ـ عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و هو بمكة نحو بيت المقدس و الكعبة بين يديه ، و بعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهراً ، ثم صرف إلى الكعبة " .
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد ابن كعب القرظي ، قال : ما خالف نبي نبيياً قط في قبلة و لا في سنة ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل بيت المقدس من حين قدم المدينة ستة عشر شهراً ثم قرأ : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " [ الشورى : 13 ] .
=====