منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( عيون الأثر الجزء الأول والثاني )))
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 52  ]
قديم 05-28-2006, 06:29 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
حديث الهجرة و خبر سراقة بن مالك بن جعشم
روينا من طريق البخاري ، " حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، قال ابن شهاب ، فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : لم أعقل أبوي إلا و هما يدينان الدين ، و لم يمر علينا إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفي النهار بكرة و عشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرأً نحو أرض الحبشة ، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة ، و هو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ قال أبو بكر : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض ، فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، و تصل الرحم ، و تحمل الكل و تقري الضيف ، و تعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، فارجع ، فاعبد ربك ببلدك . فرجع و ارتحل مع ابن الدغنة ، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله و لا يخرج ، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ، و يصل الرحم ، ويحمل الكل و يقري الضيف ، و يعين على نوائب الحق . فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة . و قالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليصل فيها وليقرأ ما شاء ، و لا يؤذنا بذلك ، و لا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا و أبناءنا . فقال ذلك ابن اللدغنة لأبي بكر .
فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره و لا يستعلن بصلاته و لا يقرأ في غير داره . ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره ، فكان يصلي فيه و يقرأ القرآن ، فيتقصف عليه نساء المشركين و أبناؤهم ، وهم يعجبون منه و ينظرون إليه . و كان أبو بكر رجلاً بكاء ، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة ، فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ، فقد جاوز ذلك ، فابتنى مسجداً بفناء داره ، فأعلن بالصلاة و القراءة فيه و إنا قد خشينا أن يفتن نساءنا و أبناءنا بهذا ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، و إن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، و لسنا مقرين للأبي بكر الاستعلان .
قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك و إما أن ترجع إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له . فقال له أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك و أرضى بجوار الله . و النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ بمكة ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم للمسلمين : إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين ، و هما الحرتان ، فهاجر من هاجر قبل المدينة ، و رجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، و تجهز أبو بكر قبل المدينة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي . فقال أبو بكر : هل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : نعم . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصحبه ، و علف را حلتين عنده ورق السمر ـ و هو الخبط ـ أربعة أشهر " .
قال ابن شهاب : " قال عروة : قالت عائشة : فبينا نحن جلوس يوماً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال أبو بكر : فدى له أبي و أمي ، و الله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فاستأذن ، فأذن لي ، فدخل ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر : أخرج من عندك . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال : فإنه قد أذن لي في الخروج . فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم . قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل بالثمن . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، و صنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين . قالت : ثم لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر بغار في جبل ثور ، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، و هو غلام شاب ثقف لقن ، فيدلج من عندهما بسحر ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، و يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل ـ و هو لبن منحتهما و رضيفهما ـ حين ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث . و استأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر رجلاً من بني الديل ـ و هو من بني عبد بن عدي ـ هادياً خريتاً ـ و الخريت : الماهر بالهداية ـ قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي ، و هو على دين كفار قريش ، فأمناه ، فدفعا إليه راحلتيهما ، و واعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ، و انطلق معهما عامر بن فهيرة و الدليل ، فأخذ بهم على طريق السواحل .
قال ابن شهاب : و أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي ـ و هو ابن أخي سراقة ابن مالك بن جعشم ـ أن أباه أخبره ، أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفار يجعلون في رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره ، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج ، أقبل رجل منهم حتى أقام علينا ، و نحن جلوس ، فقال : يا سراقة ! إني قد رأيت آنفاً أسودة بالساحل ، أراها محمداً و أصحابه . قال سراقة : فعرفت أنهم هم . فقلت له : إنهم ليسوا بهم ، و لكنك رأيت فلاناً و فلاناً انطلقوا بأعيننا . ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت فدخلت ، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي ، و هي من وراء أكمة فتحبسها علي ، و أخذت رمحي ، فخرجت به من ظهر البيت ، فخططت بزجه و خفضت عاله ، حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي ، حتى دنوت منهم ، فعثرت بي فرسي فخررت عنها ، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي ، فاستخرجت منها الأزلام ، فاستقسمت بها : أضرهم أم لا ؟ فخرج الذي أكره ، فركبت فرسي ـ و عصيت الأزلام ـ تقرب بي ، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو لا يلتفت ، و أبو بكر يكثر الالتفات ، ساخت يدا فرسي في الأرض ، حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها فنهضت ، فلم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره ، فناديتهم بالأمان ، فوقفوا ، فركبت فرسي حتى جئتهم ، و وقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقلت له : إن قومك جعلوا فيك الدية ، و أخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم ، و عرضت عليهم الزاد و المتاع ، فلم يرزآني و لم يسألاني ، إلا أن قالا : أخف عنا . فسألته أن يكتب لي كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام ، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر ثياب بياض . و سمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة ، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه ، حتى يردهم حر الظهيرة ، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم ، فلما أووا إلى بيوتهم أو في رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه ، فبصر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه مبيضين ، يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معاشر العرب ! هذا جدكم الذي تنتظرون . فثار المسلمون إلى السلاح ، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بظهر الحرة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في دار بني عمرو ابن عوف ، و ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، فقام أبو بكر للناس و جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم صامتاً ، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه و سلم يحيي أبا بكر ، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه ، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك ، فلبث رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة ، و أسس المسجد الذي أسس على التقوى ، و صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم ركب راحلته ، فسار بمشي معه الناس ، حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم بالمدينة ، و هو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين ، و كان مربداً للتمر ، لسهل و سهيل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بركت به راحلته : هذا إن شاء الله تعالى المنزل . ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الغلامين ، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله . فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقبه منهما هبة ، حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجداً ، فطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم ينقل معهم اللبن في بنائه ، و يقول و هو ينقل اللبن :
هذا الحمال لا حمال خبر هذا أبر ربنا و أطهر
اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار و المهاجرة
تمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي " .
قال ابن شهاب : و لم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات .
كذا وقع في هذا الخبر أن الذي كسا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر الزبير ، و ذكر موسى ابن عقبة أنه طلحة بن عبيد الله في خبر ذكره .
" و روينا من طريق البخاري أن أبا بكر كان يسأل عن النبي صلى الله عليه و سلم : من هذا ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني الطريق . قال : فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق ، و إنما يعني سبيل الخير " .
و روينا من طريق ابن إسحاق : " أنه عليه الصلاة و السلام أعلم علياً بمخرجه ، و أمره أن يتخلف بعده حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس و أن أبا بكر خرج بماله كله ، و هو فيما قيل خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم " .
" أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس ، و يوسف بن يعقوب بن المجاور قراءة على الأول و أنا أسمع بالقاهرة ، و بقراءتي على الثاني بسفح قاسيون ، قالا : حدثنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري ، أخبرنا أبو طالب العشاري ، أخبرنا أبو الحسين بن سمعون ، حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك ، أخبرنا يحيى بن إسماعيل الحريري ، حدثنا جعفر بن علي ، حدثنا سيف ، عن بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أحد أمن علي في صحبته و ذات يده من أبي بكر ، و ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر ، و لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " .
و جهل أهل مكة الخبر عنهم ، إلى أن سمعوا الهاتف يهتف بالشعر الذي فيه ذكر أم معبد ، فعلموا أنهم توجهوا نحو يثرب قد نجوا منهم .