ذكر إسلام سعد بن معاذ و أسيد بن حضير على يدي مصعب بن عمير
قال ابن إسحاق : و حدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب و عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد دار بني عبد الأشهل و دار بني ظفر فدخل حائطاً من حوائط بني ظفر ، فجلسا فيه ، و اجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، و سعد بن معاذ و أسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما ، و كلاهما مشرك على دين قومه ، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير : لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما و انههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن سعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك ، و هو ابن خالتي ، و لا أجد عليه مقدماً ، فأخذ أسيد بن حضير حربته ، ثم أقبل إليهما ، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب : هذا سيد قومه ، قد جاءك ، فاصدق الله فيه . ثم قال مصعب : إن يجلس هذا أكلمه . قال : فوقف عليها مشتماً ، فقال : ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ، اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة . فقال له مصعب : أوتجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته و إن كرهته كف عنك ما تكره . قال : أنصف . ثم ركز حربته و جلس إليهما ، فكلما مصعب بالإسلام و قرأ عليه القرآن . فقالا فيما يذكر عنهما : و الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم . ثم قال : ما أحسن هذا و أجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له : تغتسل فتطهر ، و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي . فقام فاغتسل و طهر ثوبيه و تشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ، ثم قال لهما : إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، و سأرسله إليكما الآن ، و هو سعد ابن معاذ . ثم أخذ حريته فانصرف إلى سعد و قومه ، و هم جلوس في ناديهم ، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً ، قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف على النادي قال له سعد : ما فعلت ؟ قال : كلمت الرجلين ، فو الله ما رأيت بهما بأساً ، و قد نهيتهما ، فقالا : نفعل ما أحببت ، و قد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، و ذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحفروك . فقام سعد مغضباً مبادراً تخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده و قال : و الله ما أراك أغنيت عنا شيئاً . ثم خرج إليهما ، فلما رآهما سعد مطمئين ، عرف أن أسيداً إنما أراد منه أن يسمع منهما . فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة ، أما و الله لولا ما بيني و بينك من القرآبة ما رمت مني هذا . أتغشانا في دارينا بما نكره ، و قد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير : أي مصعب ، جاءك و الله سيد من وراءه من قومه ، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان . قال : فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً قبلته و إن كرهته عزلنا عنك ما تكره . قال سعد : أنصفت ، ثم ركز الحربة و جلس ، فعرض عليه الإسلام . و قرأ عليه القرآن . قالا : فعرفنا و الله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم . ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم و دخلتم في هذا الدين . قالا : تغتسل فتطهر و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين . قال فقام فاغتسل و طهر ثوبيه ثم شهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين ، ثم أخذ حربته فأقبل عامداً إلى نادي قومه و معهم أسيد بن حضير ، فلما رآه قومه مقبلاً قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم . فلما وقف عليهم قال : يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا و أفضلنا رأياً و أيمنناً نقيبة ، قال : فإن كلام رجالكم و نسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله و رسوله . قال : فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل و لا امرأة إلا مسلماً و مسلمة .
قال أبو عمر : " حاشا الأصيرم ، و هو عمرو بن ثابت بن وقش ، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد ، فأسلم و استشهد و لم يسجد لله سجدة ، و أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه من أهل الجنة " .
رجع إلى ابن إسحاق : قال و رجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة ، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا و فيها رجال و نساء مسلمون ، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد ، و خطمة و وائل و واقف ، و تلك أوس الله ، و هم من الأوس بن حارثة .
قال أبو عمر : و كانوا سكاناً في عوالي المدينة ، فأسلم منهم قوم ، و كان سيدهم أبو قيس صيفي بن الأسلب ، فتأخر إسلامه و إسلام سائر قومه إلى أن مضت بدر و أحد و الخندق ثم أسلموا كلهم .
و رأيت في التاريخ الأوسط للبخاري أن أهل مكة سمعوا هاتفاً يهتف قبل إسلام سعد بن معاذ :
فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فحسبوا أنه يريد القبيلتين سعد هذيم من قضاعة ، و سعد بن زيد مناة بن تميم ، حتى سمعوه يقول :
فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً و يا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى و تمنيا على الله في الفردوس منية عارف
في أبيات ، و قد روينا ذلك أطول من هذا .