- نجاسته (1) ، لحديث النبي : ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ...) وذكر منها ( وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ... ) الحديث (2) .
- كانت الغنائم لمن تقدم على ضربين : منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم ، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته (3) . أما هذه الأمة فقد خفف الله تعالى عنها وأحل لها الغنائم ، لحديث النبي المتقدم ( وأحلت لي المغانم ) (4) .
- كانت إزالة النجاسة عندهم بقطع موضعها من الثوب أو البدن ، أما في شرعنا فيكفي في تطهيرها غسلها . عن أبي هريرة قال : قام أعرابي فبال في المسجد ، فتناوله الناس . فقال لهم النبي : ( دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) (5) .
- كانت توبتهم بقتل أنفسهم ، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع ، والعزم ، والندم (6) .
- قال تعالى في صفة توبته على بني إسرائيل : وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم (7) وقال سبحانه وتعالى في صفة توبة هذه الأمة : والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات
(1) انظر : فتح الباري لابن حجر : (2/131) .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب التيمم – باب 1 – (ص/65) – حديث رقم (335) .وفي كتاب الصلاة - باب قول النبي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا – (ص/84) – حديث رقم (438) .
وأخرجه مسلم في صحيحه – كتاب المساجد ومواضع الصلاة – (ص/211) – حديث رقم (521) .
(3) فتح الباري لابن حجر : (2/132) .
(4) سبق تخريجه .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الوضوء – باب صب الماء على البول في المسجد – (ص/47) – حديث رقم (220) .
وفي كتاب الأدب – باب قول النبي : ( يسروا ولا تعسروا ) – ( ص/1143) – حديث رقم (6128) .
(6) انظر : رفع الحرج لصالح بن حميد : (ص/192) .
(7) سورة البقرة : 54 .
- تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (1) .
- وقال : ( الندم توبة ) (2) .
- وقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة في الحث على التوبة والترغيب فيها، من ذلك :
- عن أبي بردة قال : سمعت الأغر وكان من أصحاب النبي يحدث ابن عمر قال : قال رسول الله : ( يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة ) (3) .
- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) (4) .
- عن أنس قال : قال رسول الله : ( الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة ) (5) .
- عن عبيدة بن عبد الله ، عن أبيه قال : قال رسول الله : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) (6) .
المسألة الثانية : ما خفف عن هذه الأمة مما كان عليه الناس في الجاهلية :
كما قلنا من قبل فإن الله تعالى منّ على هذه الأمة وخفف عنها ما كان على الأمم السابقة ، وما كان عليه الناس في الجاهلية ، وسأشير إلى ما يتعلق بالمرأة والتيسيرات التي حظيت بها في الإسلام ، ولست في صدد كتابة كل ما يتعلق بها، فالأمر في هذا يطول ، لذا سأشير إلى بعض التخفيفات ، وهي كما قلت كثيرة ، منها :
(1) سورة آل عمران : 135-136 .
(2) أخرجه ابن ماجة في سننه – كتاب الزهد – باب ذكر التوبة – (ص/704) – حديث رقم (4252) . وصححه الألباني في صحيح الجامع – (2/1150) – حديث رقم (6802) .
(3) أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الذكر والدعاء - باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه – (ص/1083) – حديث رقم
(2702) .
(4) أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب التوبة – باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة– (ص/1100) – حديث رقم (2749) .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الدعوات – باب التوبة– (ص/1175) – حديث رقم (6309) .
وأخرجه مسلم في صحيحه – كتاب التوبة – باب في الحض على التوبة والفرح بها – (ص/1099) – حديث رقم (2747) .
(6) أخرجه ابن ماجة في سننه – كتاب الزهد – باب ذكر التوبة – (ص/704) – حديث رقم (4250) . وحسنه الألباني في صحيح الجامع – (1/578) – حديث رقم (3008) .
- كان العرب قبل الإسلام ينظرون على المرأة نظرة احتقار وامتهان ، ويحزنون لولادة الأنثى ، وقد بين القرآن الكريم هذه الحالة النفسية التي كانت تنتابهم فقال تعالى : وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون
حتى آل الأمر بمعظمهم إلى وأد البنات وهن في قيد الحياة قال تعالى : وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت (1) .
- أما الإسلام فقد أكرم المرأة ، وجعلها في الحقوق كالرجل إلا فيما يختلفان فيه من استعداد وكفاية وقدرة هي مناط هذه الحقوق وبشرط أن لا تعارض هذه الحقوق ما عليها من واجبات . فهي تتمتع بحق الحياة لأنها نفس معصومة كالرجل ، ولذا حرم الإسلام وأد البنت ، وأوجب القصاص في قتلها عمدا كما هو الحكم بالنسبة للرجل (2) .
- ما كانت المرأة ترث،لأن الإرث عند عرب الجاهلية كان محصورا بالرجال (3). - فشرع الإسلام لها حق اكتساب الأموال بالطرق المشروعة ، لأن لها ذمة صالحة لاكتساب الحقوق المالية وغير المالية ، فهي فيها كالرجل . ومن أسباب اكتساب الأموال ، الميراث وقد أثبته الشرع الإسلامي لها بعد أن حرمها الجاهليون منه قال تعالى : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (4). ولها حق التصرف بأموالها كما تشاء دون حاجة إلى إذن أحد ما دامت عاقلة رشيدة (5) .
- كانت كثيرا ما تخضع للتعسف والظلم ، فإذا مات الرجل وترك زوجة وأولادا من غيرها ، فللابن الحق في تزويجها ولو كانت كارهة كما كان له أن يمنعها من
(1) سورة التكوير : 8-9 . وانظر : أصول الدعوة : د. عبد الكريم زيدان : (ص/123) .
(2) المرجع السابق : (ص/125) .
(3) المرجع السابق : (ص/124) .
(4) سورة النساء : 7 .
(5) انظر : أصول الدعوة : د. عبد الكريم زيدان : (ص/125) .
التزوج (1) .
- فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها (1) . قال البخاري : عن ابن عباس ، قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاؤوا زوجوها ، وإن شاؤوا لم يزوجوها وهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك (3) .
- وللزوج أن يطلقها ما شاء من الطلقات ويراجعها قبل أن تنتهي عدتها وهكذا يجعلها كالمعلقة لا هي مطلقة فتذهب إلى حال سبيلها ولا هي متزوجة التي تتمتع بحقوق الزوجية (4) .
- فأنزل الله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (5) وهذه الآية الكريمة رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات قصرهم الله إلى ثلاث طلقات وأباح الرجعة في المرة والثنتين وأبانها بالكلية في الثالثة (6) .
فهذه بعض صور التيسير والتخفيف التي خصها الشارع الحكيم بالمرأة ، رحمة لها وإحسانا عما كانت عليه في الجاهلية .
(1) أصول الدعوة : د. عبد الكريم زيدان : (ص/124) .
(2) سورة النساء : 19 .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن - باب لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الآية – (ص/834) – حديث رقم (4579) .
(4) أصول الدعوة : د. عبد الكريم زيدان : (ص/124) .
(5) سورة البقرة : 229 .
(6) تفسير ابن كثير : (1/279) .
المبحث الثاني : اليسر التخفيفي :
ويندرج فيه مطلبان ، وهما : أسباب التخفيف ، وأنواعه .
المطلب الأول : أسباب التخفيف :
للتخفيف أسباب بنيت على الأعذار. وقد رخص الشارع لأصحابها بالتخفيف عنهم: في العبادات ، والمعاملات ، والبيوع ، والحدود وغيرها . فكل ما تعسر أمره ، وشق على المكلف وضعه ، يسرته الشريعة بالتخفيف ، وضبطه الفقهاء بالقواعد المحكمة . ومن أهم هذه الأعذار التي جعلت سببا للتخفيف عن العباد : المرض ، والسفر ، والإكراه ، والنسيان ، والجهل ، والخطأ ، والعسر وعموم البلوى (1) . وسأذكر الأسباب وبعض الأمثلة عليها باختصار .
السبب الأول : المرض :
نظرا لما في المرض من خلل في القدرة البدنية يورث العجز عن بعض الأفعال ، فإن الشارع الحكيم راعى ذلك ، ويسر على عباده في بعض الأحكام التي يكون المرض سببا في المشقة عندها ، فجعلها بحسب قدرة المريض وإمكانه . أو أجلها إلى الوقت الذي يتمكن فيه من أدائها . ومن صور هذه التخفيفات والتيسيرات * :
- التيسيرات في الطهارة : ففي الطهارة رخص له في التيمم بالتراب من أجل الصلاة عند الخوف على النفس أو العضو ، أو زيادة المرض ، أو بطء شفائه..،ومن ذلك تجويز المسح على الجبيرة . يقول الله تعالى: وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا (2) .
- التيسيرات في الصلاة : وفي الصلاة المفروضة طلب من المريض أداءها بالكيفية التي يستطيعها ، قاعدا ، أو مضطجعا ، أو مومئا ، قال النبي :
(1) الموسوعة الفقهية : (14/227) .
* انظر : قاعدة المشقة تجلب التيسير : للدكتور : يعقوب الباحسين (ص/112-115) .
(2) سورة النساء : 43 .
- ( صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب ) (1) . وجوّز له التخلف عما فيه مشقة عليه ، كالتخلف عن الجمعة والجماعة ، مع حصول الفضيلة .
- التيسيرات في الصوم : وفي الصوم أباح له الفطر في رمضان ، والخروج من المعتكف ، وأجاز لمن كان فيه عجز دائم كالشيخ الهرم ترك الصيام مع وجوب الفدية عليه ، يقول الله تعالى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين (2) .
- التيسيرات في الحج : وفي الحج رخص له في الاستنابة فيه ، أو في بعض أفعاله كرمي الجمار ، وإباحة محظورات الإحرام ، كلبس الثياب ، أو حلق الرأس مثلا ، مع الفدية . يقول الله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك (3) .
- التيسير فيما عدا العبادات : وفيما عدا العبادات أبيح ما تدعو إليه الضرورة أو الحاجة ، مما به المحافظة على نفسه ، كإباحة التداوي بالنجاسات ، وإساغة اللقمة بالخمر إذا غص اتفاقا وغيرها .
السبب الثاني : السفر :
السفر لغة قطع المسافة ، أو الخروج للارتحال . وشرعا الخروج عن بيوت المصر على قصد مسيرة ثلاث أيام ولياليها فما فوق بسير الإبل ومشي الأقدام . وعرّف الطويل منه بتعريفات مختلفة ، تتصل بآراء العلماء في المسافة التي تسوغ بعض التخفيفات كالقصر والفطر والمسح أكثر من يوم وليلة وغيرها . ولما كان مظنة للمشقة جعله الشارع سببا للتخفيف ، رحمة بالمكلفين ورفعا للحرج عنهم ولما كان السفر يختلف طولا وقصرا ، وكانت المشقات تتناسب مع طوله وقصره، خفف الشارع عن المكلفين بما يناسب ذلك ، فخص الطويل برخص معينة ،وشرّك بين الطويل وغيره في رخص أخر .
(1) أخرجه البخاري في صحيحه – أبواب التهجد– باب إذا لم يطق قاعدا ، صلى على جنب– (ص/195) – حديث رقم (1117).
(2) سورة البقرة : 184 .
(3) سورة البقرة : 196 .