منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 382  ]
قديم 05-01-2006, 12:30 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
اشتداد أذى المشركين على من أسلم

فصل
ولما اشتد أذى المشركين على من أسلم ، وفتن منهم من فتن ، حتى يقولوا لأحدهم : اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول: نعم ، وحتى إن الجعل ليمر بهم ، فيقولون : وهذا إلهك من دون الله ، فيقول : نعم . ومر عدو الله أبو جهل بسمية أم عمار بن ياسر ، وهي تعذب ، وزوجها وابنها ، فطعنها بحربة في فرجها حتى قتلها .
كان الصديق إذا مر بأحد من العبيد يعذب ، اشتراه منهم ، وأعتقه ، منهم بلال ، وعامر بن فهيرة ، وأم عبيس ، وزنيرة ، والنهدية ، وابنتها ، وجارية لبني عدي كان عمر يعذبها على الإسلام قبل إسلامه ، وقال له أبوه : يا بني أراك تعتق رقاباً ضعافاً ، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت قوماً جلداً يمنعونك ، فقال له أبو بكر : إني أريد ما أريد .
فلما اشتد البلاء ، أذن الله سبحانه لهم بالهجرة الأولى إلى أرض الحبشة ، وكان أول من هاجر إليها عثمان بن عفان ، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أهل هذه الهجرة الأولى اثني عشر رجلاً ، وأربع نسوة : عثمان ، وامرأته ، وأبو حذيفة ، وامرأتة سهلة بنت سهيل ، وأبو سلمة ، وامرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية ، والزببر بن العوام ، ومصعب بن عمير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن مظعون ، وعامر بن ربيعة ، وامرأته ليلى بنت أبي حثمة ، وأبو سبرة بن أبي رهم ، وحاطب بن عمرو ، وسهيل بن وهب ، وعبد الله بن مسعود . وخرجوا متسللين سراً ، فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار ، فحملوهم فيهما إلى أرض الحبشة ، وكان مخرجهم في رجب في السنة الخامسة من المبعث ، وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر ، فلم يدركوا منهم أحداً ، ثم بلغهم أن قريشاً قد كفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فرجعوا ، فلما كانوا دون مكة بساعة من نهار ، بلغهم أن قريشاً أشد ما كانوا عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل من دخل بجوار ، وفي تلك المرة دخل ابن مسعود ، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة ، فلم يرد عليه ، فتعاظم ذلك على ابن مسعود ، حتى قال له النبى صلى الله عليه وسلم :" إن الله قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة " هذا هو الصواب ، وزعم ابن سعد وجماعة أن ابن مسعود لم يدخل ، وأنه رجع إلى الحبشة حتى قدم فى المرة الثانية إلى المدينة مع من قدم ، ورد هذا بأن ابن مسعود شهد بدراً ، وأجهز على أبي جهل ، وأصحاب هذه الهجرة إنما قدموا المدينة مع جعفر بن أبى طالب وأصحابه بعد بدر بأربع سنين أو خمس .
قالوا : فإن قيل : بل هذا الذي ذكره ابن سعد يوافق قول زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل صاحبه ، وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت : " وقوموا لله قانتين " ( البقرة : 238) فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام ، وزيد بن أرقم من الأنصار ، والسورة مدنية ، وحينئذ فابن مسعود سلم عليه لما قدم وهو في الصلاة ، فلم يرد عليه حتى سلم ، وأعلمه بتحريم الكلام ، فاتفق حديثه وحديث ابن أرقم .
قيل : يبطل هذا شهود ابن مسعود بدراً ، وأهل الهجرة الثانية إنما قدموا عام خيبر مع جعفر وأصحابه ، ولو كان ابن مسعود ممن قدم قبل بدر ، لكان لقدومه ذكر ، ولم يذكر أحد قدوم مهاجري الحبشة إلا في القدمة الأولى بمكة ، والثانية عام خيبر مع جعفر ، فمتى قدم ابن مسعود في غير هاتين المرتين ومع من ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق ، قال : وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى الحبشة إسلام أهل مكة ، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك ، حتى إذا دنوا من مكة ، بلغهم أن إسلام أهل مكة كان باطلاً ، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار ، أو مستخفياً . فكان ممن قدم منهم ، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة ، فشهد بدراً وأحداً فذكر منهم عبد الله بن مسعود .
فإن قيل : فما تصنعون بحديث زيد بن أرقم ؟ قيل : قد أجيب عنه بجوابين ، أحدهما : أن يكون النهي عنه قد ثبت بمكة ، ثم أذن فيه بالمدينة ، ثم نهي عنه . والثاني : أن زيد بن أرقم كان من صغار الصحابة ، وكان هو وجماعة يتكلمون في الصلاة على عادتهم ، ولم يبلغهم النهي ، فلما بلغهم انتهوا ، وزيد لم يخبر عن جماعة المسلمين كلهم بأنهم كانوا يتكلمون في الصلاة إلى حين نزول هذه الآية ، ولو قدر أنه أخبر بذلك لكان وهماً منه .
ثم اشتد البلاء من قريش على من قدم من مهاجري الحبشة وغيرهم ، وسطت بهم عشائرهم ، ولقوا منهم أذى شديداً ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية ، وكان خروجهم الثاني أشق عليهم وأصعب ، ولقوا من قريش تعنيفاً شديداً ، ونالوهم بالأذى ، وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم ، وكان عدة من خرج في هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلاً ، إن كان فيهم عمار بن ياسر ، فإنه يشك فيه ، قاله ابن إسحاق ، ومن النساء تسع عشرة امرأة .
قلت : قد ذكر في هذه الهجرة الثانية عثمان بن عفان وجماعة ممن شهد بدراً ، فإما أن يكون هذا وهماً ، وإما أن يكون لهم قدمة أخرى قبل بدر ، فيكون لهم ثلاث قدمات : قدمة قبل الهجرة ، وقدمة قبل بدر ، وقدمة عام خيبر ، ولذلك قال ابن سعد وغيره : إنهم لما سمعوا مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً ، ومن النساء ثمان نسوة ، فمات منهم رجلاً بمكة ، وحبس بمكة سبعة ، وشهد بدراً منهم أربعة وعشرون رجلاً .
فلما كان شهر ربيع الأول سنة سبع من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ، وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري ، فلما قرىء عليه الكتاب ، أسلم ، وقال: لئن قدرت أن آتيه لآتينه .
وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكانت فيمن هاجر إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش ، فتنصر هناك ومات ، فزوجه النجاشي إياها ، وأصدقها عنه أربعمائة دينار ، وكان الذي ولي تزويجها خالد بن سعيد بن العاص .
وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه ، ويحملهم ، ففعل ، وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري ، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فوجدوه قد فتحها ، فكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهامهم ، ففعلوا .
وعلى هذا فيزول الإشكال الذي بين حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم ، ويكون ابن مسعود قدم في المرة الوسطى بعد الهجرة قبل بدر إلى المدينة ، وسلم عليه حينئذ ، فلم يرد عليه ، وكان العهد حديثاً بتحريم الكلام ، كما قال زيد بن أرقم ، ويكون تحريم الكلام بالمدينة ، لا بمكة ، وهذا أنسب بالنسخ الذي وقع في الصلاة والتغيير بعد الهجرة ، كجعلها أربعاً بعد أن كانت ركعتين ، ووجوب الاجتماع لها .
فإن قيل : ما أحسنه من جمع وأثبته لو لا أن محمد بن إسحاق قد قال : ما حكيتم عنه أن ابن مسعود أقام بمكة بعد رجوعه من الحبشة حتى هاجر إلى المدينة ، وشهد بدراً ، وهذا يدفع ما ذكر .
قيل : إن كان محمد بن إسحاق قد قال هذا ، فقد قال محمد بن سعد في طبقاته : إن ابن مسعود مكث يسيراً بعد مقدمه ، ثم رجع الى أرض الحبشة ، وهذا هو الأظهر ، لأن ابن مسعود لم يكن له بمكة من يحميه ، وما حكاه ابن سعد قد تضمن زيادة أمر خفي على ابن إسحاق ، وابن إسحاق لم يذكر من حدثه ، ومحمد بن سعد أسند ما حكاه إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب ، فاتفقت الأحاديث ، وصدق بعضها بعضاً ، وزال عنها الإشكال ، ولله الحمد والمنة .
وقد ذكر ابن إسحاق في هذه الهجرة إلى الحبشة أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، وقد أنكر عليه ذلك أهل السير ، منهم محمد بن عمر الواقدي وغيره ، وقالوا : كيف يخفى ذلك على ابن إسحاق أو على من دونه ؟ قلت : وليس ذلك مما يخفى على من دون محمد بن إسحاق فضلاً عنه ، وإنما نشأ الوهم أن أبا موسى هاجر من اليمن إلى أرض الحبشة إلى عند جعفر وأصحابه لما سمع بهم ، ثم قدم معهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، كما جاء مصرحاً به في الصحيح فعد ذلك ابن إسحاق لأبي موسى هجرة ، ولم يقل : إنه هاجر من مكة إلى أرض الحبشة لينكر عليه .