منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 318  ]
قديم 04-30-2006, 02:24 PM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
فصل في النهي عن قول الرجل خبثت نفسي

فصل
من ذلك "نهيه صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل : خبثت نفسي ، ولكن ليقل : لقست نفسي " ومعناهما واحد، أي : غثث نفسي ، وساء خلقها، فكره لهم لفظ الخبث لما فيه من القبح والشناعة، وأرشدهم إلى استعمال الحسن ، وهجران القبيح ، وإبدال اللفظ المكروه بأحسن منه .
ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن قول القائل بعد فوات الأمر: "لو أني فعلت كذا وكذا"، وقال : "إن لو تفتح عمل الشيطان " وأرشده إلى ما هو أنفع له من هذه الكلمة، وهو أن يقول : "قدر الله وما شاء فعل "وذلك لأن قوله : لو كنت فعلت كذا وكذا، لم يفتني ما فاتني ، أو لم أقع فيما وقعت فيه ، كلام لا يجدي عليه فائدة البتة ، فإنه غير مستقبل لما استدبر من أمره ، وغير مستقيل عثرته بـ لو وفي ضمن لو ادعاء أن الأمر لو كان كما قدره في نفسه ، لكان غير ما قضاه الله وقدره وشاءه ، فإن ما وقع مما يتمنى خلافه إنما وقع بقضاء الله وقدره ومشيئته ، فإذا قال : لو أني فعلت كذا، لكان خلاف ما وقع فهو محال ، إذ خلاف المقدر المقضي محال ، فقد تضمن كلامه كذباً وجهلاً ومحالاً ، وإن سلم من التكذيب بالقدر ، لم يسلم من معارضته بقوله : لو أني فعلت كذا، لدفعت ما قدر الله علي .
فإن قيل . ليس في هذا رد للقدر ولا جحد له ، إذ تلك الأسباب التي تمناها أيضاً من القدر ، فهو يقول : لو وقفت لهذا القدر، لا ندفع به عني ذلك القدر ، فإن القدر يدفع بعضه ببعض ، كما يدفع قدر المرض بالدواء، وقدر الذنوب بالتوبة ، وقدر العدو بالجهاد ، فكلاهما من القدر .
قيل : هذا حق ، ولكن هذا ينفع قبل وقوع القدر المكروه ، وأما إذا وقع، فلا سبيل إلى دفعه ، وإن كان له سبيل إلى دفعه أو تخفيفه بقدر آخر، فهو أولى به من قوله : لو كنت فعلته ، بل وظيفته في هذه الحالة أن يستقبل فعله الذي يدفع به أو يخفف أثر ما وقع ، ولا يتمنى ما لا مطمع في وقوعه ، فإنه عجز محض. والله يلوم على العجز، ويحب الكيس ، ويأمر به ، والكيس : هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده ، فهذه تفتح عمل الخير . وأما العجز، فإنه يفتح عمل الشيطان ، فإنه إذا عجز عما ينفغه ، وصار إلى الأماني الباطلة بقوله : لو كان كذا وكذا، ولو فعلت كذا، يفتح عليه عمل الشيطان ، فإن بابه العجز والكسل ، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منهما ، وهما مفتاح كل شر ، و يصدر عنهما الهم ، والحزن ، والجبن ، والبخل ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال فمصدرها كلها عن العجز والكسل ، وعنوانها لو فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن لو تفتح عمل الشيطان فالمتمني من أعجز الناس وأفلسهم ، فإن التمنى رأس أموال المفاليس ، والعجز مفتاح كل شر .
وأصل المعاصي كلها العجز ، فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات ، وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي ، وتحول بينه وبينها ، فيقع في المعاصي ، فجمع هذا الحديث الشريف في استعاذته صلى الله عليه وسلم أصول الشر وفروعه ، ومباديه وغاياته ، وموارده ومصادره ، وهو مشتمل على ثماني خصال ، كل خصلتين منها قرينتان فقال : " أعوذ بك من الهم والحزن "وهما قرينان ، فإن المكروه الوارد على القلب ينقسم باعتبار سببه إلى قسمين ، فإنه إما أن يكون سببه أمراً ماضياً، فهو يحدث الحزن ، وإما أن يكون توقع أمر مستقبل ، فهو يحدث الهم ، وكلاهما من العجز، فإن ما مضى لا يدفع بالحزن ، بل بالرضى، والحمد، والصبر، والإيمان بالقدر، وقول العبد : قدر الله وما شاء فعل . وما يستقبل لا يدفع أيضاً بالهم ، بل إما أن يكون له حيلة في دفعه ، فلا يعجز عنه ، وأما أن لا تكون له حيلة في دفعه ، فلا يجزع منه ، ويلبس له لباسه ، ويأخذ له عدته ، ويتأهب له أهبته اللائقة به ، ويستجن بجنة حصينة من التوحيد، والتوكل ، والإنطراح بين يدي الرب تعالى، والاستسلام له والرضى به رباً في كل شيء ، ولا يرضى به رباً فيما يحب دون ما يكره ، فإذا كان هكذا، لم يرض به رباً على الإطلاق ، فلا يرضاه الرب له عبداً على الإطلاق ، فالهم والحزن لا ينفعان العبد البتة، بل مضرتهما أكثر من منفعتهما ، فإنهما يضعفان العزم ، ويوهنان القلب ، ويحولان بين العبد وبين الإجتهاد فيما ينفعه ، ويقطعان عليه طريق السير، أو ينكسانه إلى وراء، أو يعوقانه ويقفانه ، أو يحجبانه عن العلم الذي كلما رآه ، شمر إليه ، وجد في سيره ، فهما حمل ثقيل على ظهر السائر، بل إن عاقه الهم والحزن عن شهواته وإرادته التي تضره في معاشه ومعاده ، انتفع به من هذا الوجه ، وهذا من حكمة العزيز الحكيم أن سلط هذين الجندين على القلوب المعرضة عنه ، الفارغة من محبته ، وخوفه ، ورجائه ، والإنابة إليه ، والتوكل عليه ، والأنس به ، والفرار إليه ، والانقطاع إليه ، ليردها بما يبتليها به من الهموم والغموم ، والأحزان والآلام القليبية عن كثير من معاصيها وشهواتها المردية، وهذه القلوب في سجن من الجحيم في هذه الدار، وإن أريد بها الخير، كان حظها من سجن الجحيم في معادها ، ولا تزال في هذا السجن حتى تتخلص إلى فضاء التوحيد، والإقبال على الله ، والأنس به ، وجعل محبته في محل دبيب خواطر القلب ووساوسه ، بحيث يكون ذكره تعالى وحبه وخوفه ورجاؤه والفرح به والابتهاج بذكره ، هو المستولي على القلب ، الغالب عليه ، الذي متى فقده ، فقد قوته الذي لا قوام له إلا به ، ولا بقاء له بدونه ، ولا سبيل إلى خلاص القلب من هذه الآلام التي هي أعظم أمراضه وأفسدها له إلا بذلك ، ولا بلاغ إلا بالله وحده ، فإنه لا يوصل إليه إلا هو ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، ولا يدل عليه إلا هو ، وإذا أراد عبده لأمر ، هيأ له ، فمنه الإيجاد ، ومنه الإعداد ، ومنه الإمداد ، وإذا أقامه في مقام أي مقام كان ، فيحمد أقامه فيه وبحكمته أقامه فيه ، ولا يليق به غيره ولا يصلح له سواه ، ولا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع ، ولا يمنع عبده حقاً هو للعبد، فيكون بمنعه ظالماً له ، بل إنما منعه ليتوسل إليه بمحابه ليعبده وليتضرع إليه ، ويتذلل بين يديه ، ويتملقه ، ويعطي فقره إليه حقه ، بحيث يشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة فاقة تامة إليه على تعاقب الأنفاس، وهذا هو الواقع في نفس الأمر ، وإن لم يشهده العبد فلم يمنع الرب عبده ما العبد محتاج إليه بخلاً منه ولا نقصاً من خزائنة، ولا استئثاراً عليه بما هو حق للعبد ، بل منعه ليرده إليه ، وليعزه بالتذلل له ، وليغنيه بالافتقار إليه ، وليجبرة بالانكسار بين يديه ، وليذيقه بمرارة المنع حلاوة الخضوع له ، ولذة الفقر إليه ، وليلبسه خلعة العبودية ، ويوليه بعزله أشرف الولايات ، وليشهده حكمته في قدرته ، ورحمته في عزته ، وبره ولطفه في قهره . وأن منعه عطاء ، وعزله تولية . وعقوبته تأديب ، وامتحانه محبة وعطية ، وتسليط أعدائه عليه سائق يسوقه به إليه . وبالجملة فلا يليق بالعبد غير ما أقيم فيه ، وحكمته وحمده أقاماه في مقامه الذي لا يليق به سواه ، ولا يحسن أن يتخطاه ، والله أعلم حيث يجعل مواقع عطائه وفضله ، والله أعلم حيث يجعل رسالته " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين " [الأنعام : 53] فهو سبحانه أعلم بمواقع الفضل ، ومحال التخصيص ، ومحال الحرمان ، فبحمده وحكمته أعطى، وبحمده وحكمته حرم ، فمن رده المنع إلى الافتقار إليه ، والتذلل له ، وتملقه ، انقلب المنع في حقه عطاء، ومن شغله عطاؤه ، وقطعه عنه ، انقلب العطاء في حقه منعاً ، فكل ما شغل العبد عن الله ، فهو مشؤوم عليه ، وكل ما رده إليه فهو رحمة به ، والرب تعالى يريد من عبده أن يفعل ، ولا يقع الفعل حتى يريد سبحانه من نفسه أن يعينه ، فهو سبحانه أراد منا الاستقامة دائماً ، واتخاذ السبيل إليه ، وأخبرنا أن هذا المراد لا يقع حتى يريد من نفسه إعانتها عليها ومشيئته لنا ، فهما إرادتان : إرادة من عبده أن يفعل ، وإرادة من نفسه أن يعينه ، ولا سبيل له إلى الفعل إلا بهذه الإرادة ، ولا يملك منها شيئاً ، كما قال تعالى : " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " [التكوير : 29 ] فإن كان مع العبد روح أخرى ، نسبتها إلى روحه ، كنسبة روحه إلى بدنه يستدعي بها إرادة الله لمن نفسه أن يفعل به ما يكون به العبد فاعلاً ، وإلا فمحله غير قابل للعطاء، وليس معه إناء يوضع فيه العطاء، فمن جاء بغير إناء، رجع بالحرمان ، ولا يلومن إلا نفسه . والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الهم والحزن ، وهما قرينان ، ومن العجز والكسل ، وهما قرينان ، فإن تخلف كمال العبد وصلاحه عنه إما أن يكون لعدم قدرته عليه ، فهو عجز، أو يكون قادراً عليه ، لكن لا يريد فهو كسل ، وينشأ عن هاتين الصفتين ، فوات كل خير، وحصول كل شر، ومن ذلك الشر تعطيله عن النفع ببدنه ، وهو الجبن ، وعن النفع بماله ، وهو البخل ، ثم ينشأ له بذلك غلبتان . غلبة بحق ، وهي غلبة الدين ، وغلبة بباطل ، وهي غلبة الرجال ، وكل هذه المفاسد ثمرة العجز والكسل ، ومن هذا قوله في الحديث الصحيح للرجل الذي قضى عليه ، فقال : حسبي الله ونعم الوكيل ، فقال : "إن الله يلوم على العجز ، ولكن عليك بالكيس ، فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل" فهذا قال : حسبي الله ونعم الوكل ، بعد عجزه عن الكيس الذي لو قام به ، لقضى له على خصمه ، فلو فعل الأسباب التي يكون بها كيساً، ثم غلب فقال : حسبى الله ونعم الوكيل ، لكانت الكلمة قد وقعت موقعها، كما أن ابراهيم الخليل ، لما فعل الأسباب المأمور بها، ولم يعجز بتركها، ولا بترك شيء منها ، ثم غلبه عدوه وألقوه في النار، قال في تلك الحال : حسبي الله ونعم الوكيل فوقعت الكلمة موقعها ، واستقرت في مظانها ، فأثرت أثرها ، وترتب عليها مقتضاها .
وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم أحد لما قيل لهم بعد انصرافهم من أحد: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فتجهزوا وخرجوا للقاء عدوهم ، وأعطوهم الكيس من نفوسهم ، ثم قالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل .
فأثرت الكلمة أثرها ، واقتضت موجبها ، ولهذا قال تعالى : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه " [الطلاق : 12 ] فجعل التوكل بعد التقوى الذي هو قيام الأسباب المأمور بها ، فحينئذ إن توكل على الله فهو حسبه ، وكما قال في موضع آخر : " واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " [ المائدة : 11] فالتوكل والحسب بدون قيام الأسباب المأمور بها عجز محض ، فإن كان مشوباً بنوع من التوكل ، فهو توكل عجز، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزاً، ولا يجعل عجزه توكلاً، بل يجعل توكله من جملة الأسباب المأمور بها التي لا يتم المقصود إلا بها كلها . ومن هاهنا غلط طائفتان من الناس ، إحداهما : زعمت أن التوكل وحده سبب مستقل كاف في حصول المراد، فعطلت له الأسباب التي اقتضتها حكمة الله الموصلة إلى مسبباتها، فوقعوا في نوع تفريط وعجز بحسب ما عطلوا من الأسباب ، وضعف توكلهم من حيث ظنوا قوته بانفراده عن الأسباب ، فجمعوا الهم كله وصيروه هماً واحداً ، وهذا وإن كان فيه قوة من هذا الوجه ، ففيه ضعف من جهة أخرى، فكلما قوي جانب التوكل بإفراده ، أضعفه التفريط في السبب الذي هو محل التوكل ، فإن التوكل محل الأسباب ، وكماله بالتوكل على الله فيها ، وهذا كتوكل الحراث الذي شق الأرض، وألقى فيها البذر، فتوكل على الله في زرعه وإنباته ، فهذا قد أعطى التوكل حقه ، ولم يضعف توكله بتعطيل الأرض وتخليتها بوراً ، وكذلك توكل المسافر في قطع المسافة مع جده في السير ، وتوكل الأكياس من النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه مع اجتهادهم في طاعته ، فهذا هو التوكل الذي يترتب عليه أثره ، ويكون الله حسب من قام به . وأما توكل العجز والتفريط ، فلا يترتب عليه أثره ، ويكون الله حسب صاحبه ، فإن الله إنما يكون حسب المتوكل عليه إذا اتقاه ، وتقواه فعل الأسباب المأمور بها ، لا إضاعتها . والطائفة الثانية : التي قامت بالأسباب ، ورأت ارتباط المسببات بها شرعاً وقدراً ، وأعرضت عن جانب التوكل ، وهذه الطائفة وإن نالت بما فعلته من الأسباب ما نالته ، فليس لها قوة أصحاب التوكل ، ولا عون الله لهم وكفايته إياهم ودفاعه عنهم ، بل هي مخذولة عاجزة بحسب ما فاتها من التوكل .
فالقوة كل القوة في التوكل على الله كما قال بعض السلف: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، فالقوة مضمونة للمتوكل ، والكفاية والحسب والدفع عنه ، وإنما ينقص عليه من ذلك بقدر ما ينقص من التقوى والتوكل ، وإلا فمع تحققه بهما لا بد أن يجعك الله له مخرجاً من كل ما ضاق على الناس ، ويكون الله حسبه وكافيه . والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد العبد إلى ما فيه غاية كماله ، ونيل مطلوبه ، أن يحرص على ما ينفعه ، ويبذل فيه جهده ، وحينئذ ينفعه التحسب وقول : حسبي الله ونعم الوكيل بخلاف من عجز وفرط حتى فاتته مصلحته ،ثم قال : حسبي الله ونعم الوكيل فإن الله يلومه ، ولا يكون في هذا الحال حسبه فإنما هو حسب من اتقاه ، وتوكل عليه .