فصل في كراهة تسمية العشاء بالعتمة
قال صلى الله عليه وسلم : "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ، ألا وإنها العشاء ، وإنهم يسمونها العتمة" وصح عنه أنه قال : "لو يعلمون ما في العتمة والصبح ، لأتوهما ولو حبواً" فقيل: هذا ناسخ للمنع ، وقيل بالعكس ، والصواب خلاف القولين ، فإن العلم بالتاريخ متعذر ، ولا تعارض بين الحديثين ، فإنه لم ينه عن إطلاق اسم العتمة بالكلية ، وإنما نهى عن أن يهجر اسم العشاء ، وهو الإسم الذي سماها الله به في كتابه ، ويغلب عليها اسم العتمة ، فإذا سميت العشاء وأطلق عليها أحياناً العتمة، فلا بأس ، والله أعلم ، وهذا محافظة منه صلى الله عليه وسلم على الأسماء التى سمى الله بها العبادات ، فلا تهجر ، ويؤثر عليها غيرها، كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص ، وإيثار المصطلحات الحادثة عليها ، ونشأ بسبب هذا من الجهل والفساد ما الله به عليم ، وهذا كما كان يحافظ على تقديم ما قدمه الله ، وتأخير ما أخره ، كما بدأ بالصفا، وقال : "أبدأ بما بدأ الله به " وبدأ في العيد بالصلاة ، ثم جعل النحر بعدها ، وأخبر أن "من ذبح قبلها ، فلا نسك له " تقديماً لما بدأ الله به في قوله : " فصل لربك وانحر " وبدأ في أعضاء الوضوء بالوجه ، ثم اليدين ، ثم الرأس ، ثم الرجلين ، تقديماً لما قدمه الله ، وتأخيراً لما أخره ، وتوسيطاً لما وسطه ، وقدم زكاة الفطر على صلاة العيد تقديماً لما قدمه في قوله : " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى " [الأعلى : 13] ونظائره كثيرة .