فصل في النهي عن التسمية ببعض الأسماء
فصل
وأما النهي عن تسمية الغلام بـ : يسار وأفلح ونجيح ورباح ، فهذا لمعنى آخر قد أشار إليه في الحديث ، وهو قوله : فإنك تقول: أثمت هو؟ فيقال : لا - والله أعلم - هل هذه الزيادة من تمام الحديث المرفوع ، أو مدرجة من قول الصحابي ، وبكل حال فإن هذه الأسماء لما كانت قد توجب تطيراً تكرهه النفوس ، ويصدها عما هي بصدده ، كما إذا قلت لرجل : أعندك يسار ، أو رباح ، أو أفلح ؟ قال : لا، تطيرت أنت وهو من ذلك ، وقد تقطع الطيرة لا سيما على المتطيرين ، فقل من تطير إلا ووقعت به طيرته ، وأصابه طائره ، كما قيل :
تعلم أنه لا طير إلا على متطير فهو الثبور
اقتضت حكمة الشارع ، الرؤوف بأمته ، الرحيم بها ، أن يمنعهم من أسباب توجب لهم سماع المكروه أو وقوعه ، وأن يعدل عنها إلى أسماء تحصل المقصود من غير مفسدة ، هذا أولى ، مع ما ينضاف إلى ذلك من تعليق ضد الإسم عليه ، بأن يسمى يساراً من هو من أعسر الناس ، ونجيحاً من لا نجاح عنده ، ورباحاً من هو من الخاسرين ، فيكون قد وقع في الكذب عليه وعلى الله ، وأمر آخر أيضاً وهو أن يطالب المسمى بمقتضى اسمه ، فلا يوجد عنده ، فيجعل ذلك سبباً لذمه وسبه ، كما قيل :
سموك من جهلهم سديداً والله ما فيك من سداد
أنت الذي كونه فساداً في عالم الكون والفساد
فتوصل الشاعر بهذا الاسم إلى ذم المسمى به . ولي من أبيات :
وسميته صالحاً فاغتدى بضد اسمه في الورى سائراً
وظـن بأن اسمه سـاتـر لأوصـــافه فغــدا شـــــاهراً
وهذا كما أن من المدح ما يكون ذماً وموجباً لسقوط مرتبة الممدوح عند الناس ، فإنه يمدح بما ليس فيه ، فتطالبه النفوس بما مدح به ، وتظنه عنده ، فلا تجده كذلك ، فتنقلب ذماً ، ولو ترك بغير مدح ، لم تحصل له هذه المفسدة ، ويشبه حاله حال من ولي ولاية سيئة ، ثم عزل عنها ، فإنه تنقص مرتبته عما كان عليه قبل الولاية ، وينقص في نفوس الناس عما كان عليه قبلها ، وفي هذا قال القائل :
إذا ما وصفت امرءاً لامرىء فلا تغل في وصفه واقصد
فإنك إن تغل تغل الـــظنـو ن فيه إلى الأمد الأبـــــعـد
فينقص من حيث عظمـته لفضل المغيب عن المشهـــد
وأمر آخر : وهو الظن المسمى واعتقاده في نفسه أنه كذلك ، فيقع في تزكية نفسه وتعظيمها وترفعها على غيره ، وهذا هو المعنى الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأجله أن تسمى برة وقال : "لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم " . وعلى هذا فتكره التسمية بـ : التقي ، والمتقي ، والمطيع ، والطائع ، والراضي ، والمحسن ، والمخلص ، والمنيب ، والرشيد ، والسديد . وأما تسمية الكفار بذلك ، فلا يجوز التمكين منه ، ولا دعاؤهم بشيء من هذه الأسماء ، ولا الإخبار عنهم بها، والله عز وجل يغضب من تسميتهم بذلك .