فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العقيقة
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في العقيقة
في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق " وكأنه كره الإسم ، ذكره عن زيد بن أسلم ، عن رجل من بني ضمرة، عن أبيه ، قال ابن عبد البر : وأحسن أسانيده ما ذكره ذكره عبد الرزاق : أنبأ داود بن قيس، قال : سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه ، عن جده قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم . عن العقيقة ، فقال : "لا أحب العقوق " وكأنه كره الإسم قالوا : يا رسول الله ينسك أحدنا عن ولده ؟ فقال : "من أحب منكم أن ينسك عن ولده ، فليفعل : عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة" . وصح عنه من حديث عائشة رضي الله عنها "عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة" . وقال : "كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ، ويحلق رأسه ويسمى ". قال الإمام أحمد : معناه : أنه محبوس عن الشفاعة في أبويه ، والرهن في اللغة : الحبس ، قال تعالى : " كل نفس بما كسبت رهينة " [المدثر : 38 ] وظاهر الحديث أنه رهينة في نفسه ، ممنوع محبوس عن خير يراد به ، ولا يلزم من ذلك أن يعاقب على ذلك في الآخرة، وإن حبس بترك أبويه العقيقة عما يناله من عق عنه أبواه ، وقد يفوت الولد خير بسبب تفريط الأبوين وإن لم يكن من كسبه ، كما أنه عند الجماع إذا سمى أبوه ، لم يضر الشيطان ولده ، وإذا ترك التسمية ، لم يحصل للولد هذا الحفظ. وأيضاً فإن هذا إنما يدل على أنها لازمة لا بد منها، فشبه لزومها وعدم انفكاك المولود عنها بالرهن . وقد يستدل بهذا من يرى وجوبها كالليث بن سعد والحسن البصري ، وأهل الظاهر . والله أعلم . فإن قيل : فكيف تصنعون في رواية همام عن قتادة في هذا الحديث "ويدمى" قال همام : سئل قتادة عن قوله : و "يدمى" كيف يصنع بالدم ؟ فقال : إذا ذبحت العقيقة ، أخذت منها صوفة ، واستقبلت بها أوداجها ، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى تسيل على رأسه مثل الخيط ، ثم يغسل رأسه بعد ويحلق . قيل : اختلف الناس في ذلك ، فمن قائل : هذا من رواية الحسن عن سمرة، ولا يصح سماعه عنه ، ومن قال : سماع الحسن عن سمرة حديث العقيقة هذا صحيح ، صححه الترمذي وغيره ، وقد ذكره البخاري في صحيحه عن حبيب بن الشهيد قال : قال لي محمد بن سيرين : اذهب فسل الحسن ممن سمع حديث العقيقة ؟ فسأله فقال : سمعته من سمرة . ثم اختلف في التدمية بعد : هل هي صحيحة، أو غلط ؟ على قولين . فقال أبو داود في سننه : هي وهم من همام بن يحيى. وقوله : ويدمى، إنما هو "ويسمى" وقال غيره : كان في لسان همام لثغة فقال : "ويدمى" وإنما أراد أن يسمى، وهذا لا يصح ، فإن هماماً وإن كان وهم في اللفظ ، ولم يقمه لسانه فقد حكى عن قتادة صفة التدمية ، وأنه سئل عنها فأجاب بذلك ، وهذا لا تحتمله اللثغة بوجه . فإن كان لفظ التدمية بوجه . فإن كان لفظ التدمية هنا وهماً، فهو من قتادة، أو من الحسن ، والذين أثبتوا لفظ التدمية قالوا: إنه من سنة العقيقة، وهذا مروي عن الحسن وقتادة ، والذين منعوا التدمية ، كمالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، قالوا : "ويدمي" غلط ، وإنما هو "ويسمى" قالوا : وهذا كان من عمل أهل الجاهلية، فأبطله الإسلام ، بدليل ما رواه أبو داود ، عن بريدة بن الحصيب قال : كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام ، كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران . قالوا : وهذا وإن كان في إسناده الحسين بن واقد، ولا يحتج به ، فإذا انضاف إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أميطوا عنه الأذى"والدم أذى، فكيف يأمرهم أن يلطخوه بالأذى ؟ قالوا : ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش ، ولم يدمهما، ولا كان ذلك من هديه ، وهدي أصحابه ، قالوا : وكيف يكون من سنته تنجيس رأس المولود ، وأين لهذا شاهد ونظير في سنته ، وإنما يليق هذا بأهل الجاهلية .