فصل في هديه في الأضاحي
فصل
وأما هديه في الأضاحي
فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع الأضحية، وكان يضحي بكبشين ، وكان ينحرهما بعد صلاة العيد ، وأخبر أن "من ذبح قبل الصلاة ، فليس من النسك في شيء ، وإنما هو لحم قدمه لأهله . هذا الذي دلت عليه سنته وهديه ، لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة ، بل بنفس فعلها ، وهذا هو الذي ندين الله به ، وأمرهم أن يذبحوا الجذع من الضأن والثني مما سواه" وهي المسنة.
وروي عنه أنه قال : "كل أيام التشريق ذبح " لكن الحديث منقطع لا يثبت وصله . وأما نهيه عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فلا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط ، لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يدخر شيئاً فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه ، فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث ، لجاز له الادخار وقت النهى ما بينه وبين ثلاثة أيام ، والذين حددوه بالثلاث ، فهموا من نهيه عن الإدخار فوق ثلاث أن أولها من يوم النحر، قالوا : وغير جائز أن يكون الذبح مشروعاً في وقت يحرم فيه الأكل ، قالوا : ثم نسخ تحريم الأكل فبقي وقت الذبح بحاله . فيقال لهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن الادخار فوق ثلاث ، لم ينه عن التضحية بعد ثلاث ، فأين أحدهما من الآخر، ولا تلازم بين ما نهى عنه ، وبين اختصاص الذبح بثلاث لوجهين . أحدهما : أنه يسوغ الذبح في اليوم الثاني والثالث ، فيجوز له الادخار إلى تمام الثلاث من يوم الذبح ، ولا يتم لكم الاستدلال حتى يثبت النهي عن الذبح بعد يوم النحر، ولا سبيل لكم إلى هذا . الثاني : أنه لو ذبح في آخر جزء من يوم النحر، لساغ له حينئذ الادخار ثلاثة أيام بعده بمقتضى الحديث ، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أيام النحر يوم الأضحى، وثلاثة أيام بعده ، وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن ، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح ، وامام أهل الشام الأوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي رحمه الله ، واختاره ابن المنذر ، ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى ، وأيام الرمي ، وأيام التشريق ، ويحرم صيامها ، فهي إخوة في هذه الأحكام ، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع . وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح" وروى من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع ، ومن حديث أسامة بن زيد ، عن عطاء ، عن جابر. قال يعقوب بن سفيان : أسامة بن زيدعند أهل المدينة ثقة مأمون . وفي هذه المسألة أربعة أقوال ، هذا أحدها .
والثاني : أن وقت الذبح ، يوم النحر، ويومان بعده ، وهذا مذهب أحمد ، ومالك ، وأبي حنيفة رحمهم الله ، قال أحمد: هو قول غير واحد من أهل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وذكره الأثرم عن ابن عمر ، وابن عباس رضي الله عنهم.
الثالث : أن وقت النحر يوم واحد، وهو قول ابن سيرين ، لأنه اختص بهذه التسمية، فدل على اختصاص حكمها به ، ولو جاز في الثلاثة ، لقيل لها : أيام النحر ، كما قيل لها : أيام الرمي ، وأيام منى ، وأيام التشريق ، ولأن العيد يضاف إلى النحر، وهو يوم واحد، كما يقال : عيد الفطر . الرابع : قول سعيد بن جبير ، وجابر بن زيد : أنه يوم واحد في الأمصار ، وثلاثة أيام في منى، لأنها هناك أيام أعمال المناسك من الرمي والطواف والحلق ، فكانت أياماً للذبح ، بخلاف أهل الأمصار.