منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 261  ]
قديم 04-30-2006, 01:50 PM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
عمرة عائشة من التنعيم

فصل
ولم يتعجل صلى الله عليه وسلم في يومين ، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة ، وأفاض يوم الثلاثاء بعد الظهر إلى المحصب ، وهو الأبطح ، وهو خيف بني كنانة، فوجد أبا رافع وقد ضرب له فيه قبة هناك ، وكان على ثقله توفيقاً من الله عز وجل ، دون أن يأمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة، فطاف للوداع ليلاً سحراً، ولم يرمل في هذا الطواف، وأخبرته صفية أنها حائض ، فقال : "أحابستنا هي" فقالوا له : إنها قد أفاضت قال : "فلتنفر إذا". ورغبت إليه عائشة تلك الليلة أن يعمرها عمرة مفردة ، فأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها ، فأبت إلا أن تعتمر عمرة مفردة، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم ، ففرغت من عمرتها ليلاً ثم وافت المحصب مع أخيها، فأتيا في جوف الليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فرغتما"؟ قالت : نعم ، فنادى بالرحيل في أصحابه ، فارتحل الناس ، ثم طاف بالبيت قبل صلاة الصبح . هذا لفظ البخاري .
فإن قيل : كيف تجمعون بين هذا، وبين حديث الأسود عنها الذي في الصحيح أيضاً ؟ قالت : "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم نر إلا الحج . فذكرت الحديث ، وفيه : فلما كانت ليلة الحصبة، قلت : يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع أنا بحجة ؟ قال : أوما كنت طفت ليالي قدمنا مكة ؟ قالت : قلت : لا. قال : فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم ، فأهلي بعمرة ثم موعدك مكان كذا وكذا، قالت عائشة : فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة ، وأنا منهبطة عليها، أو أنا مصعدة وهو منهبط منها ". ففي هذا الحديث ، أنهما تلاقيا في الطريق ، وفي الأول ، أنه انتظرها في منزله ، فلما جاءت نادى بالرحيل في أصحابه . ثم فيه إشكال آخر، وهو قولها : لقيني وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها ، أو بالعكس ، فإن كان الأول ، فيكون قد لقيها مصعداً منها راجعاً إلى المدينة، وهي منهبطة عليها للعمرة، وهذا ينافي انتظاره لها بالمحصب . قال أبو محمد بن حزم : الصواب الذي لا شك فيه ، أنها كانت مصعدة من مكة ، وهو منهبط ، لأنها تقدمت إلى العمرة، وانتظرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جائت ، ثم نهض إلى طواف الوداع ، فلقيها منصرفة إلى المحصب عن مكة ، وهذا لا يصح ، فإنها قالت : وهو منهبط منها، وهذا يقتضي أن يكون بعد المحصب ، والخروح من مكة ، فكيف يقول أبو محمد: إنه نهض إلى طواف الوداع وهو منهبط من مكة ؟ هذا محال . وأبو محمد، لم يحج . وحديث القاسم عنها صريح كما تقدم في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتظرها في منزله بعد النفر حتى جاءت ، فارتحل ، وأذن في الناس بالرحيل ، فإن كان حديث الأسود هذا محفوظاً، فصوابه : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا مصعدة من مكة، وهو منهبط إليها، فإنها طافت وقضت عمرتها، ثم أصعدت لميعاده ، فوافته قد أخذ في الهبوط إلى مكة للوداع ، فارتحل ، وأذن في الناس بالرحيل ، ولا وجه لحديث الأسود غير هذا ، وقد جمع بينهما بجمعين آخرين ، وهما وهم . أحدهما : أنه طاف للوداع مرتين : مرة بعد أن بعثها، وقبل فراغها ، ومرة بعد فراغها للوداع ، وهذا مع أنه وهم بين ، فإنه لا يرفع الإشكال ، بل يزيده فتأمله .
الثاني : أنه انتقل من المحصب إلى ظهر العقبة خوف المشقة على المسلمين في التحصيب ، فلقيتة وهي منهبطة إلى مكة، وهو مصعد إلى العقبة ، وهذا أقبح من الأول ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخرج من العقبة أصلاً ، وإنما خرج من أسفل مكة من الثنية السفلى بالإتفاق . وأيضاً : فعلى تقدير ذلك ، لا يحصل الجمع بين الحديثين . وذكر أبو محمد بن حزم ، أنه رجع بعد خروجه من أسفل مكة إلى المحصب ، وأمر بالرحيل ، وهذا وهم أيضاً ، لم يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وداعه إلى المحصب ، وإنما مر من فوره إلى المدينة . وذكر في بعض تآليفه ، أنه فعل ذلك ، ليكون كالمحلق على مكة بدائرة في دخوله وخروجه ، فإنه بات بذي طوى، ثم دخل من أعلى مكة، ثم خرج من أسفلها ، ثم رجع إلى المحصب ، ويكون هذا الرجوع من يماني مكة حتى تحصل الدائرة ، فإنه صلى الله عليه وسلم لما جاء ، نزل بذي طوى، ثم أتى مكة من كداء، ثم نزل به لما فرغ من الطواف ، ثم لما فرغ من جميع النسك ، نزل به ، ثم خرح من أسفل مكة وأخذ من يمينها حتى أتى المحصب ، ويحمل أمره بالرحيل ثانياً على أنه لقي في رجوعه ذلك إلى المحصب قوماً لم يرحلوا ، فأمرهم بالرحيل ، وتوجه من فوره ذلك إلى المدينة . ولقد شان أبو محمد نفسه وكتابه بهذا الهذيان البارد السمج الذي يضحك منه ، ولولا التنبيه على أغلاط من غلط عليه صلى الله عليه وسلم . لرغبنا عن ذكر مثل هذا الكلام ، والذي كأنك تراه من فعله أنه نزل بالمحصب ، وصلى به الظهر، والعصر ، والمغرب ، والعشاء، ورقد رقدة، ثم نهض إلى مكة، وطاف بها طواف الوداع ليلاً، ثم خرح من أسفلها إلى المدينة، ولم يرجع إلى المحصب ، ولا دار دائرة ففي صحيح البخاري : عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلى الظهر، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ورقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت ، وطاف به . وفي الصحيحين : "عن عائشة . خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكرت الحديث ، ثم قالت : حين قضى الله الحج ، ونفرنا من منى، فنزلنا بالمحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال له : اخرج بأختك من الحرم ، ثم افرغا من طوافكما، ثم ائتياني ها هنا بالمحصب . قالت : فقضى الله العمرة، وفرغنا من طوافنا في جوف الليل ، فأتيناه بالمحصب . فقال : فرغتما؟ قلنا : نعم . فأذن في الناس بالرحيل ، فمر بالبيت فطاف به ، ثم ارتحل متوجهاً إلى المدينة ". فهذا من أصح حديث على وجه الأرض، وأدله على فساد ما ذكر ابن حزم ، وغيره من تلك التقديرات التي لم يقع شيء منها، ودليل على أن حديث الأسود غير محفوظ ، وإن كان محفوظاً ، فلا وجه له غير ما ذكرنا وبالله التوفيق . وقد اختلف السلف في التحصيب هل هو سنة، أو منزل اتفاق؟ على قولين . فقالت طائفة: هو من سنن الحج ، فإن في الصحيحين عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى : "نحن نازلون غداً إن شاء الله بخيف ، بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر". يعني بذلك المحصب ، وذلك أن قريشاً وبني كنانة ، تقاسموا على بني هاشم ، وبني المطلب ، ألا يناكحوهم ، ولا يكون بينهم وبينهم شيء حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقصد النبي صلى الله عليه وسلم إظهار شعائر الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر، والعداوة لله ورسوله ، وهذه كانت عادته صلوات الله وسلامه عليه ، أن يقيم شعائر التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تبنى مسجد الطائف موضع اللات والعزى . قالوا: وفي صحيح مسلم : عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر، وعمر ، كانوا ينزلونه . وفي رواية لمسلم ، عنه : أنه كان يرى التحصيب سنة . وقال البخاري عن ابن عمر : كان يصلي به الظهر، والعصر، والمغرب ، والعشاء، ويهجع ، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . وذهب آخرون ، منهم ابن عباس ، وعائشة، إلى أنه ليس بسنة، وإنما هو منزل اتفاق ، ففي الصحيحين : عن ابن عباس ، ليس المحصب بشيء ، وإنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه . وفي صحيح مسلم : عن أبي رافع ، لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل بمن معي بالأبطح ، ولكن أنا ضربت قبته ، ثم جاء فنزل . فأنزل الله فيه بتوفيقه ، تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة" ، وتنفيذاً لما عزم عليه ، وموافقة منه لرسوله صلوات الله وسلامه عليه .