منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 243  ]
قديم 04-30-2006, 01:55 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
وأمر الذي حرم في جبة بعد ما تضمخ بالخلوق ، أن تنزع عنه الجبة، ويغسل عنه أثر الخلوق . فعلى هذه الأحاديث الثلاثة مدار منع المحرم من الطيب . وأصرحها : هذه القصة، فإن النهي في الحديثين الأخرين ، إنما هو عن نوع خاص من الطيب ، لا سيما الخلوق، فإن النهي عنه عام في الإحرام وغيره .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يقرب طيباً، أو يمس به ، تناول ذلك الرأس ، والبدن ، والثياب ، وأما شمه من غير مس ، فإنما حرمه من حرمه بالقياس ، وإلا فلفظ النهي لا يتناوله بصريحه ، ولا إجماع معلوم فيه يجب المصير إليه ، ولكن تحريمه من باب تحريم الوسائل ، فإن شمه يدعو إلى ملامسته في البدن والثياب ، كما يحرم النظر الى الأجنبية، لأنه وسيلة إلى غيره، وما حرم تحريم الوسائل، فإنه يباح للحاجة ، أو المصلحة الراجحة ، كما يباح النظر إلى الأمة المستامة ، والمخطوبة، ومن شهد عليها، أو يعاملها، أو يطبها . وعلى هذا، فإنما يمنع المحرم من قصد شم الطيب للترفه واللذة ، فأما إذا وصلت الرائحة إلى أنفه ، من غير قصد منه ، أو شمه قصداً، لاستعامه عندشرائه ، لم يمنع منه ، ولم يجب عليه سد أنفه ، فالأول: بمنزلة نظرالفجأة ، والثاني : بمنزلة نظرالمستام والخاطب.
ومما يوضح هذا ، أن الذين أباحوا للمحرم استدامة الطيب قبل الإحرام ، منهم من صرح بإباحة تعمد شمه بعد الإحرام ، صرح بذلك أصحاب أبى حنيفة ، فقالوا :فى جوامع الفقه لأبى يوسف : لا بأس بأن يشم طيباً تطيب به قبل إحرامه ، قال صاحب المفيد : إن الطيب يتصل به ، فيصير تبعاً له ليدفع به أذى التعب بعد إحرامه ، فيصير كالسحور في حق الصائم يدفع به أذى الجوع والعطش في الصوم ، بخلاف الثوب ، فإنه بائن عنه .
وقد اختلف الفقهاء، هل هو ممنوع من استدامته ، كما هو ممنوع من ابتدائه ، أو يجوز له استدامته ؟ على قولين . فمذهب الجمهور : جواز استدامته اتباعاً لما ثبت بالسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتطيب قبل إحرامه ، ثم يرى وبيص الطيب في مفارقه بعد إحرامه . وفي لفظ : "وهو يلبي " وفي لفظ "بعد ثلاث". وكل هذا يدفع التأويل الباطل الذي تأؤله من قال : إن ذلك كان قبل الإحرام ، فلما اغتسل ، ذهب أثره . وفي لفظ : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ، تطيب بأطيب ما يجد، ثم يرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك . ولله ما يصنع التقليد، ونصرة الآراء بأصحابه.
وقال آخرون منهم : إن ذلك كان مختصاً به ، ويرد هذا أمران ، أحدهما أن دعوى الاختصاص ، لا تسمع إلا بدليل .
والثاني : ما رواه أبو داود، عن عائشة، كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الاحرام ، فإذا عرقت إحدانا ، سال على وجهها ،فيراه النبى صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا .
الحكم العاشر : أن المحرم ممنوع من تغطية رأسه ، والمراتب فيه ثلاث : ممنوع منه بالاتفاق ، وجائز بالاتفاق ، ومختلف فيه ، فالأول : كل متصل ملامس يراد لستر الرأس ، كالعمامة ، والقبعة ، والطاقية ، والخوذة ، وغيرها . والثاني : كالخيمة ، والبيت ، والشجرة ، ونحوها ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضربت له قبة بنمرة وهو محرم إلا أن مالكاً منع المحرم أن يضع ثوبه على شجرة ليستظل به ، وخالفه الأكثرون، ومنع أصحابة المحرم أن يمشي في ظل المحمل. والثالث : كالمحمل ، والمحارة ، والهودج ، فيه ثلاثة أقوال : الجواز ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله ، والثاني : المنع . فإن فعل ، افتدى، وهو مذهب مالك رحمه الله . والثالث : المنع ، فإن فعل ، فلا فدية عليه ، والثلاثة روايات عن أحمد رحمه الله .
الحكم الحادي عشر: منع المحرم من تغطية وجهه ، وقد اختلف في هذه المسألة، فمذهب الشافعي وأحمد في رواية : إباحته ، ومذهب مالك ، وأبي حنيفة، وأحمد في رواية : المنع منه ، وبإباحته قال ستة من الصحابة : عثمان، وعبد الرحمن بن عوف ، وزيد بن ثابت ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص، وجابر رضي الله عنهم . وفيه قول ثالث شاذ: إن كان حياً، فله تغطية وجهه ،وإن كان ميتاً ، لم يجز تغطية وجهه ، قاله ابن حزم ، وهواللائق بظاهريته .
واحتج المبيحون بأقوال هؤلاء الصحابة ، وبأصل الإباحة ، وبمفهوم قوله :" ولا تخمروا رأسه " . وأجابوا عن في قوله : " ولا تخمروا وجهه " ، بأن هذه اللفظة غير محفوظ فيه . قال شعبة: حدثنيه أبو بشر، ثم سألته بعد عشر سنين، فجاء بالحديث كما كان ، إلا أنه قال :. " لاتخمروا رأسه ، ولا وجهه ". قالوا : وهذا يدل على ضعفها . قالوا : وقد روي في هذا الحديث "خمروا وجهه ، ولا تخمروا رأسه " .
الحكم الثاني عشر: بقاء الإحرام بعد الموت ، وأنه لا ينقطع به، وهذا مذهب عثمان ، وعلى ، وابن عباس ، وغيرهم رضي الله عنهم ، وبه قال أحمد ، والشافعي ، وإسحاق ، وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي : ينقطع الإحرام بالموت ، ويصنع به كما يصنع بالحلال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات أحدكم انقطع عمله إلامن ثلاث " .
قالوا : ولا دليل في حديث الذي وقصته راحلته ، لأنه خاص به ، في صلاته على النجاشي : إنها مختصة به .
قال الجمهور : دعوى التخصيص على خلاف الأصل ، فلا تقبل وقوله في الحديث : "فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً "، إشارة إلى العلة ، فلو كان مختصاً به ، لم يشر إلى العلة، ولا سيما إن قيل : لا يصح التعليل بالعلة القاصرة . وقد قال نظير هذا في شهداء أحد، فقال : "زملوهم في ثيابهم ، بكلومهم ، فإنهم يبعثون يوم القيامة اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ". وهذا غير مختص بهم ، وهو نظير قوله : "كفنوه في ثوبيه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" ولم تقولوا: إن هذا خاص بشهداء أحد فقط ، بل عديتم الحكم إلى سائر الشهداء مع إمكان ما ذكرتم من التخصيص فيه . وما الفرق؟ وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم في الموضعين واحدة ، وأيضاً: فإن هذا الحديث موافق لأصول الشرع والحكمة التي رتب عليها المعاد، فإن العبد يبعث على مامات عليه ، ومن مات على حالة بعث عليها فلو لم يرد هذا الحديث ، لكانت أصول الشرع شاهدة به . والله أعلم .