العودة الى سياق حجه صلى الله عليه وسلم
فصل
عدنا إلى سياق حجته صلى الله عليه وسلم . ثم نهض صلى الله عليه وسلم إلى أن نزل بذي طوى ، وهي المعروفة الآن بآبار الزاهر ، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل من يومه ، ونهض إلى مكة ، فدخلها نهاراً من أعلاها من الثنية العليا التي تشرف على الحجون ، وكان من العمرة يدخل من أسفلها ، وفي الحج دخل من أعلاها ، وخرج من أسفلها ، ثم سار حتى دخل المسجد وذلك ضحى .
وذكر الطبراني ، أنه دخل من باب بني عبد مناف الاذي يسميه الناس اليوم باب بني شيبة .
وذكر الإمام أحمد : أنه كان إذا دخل مكاناً من دار يعلى ، استقبل البيت فدعا .
وذكر الطبراني: أنه كان إذا نظر إلى البيت ، قال : " اللهم زد بيتك هذا تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة" . وروي عنه ، أنه كان عند رؤيته يرفع يديه ، ويكبر ويقول :" اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ، وتكريماً ومهابة ، وزد من حجه أو اعتمره تكريماً وتشريفاً ، وتعظيماً وبراً" . وهو مرسل ، ولكن سمع هذا عن سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقوله . فلما دخل المسجد، عمد إلى البيت ولم يركع تحية المسجد، فإن تحية المسجد الحرام الطواف ، فلما حاذى الحجر الأسود، استلمه ولم يزاحم ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ، ولم يرفع يديه ، ولم يقل : نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا، ولا افتتحه بالتكبير كما يفعله من لا علم عنده ، بل هو من البدع المنكرات ، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه ثم انفك عنه وجعله على شقه ، بل استقبله واستلمه ، ثم أخذ عن يمينه ، وجعل البيت عن يساره ، ولم يدع عند الباب بدعاء ، ولا تحت الميزاب ، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ، ولا وقت للطواف ذكراً معيناً ، لا بفعله ، ولا بتعليمه ، بل حفظ عنه بين الركنين : "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ورمل في طوافه هذا الثلاثة الأشواط الأول ، وكان يسرع في مشيه ، ويقارب بين خطاه ، واضطبع بردائه فجعل طرفيه على أحد كتفيه ، وأبدى كتفه الأخرى ومنكبه ، وكلما حاذى الحجر الأسود، أشار إليه أو استلمه بمحجنه ، وقبل المحجن ، والمحجن عصا محنية الرأس . وثبت عنه ، أنه استلم الركن اليماني . ولم يثبت عنه أنه قبله ، ولا قبل يده عند استلامه ، وقد روى الدارقطني : عن ابن عباس ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الركن اليماني ، ويضع خده عليه وفيه عبد الله بن مسلم بن هرمز، قال الإمام أحمد : صالح الحديث وضعفه غيره . ولكن المراد بالركن اليماني ها هنا الحجر الأسود، فإنه يسمى الركن اليماني ويقال له مع الركن الآخر اليمانيان، ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب : العراقيان ، ويقال للركنين اللذين يليان الحجر : الشاميان . ويقال للركن اليماني ، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة : الغربيان ، ولكن ثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود . وثبت عنه ، أنه استلمه بمحجن ، فهذه ثلاث صفات ، وروي عنه أيضاً ، أنه وضع شفتيه عليه طويلاً يبكي .
وذكر الطبراني عنه بإسناد جيد : أنه كان إذا استلم الركن اليماني ، قال : "بسم الله والله أكبر" .
وكان كلما أتى على الحجر الأسود قال:" الله أكبر" .
وذكر أبو داود الطيالسي ، وأبو عاصم النبيل ، عن جعفر بن عبد الله بن عثمان ، قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ، ثم قال :رأيت ابن عباس يقبله ويسجد عليه ، وقال ابن عباس : رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه . ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت .
وروى البيهقي عن ابن عباس : أنه قبل الركن اليماني ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ثلاث مرات .
وذكر أيضاً عنه ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر . ولم يستلم صلى الله عليه وسلم ، ولم يمس من الأركان إلا اليمانيين فقط . قال الشافعي رحمه الله : ولم يدع أحد استلامهما هجرة لبيت الله ، ولكن استلم ما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمسك عما أمسك عنه .