وذكر الدارقطني ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ، غسل رأسه بخطمي وأشنان . ثم طيبته عائشة بيدها بذريرة وطيب فيه مسك في بدنه ورأسه ، حتى كان وبيص المسك يرى في مفارقه ولحيته ، ثم استدامه ولم يغسله ، ثم لبس إزاره ورداءه ، ثم صلى الظهر ركعتين ، ثم أهل بالحج والعمرة في مصلاه ، ولم ينقل عنه أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر .
وقلد قبل الإحرام بدنه نعلين ، وأشعرها في جانبها الأيمن ، فشق صفحة سنامها ، وسلت الدم عنها .
وإنما قلنا: إنه أحرم قارنا ببضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك .
أحدها : ما أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر، قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج وذكر الحديث .
وثانيها: ما أخرجاه في الصحيحين أيضاً، عن عروة ، عن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثل حديث ابن عمر سواء .
وثالثها: ما روى مسلم في صحيحه ، من حديث قتيبة، عن الليث عن نافع ، عن ابن عمر، أنه قرن الحج الى العمرة، وطاف لهما طوافاً واحداً ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ورابعها: ما روى أبو داود، عن النفيلي ، حدثنا زهير هو ابن معاوية، حدثنا إسحاق عن مجاهد: سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: مرتين . فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً سوى التي قرن بحجته .
ولم يناقض هذا قول ابن عمر. "إنه صلى الله عليه وسلم ، قرن بين الحج والعمرة"، لأنه أراد العمرة الكاملة المفردة، ولا ريب أنهما عمرتان : عمرة القضاء وعمرة الجعرانة ، وعائشة رضي الله عنها أرادت العمرتين المستقلتين ، وعمرة القرآن ، والتي صد عنها، ولا ريب أنها أربع .
وخامسها: ما رواه سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر بن عبدالله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : حج ثلاث حجج : حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر معها عمرة . رواه الترمذي وغيره .
وسادسها: ما رواه ابو داود، عن النفيلي وقتيبة قالا: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية : حين تواطؤوا على عمرة من قابل ، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته .
وسابعها: ما رواه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول : "أتاني الليلة آت من ربي عز وجل ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة" .
وثامنها: ما رواه أبو داود عن البراء بن عازب قال : كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ، فأصبت معه أواقي من ذهب ، فلما قدم علي من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وجدت فاطمة رضي الله عنها قد لبست ثياباً صبيغات ، وقد نضحت البيت بنضوح ، فقالت : مالك ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، قال : فقلت لها: إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : كيف صنعت ؟ قال : قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فإني قد سقت الهدي ، وقرنت وذكر الحديث .
وتاسعها: ما رواه النسائي عن عمران بن يزيد الدمشقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن علي بن الحسين ، عن مروان بن الحكم قال : كنت جالساً عند عثمان ، فسمع علياً بن الحسين يلبي بعمرة وحجة ، فقال : ألم تكن تنهى عن هذا ؟ قال : بلى لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً، فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك . وعاشرها: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة، عن حميد بن هلال قال : سمعت مطرفاً قال : قال عمران بن حصين : أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل قرآن يحرمه .
وحادي عشرها: ما رواه يحيى بن سعيد القطان ، وسفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة، لأنه علم أنه لا يحج بعدها . وله طرق صحيحة إليهما .
وثاني عشرها: ما رواه الإمام أحمد من حديث سراقة بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، قال : وقرن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إسناده ثقات .
وثالث عشرها : ما رواه الإمام أحمد، وابن ماجه من حديث أبي طلحة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ورواه الدارقطني ، وفيه الحجاج بن أرطاة .
ورابع عشرها: ما رواه أحمد من حديث الهرماس بن زياد الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع بين الحج والعمرة .
وخامس عشرها: ما رواه البزار بإسناد صحيح أن ابن أبي أوفى قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ، لأنه علم أنه لا يحج بعد عامه ذلك وقد قيل : إن يزيد بن عطاء أخطأ في إسناده ، وقال آخرون : لا سبيل إلى تخطئته بغير دليل .
وسادس عشرها: ما رواه الإمام أحمد ، من حديث جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة، فطاف لهما طوافاً واحداً . ورواه الترمذي ، وفيه الحجاج بن أرطاة، وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن ما لم ينفرد بشيء ، أو يخالف الثقات . وسابع عشرها: ما رواه الإمام أحمد، من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج " .
وثامن عشرها : ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ لمسلم ، عن حفصة قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : "إني قلدت هديي ، ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أحل من الحج " وهذا يدل على أنه كان في عمرة معها حج ، فإنه لا يحل من العمرة حتى يحل من الحج ، وهذا على أصل مالك والشافعي ألزم ، لأن المعتمر عمرة مفردة لا يمنعه عندهما الهدي من التحلل ، وإنما يمنعه عمرة القران ، فالحديث أصلهما نص .
وتاسع عشرها : ما رواه النسائي ، والترمذي ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، أنه سمع سعد بن أبي وقاص ، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله ، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي . قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك ، قال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصنعناها معه ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
==>>يتبع