فصل في حكم صوم السبت والأحد والجمعة
فصل
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم : كان يصوم السبت والأحد كثيراً ، يقصد بذلك ولا اليهود والنصارى كما في المسند وسنن النسائي ، عن كريب مولى ابن عباس قال : أرسلني ابن عباس رضي الله عنه ، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها ؟ أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياماً؟ قالت : يوم السبت والأحد ، ويقول : " إنهما عيد للمشركين ، فأنا أحب أن أخالفهم ". وفي صحة هذا الحديث نظر، فإنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، وقد استنكر بعض حديثه . وقد قال عبد الحق في أحكامه من حديث ابن جريج ، عن عباس بن عبد المله بن عباس ، عن عمه الفضل ، زار النبي صلى الله عليه وسلم عباساً في بادية لنا .
ثم قال : إسناده ضعيف . قال ابن القطان : هو كما ذكر ضعيف ، ولا يعرف حال محمد بن عمر، وذكر حديثه هذا عن أم سلمة في صيام يوم السبت والأحد ، وقال : سكت عنه عبد الحق مصححاً له ، ومحمد بن عمر هذا، لا يعرف حاله ، ويرويه عنه ابنه عبد الله بن محمد بن عمر، ولا تعرف أيضاً حاله ، فالحديث أراه حسناً . والله أعلم .
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود، عن عبد الله بن بسر السلمي ، عن أخته الصماء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه ".
فاختلف الناس في هذين الحديثين . فقال مالك رحمه الله : هذا كذب ، يريد حديث عبد الله بن بسر، ذكره عنه أبو داود، قال الترمذي : هو حديث حسن ، وقال أبو داود : هذا الحديث منسوخ ، وقال النسائي : هو حديث مضطرب ، وقال جماعة من أهل العلم : لا تعارض بينة وبين حديث أم سلمة، فإن النهي عن صومه إنما هو عن إفراده ، وعلى ذلك ترجم أبو داود، فقال : باب النهي أن يخص يوم السبت بالصوم ، وحديث صيامه ، إنما هو مع يوم الأحد . قالوا : ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم ، إلا أن يصوم يوما قبله ، أو يوماً بعده ، وبهذا يزول الإشكال الذي ظنه من قال : إن صومه نوع تعظيم له موافقة لأهل الكتاب في تعظيمه ، وإن تضمن مخالفتهم في صومه ، فإن التعظيم إنما يكون إذا أفرد بالصوم ، ولا ريب أن الحديث لم يجىء بإفراده ، وأما إذا صامه مع غيره ، لم يكن فيه تعظيم . والله أعلم .