منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 170  ]
قديم 04-30-2006, 01:05 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
فصل في أسباب شرح الصدور وحصولها على الكمال له صلى الله عليه وسلم
فأعظم أسباب شرح الصدر : التوحيد وعلى حسب كماله ، وقوته ، وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه . قال الله تعالى : " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه " [ الزمر: 22 ] . وقال تعالى : " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء " [الأنعام : 25 ].
فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه ، ومنها : النور الذي يقذفه الله في قلب العبد ، وهو نور الإيمان ، فإنه يشرح الصدر ويوسعه ، ويفرح القلب . فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ، ضاق وحرج ، وصار في أضيق سجن وأصعبه .
وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : "إذا دخل النور القلب ، انفسح وانشرح . قالوا : وما علامة ذلك يا رسول الله ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله ". فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النور الحسي ، والظلمة الحسية ، هذه تشرح الصدر ، وهذه تضيقه .
ومنها : العلم ، فإنه يشرح الصدر، ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس ، فكلما اتسع علم العبد ، انشرح صدره واتسع ، وليس هذا لكل عالم ، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع ، فأهله أشرح الناس صدراً ، وأوسعهم قلوباً ، وأحسنهم أخلاقاً ، وأطيبهم عيشاً.
ومنها : الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ، ومحبته بكل القلب ، والإقبال عليه ، والتنعم بعبادته ، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك . حتى إنه ليقول أحياناً : إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة، فإني إذاً في عيش طيب ، وللمحبة تأثير عجيب في إنشراح الصدر، وطيب النفس ، ونعيم القلب ، لا يعرفه إلا من له حس به ، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد، كان الصدر أفسح وأشرح ، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن ، فرؤيتهم قذى عينه ، ومخالطتهم حمى روحه .
ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى، وتعلق القلب بغيره ، والغفلة عن ذكره ، ومحبة سواه ، فإن من أحب شيئا غير الله ، عذب به ، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه ، ولا أكسف بالاً ، ولا أنكد عيشاً ، ولا أتعب قلباً ، فهما محبتان ، محبة هي جنة الدنيا ، وسرور النفس ولذة القلب ، ونعيم الروح ، وغذاؤها ، ودواوها ، بل حياتها وقرة عينها ، وهي محبة الله وحده بكل القلب ، وانجذاب قوى الميل ، والإرادة ، والمحبة كلها إليه .
ومحبة هي عذاب الروح ، وغم النفس ، وسجن القلب ، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء وهي محبة ما سواه سبحانه .
ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال ، وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب ، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه .
ومنها : الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال ، والجاه ، والنفع بالبدن ، وأنواع الإحسان ، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً ، وأنعمهم قلباً ، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً ، وأنكدهم عيشاً ، وأعظمهم هماً وغماً . "وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح مثلاً للبخيل والمتصدق ، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد ، كلما هم المتصدق بصدقة ، اتسعت عليه وانبسطت ، حتى يجر ثيابه ويعفي أثره ، وكلما هم البخيل بالصدقة، لزمت كل حلقة مكانها، ولم تتسع عليه ". فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق ، وانفساح قلبه ، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه .
ومنها الشجاعة ، فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان ، متسع القلب ، والجبان : أضيق الناس صدراً، وأحصرهم قلباً ، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ، ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي ، وأما سرور الروح ، ولذتها ونعيمها ، وابتهاجها، فمحرم على كل جبان ، كما هو محرم على كل بخيل ، وعلى كل معرض عن الله سبحانه ، غافل عن ذكره ، جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ، ودينه ، متعلق القلب بغيره . وإن هذا النعيم والسرور، يصير في القبر رياضاً وجنة، وذلك الضيق والحصر، ينقلب في القبر عذاباً وسجناً . فحال العبد في القبر، كحال القلب في الصدر، نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً ، ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض ، ولا بضيق صدر هذا لعارض ، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها، وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه ، فهي الميزان والله المستعان .
ومنها بل من أعظمها: إخراح دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه ، وتحول بينه وبين حصول البرء، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره ، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه ، لم يحظ من انشراح صدره بطائل ، وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه ، وهو للمادة الغالبة عليه منهما .
ومنها : ترك فضول النظر ، والكلام ، والاستماع ، والمخالطة ، والأكل ، والنوم ، فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً ، وهموماً في القلب ، تحصره وتحبسه ، وتضيقه ، ويتعذب بها ، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها ، فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم ، وما أنكد عيشه وما أسوأ حاله ، وما أشد حصر قلبه ، ولا إله إلا الله ، ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم ، وكانت همته دائرة عليها ، حائمة حولها، فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: " إن الأبرار لفي نعيم " [ الإنفطار 13 ] ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى: " إن الفجار لفي جحيم " [الانفطار : 14 ] ، وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى.
والمقصودة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر ، واتساع القلب ، وقرة العين ، وحياة الروح ، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة ، وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي ، وأكمل متابعة له ، أكملهم انشراحاً ولذة وقرة عين ، وعلى حسب متابعته ينال العبد انشراح صدره ، وقرة عينه ، ولذة روحه ما ينال ، فهو صلى الله عليه وسلم في ذروة الكمال من شرح الصدر ، ورفع الذكر ، ووضع الوزر ، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتباعه ، والله المستعان .
وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم ، وعصمته إياهم ، ودفاعه عنهم ، وإعزازه لهم ، ونصره لهم ، بحسب نصيبهم من المتابعة ، فمستقل ، ومستكثر . فمن وجد خيراً ، فليحمــد الله . ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلا نفسه .