الحادية والثلاثون : إن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم ، وتوافيها في يوم الجمعة ، فيعرفون زوارهم ومن يمر بهم ، ويسلم عليهم ، ويلقاهم في ذلك اليوم أكثر من معرفتهم بهم في غيره من الأيام ، فهو يوم تلتقي فيه الأحياء والأموات ، فإذا قامت فيه الساعة ، التقى الأولون والآخرون ، وأهل الأرض وأهل السماء ، والرب والعبد ، والعامل وعمله ، والمظلوم وظالمه ، والشمس والقمر ، ولم تلتقيا قبل ذلك قط ، وهو يوم الجمع واللقاء ، ولهذا يلتقي الناس فيه في الدنيا أكثر من التقائهم في غيره ، فهو يوم التلاق . قال أبو التياح يزيد بن حميد . كان مطرف بن عبد الله يبادر فيدخل كل جمعة ، فأدلج حتى إذا كان عند المقابر يوم الجمعة ، قال : فرأيت صاحب كل قبر جالساً على قبره ، فقالوا : هذا مطرف يأتي الجمعة ، قال . فقلت لهم : و تعلمون عندكم الجمعة ؟ قالوا : نعم ، ونعلم ما تقول فيه الطير ، قلت : وما تقول فيه الطير ؟ قالوا : تقول : رب سلم سلم يوم صالح .
وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات وغيره ، عن بعض أهل عاصم الجحدري ، قال : رأيت عاصماً الجحدري في منامي بعد موته لسنتين ، فقلت : أليس قد مت ؟ قال : بلى ، قلت : فأين أنت ؟ قال : أنا والله في روضة من رياض الجنة ، أنا ونفر من أصحابي ، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني ، فنتلقى أخباركم . قلت : أجسامكم أم أرواحكم ؟ قال : هيهات بليت الأجسام ، وإنما تتلاقى الأرواح ، قال : قلت : فهل تعلمون بزيارتنا لكم ؟ قال : نعلم بها عشية الجمعة ، ويوم الجمعة كله ، وليلة السبت إلى طلوع الشمس . قال : قلت : فكيف ذلك دون الأيام كلها ؟ قال : لفضل يوم الجمعة وعظمته .
وذكر ابن أبي الدنيا أيضاً ، عن محمد بن واسع ، أنه كان يذهب كل غداة سبت حتى يأتي الجبانة ، فيقف على القبور ، فيسلم عليهم ، ويدعوا لهم ، ثم ينصرف . فقيل له : لو صيرت هذا اليوم يوم الإثنين . قال : بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة، ويوماً قبله ، ويوماً بعده .
وذكر عن سفيان الثوري ، قال : بلغني عن الضحاك ، أنه قال : من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس ، علم الميت بزيارته . فقيل له : كيف ذلك ؟ قال : لمكان يوم الجمعة .