الحادية والعشرون : أن فيه صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع ، والعدد المخصوص ، واشترط الإقامة ، والاستيطان ، والجهر بالقراءة . وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأت نظيره إلا في صلاة العصر ، ففي السنن الأربعة ، من حديث أبي الجعد الضمري - وكانت له صحبة - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك ثلاث جمع تهاوناً ، طبع الله على قلبه " قال الترمذي : حديث حسن ، وسألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي الجعد الضمري ، فقال : لم يعرف اسمه ، وقال : لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث .
وقد جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر لمن تركها أن يتصدق بدينار ، فإن لم يجد ، فنصف دينار . رواه أبو داود ، والنسائي من رواية قدامة بن وبرة ، عن سمرة بن جندب . ولكن قال أحمد : قدامة بن وبرة لا يعرف . وقال يحيى بن معين : ثقة ، وحكي عن البخاري ، أنه لا يصح سماعه من سمرة .
وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين ، إلا قولاً يحكى عن الشافعي ، أنها فرض كفاية ، وهذا غلط عليه منشؤه أنه قال : وأما صلاة العيد . فتجب على كل من تجب عليه صلاة الجمعة ، فظن هذا القائل أن العيد لما كانت فرض كفاية ، كانت الجمعة كذلك . وهذا فاسد ، بل هذا نص من الشافعي أن العيد واجب على الجميع ، وهذا يحتمل أمرين ، أحدهما : أن يكون فرض عين كالجمعة ، وأن يكون فرض كفاية ، فإن فرض الكفاية على الجميع ، كفرض الأعيان سواء ، وإنما يختلفان بسقوطه عن البعض بعد وجوبه بفعل الآخرين .