فصل في اختلاف الناس حول ساعة الاجابة وأقوالهم فيها
فصل
وقد اختلف الناس في هذه الساعة : هل هي باقية أو قد رفعت ؟ على قولين ، حكاهما ابن عبد البر وغيره ، والذين قالوا : هي باقية ولم ترفع ، اختلفوا ، هل هي في وقت من اليوم بعينه ، أم هي غير معينة ؟ على قولين . ثم اختلف من قال تعيينها : هل هي تنتقل في ساعات اليوم ، أو لا ؟ على قولين أيضاً ، والذين قالوا بتعيينها ، اختلفوا على أحد عشر قولاً .
قال ابن المنذر : روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : هي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .
الثاني : أنها عند الزوال ، ذكره ابن المنذر عن الحسن البصري ، وأبي العالية .
الثالث : أنها إذا أذن المؤذن بصلاة الجمعة ، قال ابن المندز : روينا ذلك عن عائشة رضي الله عنها .
الرابع : أنها إذا جلس الإمام على المنبر يخطب حتى يفرغ ، قال ابن المنذر : رويناه عن الحسن البصري .
الخامس : قاله أبو بردة : هي الساعة التي اختار الله وقتها للصلاة .
السادس : قاله أبو السوار العدوي ، وقال : كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة .
السابع : قاله أبو ذر : إنها ما بين أن ترتفع الشمس شبراً إلى ذراع .
الثامن : أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس ، قاله أبو هريرة ، وعطاء ، وعبد الله بن سلام ، وطاووس ، حكى ذلك كله ابن المنذر .
التاسع : أنها آخر ساعة بعد العصر ، وهو قول أحمد ، وجمهور الصحابة ، والتابعين .
العاشر : أنها من حين خروح الإمام إلى فراغ الصلاة ، حكاه النووي وغيره .
الحادي عشر : أنها الساعة الثالثة من النهار ، حكاه صاحب المغني فيه . وقال كعب : لو قسم الإنسان جمعة في جمع ، أتى على تلك الساعة ، وقال عمر : إن طلب حاجة في يوم ليسير .
وأرجح هذه الأقوال : قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة ، وأحدهما أرجح من الآخر .
الأول : أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى ، أن عبد الله بن عمر قال له : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئاً ؟ قال : نعم سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة " . وروى ابن ماجه ، والترمذي ، من حديث عمرو بن عوف المزني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه قالوا : يا رسول الله ! أية ساعة هي؟ قال : حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها " .
والقول الثانى : أنها بعد العصر ، وهذا أرجح القولين ، وهو قول عبد الله بن سلام ، وأبي هريرة ، والإمام أحمد ، وخلق . وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر ".
وروى أبو داود والنسائي ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " يوم الجمعة اثنا عشر ساعة ، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه ، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر ".
وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا ، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة ، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة .
وفي سنن ابن ماجه : "عن عبد الله بن سلام ، قال : قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس : إنا لنجد في كتاب الله ( يعني التوراة) في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله عز وجل شيئاً إلا قضى الله له حاجته قال عبد الله : فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة . قلت : صدقت يا رسول الله ، أو بعض ساعة . قلت : أي ساعة هي ؟ قال : هي آخر ساعة من ساعات النهار . قلت : إنها ليست ساعة صلاة ، قال : بلى إن العبد المؤمن إذا صلى ، ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة ، فهو في صلاة" . وفي مسند أحمد من حديث أبي هريرة ، قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لأي شئ سمي يوم الجمعة ؟ قال : " لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم ، وفيها الصعقة والبعثة ، وفيها البطشة ، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له " .
==>>يتبع