الحادية عشرة : أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه
،وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية ، ولم يكن اعتماده على حديث ليث ، عن مجاهد ، عن أبي الخليل ، عن أبي قتادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة . وقال : إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة - وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام ، وفي الحديث الصحيح " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه ، أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج ، فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " . رواه البخاري فندبه إلى الصلاة ما كتب له ، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام ، ولهذا قال غير واحد من السلف ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل : خروج الإمام يمنع الصلاة ، وخطبته تمنع الكلام ، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام ، لا انتصاف النهار .
وأيضاً ، فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف ، ولا يشعرون بوقت الزوال ، والرجل يكون متشاغلاً بالصلاة لا يدري بوقت الزوال ، ولا يمكنه أن يخرج ، ويتخطى رقاب الناس ، وينظر إلى الشمس ويرجع ، ولا يشرع له ذلك .
وحديث أبي قتادة هذا ، قال أبو داود : هو مرسل لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة ، والمرسل إذا اتصل به عمل ، وعضده قياس ، أو قول صحابي ، أو كان مرسله معروفاً باختيار الشيوخ ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوته ، عمل به .
وأيضاً ، فقد عضده شواهد أخر ، منها ما ذكره الشافعي في كتابه فقال : روي عن إسحاق بن عبد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة . هكذا رواه رحمه الله في كتاب اختلاف الحديث ورواه في كتاب الجمعة : حدثنا إبراهيم بن محمد ، عن إسحاق ، ورواه أبو خالد الأحمر ، عن شيخ من أهل المدينة ، يقال له : عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد رواه البيهقي في المعرفة من حديث عطاء بن عجلان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة نصف النهار ، إلا يوم الجمعة . ولكن إسناده فيه من لا يحتج به ، قاله البيهقي ، قال : ولكن إذا انضمت هذه الأحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة .
قال الشافعي : من شأن الناس التهجير إلى الجمعة ، والصلاة إلى خروج الإمام ، قال البيهقي : الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في التبكير إلى الجمعة ، وفي الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء ، وذلك يوافق هذه الأحاديث التي أبيحت فيها الصلاة نصف النهار يوم الجمعة ، وروينا الرخصة في ذلك عن عطاء ، وطاووس ، و الحسن ، ومكحول .
قلت : اختلف الناس في كراهة الصلاة نصف النهار على ثلاثة أقوال أحدها : أنه ليس وقت كراهة بحال ، وهو مذهب مالك .
الثاني : أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والمشهور من مذهب أحمد .
والثالث : أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة ، فليس بوقت كراهة ، وهذا مذهب الشافعي .