وفي مسند الإمام أحمد ، عن معاذ بن أنس الجهني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيراً ، غفر الله له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " .
وفي الترمذي ، و سنن ابن ماجه عن أبي هريرة رضي لله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حافظ على سبحة الضحى ، غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر " .
وفي المسند و السنن ، عن نعيم بن همار قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله عز وجل : يا ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره " ورواه الترمذي من حديث أبي الدرداء ، وأبي ذر .
وفي جامع الترمذي و سنن ابن ماجه ، عن أنس مرفوعاً " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة ، بنى الله له قصراً من ذهب في الجنة " .
وفي صحيح مسلم ، عن زيد بن أرقم أنه رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء ، فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ".
وقوله : ترمض الفصال ، أي : يشتد حر النهار ، فتجد الفصال حرارة الرمضاء . وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى في بيت عتبان بن مالك ركعتين .
وفي مستدرك الحاكم من حديث خالد بن عبد الله الواسطي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب " وقال : هذا إسناد قد احتج بمثله مسلم بن الحجاح ، وأنه حدث عن شيوخه ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، " ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن " قال : ولعل قائلاً يقول : قد أرسله حماد بن سلمة ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن محمد بن عمرو ، فيقال له : خالد بن عبد الله ثقة ، والزيادة من الثقة مقبولة .
ثم روى الحاكم : حدثنا عبدان بن يزيد ، حدثنا محمد بن المغيرة السكري ، حدثنا القاسم بن الحكم العرني ، حدثنا سليمان بن داود اليمامي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للجنة باباً يقال له باب الضحى ، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ، هذا بابكم ، فادخلوه برحمه الله " . وقال الترمذي في الجامع : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني موسى بن فلان ، عن عمه ثمامة بن أنس بن مالك ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة ، بنى الله له قصراً من ذهب في الجنة " . قال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وكان أحمد يرى أصح شئ في هذا الباب حديث أم هانئ . قلت : وموسى ابن فلان هذا ، هو موسى بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك .
وفي جامعه أيضاً من حديث عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ، ويدعها حتى نقول : لا يصليها . قال : هذا حديث حسن غريب .
وقال الإمام أحمد في مسنده حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن الحارث الذماري ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر ، كان له كأجر الحاج المحرم ، ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر ، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين " قال أبو أمامة : الغدو والرواح إلى هذه المساجد من الجهاد في سبيل الله عز وجل . وقال الحاكم : حدثنا أبو العباس ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو المورع محاضر بن المورع ، حدثنا الأحوص بن حكيم ، حدثني عبد الله بن عامر الألهاني ، عن منيب بن عيينة بن عبد الله السلمي ، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " من صلى الصبح في مسجد جماعة ، ثم ثبت فيه حتى الضحى ، ثم يصلي سبحة الضحى ، كان له كأجر حاج أو معتمر تام له حجته وعمرته " .
وقال ابن أبي شيبة : حدثني حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن المقبري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً ، فأعظموا الغنيمة ، وأسرعوا الكرة . فقال رجل : يا رسول الله ! ما رأينا بعثاً قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث ، فقال : " ألا أخبركم يأسرع كرة ، وأعظم غنيمة : رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه ، ثم عمد إلى المسجد ، فصلى فيه صلاة الغداة ، ثم أعقب بصلاة الضحى ، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة " .
وفي الباب أحاديث سوى هذه ، لكن هذه أمثلها . قال الحاكم : صحبت جماعة من أئمة الحديث الحفاظ الأثبات ، فوجدتهم يختارون هذا العدد ، يعني أربع ركعات ، ويصلون هذه الصلاة أربعاً ، لتواتر الأخبار الصحيحة فيه ، وإليه أذهب ، وإليه أدعوا اتباعاً للأخبار المأثورة ، واقتداء بمشايخ الحديث فيه .
قال ابن جرير الطبري - وقد ذكر الأخبار المرفوعة في صلاة الضحى واختلاف عددها : وليس في هذه الأحاديث حديث يدفع صاحبه ، وذلك أن من حكى أنه صلى الضحى أربعاً جائز أن يكون رآه في حال فعله ذلك ، ورآه غيره في حال أخرى صلى ركعتين ، ورآه آخر في حال أخرى صلاها ثمانياً ، وسمعه آخر يحث على أن يصلي ستاً ، وآخر يحث على أن يصلي ركعتين وآخر على عشر ، وآخر على ثنتي عشرة ، فأخبر كل واحد منهم عما رأى وسمع . قال : والدليل على صحة قولنا ، ما روى عن زيد بن أسلم قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول لأبي ذر : أوصني يا عم ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني ، فقال : " من صلى الضحى ركعتين ، لم يكتب من الغافلين ، ومن صلى أربعاً ، كتب من العابدين ، ومن صلى ستاً ، لم يلحقه ذلك اليوم ذنب ، ومن صلى ثمانياً ، كتب من القانتين ، ومن صلى عشراً بنى الله له بيتاً في الجنة " .
وقال مجاهد : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الضحى ركعتين ، ثم يوماً أربعاً ، ثم يوماً ستاً ، ثم يوماً ثمانياً ثم ترك . فأبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا من احتمال خبر كل مخبر ممن تقدم أن يكون إخباره لما أخبر عنه في صلاة الضحى على قدر ما شاهده وعاينه . والصواب : إذا كان الأمر كذلك : أن يصليها من أراد على ما شاء من العدد . وقد روي هذا عن قوم من السلف حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن إبراهيم ، سأل رجل الأسود ، كم أصلي الضحى ؟ قال : كم شئت .
وطائفة ثانية ، ذهبت إلى أحاديث الترك ، ورجحتها من جهة صحة إسنادها ، وعمل الصحابة بموجبها ، فروى البخاري عن ابن عمر ، أنه لم يكن يصليها ، ولا أبو بكر ، ولا عمر . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : لا إخاله . وقال وكيع : حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى إلا يوماً واحداً . وقال علي بن المديني : حدثنا معاذ بن معاذ ، حدثنا شعبة ، حدثنا فضيل بن فضالة ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال : رأى أبو بكرة ناساً يصلون الضحى ، قال : إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه .
وفي الموطأ : عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس ، فيفرض عليهم .
وقال أبو الحسن علي بن بطال : فأخذ قوم من السلف بحديث عائشة ، ولم يروا صلاة الضحى ، وقال قوم : إنها بدعة ، روى الشعبي ، عن قيس بن عبيد ، قال : كنت اختلف إلى ابن مسعود السنة كلها ، فما رأيته مصلياً الضحى . وروى شعبة ، عن سعد بن ابراهيم ، عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف ، كان لا يصلي الضحي . وعن مجاهد ، قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا ابن عمر جالس عند حجرة عائشة ، وإذا الناس في المسجد يصلون صلاة الضحى ، فسألناه عن صلاتهم ، فقال : بدعة ، وقال مرة : ونعمت البدعة .
وقال الشعبي : سمعت ابن عمر يقول : ما ابتدع المسلمون أفضل صلاة من الضحى ، وسئل أنس بن مالك عن صلاة الضحى ، فقال : الصلوات خمس .
وذهبت طائفة ثالثة إلى استحباب فعلها غباً ، فتصلى في بعض الأيام دون بعض ، وهذا أحد الروايتين عن أحمد ، وحكاه الطبري عن جماعة ، قال : واحتجوا بما روى الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : قلت لعائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجئ من مغيبه . ثم ذكر حديث أبي سعيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ، حتى نقول : لا يدعها ، ويدعها حتى نقول : لا يصليها ، وقد تقدم . ثم قال : كذا ذكر من كان يفعل ذلك من السلف . وروى شعبة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس يصليها يوماً ويدعها عشرة أيام يعنى صلاة الضحى ، وروى شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أنه كان لا يصلي الضحى ، فإذا أتى مسجد قباء ، صلى ، وكان يأتيه كل سبت . وروى سفيان ، عن منصور ، قال : كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ، ويصلون ويدعون يعني صلاة الضحى . وعن سعيد بن جبير : إني لأدع صلاة الضحى وأنا أشتهيها ، مخافة أن أراها حتماً علي . وقال مسروق : كنا نقرأ في المسجد ، فنبقى بعد قيام ابن مسعود ، ثم نقوم ، فنصلي الضحى ، فبلغ ابن مسعود ذلك فقال : لم تحملون عباد الله ما لم يحملهم الله ؟! إن كنتم لا بد فاعلين ، ففي بيوتكم . وكان أبو مجلز يصلي الضحى في منزله .
قال هؤلاء : وهذا أولى لئلا يتوهم متوهم وجوبها بالمحافظة عليها ، أو كونها سنة راتبة ، ولهذا قالت عائشة : لو نشر لي أبواي ما تركتهما . فإنها كانت تصليها في البيت حيث لا يراها الناس .
===>>يتبع