فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سجود السهو
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني " . وكان سهوه في الصلاة من تمام نعمة الله على أمته ، وإكمال دينهم ، ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو ، وهذا معنى الحديث المنقطع الذي في الموطأ : " إنما أنسى أو أنسى لأسن " .
وكان صلى الله عليه وسلم ينسى ، فيترتب على سهوه أحكام شرعية تجري على سهو أمته إلى يوم القيامة ، فقام صلى الله عليه وسلم من اثنتين في الرباعية ، ولم يجلس بينهما ، فلما قضى صلاته ، سجد سجدتين قبل السلام ، ثم سلم ، فأخذ من هذا قاعدة : أن من ترك شيئاً من أجزاء الصلاة التي ليست بأركان سهواً ، سجد له قبل السلام ، وأخذ من بعض طرقه أنه : إذا ترك ذلك وشرع في ركن ، لم يرجع إلى المتروك ، لأنه لما قام ، سبحوا ، فأشار إليهم : أن قوموا .
واختلف عنه في محل هذا السجود ، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن بحينة ، أنه صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر ، ولم يجلس بينهما ، فلما قضى صلاته ، سجد سجدتين ، ثم سلم بعد ذلك .
وفي رواية متفق عليها : يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم . وفي المسند من حديث يزيد بن هارون ، عن المسعودي ، عن زياد بن علاقة قال : صلى بنا المغيرة بن شعبة ، فلما صلى ركعتين ، قام ولم يجلس ، فسبح به من خلفه ، فأشار إليهم : أن قوموا ، فلما فرغ من صلاته ، سلم ، ثم سجد سجدتين ، وسلم ، ثم قال : هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه الترمذي .
وذكر البيهقي من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري قال : صلى بنا عقبة بن عامر الجهني ، فقام وعليه جلوس ، فقال الناس : سبحان الله ، سبحان الله ، فلم يجلس ، ومضى على قيامه ، فلما كان في آخر صلاته ، سجد سجدتى السهو وهو جالس ، فلما سلم ، قال : إني سمعتكم آنفاً تقولون : سبحان الله لكيما أجلس ، لكن السنة الذي صنعت .
وحديث عبد الله بن بحينة أولى لثلاثة وجوه .
أحدها : أنه أصح من حديث المغيرة .
الثاني : أنه أصرح منه ، فإن قول المغيرة : وهكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجوز أن يرجع إلى جميع ما فعل المغيرة ، ويكون قد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السهو مرة قبل السلام ، ومرة بعده ، فحكى ابن بحينة ما شاهده ، وحكى المغيرة ما شاهده ، فيكون كلا الأمرين جائزاً ، ويجوز أن يريد المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم قام ولم يرجع ، ثم سجد للسهو .
الثالث : أن المغيرة لعله نسي السجود قبل السلام وسجده بعده ، وهذه صفة السهو ، وهذا لا يمكن أن يقال في السجود قبل السلام ، والله أعلم .
التعديل الأخير تم بواسطة اسير الصحراء ; 04-29-2006 الساعة 12:53 AM.
|