منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 73  ]
قديم 04-27-2006, 02:10 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
وقد ذكر الطبراني في معجمه من حديث محمد بن أنس : حدثنا مطرف بن طريف ، عن أبي الجهم ، عن البراء بن عازب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها .
قال الطبراني : لم يروه عن مطرف إلا محمد بن أنس . انتهى .
وهذا الإسناد وإن كان لا تقوم به حجة ، فالحديث صحيح من جهة المعنى ، لأن القنوت هو الدعاء ، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة مكتوبة إلا دعا فيها ، كما تقدم ، وهذا هو الذي أراده أنس في حديث أبي جعفر الرازي إن صح أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا ، ونحن لا نشك ولا نرتاب في صحة ذلك ، وأن دعاءه استمر في الفجر إلى أن فارق الدنيا .
الوجه الرابع : أن طرق أحاديث أنس تبين المراد ، ويصدق بعضها بعضاً ، ولا تتناقض . وفي الصحيحين من حديث عاصم الأحول قال : سألت أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة ؟ فقال : قد كان القنوت ، فقلت : كان قبل الركوع أو بعده ؟ قال : قبله ؟ قلت : وإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت : قنت بعده . قال : كذب ، إنما قلت : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهراً . وقد ظن طائفة أن هذا الحديث معلول تفرد به عاصم ، وسائر الرواة عن أنس خالفوه ، فقالوا : عاصم ثقة جداً ، غير أنه خالف أصحاب أنس في موضع القنوتين ، والحافظ قد يهم ، والجواد قد يعثر ، وحكوا عن الإمام أحمد تعليله ، فقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - : أيقول أحد في حديث أنس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول ؟ فقال : ما علمت أحداً يقوله غيره . قال أبو عبد الله : خالفهم عاصم كلهم ، هشام عن قتادة عن أنس ، والتيمي ، عن أبي مجلز ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : قنت بعد الركوع ، وأيوب عن محمد بن سيرين قال : سألت أنساً وحنظلة السدوسي عن أنس أربعة وجوه . وأما عاصم فقال : قلت له ؟ فقال : كذبوا ، إنما قنت بعد الركوع شهراً . قيل له : من ذكره عن عاصم ؟ قال : أبو معاوية وغيره ، قيل لأبي عبد الله : وسائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع ؟ فقال : بلى كلها عن خفاف بن إيماء بن رحضة، وأبي هريرة . قلت لأبي عبد الله : فلم ترخص إذا في القنوت قبل الركوع ، وإنما صح الحديث بعد الركوع ؟ فقال : القنوت في الفجر بعد الركوع ، وفي الوتر يختار بعد الركوع ، ومن قنت قبل الركوع ، فلا بأس ، لفعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . واختلافهم ، فأما في الفجر ، فبعد الركوع .
فيقال : من العجب تعليل هذا الحديث الصحيح المتفق على صحته ، ورواه أئمة ثقات أثبات حفاظ ، والاحتجاج بمثل حديث أبي جعفر الرازي ، وقيس بن الربيع ، وعمرو بن أيوب ، وعمرو بن عبيد ، ودينار ، وجابر الجعفي ، وقل من تحمل مذهباً ، وانتصر له في كل شئ إلا اضطر إلى هذا المسلك .
فنقول وبالله التوفيق : أحاديث أنس كلها صحاح ، يصدق بعضها بعضاً ، ولا تتناقض ، والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غير القنوت الذي ذكره بعده ، والذي وقته غير الذي أطلقه ، فالذي ذكره قبل الركوع هو إطالة القيام للقراءة ، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة طول القنوت " والذي ذكره بعده ، هو إطالة القيام للدعاء ، فعله شهراً يدعو على قوم ، ويدعو لقوم ، ثم استمر يطيل هذا الركن للدعاء والثناء ، إلى أن فارق الدنيا ، كما في الصحيحين عن ثابت ، عن أنس قال : إني لا أزال أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ، قال : وكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه ، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً ، حتى يقول القائل : قد نسي ، وإذا رفع رأسه من السجدة يمكث ، حتى يقول القائل : قد نسي . فهذا هو القنوت الذي ما زال عليه حتى فارق الدنيا .
ومعلوم أنه لم يكن يسكت في مثل هذا الوقوف الطويل ، بل كان يثني على ربه ، ويمجده ، ويدعوه ، وهذا غير القنوت الموقت بشهر ، فإن ذلك دعاء على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان ، ودعاء للمستضعفين الذين كانوا بمكة . وأما تخصيص هذا بالفجر ، فبحسب سؤال السائل ، فإنما سأله عن قنوت الفجر ، فأجابه عما سأله عنه . وأيضاً ، فإنه كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات ، ويقرأ فيها بالستين إلى المائة ، وكان كما قال البراء بن عازب : ركوعه ، واعتداله ، وسجوده ، وقيامه متقارباً . وكان يظهر من تطويله بعد الركوع في صلاة الفجر ما لا يظهر في سائر الصلوات بذلك . ومعلوم أنه كان يدعو ربه ، ويثني عليه ، ويمجده في هذا الاعتدال ، كما تقدمت الأحاديث بذلك ، وهذا قنوت منه لا ريب ، فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا .
ولما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس ، هو هذا الدعاء المعروف : اللهم اهدني فيمن هديت ... إلى آخره ، وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة ، حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم ، ونشأ من لا يعرف غير ذلك ، فلم يشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا مداومين عليه كل غداة ، وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء ، وقالوا : لم يكن هذا من فعله الراتب ، بل ولا يثبت عنه أنه فعله .
وغاية ما روي عنه في هذا القنوت ، أنه علمه للحسن بن علي ، كما في المسند و السنن الأربع عنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ، ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت " قال الترمذي : حديث حسن ، ولا نعرف في القنوت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً أحسن من هذا ، وزاد البيهقي بعد "ولا يذل من واليت " ، " ولا يعز من عاديت " .
ومما يدل على أن مراد أنس بالقنوت بعد الركوع هو القيام للدعاء والثناء ، ما رواه سليمان بن حرب : حدثنا أبو هلال ، حدثنا حنظلة إمام مسجد قتادة ، قلت : هو السدوسي ، قال : اختلفت أنا وقتادة في القنوت في صلاة الصبح ، فقال قتادة : قبل الركوع ، وقلت ، أنا : بعد الركوع ، فأتينا أنس بن مالك ، فذكرنا له ذلك ، فقال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ، فكبر ، وركع ، ورفع رأسه ، ثم سجد ، ثم قام في الثانية ، فكبر ، وركع ، ثم رفع رأسه ، فقام ساعة ثم وقع ساجداً . وهذا مثل حديث ثابت عنه سواء ، وهو يبين مراد أنس بالقنوت ، فإنه ذكره دليلاً لمن قال : إنه قنت بعد الركوع ، فهذا القيام والتطويل هو كان مراد أنس ، فاتفقت أحاديثه كلها ، وبالله التوفيق . وأما المروي عن الصحابة ، فنوعان :
أحدهما : قنوت عند النوازل ، كقنوت الصديق رضي الله عنه في محاربة الصحابة لمسيلمة ، وعند محاربة أهل الكتاب ، وكذلك قنوت عمر ، وقنوت علي عند محاربته لمعاوية وأهل الشام .
الثاني : مطلق ، مراد من حكاه عنهم به تطويل هذا الركن للدعاء والثناء ، والله أعلم .