منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 72  ]
قديم 04-27-2006, 02:09 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، ثم تركه ، فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ، وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقاً عند النوازل وغيرها ، ويقولون : هو منسوخ ، وفعله بدعة ، فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها ، وهم أسعد بالحديث من الطائفتين ، فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتركونه حيث تركه ، فيقتدون به في فعله وتركه ، ويقولون : فعله سنة ، وتركه سنة ، ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه ، ولا يكرهون فعله ، ولا يرونه بدعة ، ولا فاعله مخالفاً للسنة ، كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل ، ولا يرون تركه بدعة ، ولا تاركه مخالفاً للسنة ، بل من قنت ، فقد أحسن ، ومن تركه فقد أحسن ، وركن الاعتدال محل الدعاء والثناء ، وقد جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، ودعاء القنوت دعاء وثناء ، فهو أولى بهذا المحل ، وإذا جهر به الإمام أحياناً ليعلم المأمومين ، فلا بأس بذلك ، فقد جهر عمر بالاستفتاح ليعلم المأمومين ، وجهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ليعلمهم أنها سنة ، ومن هذا أيضاً جهر الإمام بالتأمين ، وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله ، ولا من تركه ، وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه ، وكالخلاف في أنواع التشهدات ، وأنواع الأذان والإقامة ، وأنواع النسك من الإفراد والقران والتمتع ، وليس مقصودنا إلا ذكر هديه صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يفعله هو ، فإنه قبلة القصد ، وإليه التوجه في هذا الكتاب ، وعليه مدار التفتيش والطلب ، وهذا شئ ، والجائز الذي لا ينكر فعله وتركه شئ ، فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز ولما لا يجوز ، وإنما مقصودنا فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يختاره لنفسه ، فإنه أكمل الهدي وأفضله ، فإذا قلنا : لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر ، ولا الجهر بالبسملة ، لم يدل ذلك على كراهية غيره ، ولا أنه بدعة ، ولكن هديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي وأفضله ، والله المستعان .
وأما حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ، عن أنس قال : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وهو في المسند والترمذي وغيرهما ، فأبو جعفر قد ضعفه أحمد وغيره . وقال ابن المديني : كان يخلط . وقال أبو زرعة : كان يهم كثيراً . وقال ابن حبان : كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير . وقال لي شيخنا ابن تيمية قدس الله روحه : وهذا الإسناد نفسه هو إسناد حديث " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " ( الأعراف : 172) . حديث أبي بن كعب الطويل ، وفيه : وكان روح عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق في زمن آدم ، فأرسل تلك الروح إلى مريم عليها السلام حين انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً ، فأرسله الله في صورة بشر فتمثل لها بشراً سوياً ، قال : فحملت الذي يخاطبها ، فدخل من فيها ، وهذا غلط محض ، فإن الذي أرسل إليها الملك الذي قال لها ، " إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا " ( مريم :19) ولم يكن الذي خاطبها بهذا هو عيسى ابن مريم ، هذا محال .
والمقصود أن أبا جعفر الرازي صاحب مناكير ، لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث البتة ، ولو صح ، لم يكن فيه دليل على هذا القنوت المعين البتة ، فإنه ليس فيه أن القنوت هذا الدعاء ، فإن القنوت يطلق على القيام ، والسكوت ، ودوام العبادة ، والدعاء ، والتسبيح ، والخشوع ، كما قال تعالى : " وله من في السماوات والأرض كل له قانتون " ( الروم : 26) ، وقال تعالى : " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " ( الزمر : 9) ، وقال تعالى : " وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين " ( التحريم : 12) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة طول القنوت " . وقال زيد بن أرقم : لما نزل قوله تعالى : " وقوموا لله قانتين " ( البقرة : 238) أمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام . وأنس رضي الله عنه لم يقل : لم يزل يقنت بعد الركوع رافعاً صوته " اللهم اهدني فيمن هديت ..." إلى آخره ويؤمن من خلفه ، ولا ريب أن قوله : ربنا ولك الحمد ، ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شئ بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ... إلى آخر الدعاء والثناء الذي كان يقوله ، قنوت ، وتطويل هذا الركن قنوت ، وتطويل القراءة قنوت ، وهذا الدعاء المعين قنوت ، فمن أين لكم أن أنساً إنما أراد هذا الدعاء المعين دون سائر أقسام القنوت ؟!
ولا يقال : تخصيصه القنوت بالفجر دون غيرها من الصلوات دليل على إرادة الدعاء المعين ، إذ سائر ما ذكرتم من أقسام القنوت مشترك بين الفجر وغيرها ، وأنس خص الفجر دون سائر الصلوات بالقنوت ، ولا يمكن أن يقال : إنه الدعاء على الكفار ، ولا الدعاء للسمتضعفين من المؤمنين ، لأن أنساً قد أخبر أنه كان قنت شهراً ثم تركه ، فتعين أن يكون هذا الدعاء الذي داوم عليه هو القنوت المعروف ، وقد قنت أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، والبراء بن عازب ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وأنس بن مالك وغيرهم .
والجواب من وجوه .
أحدها : أن أنساً قد أخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الفجر والمغرب كما ذكره البخاري ، فلم يخصص القنوت بالفجر ، وكذلك ذكر البراء بن عازب سواء ، فما بال القنوت اختص بالفجر ؟!
فإن قلتم : قنوت المغرب منسوخ ، قال لكم منازعوكم من أهل الكوفة : وكذلك قنوت الفجر سواء ، ولا تأتون بحجة على نسخ قنوت المغرب إلا كانت دليلاً على نسخ قنوت الفجر سواء ، ولا يمكنكم أبداً أن تقيموا دليلاً على نسخ قنوت المغرب وإحكام قنوت الفجر .
فإن قلتم : قنوت المغرب كان قنوتاً للنوازل ، لا قنوتاً راتباً ، قال منازعوكم من أهل الحديث : نعم كذلك هو ، وكذلك قنوت الفجر سواء ، وما الفرق ؟ قالوا : ويدل على أن قنوت الفجر كان قنوت نازلة ، لا قنوتاً راتباً أن أنساً نفسه أخبر بذلك ، وعمدتكم في القنوت الراتب إنما هو أنس ، وأنس أخبر أنه كان قنوت نازلة ثم تركه ، ففي الصحيحين عن أنس قال : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ، ثم تركه .
الثاني : أن شبابة روى عن قيس بن الربيع ، عن عاصم بن سليمان قال : قلنا لأنس بن مالك : إن قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت بالفجر ، قال : كذبوا ، وإنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً واحداً يدعو على حي من أحياء العرب ، وقيس بن الربيع وإن كان يحيى بن معين ضعفه ، فقد وثقه غيره ، وليس بدون أبي جعفر الرازي ، فكيف يكون أبو جعفر حجة في قوله : لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا . وقيس ليس بحجة في هذا الحديث ، وهو أوثق منه أو مثله ، والذين ضعفوا أبا جعفر أكثر من الذين ضعفوا قيساً ، فإنما يعرف تضعيف قيس عن يحيى ، وذكر سبب تضعيفه ، فقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم : سألت يحيى عن قيس بن الربيع ، فقال : ضعيف لا يكتب حديثه ، كان يحدث بالحديث عن عبيدة ، وهو عنده عن منصور ، ومثل هذا لا يوجب رد حديث الراوي ، لأن غاية ذلك أن يكون غلط ووهم في ذكر عبيدة بدل منصور ، ومن الذي يسلم من هذا من المحدثين ؟
الثالث : أن أنساً أخبر أنهم لم يكونوا يقنتون ، وأن بدء القنوت هو قنوت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على رعل وذكوان ، ففي الصحيحين من حديث عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلاً لحاجة يقال لهم : القراء ، فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر يقال له : بئر معونة ، فقال القوم : والله ما إياكم أردنا ، وإنما نحن مجتازون في حاجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتلوهم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شهراً في صلاة الغداة ، فذلك بدء القنوت ، وما كنا نقنت .
فهذا يدل على أنه لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم القنوت دائماً ، وقول أنس : فذلك بدء القنوت ، مع قوله : قنت شهراً ، ثم تركه ، دليل على أنه أراد بما أثبته من القنوت قنوت النوازل ، وهو الذي وقته بشهر ، وهذا كما قنت في صلاة العتمة شهراً ، كما في الصحيحين عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة العتمة شهراً يقول في قنوته : " اللهم أنج الوليد بن الوليد ، اللهم أنج سلمة بن هشام ، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة ، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ". قال أبو هريرة : وأصبح ذات يوم فلم يدع لهم ، فذكرت ذلك له ، فقال : أو ما تراهم قد قدموا ، فقنوته في الفجر كان هكذا سواء لأجل أمر عارض ونازلة ، ولذلك وقته أنس بشهر .
وقد روي عن أبي هريرة أنه قنت لهم أيضاً في الفجر شهراً ، وكلاهما صحيح ، وقد تقدم ذكر حديث عكرمة عن ابن عباس : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : شهراً متتابعاً في الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والصبح ، ورواه أبو داود وغيره ، وهو حديث صحيح .
>>>يتبع