فصل في التفاضل بين طول القيام وإكثار السجود
فصل
وقد اختلف الناس في القيام والسجود أيهما أفضل ؟ فرجحت طائفة القيام لوجوه .
أحدها : أن ذكره أفضل الأذكار ، فكان ركنه أفضل الأركان .
والثاني : قوله تعالى : " قوموا لله قانتين " ( البقرة : 238) .
الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة طول القنوت " .
وقالت طائفة : السجود أفضل ، واحتجت بقوله صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " . وبحديث معدان بن أبي طلحة قال : لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : حدثني بحديث عسى الله أن ينفعني به ؟ فقال : عليك بالسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفع الله له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة "قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء ، فسألته ، فقال لي مثل ذلك . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب الأسلمي وقد سأله مرافقته في الجنة " أعني على نفسك بكثرة السجود " .
وأول سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة ( اقرأ ) على الأصح ، وختمها بقوله : " واسجد واقترب " ( العلق :19) .
و بأن السجود لله يقع من المخلوقات كلها علويها وسفليها ، وبأن الساجد أذل ما يكون لربه وأخضع له ، وذلك أشرف حالات العبد ، فلهذا كان أقرب ما يكون من ربه في هذه الحالة ، وبأن السجود هو سر العبودية ، فإن العبودية هي الذل والخضوع ، يقال : طريق معبد ، أي ذللته الأقدام ، ووطأته ، وأذل ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجداً .
وقالت طائفة : طول القيام بالليل أفضل ، وكثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل ، واحتجت هذه الطائفة بأن صلاة الليل قد خصت باسم القيام ، لقوله تعالى : " قم الليل " ( المزمل : 1) وقوله صلى الله عليه وسلم : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً "، ولهذا يقال : قيام الليل ، ولا يقال : قيام النهار ، قالوا : وهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه ما زاد في الليل على إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة .
وكان يصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء ، وأما بالنهار ، فلم يحفظ عنه شئ من ذلك ، بل كان يخفف السنن .
وقال شيخنا : الصواب أنهما سواء ، والقيام أفضل بذكره وهو القراءة ، والسجود أفضل بهيئته ، فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام ، وذكر القيام أفضل من ذكر السجود ، وهكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان إذا أطال القيام ، أطال الركوع والسجود ، كما فعل في صلاة الكسوف ، وفي صلاة الليل ، وكان إذا خفف القيام ، خفف الركوع والسجود ، وكذلك كان يفعل في الفرض ، كما قاله البراء بن عازب : كان قيامه وركوعه وسجوده واعتداله قريباً من السواء . والله أعلم .