منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 52  ]
قديم 04-27-2006, 01:49 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه
كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله ، وأعذبهم كلاماً ، وأسرعهم أداء ، وأحلاهم منطقاً ، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ، ويسبي الأرواح ، ويشهد له بذلك أعداؤه . وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد ، ليس بهذ مسرع لا يحفظ ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام ، بل هديه فيه أكمل الهدي ، قالت عائشة : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا ، ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه . وكان كثيراً ما يعيد الكلام ثلاثاً ليعقل عنه ، وكان إذا سلم سلم ثلاثاً . وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلام ، فصل لا فضول ولا تقصير ، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه ، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ، وإذا كره الشئ : عرف في وجهه ، ولم يكن فاحشاً ، ولا متفحشاً ، ولا صخاباً . وكان جل ضحكه التبسم ، بل كله التبسم ، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه .
وكان يضحك مما يضحك منه ، وهو مما يتعجب من مثله ويستغرب وقوعه و يستندر .
وللضحك أسباب عديدة ، هذا أحدها . والثاني : ضحك الفرح ، وهو أن يرى ما يسره أو يباشره . والثالث : ضحك الغضب ، وهو كثيراً ما يعتري الغضبان إذا اشتد غضبه ، وسببه تعجب الغضبان مما أورد عليه الغضب ، وشعور نفسه بالقدرة على خصمه ، وأنه في قبضته ، وقد يكون ضحكه لملكه نفسه عند الغضب ، وإعراضه عمن أغضبه ، وعدم اكتراثه به .
وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم ، فكان من جنس ضحكه ، لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة ، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا ، ويسمع لصدره أزيز . وكان بكاؤه تارة رحمة للميت ، وتارة خوفاً على أمته وشفقة عليها ، وتارة من خشية
الله ، وتارة عند سماع القرآن ، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال ، مصاحب للخوف والخشية . ولما مات ابنه ابراهيم ، دمعت عيناه وبكى رحمة له ، وقال : " تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " . وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض ، وبكي لما قرأ عليه ابن مسعود سورة ( النساء ) وانتهى فيها إلى قوله تعالى : " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " ( النساء : 41) وبكى لما مات عثمان بن مظعون ، وبكى لما كسفت الشمس ، وصلى صلاة الكسوف ، وجعل يبكي في صلاته ، وجعل ينفخ ، ويقول : " رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ، ونحن نستغفرك " وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وكان يبكي أحياناً في صلاة الليل .
والبكاء أنواع . أحدها : بكاء الرحمة ، والرقة .
والثاني : بكاء الخوف والخشية .
والثالث : بكاء المحبة والشوق .
والرابع : بكاء الفرح والسرور .
والخامس : بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله .
والسادس : بكاء الحزن .
والفرق بينه وبين بكاء الخوف ، أن بكاء الحزن يكون على ما مضى من حصول مكروه ، أو فوات محبوب ، وبكاء الخوف يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ، والفرق بين بكاء السرور والفرح ، وبكاء الحزن ، أن دمعة السرور باردة ، والقلب فرحان ، ودمعة الحزن حارة ، والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يفرح به : هو قرة عين ، وأقر الله به عينه ، ولما يحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله عينه به .
والسابع : بكاء الخور والضعف . والثامن : بكاء النفاق ، وهو أن تدمع العين ، والقلب قاس ، فيظهر صاحبه الخشوع ، وهو من أقسى الناس قلباً .
والتاسع : البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة ، فإنها كما قال عمر بن الخطاب : تبيع عبرتها ، وتبكي شجو غيرها .
والعاشر : بكاء الموافقة ، وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر ورد عليهم ، فيبكي معهم ، ولا يدري لأي شئ يبكون ، ولكن يراهم يبكون ، فيبكي .
وما كان من ذلك دمعاً بلا صوت ، فهو بكى ، مقصور ، وما كان معه صوت ، فهو بكاء ، ممدود على بناء الأصوات .
وقال الشاعر :
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
وما كان منه مستدعى متكلفاً ، فهو التباكي ، وهو نوعان : محمود ، ومذموم ، فالمحمود ، أن يستجلب لرقة القلب ، ولخشية الله، لا للرياء والسمعة . والمذموم : أن يجتلب لأجل الخلق ، وقد قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر : أخبرني ما يبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت ، لبكائكما ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم . وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله ، فإن لم تبكوا ، فتباكوا .