فصل في كتبه ورسله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك
لما رجع من الحديبية ، كتب إلى ملوك الأرض ، وأرسل إليهم رسله ، فكتب إلى ملك الروم ، فقيل له : إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوماً ، فاتخذ خاتماً من فضة ، ونقش عليه ثلاثة أسطر : محمد سطر ، ورسول سطر ، والله سطر ، وختم به الكتب إلى الملوك ، وبعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع .
فأولهم عمرو بن أمية الضمري ، بعثه إلى النجاشي ، واسمه أصحمة بن أبجر ، وتفسير " أصحمة " بالعربية : عطية ، فعظم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أسلم ، وشهد شهادة الحق ، وكان من أعلم الناس بالإنجيل ، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة ، هكذا قال جماعة ، منهم الواقدي وغيره ، وليس كما قال هؤلاء ، فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو الذي كتب إليه ، هذا الثاني لا يعرف إسلامه ، بخلاف الأول ، فإنه مات مسلماً . وقد روى مسلم في صحيحه من حديث قتادة عن أنس قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ، وإلى قيصر ، وإلى النجاشي ، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى ، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو محمد بن حزم : إن هذا النجاشي الذي بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ، لم يسلم ، والأول هو اختيار أبا سعد وغيره ، والظاهر قول ابن حزم .
وبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم ، واسمه هرقل ، وهم بالإسلام وكاد ، ولم يفعل ، وقيل : بل أسلم ، وليس بشئ .
وقد روى أبو حاتم ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ينطلق بصحيفتي هذه إلى قيصر وله الجنة ؟ فقال رجل من القوم : وإن لم يقبل ؟ قال : وإن لم يقبل فوافق قيصر وهو يأتي بيت المقدس قد جعل عليه بساط لا يمشي عليه غيره ، فرمى بالكتاب على البساط ، وتنحى ، فلما انتهى قيصر إلى الكتاب ، أخذه ، فنادى قيصر : من صاحب الكتاب ؟ فهو آمن ، فجاء الرجل ، فقال : أنا . قال : فإذا قدمت فأتني ، فلما قدم ، أتاه ، فأمر قيصر بأبواب قصره فغلقت ، ثم أمر منادياً ينادي : ألا إن قيصر قد اتبع محمداً ، وترك النصرانية ، فأقبل جنده وقد تسلحوا حتى أطافوا به ، فقال لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد ترى أني خائف على مملكتي ، ثم أمر مناديه فنادى : ألا إن قيصر قد رضي عنكم ، وإنما اختبركم لينظر كيف صبركم على دينكم ، فارجعوا فانصرفوا ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني مسلم ، وبعث إليه بدنانير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذب عدو الله ليس بمسلم وهو على النصرانية " وقسم الدنانير .
وبعث عبد الله بن حذافة السهمي الى كسرى ، واسمه أبرويز بن هرمز ابن أنوشروان ، فمزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم مزق ملكه " فمزق الله ملكه ، وملك قومه .
وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ، واسمه جريج بن ميناء ملك الإسكندرية عظيم القبط ، فقال خيراً ، وقارب الأمر ولم
يسلم ، وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم مارية ، وأختيها سيرين وقيسرى ، فتسرى مارية ، ووهب سيرين لحسان بن ثابت ، وأهدى له جارية أخرى ، وألف مثقال ذهباً ، وعشرين ثوباً من قباطي مصر وبغلة شهباء وهي دلدل ، وحماراً أشهب ، وهو عفير ، وغلاماً خصياً يقال له : مابور . وقيل : هو ابن عم مارية ، وفرساً وهو اللزاز ، وقدحاً من زجاج ، وعسلاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضن الخبيث بملكه " .
وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء ، قاله ابن إسحاق والواقدي . قيل : إنما توجه لجبلة بن الأيهم . وقيل : توجه لهما معاً . وقيل : توجه لهرقل مع دحية بن خليفة ، والله أعلم . وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة ، فأكرمه . وقيل : بعثه إلى هوذة وإلى ثمامة بن أثال الحنفي ، فلم يسلم هوذة ، وأسلم ثمامة بعد ذلك ، فهؤلاء الستة قيل : هم الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد .
وبعث عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جيفر وعبد الله ابني الجلندى الأزديين بعمان ، فأسلما ، وصدقا ، وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم ، فلم يزل فيما بينهم حتى بلغته وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين قبل منصرفه من الجعرانة وقيل : قبل الفتح فأسلم وصدق.
وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري باليمن ، فقال : سأنظر في أمري .
وبعث أبا موسى الأشعري ، ومعاذ بن جبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك . وقيل : بل سنة عشر من ربيع الأول داعيين إلى الإسلام ، فأسلم عامة أهلها طوعاً من غير قتال .
ثم بعث بعد ذلك علي بن أبي طالب إليهم ، ووافاه بمكة في حجة الوداع .
وبعث جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع الحميري ، وذي عمرو ، يدعوهما إلى الإسلام ، فأسلما ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرير عندهم . وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى مسيلمة الكذاب بكتاب ، وكتب إليه بكتاب آخر مع السائب بن العوام أخي الزبير فلم يسلم .
وبعث إلى فروة بن عمرو الجذامي يدعوه إلى الإسلام . وقيل : لم يبعث إليه ، وكان فروة عاملاً لقيصر بمعان ، فأسلم ، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه ، وبعث إليه هدية مع مسعود بن سعد ، وهي بغلة شهباء يقال لها : فضة ، وفرس يقال لها : الظرب ، وحمار يقال له : يعفور ، كذا قاله جماعة ، والظاهر - والله أعلم - أن عفيراً ويعفور واحد ، عفير تصغير يعفور تصغير الترخيم .
وبعث أثواباً وقباء من سندس مخوض بالذهب ، فقبل هديته ، ووهب لمسعود بن سعد اثنتي عشرة أوقية ونشاً .
وبعث عياش بن أبي ربيعة المخزومي بكتاب إلى الحارث ، ومسروح ، ونعيم بني عبد كلال من حمير .