منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 5  ]
قديم 04-27-2006, 01:22 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
فصل فيما اختاره الله من الأعمال وغيرها

فصل
والمقصود أن الله سبحانه وتعالى اختار من كل جنس من أجناس المخلوقات أطيبه ، واختصه لنفسه وارتضاه دون غيره ، فإنه تعالى طيب لا يحب إلا الطيب ، ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة إلا الطيب ، فالطيب من كل شئ هو مختاره تعالى .
وأما خلقه تعالى ، فعام للنوعين ، وبهذا يعلم عنوان سعادة العبد وشقاوته ، فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب ، ولا يرضى إلا به ، ولا يسكن إلا إليه ، ولا يطمئن قلبه إلا به ، فله من الكلام الكلم الطيب الذي لا يصعد إلى الله تعالى إلا هو ، وهو أشد شئ نفرة عن الفحش في المقال ، والتفحش في اللسان والبذاء ، والكذب والغيبة ، والنميمة والبهت ، وقول الزور ، وكل كلام خبيث .
وكذلك لا يألف من الأعمال إلا أطيبها ، وهي الأعمال التي اجتمعت على حسنها الفطر السليمة مع الشرائع النبوية ، وزكتها العقول الصحيحة ، فاتفق على حسنها الشرع والعقل والفطرة ، مثل أن يعبد الله وحده لا شريك به شيئاً ، ويؤثر مرضاته على هواه ، ويتحبب إليه جهده وطاقته ، ويحسن إلى خلقه ما استطاع ، فيفعل بهم ما يحب أن يفعلوا به ، ويعاملوه به ، ويدعهم مما يحب أن يدعوه منه ، وينصحهم بما ينصح به نفسه ، ويحكم لهم بما يحب أن يحكم له به ، ويحمل أذاهم ولا يحملهم أذاه ، ويكف عن أعراضهم ولا يقابلهم بما نالوا من عرضه ، وإذا رأى لهم حسناً أذاعه ، وإذا رأى لهم سيئاً ، كتمه ، ويقيم أعذارهم ما استطاع فيما لا يبطل شريعة ، ولا يناقض لله أمراً ولا نهياً . وله أيضاً من الأخلاق أطيبها وأزكاها ، كالحلم ، والوقار ، والسكينة ، والرحمة ، والصبر ، والوفاء ، وسهولة الجانب ، ولين العريكة ، والصدق ، وسلامة الصدر من الغل والغش والحقد والحسد ، والتواضع ، وخفض الجناح لأهل الإيمان والعزة ، والغلظة على أعداء الله ، وصيانة الوجه عن بذله وتذلله لغير الله ، والعفة ، والشجاعة ، والسخاء ، والمروءة ، وكل خلق اتفقت علي حسنه الشرائع والفطر والعقول .
وكذلك لا يختار من المطاعم إلا أطيبها ، وهو الحلال الهنيء المرئ الذي يغذي البدن والروح أحسن تغذية ، مع سلامة العبد من تبعته .
وكذلك لا يختار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها ، ومن الرائحة إلا أطيبها وأزكاها ، ومن الأصحاب والعشراء إلا الطيبين منهم ، فروحه طيب ، وبدنه طيب ، وخلقه طيب ، وعمله طيب ، وكلامه طيب ، ومطعمه طيب ، ومشربه طيب ، وملبسه طيب ، ومنكحه طيب، ومدخله طيب ، ومخرجه طيب ، ومنقلبه طيب ، ومثواه كله طيب . فهذا ممن قال الله تعالى فيه : " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون " [ النحل : 32 ] ومن الذين يقول لهم خزنة الجنة : " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " [ الزمر : 72 ] وهذه الفاء تقتضي السببية ، أي : بسبب طيبكم ادخلوها . وقال تعالى : " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " [ النور : 26 ] وقد فسرت الآية بأن الكلمات الخبيثات للخبيثين ، والكلمات الطيبات للطيبين ، وفسرت بأن النساء الطيبات للرجال الطيبين ، والنساء الخبيثات للرجال الخبيثين ، وهي تعم ذلك وغيره ، فالكلمات ، والأعمال ، والنساء الطيبات لمناسبها من الطيبين ، والكلمات ، والأعمال ، والنساء الخبيثة لمناسبها من الخبيثين ، فالله سبحانه وتعالى جعل الطيب بحذافيره في الجنة ، وجعل الخبيث بحذافيره في النار فجعل الدور ثلاثة : داراً أخلصت للطيبين ، وهي حرام على غير الطيبين ، وقد جمعت كل طيب وهي الجنة ، وداراً أخلصت للخبيث والخبائث ، ولا يدخلها إلا الخبيثون ، وهي النار ، وداراً امتزج فيها الطيب والخبيث ، وخلط بينهما ، وهي هذه الدار ، ولهذا وقع الإبتلاء والمحنة بسبب هذا الإمتزاج والإختلاط ، وذلك بموجب الحكمة الإلهية ، فإذا كان يوم معاد الخليقة ، ميز الله الخبيث من الطيب ، فجعل الطيب وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم ، وجعل الخبيث وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم ، فعاد الأمر إلى دارين فقط : الجنة ، وهي دار الطيبين ، والنار ، وهي دار الخبيثين ، وأنشأ الله تعالى من أعمال الفريقين ثوابهم وعقابهم ، فجعل طيبات أقوال هؤلاء وأعمالهم وأخلاقهم هي عين نعيمهم ولذاتهم ، أنشأ لهم منها أكمل أسباب النعيم والسرور ، وجعل خبيثات أقوال الآخرين وأعمالهم وأخلاقهم هي عين عذابهم وآلامهم ، فأنشأ لهم منها أعظم أسباب العقاب والآلام ، حكمة بالغة ، وعزة باهرة قاهرة ، ليري عباده كمال ربوبيته ، وكمال حكمته وعلمه وعدله ورحمته ، وليعلم أعداؤه أنهم كانوا من المفترين الكذابين ، لا رسله البررة الصادقون - قال الله تعالى : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين " [ النحل : 38 ، 39 ] . والمقصود أن الله - سبحانه وتعالى - جعل للسعادة والشقاوة عنواناً يعرفان به ، فالسعيد الطيب لا يليق به إلا طيب ، ولا يأتي إلا طيباً ولا يصدر منه إلا طيب ، ولا يلابس إلا طيباً ، والشقي الخبيث لا يليق به إلا الخبيث ، ولا يأتي إلا خبيثاً ، ولا يصدر منه إلا الخبيث ، فالخبيث يتفجر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه ، والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه . وقد يكون في الشخص مادتان ، فأيهما غلب عليه كان من أهلها ، فإن أراد الله به خيراً طهره من المادة الخبيثة قبل الموافاة ، فيوافيه يوم القيامة مطهراً ، فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار ، فيطهره منها بما يوفقه له من التوبة النصوح ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ، ويمسك عن الآخر مواد التطهير ، فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة ، ومادة طيبة ، وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره أحد في داره بخبائثه ، فيدخله النار طهرة له وتصفية وسبكاً ، فإذا خلصت سبيكة إيمانه من الخبث ، صلح حينئذ لجواره ، ومساكنة الطيبين من عباده .
وإقامة هذا النوع من الناس في النار على حسب سرعة زوال تلك الخبائث منهم وبطئها ، فأسرعهم زوالاً وتطهيراً أسرعهم خروجاً، وأبطؤهم أبطؤهم خروجاً ، جزاء وفاقاً ، وما ربك بظلام للعبيد .
ولما كان المشرك خبيث العنصر ، خبيث الذات ، لم تطهر النار خبثه ، بل لو خرج منها لعاد خبيثاً كما كان ، كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه ، فلذلك حرم الله تعالى على المشرك الجنة .
ولما كان المؤمن الطيب المطيب مبرءاً من الخبائث ، كانت النار حراماً عليه ، إذ ليس فيه ما يقتضي تطهيره بها ، فسبحان من بهرت حكمته العقول والألباب ، وشهدت فطر عباده وعقولهم بأنه أحكم الحاكمين ، ورب العالمين ، لا إله إلا هو .