منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 04-27-2006, 01:19 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
فصل في ذكر ما اختار الله من مخلوقاته


وإذا تأملت أحوال هذا الخلق ، رأيت هذا الإختيار والتخصيص فيه دالاً على ربوبيته تعالى ووحدانيته ، وكمال حكمته وعلمه وقدرته ، وأنه الله الذي لا إله إلا هو ، فلا شريك له يخلق كخلقه ، ويختار كاختياره ، ويدبر كتدبيره ، فهذا الإختيار والتدبير ، والتخصيص المشهود أثره في هذا العالم من أعظم آيات ربوبيته ، وأكبر شواهد وحدانيته ، وصفات كماله ، وصدق رسله ، فنشير منه إلى يسير يكون منبهاً على ما وراءه ، دالاً على ما سواه .
فخلق الله السماوات سبعاً ، فاختار العليا منها ، فجعلها مستقر المقربين من ملائكته ، واختصها بالقرب من كرسيه ومن عرشه ، وأسكنها من شاء من خلقه ، فلها مزية وفضل على سائر السماوات ، ولو لم يكن إلا قربها منه تبارك وتعالى .
وهذا التفضيل والتخصيص مع تساوي مادة السماوات من أبين الأدلة على كمال قدرته وحكمته ، وأنه يخلق ما يشاء ويختار . ومن هذا تفضيله سبحانه جنة الفردوس على سائر الجنان ، وتخصيصها بأن جعل عرشه سقفها ، وفي بعض الآثار : إن الله سبحانه غرسها بيده ، واختارها لخيرته من خلقه .
ومن هذا اختياره من الملائكة المصطفين منهم على سائرهم ، كجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .
فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة لكمال اختصاصهم ، واصطفائهم ، وقربهم من الله ، وكم من ملك غيرهم في السماوات ، فلم يسم إلا هؤلاء الثلاثة . فجبريل : صاحب الوحي الذي به حياة القلوب والأرواح ، وميكائيل : صاحب القطر الذي به حياة الأرض والحيوان والنبات ، وإسرافيل : صاحب الصور الذي إذا نفخ فيه ، أحيت نفخته بإذن الله الأموات ، وأخرجتهم من قبورهم .
وكذلك اختياره سبحانه للأنبياء من ولد آدم عليه وعليهم الصلاة والسلام ، وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، واختياره الرسل منهم ، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، على ما في حديث أبي ذر الذي رواه أحمد ، وابن حبان في صحيحه ، واختياره أولي العزم منهم ، وهم خمسة المذكورون في سورة [ الأحزاب ]
و [ الشورى ] في قوله تعالى : " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " [ الأحزاب: 7 ] ، وقال تعالى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " [ الشورى : 13 ] ، اختار منهم الخليلين : إبراهيم ومحمداً صلى الله عليهما وآلهما وسلم .
ومن هذا اختياره سبحانه ولد إسماعيل من أجناس بني آدم ، ثم اختار منهم بني كنانة من خزيمة ، ثم اختار من ولد كنانة قريشاً ، ثم اختار من قريش بني هاشم ، ثم اختار من بني هاشم سيد ولد آدم محمداً صلى الله عليه وسلم . وكذلك اختار أصحابه من جملة العالمين ، واختار منهم السابقين الأولين ، واختار منهم أهل بدر ، وأهل بيعة الرضوان ، واختار لهم من الدين أكمله ، ومن الشرائع أفضلها ، ومن الأخلاق أزكاها وأطيبها وأطهرها .
واختار أمته صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم ، كما في مسند الإمام أحمد وغيره من حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم موفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على
الله " . قال علي بن المديني وأحمد : حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده صحيح .
وظهر أثر هذا الإختيار في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومنازلهم في الجنة ومقاماتهم في الموقف ، فإنهم أعلى من الناس على تل فوقهم يشرفون عليهم ، وفي الترمذي من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أهل الجنة عشرون ومائة صف ، ثمانون منها من هذه الأمة ، وأربعون من سائر الأمم " قال الترمذي : هذا حديث حسن . والذي في
الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بعث النار : " والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة " ، ولم يزد على ذلك . فإما أن يقال : هذا أصح ، وإما أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم طمع أن تكون أمته شطر أهل الجنة ، فأعلمه ربه فقال : إنهم ثمانون صفاً من مائة وعشرين صفاً ، فلا تنافي بين الحديثين ، والله أعلم .
ومن تفضيل الله لأمته واختياره لها أنه وهبها من العلم والحلم ما لم يهبه لأمة سواها ، وفي مسند البزار وغيره من حديث أبي الدرداء قال : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى قال لعيسى ابن مريم : إني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون ، حمدوا وشكروا ، وإن أصابهم ما يكرهون ، احتسبوا وصبروا ، ولا حلم ولا علم ، قال : يا رب ، كيف هذا ولا حلم ولا علم ؟ قال : أعطيهم من حلمي وعلمي " .