منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - بحث((( موسوعة سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام )))
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 127  ]
قديم 04-26-2006, 07:51 PM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
فصل في غزوة تبوك :
قال ابن إسحاق : كانت في زمان عسرة من الناس ، وجدب من البلاد ، حين طابت الثمار ، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، وكان صلى الله عليه وسلم قلما يخرج من غزوة إلا ورى بغيرها ، إلا ما كان منها ، فإنه جلاها للناس لبعد الشقة ، وشدة الزمان .
فقال ذات يوم -وهو في جهازه- للجد بن قيس : هل لك في جلاد بني الأصفر؟، فقال : يا رسول الله ! أو تأذن لي ولا تفتني ؟ فقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجباً بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ، أن لا أصبر ، فقال : قد أذنت لك ، ففيه نزلت : " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني " .
وقال قوم من المنافقين ، بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر ، فنزل : " وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا " .
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض أهل الغنى [على النفقة ، فحمل رجال من أهل الغنى] واحتسبوا ، وأنفق عثمان ثلاثمائة بعير بأحلاسها ، وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عيناً .
وجاء البكاؤون -وهم سبعة- يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا أجد ما أحملكم عليه ، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ، أن لا يجدوا ما ينفقون .
وقام علبة بن زيد ، فصلى من الليل وبكى ، ثم قال : "اللهم إنك أمرت بالجهاد ، ورغبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه . وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها : من مال ، أو جسد أو عرض ، ثم أصبح مع الناس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أين المتصدق هذه الليلة؟ [فلم يقم إليه أحد ، ثم قال : أين المتصدق ، فليقم]، فقام إليه فأخبره ، فقال صلى الله عليه وسلم : أبشر ، فوالذي نفس محمد بيده ، لقد كتبت في الزكاة المتقبلة" .
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ، فلم يعذرهم .
واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري ، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه ، وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب ، منهم الثلاثة - كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع- وأبو خيثمة السالمي ، وأبو ذر ، ثم لحقاه . وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفاً من الناس ، والخيل عشرة آلاف فرس ، وأقام بها عشرين ليلة يقصر الصلاة ، وهرقل يومئذ بحمص .
قال ابن إسحاق : "ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خلف علياً على أهله . فقال المنافقون : ما خلفه إلا استثقالاً له ، وتخففاً منه ، فأخذ سلاحه ولحق به بالجرف . فقال : يا نبي الله ! زعم المنافقون أنك ما خلفتني إلا استثقالاً . فقال : كذبوا ، ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أو لا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي" ، فرجع .
ودخل أبو خيثمة إلى أهله في يوم حار ، بعدما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له ماء ، وهيأت له طعاماً . فلما دخل قام على باب العريش ، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا ، فقال : رسول الله في الضح ، والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام مهيأ، وامرأة حسناء ؟ ما هذا بالنصف ، ثم قال . والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهيئا لي زاداً ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ، ثم خرج حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل تبوك .
وقد كان عمير بن وهب الجمحي أدرك أبا خيثمة في الطريق فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة له : إن لي ذنباً ، فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل ، حتى إذا دنا من رسول الله ، قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا خيثمة، قالوا: يا رسول الله ! هو والله أبو خيثمة . فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله ، فقال له : أولى لك يا أبا خيثمة، فأخبره الخبر ، فقال له خيراً ، ودعا له .
وقد "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما مر بالحجر -من ديار ثمود- قال : لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم مثل ما أصابهم" .
وقال : "لا تشربوا من مائها شيئاً ، ولا تتوضؤوا منه للصلاة ، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً ، وأمرهم : أن يهريقوا الماء ، وأن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة" .
وفي صحيح مسلم "عن أبي حميد الساعدي ، قال : انطلقنا حتى قدمنا تبوك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستهب عليكم الليلة ريح شديدة ، فلا يقم أحد منكم، فهن كان له بعير فليشد عقاله، فهبت ريح شديدة ، فقام رجل ، فحملته الريح حتى ألقته بحبلي طيئ" .
قال ابن إسحاق : "وأصبح الناس ولا ماء معهم . فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا الله، فأرسل الله سحابة، فأمطرت حتى ارتوى الناس ، واحتملوا حاجتهم من الماء" .
ثم سار حتى إذا كان ببعض الطريق جعلوا يقولون : تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه .
وتلوم على أبي ذر بعيره ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً .
و"نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله ، فنظر ناظر المسلمين فقال : يا رسول الله ! إن هذا الرجل يمشي على الطريق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا ذر، فلما تأملوه ، قالوا : يا رسول الله ! هو والله أبو ذر. فقال : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده" .
وفي صحيح ابن حبان عن أم ذر قالت : "لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : وما لي لا أبكي ، وأنت تموت بفلاة من الأرض ، وليس عندي ثوب يسعك كفناً ، ولا يدان لي في تغيبك ؟ فقال : أبشري ولا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر -وأنا فيهم- :ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، يشهده عصابة من المسلمين ، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة ، فأنا ذلك الرجل ، فوالله ما كذبت ولا كذبت ، فأبصري الطريق ،. فكنت أشتد إلى الكثيب أتبصر ، ثم أرجع فأمرضه. فبينا أنا وهو كذلك، إذا أنا برجال على رحالهم، كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم ، قالت : فأشرت إليهم . فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي ، فقالوا : يا أمة الله ! ما لك؟ قلت : امرؤ من المسلمين يموت تكفنوه . قالوا : من هو ؟ قلت : أبو ذر ، قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت : نعم ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، وأسرعوا إلي حتى دخلوا عليه . فقال لهم : أبشروا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وذكر الحديث - ثم قال : وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي ولامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي ، أو لها ، فإني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميراً أو عريفاً ، أو بريداً أو نقيباً . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار . قال : يا عم ، أنا أكفنك في ردائي هذا . وفي ثوبي في عيبتي من غزل أمي ، قال : فأنت تكفني ، فكفنه الأنصاري ، وأقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان" .
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه صاحب أيلة . فصالحه وأعطاه الجزية ، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية ، وكتب لهم كتاباً فهو عندهم .
ثم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة ، وقال لخالد : إنك تجده يصيد البقر ، فخرج خالد ، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة -وهو على سطح له- فبانت البقر تحك بقرونها باب القصر. فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال: لا والله، قالت : فمن يترك مثل هذه ؟ قال : لا أحد . ثم نزل فأمر بفرسه فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته . فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته وقتلوا أخاه ، وقدم به خالد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحقن له دمه ، وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله ، فرجع إلى قريته .
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ، ثم انصرف إلى المدينة . قال : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التميمي : أن ابن مسعود كان يحدث ، قال : قمت من جوف الليل ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، فأتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، وإذا عبد الله ذو البجادين -والبجاد الكساء الأسود- المزني قد مات ، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر ، يدليانه إليه ، وهو يقول : أدليا إلي أخاكما ، فأدلياه إليه. فلما هيأه لشقه ، قال : اللهم إني قد أمسيت راضياً عنه ، فأرض عنه ، قال : يقول عبد الله بن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، حتى كان بينه وبين المدينة ساعة ، وكان أصحاب مسجد الضرار أتوه -وهو يتجهز إلى تبوك- فقالوا : يا رسول الله ! إنا بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة ، وإنا نحب أن تصلي فيه ، فقال : إني على جناح سفر ، ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم .
فلما نزل بذي أوان ، جاءه خبر المسجد من السماء ، فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي ، فقال :أنطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدماه ، وحرقاه ، فخرجا مسرعين حتى أتيا بني سالم بن عوف -وهم رهط مالك بن الدخشم- فقال لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل إلى أهله ، فأخذ سعفاً من النخل . فأشعل فيه ناراً ، ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه -وفيه أهله- فحرقاه وهدماه . وأنزل الله سبحانه : " والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين " إلى قوله : " والله عليم حكيم " .
قال ابن عباس في الآية : هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجداً، فقال لهم أبو عامر الفاسق : ابنوا مسجدكم ، واستمدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح ، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآت بجند من الروم ، فأخرج محمداً وأصحابه. فلما فرغوا من بنائه، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إنا قد فرغنا من بناء مسجدنا ، ونحب أن تصلي فيه ، وتدعو بالبركة ؟ فأنزل الله عز وجل : " لا تقم فيه أبدا " إلى قوله : " لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم " ، يعني الشك ، " إلا أن تقطع قلوبهم " يعني بالموت .
ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، خرج الناس لتلقيه ، والنساء والصبيان والولائد يقلن :
طلع البـدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعـا للـه داع
وكانت غزوة تبوك أخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وأنزل الله فيها سورة براءة .
وكانت تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المبعثرة، لما كشفت من سرائر المنافقين وخبايا قلوبهم .
وفي غزوة تبوك : كانت قصة تخلف كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية الواقفي -ممن شهدوا بدراً- ولم يكن لهم عذر في التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، جاء المعذرون من الأعراب من المنافقين ، يحلفون أنهم كانوا معذورين ، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأرجأ كعب بن مالك وصاحبيه حتى أنزل الله في شأنهم وفي توبتهم -وكانوا من خيار المؤمنين- : " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا " الآيتين ، خلفهم الله وأخر توبتهم ليمحصهم ويطهرهم من ذنب تأخرهم ، لأنهم كانوا من الصادقين .