الدليل السابع : قصة التتار :
وذلك : أنهم بعدما فعلوا بالمسلمين ما فعلوا ، وسكنوا بلاد المسلمين ، وعرفوا دين الإسلام ، استحسنوه وأسلموا ، لكن لم يعملوا بما يجب عليهم من شرائعه ، وأظهروا أشياء من الخروج عن الشريعة ، لكنهم كانوا يتلفظون بالشهادتين، ويصلون الصلوات الخمس والجمعة والجماعة ، وليسوا كالبدو ، ومع هذا كفرهم العلماء ، وقاتلوهم وغزوهم ، حتى أزالهم الله عن بلدان المسلمين .
وفيما ذكرنا كفاية لمن هداه الله .
وأما من أراد الله فتنته : فلو تناطحت الجبال بين يديه لم ينفعه ذلك .
ولو ذكرنا ما جرى من السلاطين والقضاة ، من قتل من أتى بأمور يكفر بها - ولو كان يظهر شعائر الإسلام - وقامت عليه البينة باستحقاقه للقتل ، مع أن في هؤلاء المقتولين من كان من أعلم الناس ، وأزهدهم وأعبدهم في الظاهر ، مثل الحلاج وأمثاله، ومن هو من الفقهاء المصنفين ، كالفقيه عمارة .
فلو ذكرنا قصص هؤلاء لاحتمل مجلدات ، ولا نعرف فيهم رجلاً واحداً بلغ كفره كفر البدو الذين يقول عنهم -من يزعم إسلامهم-: إنه ليس معهم من الإسلام شعرة إلا قول لا إله إلا الله، ولكن من يهد الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
والعجب : أن الكتب التي بأيديهم ، والتي يزعمون أنهم يعرفونها ويعملون بها ، فيها مسائل الردة . وتمام العجب : أنهم يعرفون بعض ذلك ويقرون به ، ويقولون : من أنكر البعث كفر ، ومن شك فيه كفر ، ومن سب الشرع كفر ، ومن أنكر فرعاً مجمعاً عليه كفر ، كل هذا يقولونه بألسنتهم .
فإذا كان من أنكر الأكل باليمين ، أو أنكر النهي عن إسبال الثياب ، أو أنكر سنة الفجر أو الوتر ، فهو كافر . ويصرحون : أن من أنكر الإسلام كله وكذب به ، واستهزأ بمن صدقه ، فهو أخوك المسلم ، حرام الدم والمال ، ما دام يقول : لا إله إلا الله ثم يكفروننا ، ويستحلون دماءنا وأموالنا ، مع أنا نقول : لا إله إلا الله، فإذا سئلوا عن ذلك ؟ قالوا : من كفر مسلماً فقد كفر .
ثم لم يكفهم ذلك حتى أفتوا لمن عاهدنا بعهد الله ورسوله : أن ينقض العهد وله في ذلك ثواب عظيم ، ويفتون من عنده أمانة لنا ، أو مال يتيم : أنه يجوز له أكل أمانتنا ، ولو كانت مال يتيم ، بضاعة عنده أو وديعة ، بل يرسلون الرسائل لدهام بن دواس وأمثاله : إذا حاربوا التوحيد ونصروا عبادة الأصنام ، يقولون : أنت يا فلان قمت مقام الأنبياء . مع إقرارهم أن التوحيد - الذين ندعو إليه ، وكفروا به وصدوا الناس عنه - هو دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأن الشرك -الذي نهينا الناس عنه، ورغبوهم هم فيه ، وأمروهم بالصبر على آلهتهم- : أنه الشرك الذي نهى عنه الأنبياء ، ولكن هذه من أكبر آيات الله ، فمن لم يفهمها فليبك على نفسه ، والله سبحانه وتعالى أعلم