تفسير قوله تعالى : " قالوا فيم كنتم "
ويوضحه قوله تعالى : " قالوا فيم كنتم " ، ولم يقولوا : كيف عقيدتكم أو كيف فعلكم ؟ بل قالوا : في أي الفريقين كنتم ؟ فاعتذروا بقولهم : " كنا مستضعفين في الأرض "، فلم تكذبهم الملائكة في قولهم هذا ، بل قالوا لهم : " ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها " ، ويوضحه قوله : " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا " .
فهذا في غاية الوضوح ، فإذا كان هذا في السابقين الأولين من الصحابة ، فكيف بغيرهم ؟
ولا يفهم هذا إلا من فهم أن أهل الدين اليوم لا يعدونه ذنباً ، فإذا فهمت ما أنزل الله فهماً جيداً ، وفهمت ما عند من يدعي الدين اليوم ، تبين لك أمور :
منها : أن الإنسان لا يستغني عن طلب العلم ، فإن هذه وأمثالها لا تعرف إلا بالتنبيه . فإذا كانت قد أشكلت على الصحابة قبل نزول الآية ، فكيف بغيرهم ؟
ومنها : أنك تعرف أن الإيمان ليس كما يظنه غالب الناس اليوم ، بل كما قال الحسن البصري - فيما روى عنه البخاري : " ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال" .
نسأل الله أن يرزقنا علماً نافعاً ، ويعيذنا من علم لا ينفع .
قال عمر بن عبد العزيز : يا بني ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير : أن تعقل عن الله ثم تطيعه .
ولما هاجر المسلمون إلى المدينة ، واجتمع المهاجرون والأنصار : شرع الله لهم الجهاد ، وقبل ذلك نهوا عنه ، وقيل لهم : " كفوا أيديكم "، فأنزل الله تعالى : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " ، فبذلوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى رضي الله عنهم ، فشكر الله لهم ذلك ، ونصرهم على من عاداهم مع قلتهم وضعفهم ، وكثرة عدوهم وقوته