جمع قصي قومه من منازلهم إلى مكة
فوليها قصي ، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة ، وتملك عليهم ، وملكوه ، لأنه أقر للعرب ما كانوا عليه ، لأنه يراه ديناً لا يغير ، فأقر النسأة وآل صفوان وعدوان ، ومرة بن عوف على ما كانوا عليه ، حتى جاء الإسلام ، فهدم ذلك كله ، وفيه يقول الشاعر :
قصي لعمري كان يدعى مجمعاً به جمع الله القبائل من فهر
فكان قصي أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكاً أطاع له به قومه ، فكانت إليه الحجابة ، والسقاية ، والرفادة ، والندوة ، واللواء وقطع مكة رباعاً بين قومه ، فأنزل كل قوم منهم منازلهم .
وقيل : إنهم هابوا قطع الشجر عن منازلهم ، فقطعها بيده وأعوانه ، فسمته قريش مجمعاً لما جمع من أمرهم ، وتيمنت بأمره فلا تنكح امرأة منهم ولا يتزوج رجل ولا يتشاورون فيما نزل بهم ، ولا يعقدون لواء حرب إلا في داره يعقده لهم بعض ولده .
فكان أمره في حياته -وبعد موته- عندهم كالدين المتبع ، واتخد لنفسه دار الندوة .
فلما كبر قصي ورق عظمه -وكان عبد الدار بكره - وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه ، وعبد العزى وعبد الدار . فقال قصي لعبد الدار : لألحقنك بالقوم ، وإن شرفوا عليك ، لا يدخل أحد منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له ، ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت . ولا يشرب رجل بمكة إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاماً إلا من طعامك ، ولا تقطع قريش أمراً من أمورها إلا في دارك .
فأعطاه دار الندوة ، والحجابة ، واللواء ، والسقاية ، والرفادة : وهي خرج تخرجه قريش في الموسم من أموالها إلى قصي ، فيصنع به طعاماً للحاج ، يأكله من لم يكن له سعة ولا زاد ، لأن قصياً فرضه على قريش . فقال لهم : إنكم جيران الله وأهل بيته . وإن الحاج ضيف الله ، وهم أحق الضيف بالكرامة . فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً أيام الحج حتى يصدروا عنكم . ففعلوا .
وكان قصي لا يخالف ، ولا يرد عليه شئ صنعه فلما هلك أقام بنوه أمره لا نزاع بينهم .
ثم إن بني عبد مناف أرادوا أخذ ما بيد عبد الدار ورأوا أنهم أولى بذلك ، فتفرقت قريش ، بعضهم معهم ، وبعضهم مع عبد الدار، فكان صاحب أمر عبد مناف : عبد شمس بن عبد مناف ، لأنه أسنهم ... وصاحب أمر بني عبد الدار : عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ، فعقد كل قوم حلفاً مؤكداً . فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيباً ، فغمسوا أيديهم فيها ، ومسحوا بها الكعبة ، فسموا المطيبين وتعاقد بنو عبد الدار وحلفاؤهم فسموا الأحلاف . ثم تداعوا إلى الصلح ، على أن لبني عبد مناف السقاية والرفادة ، وأن الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار ، فرضوا ، وثبت كل قوم مع من حالفوا ، حتى جاء الله بالإسلام . "فقال صلى الله عليه وسلم : كل حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة