![]() |
((( عمـــــوم الدعـــــوة المحمــــدية )))
جامعة الكويت
كلية الدراسات العليا برنامج الحديث الشريف وعلومه عمـــــوم الدعـــــوة المحمــــدية إشــراف الدكتور : طـــارق الطـــواري عمــــل الطالبـــــة : نور عبد العزيز الشايع مقــــــرر : حــــــــــــــديـث موضــــــــــوعــــــــــــــي العــــام الدراســـــي: 1426-1427 هـ |
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمــــة والحمد لله رب العالمين ، حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ... فبين أيدكم بحث بعنوان ( عموم الدعوة المحمدية ) ، كلفت به من قبل أستاذي الفاضل الدكتور / طارق الطواري ، ضمن مقرر الحديث الموضوعي والمنهجية المطلوبة في البحث : جمع الأحاديث المتعلقة بالموضوع مدار البحث وتخريجها ، ثم تحليل جزئيات الموضوع على ضوء أحاديث السنة النبوية الشريفة . وموضوع عموم رسالة الإسلام ودعوته أصل من أصول الدين الإسلامي ، وخاصة من خصائص نبينا اختصه الله تعالى بها دون من سواه من الرسل والأنبياء . " إن المصحف يفتتح بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ويختتم بـ ( قل أعوذ برب الناس ) وبينهما تسبح الآيات في فضاء من العالمية لا يقصر الإله على قوم ولا يجعلهم شعبه المختار " (1) أما خطة البحث فهي كالتالي :- المبحث الأول : تعريف عموم الدعوة والمقصود بالدعوة الإسلامية ، ويتضمن التعريف بمحاسن الشريعة وشموليتها للآداب والأخلاق والأحكام ومراعاتها للمصالح الفردية والجماعية . المبحث الثاني : أدلة العموم من القرآن الكريم . ----------------------------------------------- (1) من كلمة ألقاها الباحث المغربي بأبو زيد المقري الإدريسي – في مؤتمر بعنوان : رحمة للعالمين |
المبحث الثالث : أدلة العموم من السنة النبوية والآثار .
المبحث الرابع : شمولية الدعوة للجن . المبحث الخامس : شبهات حول شمول الدعوة الإسلامية وعمومها . المبحث السادس : كيف يصل المسلمون إلى عالمية الدعوة ؟ المبحث السابع : حكم من لم تبلغه الدعوة . تم خاتمة تتضمن خلاصة البحث ، والله عز وجل أسأل التوفيق والسداد ، والنصرة لدينه والتمكين لأهل الإسلام في الأرض .. نور عبد العزيز الشايع |
المبحث الأول :
تعريف عموم الدعوة الإسلامية معنى كلمة عموم : 1- لغة : (عمَّ ) الشيء يعُمُّ ( عموماً ) أي شمل الجماعة ، يقال عمّهم بالعطية . (1) 2- تعريف ( العام ) عند الأصوليين : هو لفظ يستغرق جميع ما يصلح له ، من غير حصر . (2) أما المعنى المراد من ( عموم الدعوة ) : فهو : شمولها لجميع خلق الله إنساً وجناً ، في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة . تعريف الدعوة الدعوة : مصدر ( دعا ) تقول : دعوت زيداً دعاء ودعوة ، أي ناديته . والدعوة تأتي في اللغة لمعان منها :- أ- النداء ، تقول دعوت فلاناًَ أي ناديته ، وهذا هو الأصل في معنى ( دعا ) مطلقاً ولو من الأعلى للأدنى ، ومنه قوله تعالى " يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده " الإسراء (52) . ب- الطلب من الأدنى إلى الأعلى ، ومنه قوله تعالى : " أجيب دعوة الداع إذا دعان " البقرة (186) ، واستعمال لفظ الدعاء في هذا أكثر من ( الدعوة ) . جـ- والدعوة : الدين أو المذهب ، حقاً كان أم باطلاً ، سمي بذلك لأن صاحبه يدعو إليه ، ومنه قوله تعالى : ( له دعوة الحق ) الرعد (14) وهذا الأخير هو المعنى المراد من بحثنا ، وعند قولنا عموم الدعوة المحمدية فإننا نعني عموم دين الإسلام للبشرية . -------------------------------------------- (1) مختار الصحاح (2) الوجيز في أصول التشريع الإسلامي د. محمد حسن هيتو صـ 159 |
وأما إطلاق الدعوة على الدين نفسه ، أو على المذهب ، فلأن صاحبه يدعو إليه ، ومنه قوله تعالى ( له دعوة الحق ) الرعد (14) .
قال الزجاج : جاء في التفسير أنها شهادة أن لا إله إلا الله ، أي لأنها يدعى إليها أهل الملل الكافرة ، وفي كتاب النبي إلى هرقل : " إني أدعوك بدعاية الإسلام " (1) قال ابن منظور : أي بدعوته . (2) مواصفات العالمية في الدعوة لكي تكون الدعوة عالمية ، وصالحة لكل البشر في كل زمان ومكان ، لابد أن تتوفر فيها مواصفات معينة وهي : - 1- أن تكون وافية وشاملة بحاجات المجتمع ومتطلبات الحياة في كل زمان ومكان . 2- أن تكون أنظمتها صالحة لشؤون الحياة ومحققة لمصالح الناس . 3- ألا تصادم نصوصها الحقائق العلمية الثابتة منذ وقت نزولها إلى أن تقوم الساعة. وسنبين كل صفة بالتفصيل : 1- أن تكون وافية بحاجات المجتمع ومتطلبات الحياة ، وهذا ما نسميه اختصاراً ( الشمول ) أي شمول الشريعة الإسلامية لمعاني الآداب والأخلاق والأحكام في حياة الإنسان ، وشمولها لجميع أنظمة الحياة ومجالاتها ( سياسياً ، اجتماعياً ، اقتصادياً ، دينياً ) . والإسلام هو أول من وضع هذه الأنظمة وبناها على أساس قويم وهو العقيدة الإسلامية ، ولنلقي نظرة على شمول الشريعة لجوانب الحياة المختلفة : أ- شمول الشريعة لجوانب الحياة الإنسانية : ------------------------------------------ (1) أخرجه البخاري من حديث أبي سفيان – كتاب : بدء الوحي – باب : - ص22 حديث رقم (7) (2) الموسوعة الفقهية ج (20/ص ) |
من مظاهر شمول الشريعة الإسلامية إحاطتها بجميع أحوال الإنسان ومراحل حياته ، فلم تترك من ذلك جانباً إلا وضعت له أحكام وآدابه وبحثت كل ما يتعلق به ، من ولادته ، وطفولته وتربيته ، وعلمه وعلمه حتى لحظة وفاته . من أمثلة ذلك .
- قبل أن يولد الإنسان حافظ الإسلام على الوعاء الذي سيحمله وذلك من أجل أن يوفر للطفل جو طاهر عفيف ، قال عز وجل " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا " الإسراء (32) وروي عن رسول الله أنه قال: " تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس " . - العناية بالجنين وهو في بطن أمه ، من حيث العمل على كل ما يحفظ حياته لذلك أباح الإسلام للمرأة الحامل الفطر في رمضان إذا خافت على الجنين ، كما شرع النفقة للحامل المطلقة حتى تضع حملها ، قال تعالى " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " الطلاق (6) . وغير ذلك من الأمثلة التي يصعب حصرها . ب- شمول الشريعة في الجانب السياسي : ونعني بالجانب السياسي ما يتعلق بأمور الحكم ، وعلاقة الأمة بالأمم الأخرى ، فالإسلام اعتنى بهذا الجانب واعتبره جزءاً من الشريعة ، وتتمثل الأسس التي يقول عليها النظام السياسي في الإسلام في الآتي :- 1- العدل 2- الطاعة 3- الشورى (1) إن هناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث التي تدعو إلى العدل وإقامته في الأرض ، ولم تكن هذه مجرد دعاوى بل كان نظاماً متبعاً طبقه الرسول وجرى على ذلك أصحابه رضي الله عنهم . ثم إن الإسلام طلب من الرعية الطاعة لولي الأمر ، واعتبرها من طاعة الله ورسوله ، قال عز وجل " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " النساء (59) --------------------------------------------------- (1) خصائص الدعوة الإسلامية محمد أمين حسن ص (238) |
أي ما داموا يأمرون بما يرضي الله ورسوله ويحكموا فيكم بكتاب الله تعالى ، وهذا مما يشيع الأمن والاستقرار في المجتمعات ، وتكون الأمم عاملة منتجة ، تشتغل فيما ينفعها ، ولو زاد ظلمه فالصبر والاحتساب درءً للمفسدة وتحقيقا للمصلحة
أما الشورى فهي مبدأ إسلامي أصيل له شواهد في القرآن والسنة وأفعال الرسول مع صحابته تؤكد هذا المبدأ . فقد أوجب الإسلام الشورى لتقوية الروابط بين المسلمين حتى يشعر الجميع بالمسئولية ، فيعمل على تحقيق مصالح الأمة ، ويلتزم بعد ذلك بما أجمعت عليه . ثم إن الإسلام لم يغفل تنظيم علاقة الحاكم بالمحكومين ، وتنظيم شؤون الأمن في الدولة ، والقضاء ، وكذلك وضع التشريعات للسياسات الخارجية . جـ - شمول الشريعة في الجانب الاجتماعي : لقد تكفلت الشريعة الإسلامية بوضع أحكام تحفظ للمجتمع أمنه واستقراره ، وتحفظ له الحياة الكريمة التي يتمتع أفرادها بحقوقهم ويؤدون فيها واجباتهم على أكمل وجه ، وحرصت على تشييد بناء الأخلاق وتدعيمها في النفوس ، حتى يصبح كل إنسان في المجتمع صورة للرقي الإنساني والتكامل الأخلاقي . ولنذكر هنا قول جعفر بن أبي طالب للنجاشي ، مبيناً له أهداف الدعوة المحمدية وما تسمو إليه من إبعاد الناس و المجتمعات عن الرذائل وغرس المكارم مكانها ، فيقول : " فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ً ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام " (1) وهذه التي ذكرها هي مقومات المجتمع الصالح ------------------------------------------------------- (1) سيرة ابن هشام (1/348) |
وقد أرسى الإسلام كذلك قواعد المساواة بين أفراد المجتمع ، والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع ، وأعطى المرأة المسلمة مكانتها في المجتمع ، واعتنى بأحوال الزواج والأسرة ونظم أحكامها ، وما لها وما عليها .
د- شمول الشريعة من الجانب الاقتصادي : جاء الإسلام بنظام اقتصادي متفرد ومستقل عن غيره من الأنظمة . يقول جاك أوستري – أحد علماء الاقتصاد الفرنسيين :- ( إن طريق الإنماء الاقتصادي ليس محصوراً في المذهبين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي ، بل هناك مذهب اقتصادي ثالث راجح هو المذهب الاقتصادي الإسلامي ) وقد أكد هذا العالم بأن نظام الإسلام سيسود العالم لأنه أسلوب كامل للحياة ) . (1) الاقتصاد الإسلامي نظام من عند الله عز وجل ، ويقر المسلمون أن الملكية الحقيقية لله عز وجل وإنما الإنسان مستخلف في الأرض . ومن أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي تحقيق الوفرة لكل فرد في المجتمع بعيداًَ عن الطمع والحرص والإسراف والتبذير . وأكثر ما يميز الاقتصاد الإسلامي احترامه للملكية الفردية وصونه لها ، وإقراره للتفاوت في الدخل بين الأفراد ، حيث أن التفاوت يدفع الفرد للإنتاج واستخدام مواهبه وقدراته ، والإسلام يشجع الكسب والعمل ، والإسلام يجعل الدولة مسئولة عن تحقيق التوازن الاقتصادي ومراقبة الأسعار والأعمال ، والإسلام يفتح المجال للعمل لتنمية موارد الإنسان دون أن يجعل عليه قيود ، إلا إذا ألحق الضرر بالآخرين ، كما أنه يفتح صورا من تنمية رأس المال كالمضاربة والإقراض وغيرها بعيدا عن الربا الاستغلال. 2- أن تكون أنظمتها صالحة لشؤون الحياة ومحققة لمصالح الناس : ----------------------------------------------------- (1) خصائص الدعوة الإسلامية محمد أمين حسن ص 2691 |
يقول الدكتور / يوسف القرضاوي ( والمؤمن بكمال علم الله تعالى وحكمته وبره بخلقه لا يستطيع أن يتصور أن يغلق الله باب النبوة عن العباد بعد محمد ، ويقطع وحيه عنهم ، ثم يتعبدهم بشريعة قاصرة تصلح لقوم ولا تصلح لغيرهم ، وتصلح لزمن ولا تصلح لآخر ، وتصلح لبلد ولا تصلح لغيره مع أنهم جميعاً مكلفون بأحكامها ) (2)
ومما يدل على صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ، أن النظريات القانونية التي يفخر بها عصرنا الحاضر ، قد سبقت بها الشريعة الإسلامية وأكدت عليها . " وقد جاءت نصوص الإسلام عامة ومرنة إلى آخر درجات العموم والمرونة ، فلا يمكن مهما تغيرت الظروف في المكان أو الأزمان أو الأشخاص أن تضيق عبارة النصوص بما يستجد من التطورات ، والعلة في ذلك أن الشريعة لا تقبل التعديل والتبديل ، فوجب أن تكون نصوصها لا تحتاج إلى تعديل أو تبديل " (1) أما فيما يتعلق بتحقيق المصالح للعباد ، فلابن القيم كلام قيم في هذا ، حيث يقول : " إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، وهي عدل كلها ومصالح كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة " . (2) 3- أن تتفق نصوص الشريعة مع الحقائق العلمية الثابتة : وفي هذه الخاصية ، نرى أن الإسلام سبق العلم الحديث بالإشارة إلى كثير من خفايا الكون وظواهر الطبيعة بل وخفايا النفس وطباعها ، وكل قارئ في مجال الإعجاز العلمي للقرآن سيدرك ذلك . ويكننا أن نضيف لمزايا الدعوة الإسلامية التي يؤهلها لتكون عالمية : سلامتها من التحريف والتغيير والتبديل الذي جرى على غيرها من العقائد والديانات ، وتكفل الله عز وجل بحفظها على مر العصور . ------------------------------------------- (2) شريعة الإسلام د. يوسف القرضاوي صـ13 (1) خصائص الدعوة الإسلامية محمد أمين حسن صـ 171 (2) أعلام الموقعين . 3/3 |
المبحث الثاني :
أدلة عموم الدعوة الإسلامية من القرآن الكريم : وقد قسمت الآيات القرآنية التي تدل على عموم الرسالة إلى ثلاثة مجموعات نذكرهم إجمالاً ، ثم بالتفصيل : - 1- ما ذكر فيه لفظ " العالمين " . 2- الآيات التي ذكر فيها لفظي ( كافة ) أو ( جميعاً ) . 3- الآيات التي استخدم فيها أساليب الخطاب والتي تفيد العموم في القرآن الكريم كقوله " يا أيها الناس " أو " يا بني آدم " 1- ما ذكر فيها لفظ " العالمين " فيما يتعلق بالرسالة والتذكير : أ- " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " الفرقان (1) ب- " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " الأنبياء (107) جـ- " إن هو إلا ذكر للعالمين ، ولتعلمن نبأه بعد حين " ص (87-88 ) د- " قل لا أسألكم عليه أجراً ، إن هو إلا ذكرى للعالمين " الأنعام (90- ) قال الألوسي في تفسير الآية الأخيرة ( واستدل بالآية على عموم بعثته ) (1) لكن خصت الشريعة ( العاقل ) من العالمين بالدعوة بدليل التخصيص في قوله " يا بني آدم " و " يا أيها الناس " . ما المعنى المراد من كلمة ( العالمين ) ؟ --------------------------------------------------- (1) روح المعاني ج 4 ص 218 طبعة دار الفكر |
اختلف أقوال العلماء في بيان المعنى المراد من كلمة " عالم " على أقوال منها :-
1- قال قتادة : العالمون جمع عالم ، وهو كل موجود سوى الله تعالى ولا واحد له من لفظه . 2- وقال الزجاج : العالم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة . 3- وقال ابن عباس : الجن والإنس ودليله على ذلك ( ليكون للعالمين نذيرا ) ولم يكن نذيراً للبهائم . وقد رجح القرطبي القول الأول في تفسيره ، واستدل على ذلك بقوله تعالى : " قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين " الشعراء (23) كما رجحه الشوكاني في تفسيره (1) فوجه الاستدلال بهذه الآيات أن لفظ ( العالمين ) جمع معرف بأل وهو من صيغ العموم فيدخل تحته كل ما خلق الله عز وجل . 2- الآيات التي ذكر فيها لفظي ( كافة ) أو ( جميعاً ) : - أ- " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً " سبأ (38) والمراد بكلمة كافة : " قال محمد بن كعب في قوله تعالى " وما أرسلناك إلا كافة للناس " يعني إلى الناس عامة " (2) ب- " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً " الأعراف (158) يقول ابن جرير في تفسير الآية ( قل يا محمد للناس كلهم إني رسول الله إليكم جميعاً لا إلى بعضكم دون بعض كما كان من قبلي من الرسل مرسلاً إلى بعض الناس دون بعض " (3) 3- الآيات التي استخدم فيها أساليب الخطاب التي تفيد العموم في القرآن الكريم كقوله تعالى : " يا أيها الناس " أو " يا بني آدم " ومثال ذلك :- أ- " هذا بلاغ للناس ولينذروا " إبراهيم (52) ---------------------------------------------- (1) خصائص الدعوة الإسلامية محمد أمين حسن صـ 150-151 (2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 5 ص 24 (3) تفسير ابن جرير الطبري ج 6 ص 87 |
ب- " آ لر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد " إبراهيم (1، 2)
جـ- " قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل " يونس (108) ووجه الاستدلال بهذه الآيات : أن لفظ ( الناس ) اسم جمع للإنسان على غير لفظه ، واللام الداخلة عليه للجنس ، فهي لشمول أفراد الجنس ( استغراق حقيقي ) . فمعنى ( الناس ) في الآيات : كل ناس ، أي كل فرد من أفراد الناس مما يدل على عموم الرسالة الإسلامية لجميع البشر . يقول الألوسي في تفسيره لآية : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " النساء (1) ( يا أيها الناس ) خطاب يعم المكلفين من لدن نزل إلى يوم القيامة . (1) ويؤيده ما قاله أبو السعود في تفسيره لمطلع سورة الحج " يا أيها الناس اتقوا ربكم " فإن قال " يا أيها الناس " خطاب يعم حكمه المكلفين عند النزول ومن سينظم في سلكهم بعد من الموجودين القاصرين عن رتبة التكليف والحادثين بعد ذلك إلى يوم القيامة . (2) ---------------------------------- (1) روح المعاني ج 4 ، ص 179 طبعة إحياء التراث . (2) تفسير أبو السعود ج 4 ، ص 364 |
المطلب الأول :
هناك آيات قرآنية يظن من ظاهرها أنها تتناقض مع أصل عموم الدعوة الإسلامية أو تخالفه ، وقد أساء الطاعنون في عموم الرسالة ، فهم هذه الآيات واستخدموها كأدلة لعدم الرسالة الإسلامية . 1- قوله عز وجل " وأنذر عشيرتك الأقربين " الشعراء (214) . 2- وقوله عز وجل " لتنذر أم القرى ومن حولها " الشورى ( 7 ) واستندوا على هاتين الآيتين لإثبات ما ذهبوا إليه من أن الدعوة الإسلامية دعوة محلية ، خاصة بأهل الجزيرة العربية وليست لغيرهم ، وما حركة المد الإسلامي والفتوحات إلا من باب الطمع وحب السيطرة والنفوذ ، وأن ما فعله المسلمون مخالف لما نص عليه كتابهم القرآن في تلك الآيتين وما يشابها مما ورد في القرآن أو السنة ، ويقول المدعون كذلك أن قصة الكتب التي أرسلها الرسول للملوك ، ما هي إلا مجرد قصص ابتكرها الخلفاء ليبرروا فتوحاتهم تبريراً دينياً . " تلك خلاصة لرأي مستشرق هولندي اسمه ( فنسنك ) ، ورأي الأستاذ ( سوندز) المحاضر بقسم التاريخ بجامعة نيوزلنده ، الذي وصف سيدنا عمر بن الخطاب بـ " المستعمر العربي " . (1) والرد يتضمن تفسير ومعنى الآيات ، حتى نعرف أنها لا تتعارض مع كون الإسلام عاماً للبشرية . ----------------------------------------------------- (1) الدعوة الإسلامية دعوة عالمية ص63 |
1- قوله تعالى : " وأنذر عشيرتك الأقربين " .
هذه صورة من صور التدرج في الدعوة إلى الدين والبداية فيها ، والبداية بالأهل والعشيرة أم طبيعي لا يتعارض أو يتناقض مع الامتداد الواسع للدعوة الإسلامية في زمان أو مكان . يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية ( وهذه النذارة الخاصة لا تنافي العامة بل هي فرد من أجزائها ، كما قال " لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون " يس (6) وقال " لتنذر أم القرى ومن حولها " الشورى (7) وقال " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم " الأنعام (51) وقال " لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا " مريم (97) وقال " لأنذركم به ومن بلغ " الأنعام (19) وفي صحيح مسلم " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن إلا دخل النار (1) " . (2) ويقول الشيخ السعدي : ( وأنذر عشيرتك الأقربين الذين هم أقرب الناس إليك ، وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي ، وهذا لا ينافي أمره بإنذار جميع الناس ، كما إذا أمر الإنسان بعموم الإحسان ثم قيل له ( أحسن إلى قرابتك ) فيكون هذا خصوصاً دالاً على التأكيد وزيادة الحث ) (3) 2- وأما قوله " لتنذر أم القرى ومن حولها " المقصود هنا بلفظ ( من حولها ) : أي أهل الأرض كلها شرقاً وغرباً . (4) -------------------------------------------------------------- (1) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب : الإيمان – باب : وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته ص 90 حديث رقم (152) . (2) تفسير ابن كثير ج 6 / ص 164 (3) تفسير الكريم الرحمن للسعدي ( ص 822) (4) تفسير البغوي ج 3/ص 167 |
المبحث الثالث
أدلة عموم الدعوة الإسلامية من السنة النبوية الشريفة :- 1- عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ) أخرجه مسلم – كتاب المساجد ومواضع الصلاة – ص (265 ) حديث رقم (521) وأخرجه النسائي في سننه – كتاب ( الغسل والتيمم ) باب : التيمم بالصعيد ص (2114) حديث رقم (432) . 2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أن رسول الله قال ( فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون ) . أخرجه مسلم – كتاب : المساجد – ومواضع الصلاة – ص (266) حديث رقم (523) يقول ابن حجر العسقلاني في شرح حديث أعطيت خمساً ( المتقدم ) : " وأما قوله " وبعثت إلى الناس عامة " فوقع في رواية مسلم " وبعثت إلى كل أحمر وأسود " وقيل المراد بالأحمر العجم وبالأسود العرب ، وقيل الأحمر الإنس والأسود الجن ... وأصرح الروايات وأشملها رواية أبي هريرة رضي الله عنه " وأرسلت إلى الخلق كافة " (1) ----------------------------------------------------- (1) فتح الباري ج 1/ ص 439 |
فلفظ ( خلق ) أعم من لفظ ( ناس ) كما هو معلوم .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أن رسول الله قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) . (1) يقول الإمام النووي : ( قوله لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة ، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته ، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على من سواهما ، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاب فغيرهم ممن لا كتاب له أولى ) . (2) 4- عن أبي الدرداء قال : ( كانت بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما محاورة فأغضب أبو بكر عمر ، فانصرف عنه عمر مغضباً ، فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه ، فأقبل أبو بكر إلى فقال أبو الدرداء ونحن عنده ، فقال رسول الله ( أما صاحبكم فقد غامر (3) ) وندم عمر على ما كان منه ، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي وقص على رسول الله الخبر ، قال أبو الدرداء وغضب رسول الله ، وجعل أبو بكر يقول : والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم ، فقال رسول الله ( هل أنتم تاركوا لي صاحبي إن قلت يا أيها الناس إني رسول إليكم جميعا فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر صدقت ) . أخرجه البخاري – كتاب تفسير القرآن – آية ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ) ص 844 – حديث رقم (4640) . ووجه الشاهد هنا قوله : ( إني رسول الله إليكم جميعاً ) . ---------------------------------------------- (1) أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب : الإيمان – باب : وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته ص 90 حديث رقم (52) (2) المنهاج في شرح صحيح مسلم ، للنووي ص (190) (3) غامر : أي سبق بالخير . |
5- روى الحافظ ابن عساكر قال : جاء قيس بن مطالية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي ، وصهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، فقال : هؤلاء الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل – يعني النبي فما بال هذا وهذا ؟ مشيراً إلى غير العرب من الجالسين ، فقام إليه معاذ بن جبل رضي الله عنه ، فأخذ بتلابيبه ، ثم أتى النبي فأخبره بمقاله .
فقام النبي مغضباً يجر رداءه حتى أتى المسجد ثم نودي للصلاة جامعة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أيها الناس إن الرب رب واحد ، وإن الأب أب واحد ، وإن الدين دين واحد ، ألا وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم ، إنها هي لسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي ) فقال معاذ وهوا آخذ بتلبيبه يا رسول الله ما تقول في هذا المنافق ؟ فقال : " دعه إلى النار " فقال : فكان فيمن ارتد فقتل في الردة . هذا حديث مرسل ، وهو مع إرساله غريب ، تفرد به أبو بكر سملى بن عبد الله الهذلي البصري ، ولم يروه عنه إلا قرة بن عيسى (5228) . أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ج 24/ ص 225 . وفي هذا الحديث دلالة ضمنية على أن دين الإسلام عالمي ولا يختص بقوم دون قوم ، بل هو للناس كافة على اختلاف أجناسهم ولغاتهم ، ولا يلزم من كون القرآن عربياً أن يكون للعرب خاصة . الأدلة العلمية من حياة الرسول التي تدل على ممارسته مبدأ عموم الدعوة . 1- إرسال الكتب إلى عظماء ملوك ذلك العصر خارج الجزيرة العربية يدعوهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة في السنة السادسة للهجرة ، فأرسل دحية الكلبي إلى قيصر الروم ، وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى فارس ، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس حاكم مصر ، وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين ، وعمرو بن العاص إلى ملك عمان جيفر وأخيه عبد ابني الجلندي (1) ----------------------------------------------- (1) الرحيق المختوم ، للمباركفوري ص 350-361 وفيه جميع قيم لتفاصيل الكتب ونصوصها الواردة عن النبي لمن أراد الاستزادة |
ووجه الدلالة من هذا الفعل النبوي صريح وواضح بأن غير المسلمين وغير العرب من العالم الإنساني مشمول بالدعوة الإسلامية وداخل تحت مسماها.
ولو لم يكن من مقاصد الإسلام وخصائصه لما كلف رسول الله نفسه وأصحابه عناء ذلك . 2- ابتداء الرسول بإرسال جيش من الصحابة إلى الشام للجهاد في سبيل الله ، فوقعت غزوة مؤته بين المسلمين والروم والعرب المتنصرة ثم خرج بنفسه في غزوة تبوك يريد إبلاغ الدعوة وإعلاء كلمة الله قاصداً الروم حتى بلغ تبوك ، ثم قال في مرض موته صلى الله عليه وسلم أمضوا جيش اسامة. يتضح من خلال النظر إلى عزوتي مؤته وتبوك ، أن رسول الله عمل في حياته بمقتضى عموم دعوته ، وأنه لم يقتصر على العرب ولا على بلاد العرب ، كما يزعم بعض المدعين ليثيروا الشبه حول عالمية دين الإسلام ، فيتبين لنا زعمهم مجرد ادعاء محض وتزوير للحقائق التاريخية . ومن المهم في هذا المقام أن نبين : " سبب هاتين الغزوتين لنستدل به على أن الرسول لم يجعل السيف أولاً هو الوسيلة لنشر الإسلام . غزوة مؤته : كان سببها أن رسول الله بعث الحرث بن عمير الأزدي أحد بني لهب بكتابه إلى الشام إلى ملك الروم ، أو بصرى فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فأوثقه رباطاً ثم قدمه فضرب عنقه فاشتد ذلك على رسول الله حين بلغه الخبر فبعث بعث مؤتة . أما سبب غزوة تبوك فقال ابن القيم – وابن سيد الناس في عيون الأثر : وذكر ابن سعد قال : بلغ رسول الله أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة ، وأجلبت معهم لخم وجذام ، وعاملة وغسان ، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء . (1) -------------------------------------------- (1) الدعوة إلى الله في سورة إبراهيم ، محمد بن سيدي بن الحبيب ص206 |
وما إن توفي الرسول وآل الأمر إلى الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ، حتى مضوا في طريق قائدهم ومعلمهم يكلمونه ، فوجهوا الجيوش والدعاة ، خارج الجزيرة ففتحت الشام والعراق وفارس ومصر ، ولم يمض القرن الثاني من الهجرة حتى كان المسلمون على أبواب الصين .
- من الآثار الدالة على عموم الدعوة الإسلامية : لقد وقفت على أثر عن ابن عباس رضي الله عنه يذكر فيه إرسال سيدنا محمد إلى كافة الخلق إنساً وجنياً . - عن ابن عباس قال : ( إن الله فضل محمداً على الأنبياء وعلى أهل السماء فقالوا : يا ابن عباس بم فضله على أهل السماء ؟ قال : إن الله قال لأهل السماء : " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين " الأنبياء (29) وقال الله لمحمد : " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " الفتح ( ) قالوا : فما فضله على الأنبياء ، قال : قال الله عز وجل : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين له " إبراهيم (4) وقال الله عز وجل لمحمد : " وما أرسلناك إلا كافة للناس " سبأ (28) فأرسله إلى الجن والإنس أخرجه الدارمي في سننه – المقدمة – باب : ما أعطي النبي من الفض – ص 42 ، 43 – 47/ 1 – انفرد به الدارمي . |
المبحث الرابع
* عموم الدعوة الإسلامية وشمولها للجن :- إن رسالة سيدنا محمد إلى الجن ثابتة بالكتاب والسنة . المطلب الأول : الأدلة من القرآن الكريم :- فها هي آيات القرآن تثبت شمول رسالة الإسلام للجن : 1- قال عز وجل : " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءاناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ، ولن نشرك بربنا أحدا " الجن (21) 2- وقال أيضاً : " وإذ صرفنا إليك نفراًَ من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم " الأحقاف (29-31) 3- وقال أيضاً : " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " الأنعام (130- ) قال الألوسي : " منكم " أي من جملتكم لكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحدة من الأمم ، ولا على أن أولئك الرسل عليهم السلام من جنس الفريقين معاً ، بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها وعلى أن يكون من الإنس خاصة إذ المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء ونظيره قوله تعالى " يخرج منهما اللؤلؤ |
والمرجان " الرحمن (22) فإنهما إنما يخرجان من الملح فقط والفراء قدر هنا مضافاً لذلك أي من أحدكم " (1)
" واختلف العلماء هل أرسل الله إلى الجن رسلاً من الجن قبل رسالة نبينا محمد فقيل : لا ، وإليه ذهب ابن كثير ، وقيل : نعم " (2) المطلب الثاني : الأدلة من السنة النبوية الشريفة : والأحاديث النبوية تدل كذلك على إرساله للجن : 1- عن ابن عباس قال : قال رسول الله " أعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي من الأنبياء : جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ولم يكن من الأنبياء ... يصلي حتى يبلغ محرابه ، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يكون بين يدي إلى المشركين فيقذف الله الرعب في قلوبهم ، وكان النبي يبعث إلى خاصة قومه ، وبعثت أنا إلى الجن والإنس ، وكانت الأنبياء يعزلون الخمس فتجيء النار فتأكله ، وأمرت أنا أن أقسمها في فقراء أمتي ، ولم يبق نبي إلا أعطي شفاعة وأخرت أنا شفاعتي لأمتي . أخرجه البيهقي في سننه الكبرى – كتاب الصلاة – باب : أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد – ( 2/607 ، 608 ) – حديث رقم (4266) ووجه الشاهد من هذا الحديث الزيادة في رواية ابن عباس للفظ " الجن " في قوله " بعثت أنا إلى الجن والإنس " فهذه زيادة صريحة تدل على دخولهم في عموم دعوة الإسلام . 2- عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله " إن بالمدينة نفراً من الجن قد أسلموا فمن رأى شيئاً من هذه العوامر (1) فليؤذنه ثلاثاً ، فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان " -------------------------------------------- (1) روح المعاني : ج8 ص 82 (2) الدعوة إلى الله ، محمد بن سيدي بن الحبيب ص 163 . (1) أي الحيات |
أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب السلام – باب : قتل الحيات وغيرها – ص 1229- حديث رقم (141) .
3- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( انطلق النبي في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : ما لكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذ1 الذي حال بينكم وبين خبر السماء ؟ فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا : هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهناك حين رجعوا إلى قومهم وقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا فأنزل الله على نبيه : " قل أوحي إلي ... " وإنما أوحي إليه قول الجن . أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الأذان – باب : الجهر بقراءة صلاة الفجر – ص 159 – حديث رقم (773) . ومسلم في صحيحه – كتاب الصلاة – باب – الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن – ص 236 – حديث رقم (449) . وصدر الحديث عند مسلم فيه : عن ابن عباس : ( ما قرأ رسول الله على الجن وما رآهم ) وهذه الكلمات قريبة من لفظ البخاري ( وإنما أوحي إليه قول الجن ) وباقي الحديث عنده يوافق البخاري . 4- عن داود عن عامر قال : سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله ليلة الجن ، قال علقمة أنا سألت ابن مسعود فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول الله ليلة الجن ، قال : لا ولكننا كنا مع رسول الله ذات ليلة فقدناه ، |
فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا : استطير أو اغتيل . (1) قال : فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء قال : فقلنا : يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فقال : أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن ، قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم ، وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد فقال : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً ، وكل بعرة علف لدوابكم ، فقال رسول الله فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم .
أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الصلاة – باب : الهجرة بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن – ص 236- حديث رقم (450) . وعند عرض هذه الآيات والأحاديث السابقة يتبن لنا أنا قد ثبت بالقرآن والسنة شمول رسالة سيدنا محمد للجن ويتبقى لنا أمر أخير وهو الجمع بين الروايات فقد يظهر التعارض بين أحاديث عبد الله بن عباس التي ثبت فيها أنه ما رأى الجن ولا قرأ عليهم ، وبين أحاديث عبد الله بن مسعود التي ثبت فيها أنه أتاه داعي الجن وذهب معه ، وقرأ عليهم القرآن ، فقد جمع الحافظ البيهقي بين الروايات فقال ما نصه : ( وهذا الذي حكاه عبد الله بن عباس إنما هو في أول ما سمعت الجن قراءة النبي ، وعلمت بحاله ، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم و لم يرهم كما حكاه ، ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود ، ورأى آثارهم وآثار نيرانهم . والله أعلم . (1) ------------------------------------------- (1) استطير : أي طارت به الجن ، اغتيل : قتل خفية (1) دلائل النبوة للبيهقي ج 2 ص 12 |
المبحث الخامس : شبهات حول عموم الدعوة الإسلامية ، والرد عليها :
وفيه شبهتان : الأولى : أن الإسلام دين نزل للعرب خاصة . الثانية : أن الإسلام دين انتشر بحد السيف . وأما بالنسبة للشبهة الأولى : فسنورد هنا تفصيل الرد عليها : أ- حديث رسول الله قال : " يا أيها الناس إن الرب واحد وإن الأب أب واحد ، وإن الدين دين واحد ، ألا وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم ، إنما لسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي " (1) ولقد سبق وأشرنا للحديث في أدلة عموم الدعوة الإسلامية من السنة النبوية ، وقلنا أن فيه إشارة ودلالة ضمينة على أن الإسلام دين عالمي ولا يختص بقوم دون قوم ، بل للناس كافة على اختلاف أجناسهم ولغاتهم ، ولا يلزم كون القرآن نزل بلغة العرب أن يكون للعرب خاصة . وسأورد بعض النقول من أقوال العلماء في الرد على هذه الشبهة مع بيان غلطها. ب- يقول الإمام الشوكاني في معرض تفسيره لآية " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " إبراهيم الآية (4) وقد قيل في هذه الآية إشكال ، لأن النبي أرسل إلى الناس جميعاً بل إلى الجن والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة ، وأجيب بأنه وإن كان مرسلاً إلى الثقلين كما مر لكن لما كان قومه العرب وكانوا أخص به وأقرب إليه كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم ، وهم يبنونه لمن كان على غير لسانهم ويوضحونه حتى يصير فهمهم له كفهمهم إياه ، ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم ، وبينه رسول الله لكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف وفتحاً لباب التنازع لأن كل أمة قد تدعي من المعاني في لسانها مالا يعرفه غيرها ، ----------------------------------------- (1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ج 24/ ص225 |
وربما كان ذلك أيضاً مفضياً إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوى الباطلة التي يقع فيه المتعصبون . أ.هـ (1)
وفي كلام الإمام الشوكاني مختصر مفيد لتحديد وبيان المسألة والحكمة من نزول القرآن بلغة واحدة ، واختيار اللغة العربية دون سواها ، وبيان مسؤولية العرب الملقاة على عاتقهم من بداية الدعوة إلى يومنا هذا في بيان وترجمة مبادئ الإسلام وأحكامه والقرآن الكريم والدعوة إلى الله تعالى لكل شعوب العالم . ولا نغفل دلالة الحديث المتقدم من مسؤولية غير العرب كذلك بتوصيل الإسلام وبيان معانيه ، فليست الدعوة قصراً على العرب دون غيرهم ، بل الدعوة مسؤولية كل مسلم . جـ- والذي يدل كذلك على بطلان شبهة المستشرقين أعداد المسلمين ونسبتهم في العالم ، يقول الأستاذ : محمد الراوي : ( وكون القرآن باللغة العربية لا يعني أنه للعرب بل هذه لغته فقط ، وإلا فمن دخل الإسلام من غير العرب أضعاف من دخلوه من العرب ولو تأملنا في عصرنا الحاضر وجدنا أن الذين ينطقون الضاد لا يمثلون في أعلى نسبة لهم إلا خمس من ينتسبون للإسلام (2) د- يقول الإمام ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى : " إنا أنزلناه قرءاناً عربياً لعلكم تعقلون " يوسف (2) ذلك لأن المنزل عليه عربي ، ولا يمكن أن ينزل عليه إلا كتاب عربي بحيث يفهمه ويتعقله ، ويفهمه قومه ، ثم بعد ذلك يفهمونه للناس ، وهذا أمر طبيعي ، ولأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس ، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة في أشرف بقاع الأرض ، وبدأ نزوله في أشرف شهور السنة ، رمضان فكمل من كل الوجوه . (3) ------------------------------------------------ (1) فتح القدير ، للشوكاني ج 3 ص 118 (2) الدعوة الإسلامية دعوة عالمية ، محمد الراوي ، ص 75 . (3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 3/ ص 271 |
وقد زاد هنا الإمام ابن كثير مزية أخرى من مزايا نزول القرآن باللغة العربية ، وهو أمر يختص باللغة العربية ذاتها في كونها لغة ثرية بمفرداتها وغنية بجمالها البلاغي ، وهي لغة أهل الجنة .
هـ- وأنقل إليكم طرفاً من رد الأستاذ : محمد بن سيدي بن الحبيب في كتابه الدعوة إلى الله في سورة إبراهيم الخليل ، وإني أقول للنصارى : إن كان الكتاب الذي أنزل على رسول بلغته لا يلزم به غير أهل تلك اللغة ، فلم تلزمون الناس الذين لا يتكلمون بلغة الأناجيل بالدخول في المسيحية ؟ إذا كان كتابكم نزل بلغتكم كما قلتم في شبهتكم أن رسلكم سلمتكم التوراة والإنجيل بغلتكم أي العبرية ، فعلى قولكم هذا لا يلزم أي إنسان الإيمان بالتوراة ولا بالإنجيل ، إلا إذا كان يهودياً أو نصرانياً ، وأنتم الآن وقبل ذلك تخططون الخطط لإدخال الشعوب في دين المسيحية ، وقد أدخلتم بالفعل كثيراً من الشعوب التي لا تتكلم بالعبرية ولا بالسيريانية فلم تلزمون الناس أمراً لا يلزمهم ، وليسوا مطالبين به . (1) ويقول أيضاً " وأما استدلالهم بقوله تعالى : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " سورة إبراهيم (4) وقوله " ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاؤهم بالبينات " الروم (47) . ( فليس في هاتين الآيتين أيضاً دليل على دعواهم ، نعم أن قومه هم العرب عموماً ، وقريش خصوصاً ، ونزل عليه القرآن بلسان قومه ، وليس في هذا دليل على عدم إرساله إلى غيرهم ، لأن الله لم يقل وما أرسلنا من رسول إلا إلى قومه .....) (2) --------------------------------------------------------- (1) الدعوة إلى الله في سورة إبراهيم ، محمد بن سيدي بن الحبيب ص 256 (2) الدعوة إلى الله في سورة إبراهيم الخليل ، محمد بن سيدي بن الحبيب ص 262 |
الشبهة الثانية :
انتشار الإسلام بالسيف : هناك الكثير من الشبه التي تثار حول الإسلام ، للنيل منه وتشويه صورته ووسمه بأقبح وأبشع الصفات ، كالوحشية ، وظلم المرأة ، وسفك الدماء ، وغيرها من الافتراءات الكاذبة ، والادعاءات البعيدة كل البعد عن الموضوعية والحياد . ومن أكثر هذه الشبه وروداً ومناقشة مسألة : انتشار الإسلام في العالم شرقه وغربه وكيف كان ذلك ؟ وما الطريقة التي اتبعها المسلمون ونبيهم محمد في ذلك ؟ فألقى أعداء الإسلام هذه الشبهة في فضاء الفكر العالمي : أن الإسلام دين فرض على الناس بالسيف والقتال ، وأن المسلمين شعوب متعطشة لدماء المخالفين إما أن يؤمنوا بما آمنوا به أو جزاؤهم القتل ، وما زال صدى هذه الشبهة يتردد إلى اليوم ، وتطورت المسميات فظهر لفظ ( الإرهاب ) وصار وصمة في جبين كل مسلم ، وأخذ كل من يخوض في موضوع ( الإرهاب عند المسلمين ) يستدل بأحاديث الرسول وأفعال صحابته والفاتحين ، بل وبآيات القرآن الكريم . وما ذلك في الحقيقة إلا تغيير للحقائق ، وقلب وقائع التاريخ الذي يشهد للإسلام لا عليه . وإن هذا الموضوع لذو شجون ، وأراه متصلاً صلة وثيقة بعالمية الإسلام وعموم دعوته للعالم ، فليس الإسلام إلا رحمة للعالمين ، وما قيل من قيل وما أثير ما أثير حول الإسلام إلا لجعله منزوياً على أهله محصوراً في بلاد معينة ، وحتى تغلق عقول العالم أجمع عن فهم روح الإسلام ، ويتصدوا قلوبهم عن الميل له . وسأتناول هنا موجزة قدر الإمكان ما يهمنا في مسار البحث العلمي ، حول بداية الدعوة الى الإسلام لشعوب العالم ، والرد على شبهة انتشار الإسلام بالسيف بصورة مختصرة ومفيدة تتناسب مع مقام بحثنا الحديثي بالدرجة الأولى : أولاً : هذا الادعاء باطل لأن الإسلام انتشر بتعاليمه الربانية ، ومبادئه القائمة على الإقناع لكل ذي عقل سليم . |
يقول الشيخ الشعرواي : " الأصل في السيف أن يكون حارساً لكلمة الحق لا أن يكون معيناً على كلمة الباطل ... ولذلك أخذت هذه القضية عند المستشرقين دوراً عميقاً أرادوا به أن يشوهوا وجه الإسلام في سياحته للدنيا فقالوا إن الإسلام فرض بالسيف ، ونقول : بأبسط عبارة : ومن الذي حمل السيف ليرغم الناس على منهج الإسلام ؟
هل بدأ الإسلام سيفاً أم بدأ حرفاً وكلاماً مقنعاً .. إن الذين حملوا السيف ليجتاحوا به الأرض ، لم يفرض عليهم بالسيف .... وإنما دخلوه عن قناعة وقوة برهان . (1) ثانياً : من الأدلة التي تدل على بطلان هذه الشبهة أن من سياسة الفتح الإسلامي التخيير قبل القتال ، فكان قادة المسلمين يخيرون أهل البلاد المفتوحة بين أمور ثلاث إما قبول دعوة الإسلام ، أو دفع الجزية ، أو القتال لمن أبى . فنرى هنا أن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة هي المقدمة في التعامل مع الغير ، ثم بعدها اللجوء للحلول الأخرى . ثالثاً : " الواقع والتاريخ شهد الكثير من الامبراطوريات التي قامت بالسيف حتى أنا لم تكن تغيب الشمس عنها .... ثم ماذا حدث بعد ذلك ؟ غاب عنها السيف ، فغابت الامبراطوريات ... وزالت من الوجود .. إن الواقع يقول : ( كل ما انتشر بالسيف يزول إذا زال السيف ) . فكيف بقي الإسلام على خلاف هذه القاعدة التي يؤكدها الواقع المشاهد ينتشر بالسيف ... ثم يزول السيف ، فلا يزول الإسلام .... بل يظل ينتشر ويزداد انتشاراً مع الأيام . (2) رابعاً : ما الذي أوجد السيف في الدعوة إلى دين الله ؟ ولأنقل إليكم باختصار كلام نفيس للشيخ الشعراوي في ذلك : يقول : " الإسلام لا يريد قوالب تخضع لكنه يريد قلوباً تخشع ، والقوة التي تفرض ، إنما تتحكم في القالب فقط ولكنها لا تتحكم بالقلب أبداً ... فمن الممكن أن تجبر إنساناً ---------------------------------------------------------------- (1) أسئلة حرجة وأجوبة صريحة للشيخ محمد متولي الشعراوي ص 59 (2) من كتاب أسئلة حرجه وأجوبة صريحة للشيخ الشعراوي بتصرف |
على أن يقوم بعمل بقالبه وحركة عضلاته لكن ليس من الممكن أبداً أن تجبر قلبه أن يعتقد شيئاً ... لأن العقيدة هي الشيء الذي لا يمكن الإكراه عليه ... إنك تستطيع أن تكره الإنسان على أن يقوم بأي شيء ، ولكنك لا تستطيع ولا تستطيع قوى الدنيا كلها أن تكره إنساناً أن يضع في قلبه غير ما يحب وأن تصدق قلبه بغير ما يريد ... فالقلب خارج عن السيطرة البشرية ....
فالإكراه ليس من مبادئ الإسلام ... والله سبحانه وتعالى يقول : " لا إكراه في الدين " البقرة (256) ولا يعقل أن يحمل المسلمون السيف ليقوموا بشيء قد نهى الله عنه .. وهو الإكراه . ولكن السيف هنا وجد ليعطي فرصة التكافؤ في الاختيار أي أنه وجد ليدافع عن الإرادة الحرة للإنسان ... أي أن السيف وجد ليمنع الإكراه وليعطي الناس الفرصة للاختيار دون إكراه أو ضغط أو إرهاب . (1) خامساً : ننقل إليكم هنا شهادات أدلى بها علماء العرب المنصفين ، التي تثبت أن الإسلام لم يخض الحرب رغبة بها بل لضرورة إزالة العقبات التي تعيق وصول أمر الله للعالم :- أ- " يقول توماس كارليل في كتابه الأبطال : لقد قيل في شأن نشر محمد دينه بالسيف ، ولشد ما أخطأوا وجاروا ، فهم يقولون : ما كان الدين لينتشر لولا السيف ، ولكن ما هو الذي أوجد السيف ؟ إنه قوة ذلك الدين وإنه حق ، إن الرأي الجديد أول ما ينشأ يكون في رأس رجل واحد ، فالذي يعتقده هو فرد فرد ضد العالم أجمع ، فإذا تناول هذا الفرد سيفاً وقام في وجه الدنيا ، فقلما والله يضيع إن كان ما يقوله حقاً ، إن الحق ينشر نفسه بأي طريقة . ص 79 " (2) ب- " ويقول جيمس متشنر ( اعتقد الغرب أن توسع الإسلام ما كان يمكن أن يتم لو لم يعمد المسلمون إلى السيف ، ولكن الباحثين لم يقبلوا هذا الرأي فالقرآن --------------------------------------------------------- (1) المرجع السابق ص 60 (2) خصائص الدعوة الإسلامية لمحمد أمين حسن ص 166 |
صريح في تأييده لحرية العقيدة ، والدليل قوي على أن الإسلام رحب بشعوب مختلفة الأديان ، ما دام أهلها يحسنون المعاملة ، وقد حرص محمد على تلقين المسلمين التعاون مع أهل الكتاب ، أي اليهود والنصارى ، ولاشك أن حروباً نشبت بين المسلمين وغيرهم في بعض الأحيان ، وكان سبب ذلك أن أهل هذه الديانات الأخرى أصروا على القتال ، وقد قطع الرهبان بأن أهل الكتاب كانوا يعاملون معاملة طيبة وكانوا أحراراً في عبادتهم ، ولعل مما يقطع بصحة ذلك ، الكتاب الذي أرسله البطريرك النسطوري ايشوياب الثالث إلى البطريرك سمعان ، زميله في المجمع ، بعد الفتح الإسلامي وجاء فيه ( ها إن العرب الذين منحهم الرب سلطة العالم وقيادة الأرض أصبحوا عندنا ، ومع ذلك نراهم لا يعرضون للنصرانية بسوء ، فهم يساعدوننا ، ويشجعوننا على الاحتفاظ بمعتقداتنا ، وإنهم ليجلون الرهبان والقديسين ) . (1) فالإسلام جاء ليكبت القوى التي تحكم العالم وتفرض عليه عقائد وخرافات تقتنع بها وترفض كل ما عداها ... " جاء ليقول كلمة الحق أمام الناس ثم يطرح القضية عليهم قضية الدين الحنيف فمن آمن بها آمن بقلبه ومن لم يؤمن ظل على دينه ... ولذلك نجد في سياحة الإسلام في هذه البلاد أمم من اليهود .. وأمم من المجوسين ... وأمم من النصارى لم يتعرض لهم الإسلام ... لهم ما لنا وعليهم ما علينا ... ولو أن الإسلام فرض بالسيف كما يقولون لما وجد إلا مسلم في أي أرض يدخلها الإسلام ... فوجود غير مسلمين في أراضي الإسلام ، دليل على أن الإسلام ، لم يجيء ليحمل الناس على مبدأ من المبادئ التي لا يستطيبها سلوكهم ... وإنما أراد فقط أن يزيح المعوقات في اختيار البدائل .... وشرف الإسلام وقوته أنه أول من حارب من أجل حرية الرأي وحرية العقيدة ... كانت هناك حروب قامت من أجل فرض رأي أو عقيدة ما وتلك حروب يعرفها التاريخ جيداً ويعرف من قام بها ... لكن ما من حرب
---------------------- (1) المرجع السابق |
قامت من أجل حرية الرأي والفكر وحرية الاختيار إلا الحروب الإسلامية . (1)
سادساً : هناك الكثير من البلاد أسلمت حكومة وشعباً ، وهناك بلاد أسلم من أهلها الكثير دون قتال ، بل وصل لهم الدين عن طريق الدعاة إلى الله والتجار المسلمون ، مثل كثير من دول أفريقيا ، وكذلك الهند وأندونيسيا . المبحث السادس : كيف يصل المسلمون إلى عالمية الدعوة الإسلامية ؟ ويحققون مبدأ عموم رحمتها لجميع البشر : * وسائل واقتراحات : (2) أولاً : ما دام سيدنا محمد رسول للعالم كله وليس للعرب خاصة ، فيجب على العرب – وهم الذين تحدث سيدنا محمد بلغتهم وكلفوا بنقل رسالته إلى غيرهم – يجب عليهم أن يوصلوا هذه الدعوة إلى كل أجناس البشر ، وبكل لغة يتم التفاهم لها ... أي أنه يجب أن يتقنوا كل لغات العالم ، وما استطاعوا من اللغات المحلية ، وتكون هناك مراكز خاصة وأناس متفرغون لمثل هذه الأعمال الجليلة ، ليودعوا كل لغة خلاصة كافية هادية من تعاليم الإسلام في شتى مجالات الحياة ... وأن يذكروا بدقة وحكمة الفروق الكبيرة بين أصول الإيمان عندنا وعند أهل الأديان الأخرى جميعاً ... إن هذا الواجب ضروري جداً حتى لو كان الميدان خالياً لنا وحدنا ، فكيف وهناك أجهزة ضخمة عالمية تخصصت في التهوين من شأن الإسلام وتحقير المسلمين ؟ وكيف قد تآمرت على الإسلام شتى القوى ، وتآلب ضده خصوم خبثاء يصطادون الشبه ، ويبحثون عن العيون ؟ إن الاستعمار سخر أجهزة إلحادية وصليبية سبقتنا إلى أجيال من البشرية ، وتركت في نفوسهم بغضاً واستنكاراً للإسلام ونبيه وأهله ، وانتهزت صمت الإعلام --------------------------------------- (1) من كتاب أسئلة حرجه وأجوبة صريحة للشيخ الشعراوي ص 61 بتصرف يسير (2) مقتبسة من كتاب الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر لمحمد الغزالي ص 175-177 بتصرف |
الإسلامي ، وسلبية الشعوب المسلمة ، وراحت تنشر أكاذيبها ، حتى نجحت في تلويث الحقيقة .
ثانياً : الأمر الآخر المتصل بعالمية رسالة الإسلام ، يتعلق باللغة العربية نفسها ، فالأمر الأول هو توصيل الدين وترجمة أفكاره . أما الأمر الثاني فهو تعزيز اللغة العربية في نفوس العرب وغيرهم من شعوب الإسلام ، وجعلها في مصاف اللغة الهامة والمشهورة في العالم ، فيجب أن تتبوأ اللغة العربية مكانة رفيعة لدى أصحابها والناس أجمعين ، لأن الله باختياره العربية لتكون وعاءاً لوحيه عز وجل الباقي على مر الزمان قد أعلى قدرها وميزها عمن سواها . والواقع أن اللغة العربية هي سياج القرآن وصيانة الدين فإذا تضاءلت وأبعدت عن كونها لغة تخاطب ، لغة أداء ، لغة علم وحضارة يوشك القرآن بذلك أن يوضع في المتاحف . إن أجدادنا قد عرفوا قيمة اللغة العربية فنشروها بكل الوسائل المتاحة لديهم ، وما تأسست مدرسة لخدمة الدين إلا انقسمت علومها بين مناهج شريعة ومناهج لغة وأدب .. فلقد كانت اللغة العربية جزءاً أساسياً في كيان العلم الشرعي ... بينما نلاحظ الآن انكماش مفزع في هذا المجال .... وإقصاء هذه العلوم واعتبارها أمر ثانوي وما نراه كذلك من انتشار المصطلحات الأجنبية وتفشي اللهجة العامية كل ذلك ينأى بلغة القرآن بعيداً عن واقع الحياة وبالتالي يتنحى القرآن وأحكامه جانباً كذلك .... إن هناك لغات لم يشرفها الله بوحي ، ولم تصحب حضارة إنسانية مشرفة ، يخدمها أبناؤها بذكاء نادر ، فما بال العرب تركوا لغتهم توشك أن تعتبر من اللغات الميتة أو الثانوية في العالم ؟ ! إننا عجزنا أن نجعل اللغة العربية اللغة الأولى بين الألف مليون مسلم وهذا يعتبر فشل في صيدان الدعوة إلى الله ، ويرجع سبب هذا الفشل إلى أن العرب أنفسهم لا يقدرون لغتهم ، بل قد استطاع الاستعمار أن يكرهها لهم ويجعلهم يزدرونها ، فأي بلاء هذا ؟! -------------------------------------------------------- |
وهناك اقتراح طرحه الشيخ محمد الغزالي في كتابه : الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر ، يقول فيه : أن على المسلمين إنشاء مدارس وإرسال بعثات لنشر اللغة العربية وحدها دون ربط اللغة بالدين ، كما يفعل أهل اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية ، فإن هذا التعليم المجرد للعربية سيوسع القاعدة الثقافية للغة العربية ، وسيكون مستقبلاً رافداً من روافد الإيمان .
ثالثاً : يستطيع المسلمون عن طريق أخلاقهم الحميدة والتزامهم بها ، أن يدعوا الناس إلى دين الحق عن طريق غير مباشر ، فالخلق الحسن لغة إنسانية عالمية تعجب الناس وتقنعهم ، وبهذه اللغة تفاهم الصحابة والتابعون مع الشعوب التي عرفوها وعرفتهم فدخل الناس في دين الله أفواجاً ، أي أن القدوة الحسنة فردية كانت أو جماعية تفرض على الغير احترام العقيدة والحفاوة بها ... المبحث السابع : حكم من لم تبلغه دعوة الإسلام قال الله عز وجل " رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء (165) وقال أيضاً : " ..... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " الإسراء (15) من لم تبلغهم الدعوة الإسلامية لا يكلفون بشيء من الأحكام الشرعية ، أما إذا رغب أحد من الكفار في دخول بلاد المسلمين ليسمع القرآن ، ويعلم ما جاء به ، ويفهم أحكامه وأوامره ونواهيه ، فيجب إعطاؤه الأمان لأجل ذلك ، فإن قبل فهو حسن ، وإلا وجب رده إلى مأمنه . قال تعالى : " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون " التوبة (6) . |
أما من حيث النجاة في الآخرة ، فقد قسم الإمام الغزالي الناس في شأن دعوة محمد ثلاثة أقسام :-
الأول : من لم يعلم بها بالمرة ، قال : وهؤلاء ناجون . الثاني : من بلغته الدعوة على وجهها ولم ينظر في أدلتها استكباراً أو إهمالاً أو عناداً ، قال : وهؤلاء مؤاخذون . الثالث : من بلغته الدعوة على غير وجهها ، كمن بلغه اسم محمد ولم يبلغهم وصفه ونعته ، بل سمعوا منذ الصبا باسمه من أعدائه متهماً بالتدليس والكذب وادعاء النبوة ، قال : فهؤلاء في معاني الصنف الأول . (1) ------------------------------------------------------------- (1) الموسوعة الفقهية ج 20/ ص 328-329 |
الخاتمـــــــــــــــــة
بعد عرض موضوع عموم الدعوة المحمدية ، وأدلة ذلك الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية ، وعرض ما قد يرد من إشكالات وشبه تتعلق بالموضوع ، تظهر لنا الحقيقة التي لا تخفى على أحد ، ألا وهي أن الإسلام هو الدين الذي اختاره الله عز وجل ختاماً للأديان جميعاً ، واختاره لجميع عباده وارتضاه لهم ، وأن الجميع من على الأرض مخاطبون به . وعلينا أن لا نغفل عن أعداء الدين الذين يعرفون هذه الحقائق ويحاولون جاهدين في سبيل عدم انتشار الدين الحق في العالم ، ويتبعون في ذلك شتى الطرق والوسائل التي توصلهم إلى أهدافهم ، مهما كانت هذه الوسائل غير أخلاقية ، وهم يدخلون على الإسلام من مدخلين كبيرين ليحاولوا هدمه من الداخل ، قضية اللغة العربية والانتماء للغة القرآن ، ومحاربتها ومحاولة الكاذبة وإلصاق التهم بالإسلام والمسلمين ، عن طريق وصفهم بالجهل والتخلف ، والميل للعنف والإرهاب ، وكل ذلك خوفاً من المد الإسلامي الذي سيقضي على سيطرتهم وتكبرهم وانحرافاتهم ، ومن المستغرب أن نرى معرفة غير المسلمين بمدى القبول والانتشار العالمي الموثق للإسلام ، أكثر من معرفة المسلمين بذلك ، بل أكثرهم في غفلة عن هذا الأمر ، الذي يعد غاية في الأهمية بالنسبة لنظم العالم أجمع . |
( يلاحظ أن جميع الأديان حسب رأي النصارى ستشهد تراجعاً في إعداد معتنقيها ما عدا المسلمين والبوذيين .
نقلاً عن Enternational Bulletion Of Missionary Research ومن هذه الإحصائية يتبين لنا سبب اهتمام أعداء الدين بصد الناس عن التعرف على الدين الحق ، وذلك لخوفهم من انتشاره واقتناع الناس به . وأخيراً ، يقودنا هذا البحث لمعرفة دورنا الأساسي في نشر الإسلام وحفظه من أن يشوه أو يعتدى عليه ، وواجبنا كمسلمين تجاه غير المسلمين في العالم كله ، من دعوتهم للحق بالحكمة ، وتصحيح ما فسد من تصوراتهم عن الإسلام دون تحريف أو تغيير لحقائقه الربانية ، ومهمتنا الكبيرة في بلادنا وبين إخواننا من تبصيرهم وتعليمهم والدعوة إلى الاعتزاز والتمسك بديننا ، مع عدم إغفالنا لتربية أنفسنا أولاً ، والحرص على التعلم والاستزادة ، والترقي والصعود إلى كل ما هو محمود في الحال والمآل ، فمن لم يقدر على نفسه ، كيف سيقدر على دعوة غيره ؟ والحمــد للـه رب العالميـــن ،،، |
قائمـــــــــــــة المراجــــــــــــــع
1- القرآن الكريم . 2- أسئلة حرجة وأجوبة صريحة ، للشيخ محمد متولي الشعراوي . 3- إيضاح الدلالة في عموم الرسالة ، شيخ الإسلام : ابن تيمية . 4- تاريخ دمشق ، لابن عساكر . 5- تفسير أبو السعود ، ط : دار الكتب العلمية . 6- تفسير البغوي . 7- تفسير ابن جرير الطبري المسمى جامع البيان في تأويل القرآن ، ط : دار الكتب العلمية . 8- تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ط : دار ومكتبة الهلال . 9- خصائص الدعوة الإسلامية ، محمد أمين حسن . 10- الدعوة الإسلامية تستقبل قرانها الخامس عشر ، محمد الغزالي ، ط : ذا السلاسل . 11- الدعوة الإسلامية دعوة عالمية ، محمد الراوي . 12- الدعوة إلى الله في سورة إبراهيم ، محمد بن سيدي بن الحبيب . 13- الرحيق المختوم ، صفي الرحمن المباركفوري ، ط : دار المؤيد . 14- روح المعاني ، الألوسي ، ط : دار الفكر ، ط : دار إحياء التراث العربي . 15- سنن الدارمي : تحقيق : د. محمود أحمد عبد المحسن ط : دار المعرفة . 16- السنن الكبرى ، للبيهقي ، ط : دار الكتب العلمية . 17- صحيح البخاري ، ط : بيت الأفكار الدولية . 18- صحيح مسلم ، ط : دار المغني ، دار ابن حزم . 19- فتح الباري ، بشرح صحيح البخاري ، للعسقلاني ، ط : دار المعرفة . 20- فتح القدير ، محمد بن علي الشوكاني ، ط : دار المؤيد . 21- مختار الصحاح . 22- المنجد في اللغة والأعلام . 23- المنهاج شرح صحيح مسلم ، للنووي ، ط : بيت الأفكار الدولية . 24- موسوعة الحديث الشريف للكتب الستة ، ط : دار السلام . 25- الموسوعة الفقهية . 26- الوجيز في أصول التشريع الإسلامي ، د. محمد حسن هيتو ، ط : مؤسسة الرسالة |
الساعة الآن 08:42 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][