![]() |
فصل في هديه عند دخوله إلى منزله
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم عند دخوله إلى منزله لم يكن صلى الله عليه وسلم ليفجأ أهله بغتة يتخونهم ، ولكن كان يدخل على أهله على علم منهم بدخوله ، وكان يسلم عليهم ، وكان إذا دخل ، بدأ بالسؤال ، أو سأل عنهم ، وربما قال : "هل عندكم من غداء؟ " وربما سكت حتى يحضر بين يديه ما تيسر . ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا انقلب إلى بيته :"الحمد لله الذي كفاني ، وآواني ، والحمد لله الذي أطعمني وسقاني ، والحمد لله الذي من علي فأفضل ، أسألك أن تجيرني من النار" . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأنس: "إذا دخلت على أهلك ، فسلم يكن بركة عليك وعلى أهلك " قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم "إذا ولج الرجل بيتة، فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج ، وخير المخرج ، بسم الله ولجنا ، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله ". وفيها عنه صلى الله عليه وسلم "ثلاثة كلهم ضامن على الله : رجل خرج غازياً في سبيل الله ، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة ، أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ، ورجل راح إلى المسجد ، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة ، أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ، ورجل دخل بيتة بسلام ، فهو ضامن على الله" حديث صحيح . وصح عنه صلى الله عليه وسلم "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل ، فلم يذكر الله عند دخوله ، قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه ، قال : أدركتم المبيت والعشاء " ذكره مسلم . |
فصل في هديه في الذكر عند دخوله الخلاء
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند دخوله الخلاء ثبت عنه في الصحيحين أنه كان يقول عند دخوله الخلاء "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ". وذكر أحمد عنه أنه أمر من دخل الخلاء أن يقول ذلك . ويذكر عنه "لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس ، الخبيث المخبث ، الشيطان الرجيم " . ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم قال : "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الكنيف أن يقول : بسم الله ". وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه . وأخبر أن الله سبحانه يمقت الحديث على الغائط : فقال : "لا يخرج الرجلان يضربان الحائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان ، فإن الله عز وجل يمقت على ذلك ". وقد تقدم أنه كان لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا بغائط ، وأنه نهى عن ذلك في حديث أبي أيوب ، وسلمان الفارسي ، وأبي هريرة ، ومعقل بن أبي معقل ، وعبد الله بن الحارث بن عمر، رضي الله عنهم ، وعامة هذه الأحاديث صحيحة، وسائرها حسن ، والمعارض لها إما معلول السند، وإما ضعيف الدلالة، فلا يرد صريح نهيه المستفيض عنه بذلك ، كحديث عراك عن عائشة، ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناساً يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم ، فقال : "أوقد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة" رواه الإمام أحمد. وقال : هو أحسن ما روي في الرخصة وإن كان مرسلاً، ولكن هذا الحديث قد طعن فيه البخاري وغيره من أئمة الحديث ، ولم يثبتوه ، ولا يقتضي كلام الإمام أحمد تثبيته ولا تحسينه ، قال الترمذي في كتاب العلل الكبير له : سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ، فقال : هذا حديث فيه اضطراب ، والصحيح عندي عن عائشة من قولها انتهى. قلت : وله علة أخرى، وهي انقطاعه بين عراك وعائشة، فإنه لم يسمع منها، وقد رواه عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن رجل عن عائشة، وله علة أخرى ، وهي ضعف خالد بن أبي الصلت . ومن ذلك حديث جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة ببول ، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها وهذا الحديث استغربه الترمذي بعد تحسينه ، وقال الترمذي في كتاب العلل : سألت محمداً يعني البخاري عن هذا الحديث ، فقال : هذا حديث صحيح ، رواه غير واحد عن ابن اسحاق ، فإذا كان مراد البخاري صحته عن ابن اسحاق ، لم يدل على صحته في نفسه ، وإن كان مراده صحته في نفسه ، فهي واقعة عين ، حكمها حكم حديث ابن عمر لما "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر الكعبة " ، وهذا يحتمل وجوهاً ستة : نسخ لمكان أو غيره ، وأن يكون بياناً، لأن النهي على التحريم ، ولا سبيل إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على التعيين ، وإن كان حديث جابر لا يحتمل الوجه الثاني منها، فلا سبيل إلى ترك أحاديث النهي الصحيحة الصريحة المستفيضة بهذا المحتمل . وقول ابن عمر : إنما نهي عن ذلك في الصحراء، فهم منه لاختصاص النهي بها، وليس بحكاية لفظ النهي ، وهو معارض بفهم أبي أيوب للعموم مع سلامة قول أصحاب العموم من التناقض الذي يلزم المفرقين بين الفضاء والبنيان ، فإنه يقال لهم : ما حد الحاجز الذي يجوز ذلك معه في البنيان ؟ ولا سبيل إلى ذكر حد فاصل ، وإن جعلوا مطلق البنيان مجوزاً لذلك ، لزمهم جوازه في الفضاء الذي يحول بين البائل وبينه جبل قريب أو بعيد، كنظيره في البنيان ، وأيضاً فإن النهي تكريم لجهة القبلة ، وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان ، وليس مختصاً بنفس البيت ، فكم من جبل وأكمة حائل بين البائل وبين البيت بمثل ما تحول جدران البنيان وأعظم ، وأما جهة القبلة، فلا حائل بين البائل وبينها ، وعلى الجهة وقع النهي ، لا على البيت نفسه فتأمله . |
فصل في هديه في الذكر عند خروجه من الخلاء
وكان إذا خرح من الخلاء قال :"غفرانك" ويذكر عنه أنه كان يقول :"الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ". ذكره ابن ماجة . |
فصل في هديه في أذكار الوضوء
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار الوضوء ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه وضع يديه في الإناء الذي فيه الماء، ثم قال للصحابة : "توضؤوا بسم الله ". وثبت عنه أنه قال لجابر رضي الله غه "ناد بوضوء" فجيء بالماء، فقال : "خذ يا جابر فصب علي وقل بسم الله قال : فصببت عليه ، وقلت : بسم الله ، قال : فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ". وذكر أحمد عنه من حديث أبي هريرة، وسعيد بن زيد، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم : "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " وفي أسانيدها لين . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :"من أسبغ الوضوء ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" ذكره مسلم . وزاد الترمذي بعد التشهد "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " وزاد الإمام احمد : ثم رفع نظرد الى السماء وزاد ابن ماجة مع أحمد قول ذلك ثلاث مرات . وذكر بقي بن مخلد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً " من توضأ ففرغ من وضوئه ، ثم قال : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب كتب في رق وطبع عليها بطابع ، ثم رفعت تحت العرش فلم يكسر إلى يوم القيامة" ورواه النسائي في كتابه الكبير من كلام أبي سعيد الخدري وقال النسائي : باب ما يقول بعد فراغه من وضوئه ، فذكر بعض ما تقدم . ثم ذكر بإسناد صحيح من حديث أبي موسى الأشعري قال : "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ، فسمعته يقول ويدعو : اللهم اغفر لي ذنبي ، ووسع لي في داري ، وبارك لي في رزقي فقلت : يا نبي الله : سمعتك تدعو بكذا وكذا، قال : وهل تركت من شيء ؟ "وقال ابن السني : باب ما يقول بين ظهراني وضوئه . . . فذكره. |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأذان وأذكاره
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سن التأذين بترجيع وبغير ترجيع ، وشرع الإقامة مثنى وفرادى، ولكن الذي صح عنه تثنية كلمة الإقامة قد قامت الصلاة ولم يصح عنه إفرادها البتة ، وكذلك صح عنه تكرار لفظ التكبير في أول الأذان أربعاً ، ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين وأما حديث "أمر بلال أن يرفع الأذان ويوتير الإقامة " فلا ينافي الشفع بأربع ، وقد صح التربيع صريحاً في حديث عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب ، وأبي محذورة ، رضي الله عنهم . وأما إفراد الإقامة، فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما استثناء كلمة الإقامة ، فقال: إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين ، والإقامه مرة مرة ، غير أنه يقول : "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة" وفي صحيح البخاري عن أنس : أمر بلال أن يشفع الأذان ، ويوتر الإقامة ، إلا الإقامة وصح من حديث عبد الله بن زيد وعمر في الإقامة "قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة" . وصح من حديث أبي محذورة تثنية كلمة الإقامة مع سائر كلمات الأذان . وكل هذه الوجوه جائزة مجزئة لا كراهة في شيء منها، وإن كان بعضها أفضل من بعض ، فالإمام أحمد أخذ بأذان بلال وإقامته ، والشافعي أخذ بأذان أبي محذورة ، وإقامة بلال وأبو حنيفة أخذ بأذان بلال وإقامة أبي محذورة ، ومالك أخذ بما رأى عليه عمل أهل المدينة من الاقتصار على التكبير في الأذان مرتين ، وعلى كلمة الإقامة مرة واحدة ، رحمهم الله كلهم ، فإنهم اجتهدوا في متابعة السنة . |
فصل في هديه في الذكر عند الأذان وبعده
فصل وأما هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند الأذان وبعده ، فشرع لأمته منه خمسة أنواع. أحدها: أن يقول السامع ، كما يقول المؤذن ، إلا في لفظ "حي على الصلاة" "حي على الفلاح " فإنه صح عنه إبدالهما بـ "لا حول ولا قوة إلا بالله " ولم يجىء عنه الجمع بينها وبين "حي على الصلاة" "حي على الفلاح" ولا الاقتصار على الحيعلة، وهديه صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه إبدالهما بالحوقلة ، وهذا مقتضى الحكمة المطابقة لحال المؤذن والسامع ، فإن كلمات الأذان ذكر فسن للسامع أن يقولها، وكلمة الحيعلة دعاء إلى الصلاة لمن سمعه ، فسن للسامع أن يستعين على هذه الدعوة بكلمة الإعانة وهي " لا حول ولا قوة إلا بالله " العلي العظيم . الثاني : أن يقول : وأنا أشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً ، وأخبر أن من قال ذلك غفر له ذنبه . الثالث : أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من إجابة المؤذن ، وأكمل ما يصلى عليه به ، ويصل اليه ، هي الصلاة الإبراهيمية كما علمه أمته أن يصلوا عليه ، فلا صلاة عليه أكمل منها وإن تحذلق المتحذلقون . الرابع : أن يقول بعد صلاته عليه : "اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد "هكذا جاء بهذا اللفظ "مقاماً محموداً "بلا ألف ولا لام ، وهكذا صح عنه صلى الله عليه وسلم . الخامس : أن يدعو لنفسه بعد ذلك ، ويسأل الله من فضله ، فإنه يستجاب له ، كما في السنن عنه صلى الله عليه وسلم "قل كما يقولون يعني المؤذنين ، فإذا انتهيت فسل تعطه ". وذكر الإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم "من قال حين ينادي المنادي : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة النافعة ، صل على محمد وارض عنه رضى لا سخط بعده ، استجاب الله له دعوته ". وقالت أم سلمة رضي الله عنها : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب : "اللهم إن هذا إقبال ليلك ، وإدبار نهارك ، وأصوات دعائك ، فاغفر لي " ذكره الترمذي . وذكر الحاكم في المستدرك من حديث أبي أمامة يرفعه أنه كان إذا سمع الأذان قال : "اللهم رب هذه الدعوة التامة المستجابة، والمستجاب لها، دعوة الحق وكلمة التقوى، توفني عليها وأحيني عليها، واجعلني من صالحي أهلها عملاً يوم القيامة" وذكره البيهقي من حديث ابن عمر موقوفاً عليه . وذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند الإقامة :"أقامها الله وأدامها ". وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة قالوا: فما نقول يا رسول الله ؟ قال : سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة "حديث صحيح . وفيها عنه ساعتان ، يفتح الله فيهما أبواب السماء ، وقلما ترد على داع دعوته : عند حضور النداء ، والصف في سبيل الله . وفلم تقدم هديه في أذكار الصلاة مفصلاً والأذكار بعد انقضائها، والأذكار في العيدين ، والجنائز، والكسوف ، وأنه أمر في الكسوف بالفزع إلى ذكر الله تعالى، وأنه كان يسبح في صلاتها قائماً رافعاً يديه يهتل ويكبر ويحمد ويدعو حتى حسر عن الشمس ، والله أعلم . |
فصل ومن هديه إكثار الدعاء في عشر ذي الحجة
فصل وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء في عشر ذي الحجة، ويأمر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد. ويذكر عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ، فيقول : "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد" وهذا وإن كان لا يصح إسناده ، فالعمل عليه ، ولفظه هكذا يشفع التكبير ، وأما كونه ثلاثاً، فإنما روي عن جابر وابن عباس من فعلهما ثلاثاً فقط ، وكلاهما حسن . قال الشافعي : إن زاد فقال : الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله والله أكبر ، كان حسناً . |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند رؤية الهلال
يذكر عنه أنه كان يقول : "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، ربي وربك الله " قال الترمذي : حديث حسن . ويذكر عنه أنه كان يقول عند رؤيته "الله أكبر، اللهم أهله علينا ، بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ربنا ويرضاه، ربنا وربك الله " ذكره الدارمي . وذكر أبو داود عن قتادة أنه بلغه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال : "هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات ، ثم يقول : الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا" . وفي أسانيدها لين . ويذكر عن أبي داود وهو في بعض نسخ سننه أنه قال : ليس في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مسند صحيح . |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار الطعام قبله وبعده
كان إذا وضع يده في الطعام قال : " بسم الله " ويأمر الآكل بالتسمية ، ويقول : "إذا أكل أحدكم ، فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله ، فليقل : بسم الله في أوله وآخره "حديث صحيح . والصحيح وجوب التسمية عند الأكل ، وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد، وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة، ولا معارض لها، ولا إجماع يسوغ مخالفتها ويخرجها عن ظاهرها، وتاركها شريكة الشيطان في طعامه وشرابه . |
فصل ومن هديه إكثار الدعاء في عشر ذي الحجة
فصل وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء في عشر ذي الحجة، ويأمر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد. ويذكر عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ، فيقول : "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد" وهذا وإن كان لا يصح إسناده ، فالعمل عليه ، ولفظه هكذا يشفع التكبير ، وأما كونه ثلاثاً، فإنما روي عن جابر وابن عباس من فعلهما ثلاثاً فقط ، وكلاهما حسن . قال الشافعي : إن زاد فقال : الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله والله أكبر ، كان حسناً . |
مسألة إذا كان الآكلون جماعة هل على كل واحد تسمية
فصل وها هنا مسألة تدعو الحاجة إليها، وهي أن الآكلين إذا كانوا جماعة ، فسمى أحدهم ، هل تزول مشاركة الشيطان لهم في طعامهم بتسميته وحده ، أم لا تزول، إلا بتسمية الجميع ؟ فنص الشافعي على إجزاء تسمية الواحد عن الباقين ، وجعله أصحابه كرد السلام ، وتشميت العاطس ، وقد يقال : لا ترفع مشاركة الشيطان للآكل إلا بتسميته هو، ولا يكفيه تسمية غيره ، ولهذا جاء في حديث حذيفة : إنا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فجاءت جارية كأنما تدفع ، فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع ، فأخذ بيده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الشطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به ، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع يديهما" ثم ذكر اسم الله وأكل ، ولو كانت تسمية الواحد تكفي ، لما وضع الشيطان يده في ذلك الطعام . ولكن قد يجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قد وضع يده وسمى بعد، ولكن الجارية ابتدأت بالوضع بغير تسمية ، وكذلك الأعرابي ، فشاركهما الشيطان ، فمن أين لكم أن الشيطان شارك من لم يسم بعد تسمية غيره ؟ فهذا مما يمكن أن يقال ، لكن قد روى الترمذي وصححه من حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاماً في ستة من أصحابه ، فجاء أعرابي ، فأكله بلقمتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه لو سمى لكفاكم " ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولئك الستة سموا ، فلما جاء هذا الأعرابي فأكل ولم يسم ، شاركه الشيطان في أكله فأكل الطعام بلقميتن ، ولو سمى لكفى الجميع . وأما مسألة رد السلام ، وتشميت العاطس ، ففيها نظر، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا عطس أحدكم ؟ فحمد الله فحق على كل من سمعه أن يشمته " وإن سلم الحكم فيهما، فالفرق بينهما وبين مسألة الأكل ظاهر، فإن الشيطان إنما يتوصل إلى مشاركة الآكل في أكله إذا لم يسم ، فإذا سمى غيره لم تجز تسمية من سمى عمن لم يسم من مقارنة السيطان له ، فيأكل معه ، بل تقل مشاركة الشيطان بتسمية بعضهم ، وتبقى الشركة بين من لم يسم وبينه ، والله أعلم . ويذكر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "من نسي أن يسمي على طعامه ، فليقرأ قل هو الله أحد إذا فرغ " وفي ثبوت هذا الحديث نظر . وكان إذا رفع الطعام من بين يديد يقول :"الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، غير مكفي ولا مودع ولا مستغى عنه ربنا" عز وجل ذكره البخاري . وربما كان يقول : "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ". وكان يقول : "الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا" . وذكر البخاري عنه أنه كان يقول : "الحمد لله الذي كفانا وآوانا" وذكر الترمذي عنه أنه قال : "من أكل طعاماً فقال : الحمد لله الذي أطعمني هذا من غير حول مني ولا قوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه " حديث حسن . ويذكر عنه أن كان إذا قرب إليه الطعام قال : "بسم الله " فإذا فرغ من طعامه قال : "الهم أطعمت وسقيت ، وأغنيت وأقنيت ، وهديت وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت " وإسناده صحيح . وفي السنن عنه أنه كان يقول إذا فرغ : "الحمد لله الذي من علينا وهدانا ، والذي أشبعنا وأروانا ، ومن كل الإحسان آتانا" حديث حسن . وفي السنن عنه أيضا "إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه . ومن سقاه الله لبنا، فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، فإنه ليس شيء ويجزىء عن الطعام والشراب غير اللبن " حديث حسن . ويذكر عنه أنه كان إذا شرب في الإناء تنفس ثلاثة أنفاس ، ويحمد الله كل نفس ، ويشكره في آخرهن . |
فصل ما عاب صلى الله عليه وسلم طعاماً قط
فصل وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل على أهله ربما يسألهم : هل عندكم طعام ؟ وما عاب طعاماً قط ، بل كان إذا اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه وسكت وربما قال : "أجدني أعافه أني لا أشتهيه " . وكان يمدح الطعام أحياناً، كقوله لما سأل أهله الإدام ، فقالوا : ما عندنا إلا خل ، فدعا به فجعل يأكل منه ويقول : "نعم الأدم الخل " وليس في هذا تفضيل له على اللبن واللحم والعسل والمرق ، وإنما هو مدح له في تلك الحال التي حضر فيها، ولو حضر لحم أو لبن ، كان أولى بالمدح منه ، وقال هذا جبراً وتطييباً لقلب من قدمه ، لا تفضيلاً له على سائر أنواع الإدام . وكان إذا قرب إليه طعام وهو صائم قال : "إني صائم "وأمر من قرب إليه الطعام وهو صائم أن يصلي ، أي يدعو لمن قدمه ، وإن كان مفطراً أن يأكل منه . وكان إذا دعي لطعام وتبعه أحد، أعلم به رب المنزل ، وقال : "إن هذا تبعنا، فإن شئت أن تأذن له ، وإن شئت رجع ". وكاذ يتحدث على طعامه ، كما تقدم في حديث الخل ، وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يؤاكله : "سم الله ، وكل مما يليك ". وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مرارأ، كما يفعله أهل الكرم ، كما في حديث "أبي هريرة عند البخاري في قصة شرب اللبن وقوله له مراراً : اشرب ، فما زال يقول : اشرب حتى قال : والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً ". وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم ، فدعا في منزل عبد الله بن بسر ، فقال : "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ، واغفر لهم ، وارحمهم" ذكره مسلم . ودعا في منزل سعد بن عبادة فقال : "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة". وذكر أبو داود "عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما دعاه أبو الهيثم بن التيهان هو وأصحابه فأكلوا ، فلما فرغوا قال : أثيبوا أخاكم قالوا : يا رسول الله وما إثابته ؟ قال: إن الرجل إذا دخل بيته ، فأكل طعامه ، وشرب شرابة ، فدعوا له ، فذلك إثابته ". وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه دخل منزلة ليلة، فالتمس طعاماً فلم يجده ، فقال : "اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني ". وذكر عنه أن عمرو بن الحمق سقاه لبناً فقال : اللهم أمتعه بشبابه ، فمرت عليه ثمانون سنة لم يجد شعرة بيضاء. وكان يدعو لمن يضيف المساكين ، ويثني عليهم ، فقال مرة: ألا رجل يضيف هذا رحمه الله، وقال للأنصاري وامراته الذين آثرا بقوتهما وقوت صبيانهما ضيفهما : "لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة". وكان لا يأنف من مؤاكلة أحد صغيراً كان أو كبيراً، حراً أو عبداً ، أعرابياً أو مهاجراً، حتى لقد روى أصحاب السنن عنه أنه أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة فقال : "كل بسم الله ثقة بالله، وتوكلاً عليه ". وكان يأمر بالأكل باليمين ، وينهى عن الأكل بالشمال ، ويقول : "إن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله " ومقتضى هذا تحريم الأكل بها ، وهو الصحيح ، فإن الآكل بها، إما شيطان ، وإما مشبه به . وصح عنه أنه قال لرجل أكل عنده ، فأكل بشماله : "كل بيمينك "، فقال : لا استطيع ، فقال : "لا استطعت " فما رفع يده إلى فيه بعدها فلو كان ذلك جائزاً، لما دعا عليه بفعله ، وإن كان كبره حمله على ترك امتثال الأمر، فذلك أبلغ في العصيان واستحقاق الدعاء عليه وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون : أن يجتمعوا على طعامهم ولا يتفرقوا وأن يذكروا اسم الله عليه يبارك لهم فيه . وصح عنه أنه قال : "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة يحمده عليها ، ويشرب الشربة يحمده عليها" . وروي عنه أنه قال : "أذيبوا طعامكم بذكر الله عز وجل والصلاة ، ولا تناموا عليه فتقسو قلوبكم " وأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحا والواقع في التجربة يشهد به . |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام والاستئذان وتشميت العاطس
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن أبي هريرة أن أفضل السلام وخيره إطعام الطعام ، وأن تقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف . وفيهما أن آدم عليه الصلاة والسلام لما خلفه الله قال له : اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة، فسلم عليهم ، واستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه "ورحمة الله". وفيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإفشاء السلام وأخبرهم أنهم إذا أفشوا السلام بينهم تحابوا ، وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا ، ولا يؤمثون حتى يتحابوا. وقال البخاري في صحيحه : قال عمار: ثلاث من جمعهن ، فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار. وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه ، فإن الإنصاف يوجب عليه أداء حقوق الله كاملة موفرة، وأداء حقوق الناس كذلك ، وأن لا يطالبهم بما ليس له ، ولا يحملهم فوق وسعهم ، ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ، ويعفيهم مما يحب أن يعفوه منه ، ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها، ويدخل في هذا إنصافه نفسه من نفسه ، فلا يدعي لها ما ليس لها، ولا يخبثها بتدنيسه لها، وتصغيره إياها، وتحقيرها بمعاصي الله ، وينميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده ، وحبه وخوفه ، ورجائه ، والتوكل عليه ، والإنابة إليه ، وإيثار مرضاته ومحابه على مراضي الخلق ومحابهم ، ولا يكون بها مع الخلق ولا مع الله ، بل يعزلها من البين كما عزلها الله ، ويكون بالله لا بنفسه في حبه وبغضه ، وعطائه ومنعه ، وكلامه وسكوته ، ومدخله ومخرجه ، فينجي نفسه من البين ، ولا يرى لها مكانة يعمل عليها، فيكون ممن ذمهم الله بقوله " اعملوا على مكانتكم " [ الأنعام :35 ] فالعبد المحض ليس له مكانة يعمل عليها، فإنه مستحق المنافع والأعمال لسيده ، ونفسه ملك لسيده ، فهو عامل على أن يؤدي إلى سيده ما هو مستحق له عليه ، ليس له مكانة أصلاً بل قد كوتب على حقوق منجمة، كلما أدى نجماً حل عليه نجم آخر، ولا يزال المكاتب عبداً ما بقي عليه شيء من نجوم الكتابة . والمقصود أن إنصافه من نفسه يوجب عليه معرفة ربه ، وحقه عليه ، ومعرفة نفسه ، وما خلقت له ، وأن لا يزاحم بها مالكها، وفاطرها ويدعي لها الملكة والاستحقاق ، ويزاحم مراد سيده ، ويدفعه بمراده هو ، أو يقدمه ويؤثره عليه ، أو يقسم إرادته بين مراد سيده ومراده ، وهي قسمة ضيزى ، مثل قسمة الذين قالوا : " هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون " [الأنعام : 136] . فلينظر العبد لا يكون من لا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركاته وبين الله لجهله وظلمه وإلا لبس عليه ، وهو لا يشعر، فإن الإنسان خلق ظلوماً جهولاً ، فكيف يطلب الإنصاف ممن وصفه الظلم والجهل ؟ وكيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق؟ كما في أثر إلهي يقول الله عز وجل : "ابن ادم ما أنصفتني ، خيري إليك نازل ، وشرك إلي صاعد، كم أتحبب إليك بالنعم ، وأنا غني عنك ، وكم تتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إلى منك بعمل قبيح ". وفي أثر آخر : "ابن ادم ما أنصفتني ، خلقتك وتعبد غيري ، وأرزقك وتشكر سواي " . ثم كيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه ، وظلمها أقبح الظلم ، وسعى في ضررها أعظم السعي ، ومنعها أعظم لذاتها من حيث ظن أنه يعطيها إياها، فأتعبها كل التعب ، وأشقاها كل الشقاء من حيث ظن أنه يريحها ويسعدها، وجد كل الجد في حرمانها حظها من الله ، وهو يظن أنه ينيلها حظوظها، ودساها كل التدسية، وهو يظن أنه يكبرها وينميها، وحقرها كل التحقير، وهو يظن أنه يعظمها، فكيف يرجى الإنصاف ممن هذا إنصافه لنفسه ؟ إذا كان هذا فعل العبد بنفسه ، فماذا تراه بالأجانب يفعل . والمقصود أن قول عمار رضي الله عنه : ثلاث من جمعهن ، فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار ، كلام جامع لأصول الخير وفروعه . وبذل السلام للعالم يتضمن تواضعه وأنه لا يتكبر على أحد، بل يبذل السلام للصغير والكبير ، والشريف والوضيع ، ومن يعرفه ومن لا يعرفه ، والمتكبر ضد هذا، فإنه لا يرد السلام على كل من سلم عليه كبراً منه وتيهاً، فكيف يبذل السلام لكل أحد . وأما الإنفاق من الإقتار، فلا يصدر إلا عن قوة ثقة بالله ، وأن الله يخلفه ما أنفقه ، وعن قوة يقين ، وتوكل ، ورحمة، وزهد في الدنيا، وسخاء نفس بها، ووثوق بوعد من وعده مغفرة منه وفضلاً، وتكذيباً بوعد من يعده الفقر، ويأمر بالفحشاء، والله المستعان . |
فصل في هديه في السلام على الصيبان
فصل وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بصيبان ، فسلم عليهم ، ذكره مسلم . وذكر الترمذي في جامعه عنه صلى الله عليه وسلم مر يوماً، بجماعة نسوة ، فألوى بيده بالتسليم . وقال أبو داود: عن أسماء بنت يزيد مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلم علينا ، وهي رواية حديث الترمذي ، والظاهر أن القصة واحدة وأنه سلم عليهن بيده . وفي صحيح البخاري :أن الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم ، فيسلمون عليها، فتقدم لهم طعاماً من أصول السلق والشعير . وهذا هو الصواب في مسألة السلام على النساء يسلم على العجوز وذوات المحارم دون غيرهن . |
فصل في تسليم الصغير على الكبير والماشي على القاعد
فصل وثبت عنه في صحيح البخاري وغيره تسليم الصغير على الكبير، والمار على القاعد ، والراكب على الماشي ، والقليل على الكثير. وفي جامع الترمذي عنه : يسلم الماشي على القائم . وفي مسند البزار عنه : يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والماشيان أيهما بدأ ، فهو أفضل . وفي سنن أبي داود عنه : "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ". وكان من هديه صلى الله عليه وسلم السلام عند المجيء إلى القوم ، والسلام عند الإنصراف عنهم ، وثبت عنه أنه قال : "إذا قعد أحدكم ، فليسلم ، وإذا قام ، فليسلم ، وليست الأولى أحق من الآخرة". وذكر أبو داود عنه "إذا لقي أحدكم صاحبه فليسلم عليه ، فإن حال بينهما شجرة أو جدار، ثم لقيه ، فليسلم عليه أيضاً". وقال أنس : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة ، تفرقوا يميناً وشمالاً ، وإذا التقوا من ورائها ، سلم بعضهم على بعض . ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدىء بركعتين تحية المسجد، ثم يجيء فيسلم على القوم ، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله ، فإن تلك حق الله تعالى، والسلام على الخلق هو حق لهم ، وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم ، بخلاف الحقوق المالية، فإن فيها نزاعاً معروفاً، والفرق بينهما حاجة الآدمي وعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين ، بخلاف السلام . وكانت عادة القوم معه هكذا ، يدخل أحدهم المسجد ، فيصلي ركعتين ، ثم يجيء ، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا جاء في حديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يوماً قال رفاعة: ونحن معه إذ جاء رجل كالبدوي فصلى، فأخف صلاته ، ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وعليك فارجع ، فصل ، فإنك لم تصل " . . . وذكر الحديث فأنكر عليه صلاته ، ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد الصلاة . وعلى هذا: فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مترتبة : أن يقول عند دخوله : بسم الله والصلاة على رسول الله . ثم يصلي ركعتين تحية المسجد . ثم يسلم على القوم . |
فصل وكان إذا دخل على أهله بالليل يسلم تسليماً لا يوقظ النائم . ويسمع اليقظان
فصل وكان إذا دخل على أهله بالليل ، يسلم تسليماً لا يوقظ النائم . ويسمع اليقظان ، ذكره مسلم . |
فصل في البدء بالسلام قبل الكلام
فصل وذكر الترمذي عنه عليه السلام "السلام قبل الكلام ". وفي لفظ آخر : "لا تدعوا أحداً إلى الطعام حتى يسلم" . وهذا وإن كان إسناده وما قبله ضعيفاً ، فالعمل عليه . وقد روى أبو أحمد بإسناد أحسن منه حديث عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "السلام قبل السؤال ، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام ، فلا تجيبوه ". ويذكر عنه أنه كان لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام . ويذكر عنه : "لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام ". وأجود منها ما رواه الترمذي عن كلدة بن حنبل ، أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ وجداية وضغابيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي قال : فدخلت عليه ، ولم أسلم ، ولم أستأذن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ارجع فقل : السلام عليكم ، أأدخل ؟" ، قال : هذا حديث حسن غريب . وكان إذا أتى باب قوم ، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن ، أو الأيسر ، فيقول : السلام عليكم ، السلام عليكم . |
فصل في التسليم على من يواجهه وتحمله السلام للغائب
فصل وكان يسلم بنفسه على كل من يواجهه ، ويحمل السلام لمن يريد السلام من الغائبين عنه ، ويتحمل السلام لمن يبلغه إليه ، كما تحمل السلام من الله عز وجل على صديقة النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها لما قال له جبريل : "هذه خديجة قد أتتك بطعام ، فاقرأ [عليها] السلام من ربها، [ومني] وبشرها ببيت في الجنة". وقال للصديقة الثانية بنت الصديق عائشة رضي الله عنها : "هذا جبريل يقرأ عليك السلام " فقالت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، يرى ما لا أرى. |
فصل في انتهاء السلام إلى وبركاته
فصل وكان هديه انتهاء السلام إلى وبركاته فذكر النسائي عنه "أن رجلاً جاء فقال : السلام عليكم ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : عشرة ثم جلس ، ثم جاء آخر، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : عشرون ثم جلس وجاء آخر، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال : ثلاثون" رواه النسائي ، والترمذي من حديث عمران بن حصين ، وحسنه . وذكره أبو داود من حديث معاذ بن أنس ، وزاد فيه : "ثم أتى آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال : أربعون فقال : هكذا تكون الفضائل ". ولا يثبت هذا الحديث . فإن له ثلاث علل : إحداهما : إنه من رواية أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون ، ولا يحتج به . الثانية : إن فيه أيضاً سهل بن معاذ وهو أيضاً كذلك. الثالثة : أن سعيد بن أبي مريم أحد رواته لم يجزم بالرواية، بل قال : أظن أني سمعت نافع بن يزيد. وأضعف من هذا الحديث الآخر "عن أنس : كان رجل يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : السلام عليك يا رسول الله ، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقيل له : يا رسول الله تسلم على هذا سلاماً ما تسلمه على أحد من أصحابك ؟ فقال : وما يمنعي من ذلك ، وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلاً ، وكان يرعى على أصحابه" . |
فصل في التسليم ثلاثاً
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يسلم ثلاثاً كما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمتن أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم ثلاثاً ولعل هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث ، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع كما سلم لما انتهى إلى منزل سعد بن عبادة ثلاثاً، فلما لم يجبه أحد رجع وإلا فلو كان هديه الدائم التسليم ثلاثاً لكان أصحابه يسلمون عليه كذلك ، وكان يسلم على كل من لقيه ثلاثاً ، وإذا دخل بيته ثلاثاً، ومن تأمل هديه ، علم أن الأمر ليس كذلك ، وأن تكرار السلام كان منه أمراً عارضاً في بعض الأحيان ، والله أعلم . |
فصل في بدئه من لقيه بالسلام والرد على التحية بمثلها أو أفضل منها
فصل وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، وإذا سلم عليه أحد، رد عليه مثل تحيته أو أفضل منها على الفور من غير تأخير، إلا لعذر، مثل حالة الصلاة، وحالة قضاء الحاجة . وكان يسمع المسلم رده عليه ، ولم يكن يرد بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا في الصلاة، فإنه كان يرد على من سلم عليه إشارة، ثبت ذلك عنه في عدة أحاديث ، ولم يجىء عنه ما يعارضها إلا بشيء باطل لا يصح عنه كحديث يرويه أبو غطفان رجل مجهول ، عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم "من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته" قال الدارقطني : قال لنا ابن أبي داود : أبو غطفان هذا رجل مجهول . والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة، رواه أنس وجابر وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم . |
فصل في صفة السلام
فصل وكان هديه في ابتداء السلام أن يقول : "السلام عليكم ورحمة الله" وكان يكره أن يقول للمبتدىء : عليك السلام . قال أبو جري الهجيمي : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : عليك السلام يا رسول الله ، فقال : " لا تقل عليك السلام ، فإن عليك السلام تحية الموتى " حديث صحيح . وقد أشكل هذا الحديث على طائفة، وظنوه معارضاً لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام على الأموات بلفظ "السلام عليكم" بتقديم السلام ، فظنوا أن قوله:" فإن عليك السلام تحية الموتى" إخبار عن المشروع ، وغلطوا في ذلك غلطاً أوجب لهم ظن التعارض ، وإنما معنى قوله : "فإن عليك السلام تحية الموتى"إخبار عن الواقع ، لا المشروع ، أي : إن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذه اللفظة كقول قائلهم : عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيى بتحية الأموات ، ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم بها . وكان يرد على المسلم وعليك السلام بالواو، وبتقديم عليك على لفظ السلام . وتكلم الناس ها هنا في مسألة ، وهي لو حذف الراد الواو فقال : عليك السلام هل يكون صحيحاً ؟ فقالت طائفة منهم المتولي وغيره : لا يكون جواباً ، ولا يسقط به فرض الرد، لأنه مخالف لسنة الرد، ولأنه لا يعلم : هل هو رد، أو ابتداء تحية؟ فإن صورته صالحة لهما، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا سلم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : وعليكم " فهذا تنبيه منه على وجوب الواو في الرد على أهل الإسلام ، فإن الواو في مثل هذا الكلام تقتضي تقرير الأول ، وإثبات الثاني ، فإذا أمر بالواو في الرد على أهل الكتاب الذين يقولون : السام عليكم ، فقال : "إذا سلم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : وعليكم " فذكرها في الرد على المسلمين أولى وأحرى . وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك رد صحيح كما لو كان بالواو. ونص عليه الشافعي رحمه الله في كتابه الكبير، واحتج لهذا القول بقوله تعالى " هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام " [الذريات : 24 ] أي : سلام عليكم ، لا بد من هذا، ولكن حسن الحذف في الرد ، لأجل الحذف في الابتداء، واحتجوا بما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "خلق الله آدم طوله ستعون ذراعاً، فلما خلقة، قال له : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله" فزادوه ورحمة الله فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه تحيته وتحية ذريته ، قالوا : ولأن المسلم عليه مأمور أن يحيي المسلم بمثل تحيته عدلاً، وبأحسن منها فضلاً ، فإذا رد عليه بمثل سلامه ، كان قد أتى بالعدل . وأما قوله : "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " فهذا الحديث قد اختلف في لفظة الواو فيه ، فروي على ثلاثة أوجه ، أحدهما : بالواو ، قال أبو داود: كذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه الثوري عن عبد الله بن دينار ، فقال فيه : فعليكم وحديث سفيان في الصحيحين ورواه النسائي من حديث ابن عيينة عن عبد الله بن دينار بإسقاط الواو ، وفي لفظ لمسلم والنسائي : فقل : عليك بغير واو . وقال الخطابي : عامة المحدثين يروونه وعليكم بالواو، وكان سفيان بن عيينة يرويه عليكم بحذف الواو، وهو الصواب ، وذلك أنه إذا حذف الواو، صار قولهم الذي قالوه بعينه مردوداً عليهم ، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم ، والدخول فيما قالوا، لأن الواو حرف للعطف والاجتماع بين الشيئين . انتهى كلامه. وما ذكره من أمر الواو ليس بمشكل ، فإن السام الأكثرون على أنه الموت ، والمسلم والمسلم عليه مشتركون فيه ، فيكون في الإتيان بالواو بيان لعدم الاختصاص ، وإثبات المشاركة ، وفي حذفها إشعار بأن المسلم أحق به وأولى من المسلم عليه وعلى هذا فيكون الإتيان بالواو هو الصواب ، وهو أحسن من حذفها ، كما رواه مالك وغيره ، ولكن قد فسر السام بالسآمة ، وهي الملالة وسآمة الدين ، قالوا: وعلى هذا فالوجه حذف الواو ولا بد، ولكن هذا خلاف المعروف من هذه اللفظة في اللغة، ولهذا جاء في الحديث "إن الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام "ولا يختلفون أنه الموت . وقد ذهب بعض المتحذلقين إلى أنه يرد عليهم السلام بكسر السين ، وهي الحجارة ، جمع سلمة ، ورد هذا الرد متعين . |
فصل في هديه في السلام على أهل الكتاب
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام على أهل الكتاب صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا تبدؤوهم بالسلام ، وإذا لقيتموهم في الطريق ، فاضطروهم إلى أضيق الطريق " لكن قد قيل : ان هذا كان في قضية خاصة لما ساروا إلى بني قريظة قال : "لاتبدؤوهم بالسلام " فهل هذا حكم عام لأهل الذمة مطلقاً، أو يختص بمن كانت حاله بمثل حال أولئك ؟ هذا موضع نظر، ولكن قد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق ، فاضطروه إلى أضيقه" والظاهر أن هذا حكم عام . وقد اختلف السلف والخلف في ذلك ، فقال أكثرهم : لا يبدؤون بالسلام ، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يرد عليهم ، روي ذلك عن ابن عباس ، وأبي أمامة وابن محيريز، وهو وجه في مذهب الشافعي رحمه الله ، لكن صاحب هذا الوجه قال : يقال له : السلام عليك فقط بدون ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد : وقالت : طائفة : يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجه تكون له إليه، أو خوف من أذاه ، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك ، يروى ذلك عن ابراهيم النخعي ، وعلقمة . وقال الأوزاعي : إن سلمت ، فقد سلم الصالحون ، وإن تركت ، فقد ترك الصالحون . واختلفوا في وجوب الرد عليهم ، فالجمهور على وجوبه ، وهو الصواب ، وقالت طائفة: لا يجب الرد عليهم ، كما لا يجب على أهل البدع وأولى، والصواب الأول ، والفرق أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيراً لهم ، وتحذيراً منهم ، بخلاف أهل الذمة . |
فصل في هديه في السلام على مجلس فيه المسلمين والمشركين واليهود
فصل وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين ، والمشركين عبدة الأوثان ، واليهود ، فسلم عليهم . وصح عنه أنه كتب إلى هرقل وغيره: السلام على من اتبع الهدى . |
فصل هل يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم
فصل ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" يجزىء عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ، ويجزىء عن الجلوس أن يرد أحدهم " فذهب إلى هذا الحديث من قال : إن الرد فرض كفاية يقوم فيه الواحد مقام الجميع ، لكن ما أحسنه لو كان ثابتاً ، فإن هذا الحديث رواه أبو داود من رواية سعيد بن خالد الخزاعي المدني ، قال أبو زرعة الرازي : مدني ضعيف . وقال أبو حاتم الرازي : ضعيف الحديث ، وقال البخاري : فيه نظر . وقال الدارقطني : ليس بالقوي . |
فصل في هديه إذا بلغه أحد السلام عن غيره أن يرد عليه وعلى المبلغ
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا بلغه أحد السلام عن غيره أن يرد عليه وعلى المبلغ ، كما في السنن أن رجلاً قال له : إن أبي يقرئك السلام ، فقال له : "عليك وعلى أبيك السلام ". وكان من هديه ترك السلام ابتداء ورداً على من أحدث حدثاً حتى يتوب منه ، كما هجر كعب بن مالك وصاحبيه ، وكان كعب يسلم عليه ، ولا يدري هل حرك شفتيه برد السلام عليه أم لا ؟ وسلم عليه عماربن ياسر، وقد خلقه أهله بزعفران ، فلم يرد عليه ، فقال : "اذهب فاغسل هذا عنك ". وهجر زينب بنت جحش شهرين وبعض الثالث لما قال لها: "أعطي صفية ظهراً لما اعتل بعيرها" فقالت : أنا أعطي تلك اليهودية ؟ ذكرهما أبو داود . |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستئذان
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الاستئذان ثلاث ، فإن أذن لك وإلا فارجع ". وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر". وصح عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه أراد أن يفقأ عين الذي نظر إليه من جحر في حجرته ، وقال : "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر". وصح عنه أنه قال : "لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذن ، فخذفته بحصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح ". وصح عنه أنه قال : "من اطلع على قوم في بيتهم بغير إذنهم ، فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه ". وصح عنه أنه قال : "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ، ففقؤوا عينه ، فلا دية له ، ولا قصاص ". وصح عنه : التسليم قبل الاستئذان فعلاً وتعليماً ، واستأذن عليه رجل ، فقال : أألج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل : "اخرج إلى هذا، فعلمه الاستئذان ". فقال له : قل : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فسمعه الرجل ، فقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل . ولما استأذن عليه عمر رضي الله عنه ، وهو في مشربته مؤلياً من نسائه ، قال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليكم ، أيدخل عمر؟ . وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم لكلدة بن حنبل لما دخل عليه ولم يسلم ، "ارجع فقل : السلام عليكم أأدخل ؟" . وفي هذه السنن رد على من قال : يقدم الاستئذان على السلام ، ورد على من قال : إن وقعت عينه على صاحب المنزل قبل دخوله ، بدأ بالسلام ، وإن لم تقع عينه عليه ، بدأ بالاستئذان ، والقولان ، مخالفان للسنة . وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا استأذن ثلاثاً ولم يؤذن له ، انصرف ، وهو رد على من يقول : إن ظن أنهم لم يسمعوا، زاد على الثلاث ، ورد على من قال : يعيده بلفظ آخر، والقولان مخالفان للسنة . |
فصل في المستأذن كيف يرد إذا سئل عن اسمه
فصل وكان من هديه أن المستأذن إذا قيل له : من أنت ؟ يقول : فلان بن فلان ، أو ذكر يذكر كنيته ، أو لقبه ، ولا يقول : أنا ، كما قال جبريل للملائكة في ليلة المعراج لما استفتح باب السماء فسألوه من ؟ فقال : جبريل . واستمر ذلك في كل سماء سماء . وكذلك في الصحيحين لما "جلس النبي صلى الله عليه وسلم في البستان ، وجاء أبو بكر رضي الله عنه ، فاستأذن فقال : من ؟ قال : أبو بكر، ثم جاء عمر، فاستأذن فقال : من ؟ قال : عمر، ثم عثمان كذلك" . وفي الصحيحين ، "عن جابر، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدققت الباب ، فقال :من ذا؟ فقلت : أنا ، فقال : أنا أنا "، كأنه كرهها . ولما استأذنت أم هانىء، قال لها : من هذه ؟ قالت : أم هانىء ، فلم يكره ذكرها الكنية . وكذلك لما قال لأبي ذر: من هذا؟ قال : أبو ذر. وكذلك لما قال لأبي قتادة : من هذا؟ قال : أبو قتادة . |
فصل
وقد روى أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم من حديث قتادة، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة : "رسول الرجل إلى الرجل إذنه" : وفي لفظ : "إذا دعي أحدكم إلى طعام ، ثم جاء مع الرسول ، فإن ذلك إذن له ". وهذا الحديث فيه مقال ، قال أبو علي اللؤلؤي : سمعت أبا داود يقول : قتادة لم يسمع من أبي رافع . وقال البخاري في صحيحه : وقال سعيد : عن قتادة، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم "هو إذنه " ، فذكره تعليقاً لأجل الانقطاع في إسناده . وذكر البخاري في هذا الباب حديثاً يدل على ان اعتبار الاستئذان بعد الدعوة، وهو "حديث مجاهد عن أبي هريرة ، دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجدت لبناً في قدح ، فقال : اذهب إلى أهل الصفة ، فادعهم إلي قال : فأتيتهم ، فدعوتهم ، فأقبلوا ، فاستأذنوا، فأذن لهم ، فدخلوا" وقد قالت طائفة : بأن الحديثين على حالين ، فإن جاء الداعي على الفور من غير تراخ ، لم يحتج إلى استئذان ، وإن تراخى مجيئه عن الدعوة ، وطال الوقت ، احتاج إلى استئذان . وقال آخرون : إن كان عند الداعي من قد أذن له قبل مجيء المدعو، لم يحتج إلى استئذان آخر، وإن لم يكن عنده من قد أذن له ، لم يدخل حتى يستأذن . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا دخل إلى مكان يحب الانفراد فيه ، أمر من يمسك الباب ، فلم يدخل عليه أحد إلا بإذن . |
فصل في الاستئذان الذي أمر الله به المماليك ومن لم يبلغ الحلم
فصل وأما الاستئذان الذي أمر الله به المماليك ، ومن لم يبلغ الحلم ، في العورات الثلاث : قبل الفجر، ووقت الظهيرة، وعند النوم ، فكان ابن عباس يأمر به ، ويقول : ترك الناس العمل بها، فقالت طائفة : الآية منسوخة، ولم تأت بحجة . وقالت طائفة : أمر ندب وإرشاد، لا حتم وإيجاب ، وليس معها ما يدل على صرف الأمر عن ظاهره ، وقالت طائفة: المأمور بذلك النساء خاصه ، وأما الرجال ، فيستأذنون في جميع الأوقات ، وهذا ظاهر البطلان ، فإن جمع الذين لا يختص به المؤنث ، وإن جاز إطلاقه عليهن مع الذكور تغليباً. وقالت طائفة عكس هذا: إن المأمور بذلك الرجال دون النساء، نظرا إلى لفظ الذين في الموضعين ، ولكن سياق الآية يأباه فتأمله . وقالت طائفة : كان الأمر بالاستئذان في ذلك الوقت للحاجة، ثم زالت ، والحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها، فروى أبو داود في سننه أن نفراً من أهل العراق قالوا لابن عباس : يا ابن عباس كيف ترى هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ، ولا يعمل بها أحد " يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم " الآية [ النور :58 ]. فقال ابن عباس : إن الله حكيم رحيم بالمؤمنين ، يحب الستر ، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال ، فربما دخل الخادم ، أو الولد أو يتيمة الرجل ، والرجل على أهله ، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحداً يعمد بذلك بعد . وقد أنكر بعضهم ثبوت هذا عن ابن عباس ، وطعن في عكرمة، ولم يصنع شيئاً، وطعن في عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، وقد احتج به صاحبا الصحيح ، فإنكار هذا تعنت واستبعاد لا وجه له . وقالت طائفة : الآية محكمة عامة لا معارض لها ولا دافع ، والعمل بها واجب ، وإن تركه أكثر الناس . والصحيح : أنه إن كان هناك ما يقوم مقام الاستئذان من فتح باب فتحه دليل على الدخول ، أو رفع ستر، أو تردد الداخل والخارح ونحوه ، أغنى ذلك عن الاستئذان ، وإن لم يكن ما يقوم مقامه ، فلا بد منه ، والحكم معلل بعلة قد أشارت إليها الآية ، فإذا وجدت ، وجد الحكم ، وإذا انتفت انتفى ، والله أعلم . |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار العطاس
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب العطاس ، ويكره التثاؤب ، فإذا عطس أحدكم وحمد الله ، كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له : يرحمك الله، وأما التثاؤب ، فإنما هو من الشيطان ، فإذا تثاءب أحدكم ، فليرده ما استطاع ، فإن أحدكم إذا تثاءب ، ضحك منه الشيطان " ذكره البخاري . وثبت عنه في صحيحه : "إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ، وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم " . وفي الصحيحين عن أنس : أنه عطس عنده رجلان ، فشمت أحدهم ، ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته : عطس فلان فشمته ، وعطست ، فلم تشمتني ، فقال : هذا حمد الله ، وأنت لم تحمد الله . وثبت عنه في صحيح مسلم : "إذا عطس أحدكم فحمد الله ، فشمتوه، فإن لم يحمد الله ، فلا تشمتوه ". وثبت عنه في صحيحه : من حديث أبي هريرة : "حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته ، فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، واذا استنصحك ، فانصح له ، وإذا عطس وحمد الله ، فشمته ، وإذا مرض ، فعده ، وإذا مات فاتبعه ". وروى أبو داود عنه بإسناد صحيح : "إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله على كل حال ، وليقل أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، وليقل هو: يهديكم الله ويصلح بالكم ". وروى الترمذي ، أن رجلاً عطس عند ابن عمر، فقال : الحمد لله ، والسلام على رسول الله . فقال ابن عمر : وأنا أقول : الحمد لله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال . وذكر مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر: كان إذا عطس فقيل له : يرحمك الله ، قال : يرحمنا الله وإياكم ، ويغفر لنا ولكم . فظاهر الحديث المبدوء به : أن التشميت فرض عين على كل من سمع العاطس يحمد الله ، ولا يجزىء تشميت الواحد عنهم ، وهذا قولي أحد قولي العلماء ، واختاره ابن أبي زيد ، وأبو بكر بن العربي المالكيان ، ولا دافع له . وقد روى أبو داود : أن رجلاً عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وعليك السلام وعلى أمك " ثم قال : "إذا عطس أحدكم ، فليحمد الله " قال : فذكر بعض المحامد ، وليقل له من عنده : يرحمك الله ، وليرد -يعني عليهم -يغفر الله لنا ولكم . وفي السلام على أم هذا المسلم نكتة لطيفة، وهي إشعاره بأن سلامه قد وقع في غير موقعه اللائق به ، كما وقع هذا السلام على أمه ، فكما أن سلامه هذا في غير موضعه كذلك سلامه هو. ونكتة أخرى ألطف منها ، وهي تذكيره بأمه ، ونسبه إليها ، فكأنه أمي محض منسوب إلى الأم ، باق على تربيتها لم تربه الرجال ، وهذا أحد الأقوال في الأمي، أنه الباقي على نسبته إلى الأم . وأما النبي الأمي : فهو الذي لا يحسن الكتابة ، ولا يقرأ الكتاب . وأما الأمي الذي لا تصح الصلاة خلفه ، فهو الذي لا يصحح الفاتحة ولو كان عالماً بعلوم كثيرة . ونظير ذكر الأم هاهنا ذكر هن الأب لمن تعزى بعزاء الجاهلية فيقال له : اعضض هن أبيك ، وكان ذكر هن الأب ها هنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبر بدعوى الجاهلية بالعضو الذي خرج منه ، وهو هن أبيه ، فلا ينبغي له أن يتعدى طوره ، كما أن ذكر الأم هاهنا أحسن تذكيراً له ، بأنه باق على أميته . والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم . ولما كان العاطس قد حصل له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة ، شرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها، ولهذا يقال : سمته وشمته بالسين والشين فقيل . هما بمعنىً واحد، قاله أبو عبيدة وغيره . قال : وكل داع بخير، فهو مشمت ومسمت . وقيل: بالمهملة دعاء له بحسن السمت ، وبعوده إلى حالته من السكون والدعة، فإن العطاس يحدث في الأعضاء حركة وانزعاجاً . وبالمعجمة : دعاء له بأن يصرف الله عنه ما يسمت به أعداءه ، فشمته : إذا أزال عنه الشماتة، كقرد البعير: إذا أزال قراده عنه . وقيل : هو دعاء، له بثباته على قوائمه في طاعة الله ، مأخوذ من الشوامت ، وهي القوائم. وقيل : هو تشميت له بالشيطان ، لإغاظته بحمد الله على نعمة العطاس ، وما حصل له به من محاب الله ، فإن الله يحبه ، فإذا ذكر العبد الله وحمده ، ساء ذلك الشيطان من وجوه ، منها : نفس العطاس الذي يحبه الله ، وحمد الله عليه ، ودعاء المسلمين له بالرحمة ، ودعاؤه لهم بالهداية ، وإصلاح البال ، وذلك كله غائظ للشيطان ، محزن له ، فتشميت المؤمن بغيظ عدوه وحزنه وكآبته ، فسمي الدعاء له بالرحمة تشميتاً له ، لما في ضمنه من شماتته بعدوه ، وهذا معنى لطيف إذا تنبه له العاطس والمشمت ، انتفعا به ، وعظمت عندهما منفعة نعمة العطاس في البدن والقلب ، وتبين السر في محبة الله له ، فلله الحمد الذي هو أهله كما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله . |
فصل في غض الصوت في العطاس
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في العطاس ما ذكره أبو داود والترمذي ، عن أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس ، وضع يده أو ثوبه على فيه ، وخفض ، أو غض به صوته قال الترمذي : حديث صحيح. ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم: إن التثاوب الشديد ، والعطسة الشديدة من الشيطان . ويذكر عنه : "إن الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس ". وصح عنه : إنه عطس عنده رجل ، فقال له : "يرحمك الله " . ثم عطس أخرى، فقال : الرجل مزكوم . هذا لفظ مسلم أنه قال في المرة الثانية وأما الترمذي : فقال فيه "عن سلمة بن الأكوع : عطس رجل عند رسول صلى الله عليه وسلم وأنا شاهد، فقال رسول الله : يرحمك الله ، ثم عطس الثانية والثالثة، فقال رسول الله : هذا رجل مزكوم ". قال الترمذي : هذا حديث صحيح . وقد روى أبو داود عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة موقوفاً "شمت أخاك ثلاثاً ، فما زاد ، فهو زكام ". وفي رواية عن سعيد، قال : لا أعلمه إلا أنه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه . قال أبو داود: رواه أبو نعيم ، عن موسى بن قيس ، عن محمد عجلان ، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى. وموسى بن قيس هذا الذي رفعه هو الحضرمي الكوفي يعرف بعصفور الجنة. قال يحيى بن معين : ثقة . وقال أبو حاتم الرازي : لا بأس به . وذكر أبو داود، عن عبيد بن رفاعة الزرقي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : تشمت العاطس ثلاثاً، فإن شئت ، فشمته ، وإن شئت فكف ، ولكن له علتان ، إحداهما: إرساله ، فإن عبيداً هذا ليست له صحبة، والثانية : أن أبا فيه خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني ، وقد تكلم فيه . وفي الباب حديث آخر، عن أبي هريرة يرفعه : "إذا عطس أحدكم ، فليشمته جليسه ، فإن زاد على الثلاثة ، فهو مزكوم ، ولا تشمته بعد الثلاث " وهذا الحديث هو حديث أبي داود الذي قال فيه : رواه أبو نعيم ، عن موسى بن قيس ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد، عن أبي هريرة ، وهو حديث حسن . فإن قيل : إذا كان به زكام ، فهو أولى أن يدعى له ممن لا علة به ؟ قيل : يدعى له كما يدعى للمريض ، ومن به داء ووجع . وأما سنة العطاس الذي يحبه الله ، وهو نعمة، ويدل على خفة البدن ، وخروج الأبخرة المحتقنة، فإنما يكون إلى تمام الثلاث ، وما زاد عليها يدعى لصاحبه بالعافية . وقوله في هذا الحديث : الرجل مزكوم تنبيه على الدعاء له بالعافية، لأن الزكمة علة، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث ، وفيه تنبيه له على هذه العلة ليتداركها ولا يهملها، فيصعب أمرها، فكلامه صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة ، وعلم وهدى . وقد اختلف الناس في مسألتين : إحداهما: أن العاطس إذا حمد الله ، فسمعه بعض الحاضرين دون بعض ، هل يسن لمن لم يسمعه تشميته ؟ فيه قولان ، والأظهر: أنه يشمته إذا تحقق أنه حمد الله ، وليس المقصود سماع المشمت للحمد، وإنما المقصود نفس، حمده ، فمتى تحقق ترتب عليه التشميت ، كما لو كان المشمت أخرس ، ورأى حركة شفتيه بالحمد . والنبي صلى الله عليه وسلم قال : فإن حمد الله ، فشمتوه هذا هو الصواب . الثانية : إذا ترك الحمد، فهل يستحب لمن حضره أن يذكره الحمد؟ قال ابن العربي : لا يذكره ، قال : وهذا جهل من فاعله . وقال النووي : أخطأ من زعم ذلك ، بل يذكره ، وهو مروي عن إبراهيم النخعي . قال : وهو من باب النصيحة ، والأمر بالمعروف ، والتعاون على البر والتقوى، وظاهر السنة يقوي قول ابن العربي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشمت الذي عطس ، ولم يحمد الله ، ولم يذكره ، وهذا تعزير له ، وحرمان لبركة الدعاء لما حرم نفسه بركة الحمد، فنسي الله ، فصرف قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته والدعاء له ، ولو كان تذكيره سنة، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بفعلها وتعليمها ، والإعانة عليها . |
الرد على من عطس من اليهود
فصل وصح عنه صلى الله عليه وسلم: "أن اليهود كانوا يتعاطسون عنده ، يرجون أن يقول لهم : يرحمكم الله ، فكان يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم ". |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار السفر وآدابه
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علآم الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي ، وعاجل أمري وآجله ، فاقدرة لي ، ويسره لي ، وبارك لي فيه ، وإن كنت تعلمه شراً لي في ديني ومعاشي ، وعاجل أمرى وآجله ، فاصرفة عني ، واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضني به " قال : ويسمي حاجته ، قال : رواه البخاري . فعوض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بهذا الدعاء، عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين ، يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب ، ولهذا سمى ذلك استقساماً، وهو استفعال من القسم ، والسين فيه للطلب ، وعوضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وافتقار، وعبودية وتوكل ، وسؤال لمن بيده الخير كله ، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه ، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه من التطير والتنجيم ، واختيار الطالع ونحوه . فهذا الدعاء ، هو الطالع الميمون السعيد ، طالع أهل السعادة والتوفيق ، الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لا طالع أهل الشرك والشقاء ، زالخذلان ، الذين يجعلون مع الله إلها آخر ، فسوف يعلمون . فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه ، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة ، والإقرار بربوبيته ، وتفويض الأمر إليه ، والاستعانة به ، والتوكل عليه ، والخروج من عهدة نفسه ، والتبري من الحول والقوة إلا به ، واعترافت العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق . وفي مسند الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله ، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله ، وسخطه بما قضى الله ". فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفاً بأمرين : التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله ، والرضى بما يقضي الله له بعده ، وهما عنوانا السعادة . وعنوان الشقاء أن يكتنفه ترك التوكل والاستخارة قبله ، والسخط بعده ، والتوكل قبل القضاء. فإذا أبرم القضاء وتم ، انتقلت العبودية إلى الرضى بعده ، كما في المسند، وزاد النسائي في الدعاء المشهور : "واسألك الرضى بعد القضاء". وهذا أبلغ من الرضى بالقضاء، فإنه قد يكون عزماً فإذا وقع القضاء، تنحل العزيمة ، فإذا حصل الرضى بعد القضاء ، كان حالاً أو مقاماً . والمقصود أن الاستخارة توكل ، على الله وتفويض إليه ، واستقسام بقدرته وعلمه ، وحسن اختياره لعبده ، وهي من لوازم الرضى به ربا ، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك ، وإن رضي بالمقدور بعدها ، فذلك علامة سعادته . وذكر البيهقي وغيره ، عن أنس رضي الله عنه قال : لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم سفراً قط إلا قال حين ينهض من جلوسه : "اللهم بك انتشرث ، وإليك توجهت ، وبك اعتصمت ، وعليك توكلت ، اللهم أنت ثقتي ، وأنت رجائي ، اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به، وما أنت أعلم به مني ، عز جارك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك ، اللهم زودني التقوى ، واغفر لي ذنبي ، ووجهني للخير أينما توجهت"، ثم يخرح . |
فصل فيما يقوله إذا ركب راحلته
فصل وكان إذا ركب راحلته ، كبر ثلاثاً، ثم قال : "سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون " . ثم يقول : "اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا" . وإذا رجع قالهن وزاد فيهن : "آيبون تائبون ، عابدون لربنا حامدون ". وذكر أحمد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : "أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من الضبنة في السفر والكآبة في المنقلب ، اللهم اقبض لنا الأرض ، وهون علينا السفر" . وإذا أراد الرجوع قال : "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون " . وإذا دخل أهله قال : "توباً توباً، لربنا أوباً، لا يغادر علينا حوبا ". وفي صحيح مسلم : أنه كان إذا سافر يقول : "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب ، ومن الحور بعد الكور ، ومن دعوة المظلوم ، ومن سوء المنظر في الأهل والمال" . |
الذكر عند ركوب الدابة
فصل وكان إذا وضع رجله في الركاب لركوب دابته ، قال : "بسم الله " فإذا استوى على ظهرها، قال : "الحمد لله " ثلاثاً "الله أكبر" ثلاثاً، ثم يقول : "سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون " ثم يقول : "الحمد لله"، "الله أكبر" ثلاثاً ، ثم يقول :"سبحان الله " ثلاثاً ، ثم يقول :"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، سبحانك إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ". وكان إذا ودع أصحابه في السفر يقول لأحدهم :"استودع الله دينك وأمانتك ، وخواتيم عملك ". وجاء إليه رجل وقال : يا رسول الله : إني أريد سفراً، فزوذني . فقال : "زودك الله التقوى" . قال : زدني . قال : "وغفر لك ذنبك " . قال : زدني . قال : "ويسر لك الخير حينما كنت " . وقال له رجل : إني أريد سفراً، فقال : "أوصيك بتقوى الله ، والتكبير على كل شرف " فلما ولى، قال : "اللهم ازو له الأرض ، وهون عليه السفر" . وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، إذا علوا الثنايا ، كبروا ، وإذا هبطوا ، سبحوا ، فوضعت الصلاة على ذلك . وقال أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفاً من الأرض ، أو نشزاً ، قال : "اللهم لك الشرف على كل شرف ، ولك الحمد على كل حمد" . وكان سيره في حجه العنق ، فإذا وجد فجوة ، رفع السير فوق ذلك ، وكان يقول : "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس ". وكان يكره للمسافر وحده أن يسير بالليل ، فقال : "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل ". يل كان يكره السفر للواحد بلا رفقة ، وأخبر : "أن الواحد شيطان . والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب " . وكان يقول: "إذا نزل أحدكم منزلاً فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، فإنه لايضره شيء حتى يرتحل منه ". ولفظ مسلم : "من نزل منزلاً ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك ". وذكر أحمد عنه أنه كان إذا غزا أو سافر، فأدركه الليل ، قال : " يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك ، وشر ما خلق فيك ، وشر ما دب عليك ، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود، وحية وعقرب ، ومن شر ساكن البلد ، ومن شر والد، وما ولد". وكان يقول : "إذا سافرتم في الخصب ، فأعظوا الإبل حظها من الأرض ، وإذا سافرتم في السنة ، فبادروا نقيها" . وفي لفظ : "فأسرعوا عليها السير ، وإذا عرستم ، فاجتنبوا الطريق ، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل ". وكان إذا رأى قرية يريد دخولها قال حين يراها : "اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الريح وما ذرين ، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها". وكان إذا بدا له الفجر في السفر، قال : "سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا ، ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذاً بالله من النار". وكان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله العدو . وكان ينهى المرأة أن تسافر بغير محرم ، ولو مسافة بريد. وكان يأمر المسافر إذا قضى نهمته من سفره ، أن يعجل الأوبة إلى أهله . وكان إذا قفل من سفره يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ، ثم يقول : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون ، عابدون ، لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحد " . وكان ينهى أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا طالت غيبته عنهم . وفي الصحيحين : "كان لا يطرق أهله ليلاً يدخل عليهن غدوة أو عشية ". وكان إذا قدم من سفره يلقى بالولدان من أهل بيته . قال عبد الله بن جعفر وإنه قدم مرة من سفر، فسبق بي إليه ، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة، إما حسن وإما حسين ، فأردفه خلفه . قال : فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة . وكان يعتنق القادم من سفره ، ويقبله إذا كان من أهله . قال الزهري عن عروة، عن عائشة : قدم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، فأتاه فقرع الباب ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرياناً يجر ثوبه ، والله مما رأيته عرياناً قبله ولا بعده ، فاعتنقه وقبله . قالت عائشة : لما قدم جعفر وأصحابه ، تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم فقبل معاً بين عينيه واعتنقه . قال الشعبي : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدموا من سفر، تعانقوا . وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد ، فركع فيه ركعتين . |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار النكاح
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه علمهم خطبة الحاجة: "الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثم يقرأ الآيات الثلاث : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " [آل عمران : 102] " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " [النساء : 1] " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " [الأحزاب : 70 - 71] قال شعبة : قلت لأبي إسحاق : هذه في خطبة النكاح ، أو في غيرها ؟ قال : في كل حاجة ". وقال : "إذا أفاد أحدكم امرأة ، أو خادماً ، أو دابة ، فليأخذ بناصيتها ، وليدع الله بالبركة ويسمي الله عز وجل ، وليقل : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه " . وكان يقول للمتزوج : "بارك الله لك وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير". وقال : "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله ، قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك ، لم يضره شيطان أبداً" . |
فصل في هديه فيما يقول من رأى ما يعجبه من أهله وماله
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في فيما يقول من رأى ما يعجبه من أهله وماله يذكر عن أنس عنه أنه قال : "ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ، ولا مال ، أو ولد، فيقول : ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، فيرى فيه آفة دون الموت ، وقد قال تعالى : " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله " [الكهف : 39]" . |
فصل فيما يقول من رأى مبتلى
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ما من رجل رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً إلا لم يصبه ذلك البلاء كائناً ما كان " . |
فصل فيما يقوله من لحقته الطيرة
ذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذكرت الطيرة عنده ، فقال: "أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً ، فإذا رأيت من الطيرة ما تكره فقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك ". وكان كعب يقول : "اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا رب غيرك ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، والذي نفسي بيده ، إنها لرأس التوكل ، وكنز العبد في الجنة، ولا يقولهن عبد عند ذلك ، ثم يمضي إلا لم يضره شيء" . |
الساعة الآن 12:43 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][