منتديات جعلان

منتديات جعلان (http://www.jalaan.com/index.php)
-   جعلان للتربية والتعليم (http://www.jalaan.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 (http://www.jalaan.com/showthread.php?t=10295)

اسير الصحراء 04-30-2006 01:28 AM

فصل في الأغاليط في عمر النبي

فصل
غلط في عمر النبي صلى الله عليه وسلم خمس طوائف .
إحداها : من قال : إنه اعتمر في رجب ، وهذا غلط ، فإن عمره مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شيء منها البتة .
الثانية : من قال : إنه اعتمر في شوال ، وهذا أيضا وهم ، والظاهر -والله أعلم - أن بعض الرواة غلط في هذا، وأنه اعتكف في شوال فقال : اعتمر في شوال ، لكن سياق الحديث ، وقوله : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثلاث عمر : عمرة في شوال ، وعمرتين في ذي القعدة، يدل على أن عائشة أو من دونها، إنما قصد العمرة .
الثالثة : من قال : إنه اعتمر من التنعيم بعد حجه ، وهذا لم يقله أحد من أهل العلم ، وإنما يظنه العوام ، ومن لا خبرة له بالسنة .
الرابعة : من قال : إنه لم يعتمر في حجته أصلاً ، والسنة الصحيحة المستفيضة التي لا يمكن ردها تبطل هذا القول .
الخامسة : من قال : إنه اعتمر عمرة حل منها، ثم أحرم بعدها بالحج من مكة ، والأحاديث الصحيحة تبطل هذا القول وترده .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:29 AM

فصل ووهم في حجه خمس طوائف
الطائفة الأولى: التي قالت : حج حجاً مفرداً لم يعتمر معه .
الثانية : من قال : حج متمتعاً تمتعاً حل منه ، ثم أحرم بعده بالحج ، كما قاله القاضي أبو يعلى وغيره .
الثالثة : من قال : حج متمتعاً تمتعاً لم يحل منه لأجل سوق الهدي ولم يكن قارناً ، كما قاله أبو محمد بن قدامة صاحب المغني وغيره .
الرابعة : من قال : حج قارناً قراناً طاف له طوافين ، وسعى له سعيين .
الخامسة : من قال : حج حجا مفرداً ، واعتمر بعده من التنعيم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:29 AM

فصل وغلط في إحرامه خمس طوائف .
إحداها : من قال : لبى بالعمرة وحدها، واستمر عليها .
الثانية : من قال : لبى بالحج وحده ، واستمر عليه .
الثالثة : من قال : لبى بالحج مفرداً، ثم أدخل عليه العمرة، وزعم أن ذلك خاص به .
الرابعة : من قال : لبى بالعمرة وحدها، ثم أدخل عليها الحج في ثاني الحال .
الخامسة : من قال : أحرم إحراماً مطلقاً لم يعين فيه نسكاً ، ثم عينه بعد إحرامه .
والصواب : أنه أحرم بالحج والعمرة معاً من حين أنشأ الإحرام ، ولم يحل حتى حل منهما جميعاً، فطاف لهما طوافاً واحداً، وسعى لهما سعياً واحداً . وساق الهدي ، كما دلت عليه النصوص المستفيضة التي تواترت تواتراً يعلمه أهل الحديث . والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:30 AM

فصل في أعذار القائلين بهذه الأقوال ، وبيان منشأ الوهم والغلط
أما عذر من قال : اعتمر فى رجب ، فحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، "أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب "متفق عليه وقد غلطته عائشة وغيرها ، كما في الصحيحين عن "مجاهد، قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالساً إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد الضحى، قال : فسألناه عن صلاتهم . فقال : بدعة . ثم قلنا له : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أربعاً . إحداهن : في رجب ، فكرهنا أن نرد عليه .قال : وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة : يا أم المؤمنين ، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت : ما يقول ؟ قال : يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اعتمر أربع عمر، إحداهن في رجب . قالت : يرحم الله عبد الرحمن ، ما اعتمر عمرة قط إلا وهو شاهد، وما اعتمر في رجب قط ". وكذلك قال أنس ، وابن عباس : إن عمره كلها كانت في ذي القعدة، وهذا هو الصواب .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:30 AM

فصل في عذر من قال اعتمر في شوال

وأما من قال : اعتمر فى شوال ، فعذره ما رواه مالك في الموطأ ، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يعتمر إلا ثلاثاً، إحداهن في شوال ، واثنتين في ذي القعدة . ولكن هذا الحديث مرسل ، وهو غلط أيضاً، إما من هشام ، وإما من عروة أصابه فيه ما أصاب ابن عمر. وقد رواه أبو داود مرفوعاً عن عائشة، وهو غلط أيضاً لا يصح رفعه . قال ابن عبد البر : وليس روايته مسنداً. مما يذكر عن مالك في صحة النقل . قلت : ويدل على بطلانه عن عائشة : أن عائشة، وابن عباس ، وأنس بن مالك قالوا : لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة . وهذا هو الصواب ، فإن عمرة الحديبية وعمرة القضية، كانتا في ذي القعدة ، وعمرة القرآن إنما كانت في ذي القعدة ، وعمرة الجعرانة أيضاً كانت في أول ذي القعدة ، وإنما وقع الاشتباه أنه خرج من مكة في شوال للقاء العدو، وفرغ من عدوه ، وقسم غنائمهم ، ودخل مكة ليلاً معتمراً من الجعرانة، وخرج منها ليلاً، فخفيت عمرته هذه على كغير من الناس ، وكذلك قال محرش الكعبي . والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:31 AM

فصل وأما من ظن أنه اعتمر من التنعيم بعد الحج ، فلا أعلم له عذراً، فإن هذا خلاف المعلوم المستفيض من حجته ، ولم ينقله أحد قط ، ولا قاله إمام ، ولعل ظان هذا سمع أنه أفرد الحج ، ورأى أن كل من أفرد الحج من أهل الآفاق لا بد له أن يخرج بعده إلى التنعيم ، فنزل حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وهذا عين
الغلط .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:32 AM

فصل وأما من قال : إنه لم يعتمر في حجته أصلاً ، فعذره أنه لما سمع أنه أفرد في حجته الحج ، وعلم يقيناً أنه لم يعتمر بعد حجته قال : إنه لم يعتمر في تلك الحجة اكتفاء منه بالعمرة المتقدمة، والأحاديث المستفيضة الصحيحة ترد قوله كما تقدم من أكثر من عشرين وجهاً، وقد قال : "هذه عمرة استمتعنا بها" وقالت حفصه : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ وقال سراقة بن مالك : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قال ابن عمر، وعائشة، وعمران بن حصين ، وابن عباس ، وصرح أنس ، وابن عباس، وعائشة ، أنه اعتمر في حجته وهي إحدى عمرة الأربع .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:32 AM

فصل وأما من قال : إنه اعتمر عمرة حل منها، كما قاله القاضى وأبو يعلى ومن وافقه ، فعذرهم ما صح عن ابن عمر وعائشة، وعمران بن حصين وغيرهم أنه صلى الله عليه وسلم تمتع ، وهذا يحمل أنه تمتع حل منه ، ويحتمل أنه لم يحل ، فلما أخبر معاوية أنه قصر عن رأسه بمشقص على المروة، وحديثه في الصحيحين دل على أنه حل من إحرامه ، ولا يحكن أن يكون هذا في غير حجة الوداع ، لأن معاوية أسلم بعد الفتح ، والنبي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن زمن الفتح محرماً، ولا يمكن أن يكون في عمرة الجعرانة لوجهين ، أحدهما : أن في بعض ألفاظ الحديث الصحيح " وذلك في حجته ".
والثاني : أن في رواية النسائي بإسناد صحيح "وذلك في أيام العشر " وهذا إنما كان في حجته ، وحمل هؤلاء رواية من روى أن المتعة كانت له خاصة ، على أن طائفة منهم خصوا بالتحليل من الإحرام مع سوق الهدي دون من ساق الهدي من الصحابة ، وأنكر ذلك عليهم آخرون ، منهم شيخنا أبو العباس . وقالوا : من تأمل الأحاديث المستفيضة الصحيحة، تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل ، لا هو ولا أحد ممن ساق الهدى .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:33 AM

فصل في أعذار الذين وهموا في صفة حجته
أما من قال : إنه حج حجاً مفرداً ، لم يعتمر فيه ، فعذره ما في الصحيحين عن عائشة، أنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج . وقالوا : هذا التقسيم والتنويع ، صريح في إهلاله بالحج وحده .
ولمسلم عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهل بالحج مفرداً .
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى بالحج وحده .
وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج .
وفي سنن ابن ماجه ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفرد الحج .
وفي صحيح مسلم عنه : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة . وفي صحيح البخاري ، عن عروة بن الزبير قال : حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة، أنه توضأ، ثم طاف بالبيت [ثم لم تكن عمرة]، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه ، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة، ثم عمر رضي الله عنه مثل ذلك ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية، وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام ، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة، ثم رأيت فعل ذلك ابن عمر، ثم لم ينقضها عمرة وهذا ابن عمر عندهم ، فلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدؤون بشيىء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ، ثم لا يحلون ، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان ، لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به ، ثم تحلان ، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير ، وفلان ، وفلان بعمرة ، فلما مسحوا الركن حلوا.
وفي سنن أبي داود : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ووهيب بن خالد، كلاهما عن هشام بن عروة، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، فلما كان بذي الحليفة قال : "من شاء أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل بعمرة" ثم انفرد وهيب في حديثه بأن قال عنه صلى الله عليه وسلم : "فلولا أني أهديت ، لأهللت بعمرة ". وقال الآخر : "وأما أنا فأهل بالحج " فصح بمجموع الروايتين ، أنه أهل بالحج مفرداً . فأرباب هذا القول عذرهم ظاهر كما ترى ، ولكن ما عذرهم في حكمه وخبره الذي حكم به على نفسه ، وأخبر عنها بقوله : سقت الهدي وقرنت ، وخبر من هو تحت بطن ناقته ، وأقرب إليه حينئذ من غيره ، فهو من أصدق الناس يسمعه يقول : "لبيك بحجة وعمرة"، وخبر من هو من أعلم الناس عنه صلى الله عليه وسلم ، علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حين يخبر أنه أهل بهما جميعاً، ولبى بهما جميعاً، وخبر زوجته حفصة في تقريره لها على أنه معتمر بعمرة لم يحل منها، فلم ينكر ذلك عليها، بل صدقها، وأجابها بأنه مع ذلك حاج ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل يسمعه أصلاً ، بل ينكره . وما عذرهم عن خبره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بالوحي الذي جاء من ربه ، يأمره فيه أن يهل بحجة في عمرة ، وما عذرهم عن خبر من أخبر عنه من أصحابه ، أنه قرن ، لأنه علم أنه لا يحج بعدها ، وخبر من أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر مع حجته ، وليس مع من قال : إنه أفرد الحج شيء من ذلك البتة، فلم يقل أحد منهم عنه : إني أفردت ، ولا أتاني آت من ربي يأمرني بالإفراد، ولا قال أحد : ما بال الناس حلوا، ولم تحل من حجتك ، كما حلوا هم بعمرة، ولا قال أحد: سمعته يقول : لبيك بعمرة مفردة البتة ، ولا بحج مفرد ، ولا قال أحد : إنه اعتمر أربع عمر الرابعة بعد حجته ، وقد شهد عليه أربعة من الصحابة أنهم سمعوه يخبر عن نفسه بأنه قارن ، ولا سبيل إلى دفع ذلك إلا بأن يقال : لم يسمعوه . ومعلوم قطعاً أن تطرق الوهم والغلط إلى من أخبر عما فهمه هو من فعله يظنه كذلك أولى من تطرق التكذيب إلى من قال : سمعته يقول : كذا وكذا وإنه لم يسمعه ، فإن هذا لا يتطرق إليه إلا التكذيب ، بخلاف خبر من أخبر عما ظنه من فعله وكان واهماً ، فإنه لا ينسب إلى الكذب ، ولقد نزه الله علياً ، وأنساً ، والبراء ، وحفصة عن أن يقولوا : سمعناه يقول : كذا ولم يسمعوه ، ونزهه ربه تبارك وتعالى، أن يرسل إليه : أن افعل كذا وكذا ولم يفعله ، هذا من أمحل المحال ، وأبطل الباطل، فكيف والذين ذكروا الإفراد عنه لم يخالفوا هؤلاء في مقصودهم ، ولا ناقضوهم ، وإنما أرادو إفراد الأعمال ، واقتصاره على عمل المفرد، فإنه ليس في عمله زيادة على عمل المفرد. ومن روى عنهم ما يوهم خلاف هكذا ، فإنه عبر بحسب ما فهمه ، كما سمع بكر بن عبد الله ابن عمر يقول : أفرد الحج ، فقال : لبى بالحج وحده ، فحمله على المعنى . وقال سالم ابنه عنه ونافع مولاه . إنه تمتع ، فبدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل
بالحج ، فهذا سالم يخبر بخلاف ما أخبر به بكر، ولا يصح تأويل هذا عنه بأنه أمر به ، فإنه فسره بقوله : وبدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وكذا الذين روو الإفراد عن عائشة رضي الله عنها، فهما عروة، والقاسم ، وروى القرآن عنها عروة ، ومجاهد ، وأبو الأسود يروي عن عروة الإفراد ، والزهري يروي عنه القرآن . فإن قدرنا تساقط الروايتين ، سلمت رواية مجاهد ، وإن حملت رواية الإفراد على أنه أفرد أعمال الحج ، تصادقت الروايات وصدق بعضها بعضاً، ولا ريب أن قول عائشة ، وابن عمر، أفرد الحج ، محتمل لثلاثة معان : أحدها : الإهلال به مفرداً .
الثاني : إفراد أعماله .
الثالث : أنه حج حجة واحدة لم يحج معها غيرها، بخلاف العمرة، فإنها كانت أربع مرات .
وأما قولهما : تمتع بالعمرة إلى الحج ، وبدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج، فحكيا فعله ، فهذا صريح لا يحتمل غير معنى واحد، فلا يجوز رده بالمجمل، وليس في رواية الأسود بن يزيد وعمرة عن عائشة أنه أهل بالحج ما يناقض رواية مجاهد وعروة عنها أنه قرن ، فإن القارن حاح أهل بالحج قطعاً ، وعمرته جزء من حجته ، فمن أخبر عنها انه أهل بالحج ، فهو غير صادق . فإن ضمت رواية مجاهد إلى رواية عمرة والأسود ، ثم ضمتا إلى رواية غروة ، تبين من مجموع الروايات أنه كان قارناً ، وصدق بعضها بعضاً ، حتى لو لم يحتمل قول عائشة وابن عمر إلا معنى الإهلال به مفرداً ، لوجب قطعاً أن يكون سبيله سبيل قول ابن عمر : اعتمر في رجب وقول عائشة أو عروة : إنه صلى الله عليه وسلم ، اعتمر في شوال ، إلا أن تلك الأحاديث الصحيحة الصريحة لا سبيل أصلاً إلى تكذيب رواتها، ولا تأويلها وحملها على غير ما دلت عليه ، ولا سبيل إلى تقديم هذه الرواية المجملة التي قد اضطربت على رواتها ، واختلف عنهم فيها ، وعارضهم من هو أوثق منهم أو مثلهم عليها.
وأما قول جابر: إنه أفرد الحج ، فالصريح من حديثه ليس فيه شيء من هذا ، وإنما فيه إخباره عنهم أنفسهم أنهم لا ينوون إلا الحج ، فأين في هذا ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى بالحج مفرداً .
وأما حديثه الآخر الذي رواه ابن ماجه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ، فله ثلاث طرق . أجودها : طريق الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه ، وهذا يقيناً مختصر من حديثه الطويل في حجة الوداع ، ومروي بالمعنى، والناس خالفوا الدراوردي في ذلك . وقالوا : أهل بالحج ، وأهل بالتوحيد . والطريق الثاني : فيها مطرف بن مصعب ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن جعفر ومطرف ، قال ابن حزم . هو مجهول ، قلت : ليس هو بمجهول ، ولكنه ابن أخت مالك ، روي عنه البخاري ، وبشر بن موسى ، وجماعة . قال أبو حاتم : صدوق مضطرب الحديث ، هو أحب إلي من إسماعيل بن أبي أويس ، وقال ابن عدي : يأتي بمناكير ، وكأن أبا محمد ابن حزم رأى في النسخة مطرف بن مصعب فجهله ، وإنما هو مطرف أبو مصعب ، وهو مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليط بن يسار. وممن غلط في هذا أيضاً، محمد بن عثمان الذهبي في كتابه الضعفاء فقال : مطرف بن مصعب المدني عن ابن أبي ذئب منكر الحديث . قلت : والراوي عن ابن أبي ذئب ، والداراوردي ، ومالك ، هو مطرف أبو مصعب المدني ، وليس بمنكر الحديث ، وإنما غره قول ابن عدي يأتي بمناكير، ثم ساق له منها ابن عدي جملة، لكن هي من رواية أحمد بن داود بن صالح عنه ، كذبه الدارقطني ، والبلاء فيها منه .
والطريق الثالث : لحديث جابر فيها محمد بن عبد الوهاب ينظر فيه من هو وما حاله عن محمد بن مسلم ، إن كان الطائفي هو ثقة عند ابن معين ، ضعيف عند الإمام أحمد، وقال ابن حزم : ساقط البتة ، ولم أر هذه العبارة فيه لغيره ، وقد استشهد به مسلم ، قال ابن حزم : وإن كان غيره فلا أدري من هو ؟ قلت : ليس بغيره ، بل هو الطائفي يقيناً. وبكل حال فلو صح هذا عن جابر، لكان حكمه حكم المروي عن عائشة وابن عمر، وسائر الرواة الثقات ، إنما قالوا: أهل بالحج ، فلعل هؤلاء حملوه على المعنى، وقالوا : أفرد الحج ، ومعلوم أن العمرة إذا دخلت في الحج ، فمن قال : أهل بالحج ، لا يناقض من قال : أهل بهما ، بل هذا فصل ، وذاك أجمل . ومن قال : أفرد الحج ، يحتمل ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة، ولكن هل قال أحد قط عنه : إنه سمعه يقول : "لبيك بحجة مفردة" هذا ما لا سبيل إليه ، حتى لو وجد ذلك لم يقدم على تلك الأساطين التي ذكرناها والتي لا سبيل إلى دفعها البتة، وكان تغليط هذا أو حمله على أول الإحرام ، وأنه صار قارناً في أثنائه متعيناً، فكيف ولم يثبت ذلك ، وقد قدمنا عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد، عن أبيه ، عن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرن في حجة الوداع . رواه زكريا الساجي ، عن عبد الله بن أبي زياد القطواني ، عن زيد بن الحباب ، عن سفيان . ولا تناقض بين هذا وبين قوله : أهل بالحج وأفرد بالحج ، ولبى بالحج ، كما تقدم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:33 AM

فصل فحصل الترجيح لرواية من روى القران لوجوه عشرة .
أحدها : أنهم أكثر كما تقدم .
الثاني : أن طرق الإخبار بذلك تنوعت كما بيناه .
الثالث : أن فيهم من أخبر عن سماعه ولفظه صريحاً، وفيهم من أخبر عن إخباره عن نفسه بأنه فعل ذلك ، وفيهم من أخبر عن أمر ربه له بذلك ، ولم يجىء شيء من ذلك في الإفراد.
الرابع : تصديق روايات من روى أنه اعتمر أربع عمر لها .
الخامس : أنها صريحة لا تحتمل التأويل ، بخلاف روايات الإفراد .
السادس : أنها متضمنة زيادة سكت عنها أهل الإفراد أو نفوها ،
والذاكر الزائد مقدم على الساكت ، والمثبت مقدم على النافي .
السابع : أن رواة الإفراد أربعة : عائشة ، وابن عمر ، وجابر ، وابن عباس ، والأربعة رووا القرآن ، فإن صرنا إلى تساقط رواياتهم ، سلمت رواية من عداهم للقرآن عن معارض ، وإن صرنا إلى الترجيح ، وجب الأخذ برواية من لم تضطرب الرواية عنه ولا اختلفت ، كالبراء، وأنس ، وعمر بن الخطاب ، وعمران بن حصين ، وحفصة، ومن معهم ممن تقدم .
الثامن : أنه النسك الذي أمر به من ربه ، فلم يكن ليعدل عنه .
التاسع : أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي ، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي ، ثم يسوق هو الهدي ويخالفه .
العاشر: أنه النسك الذي أمر به آله وأهل بيته ، واختار، لهم ، ولم يكن ليختار لهم إلا ما اختار لنفسه .
وثمت ترجيح حادي عشر، وهو قوله "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة "، وهذا يقتضي أنها قد صارت جزءاً منه ، أو كالجزء الداخل فيه ، بحيث لا يفصل بينها وبينه ، وإنما تكون مع الحج كما يكون الداخل في الشيء معه .
وترجيح ثاني عشر: وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصبي بن معبد وقد أهل بحج وعمرة، فأنكر عليه زيد بن صوحان ، أو سلمان بن ربيعة، فقال له عمر : هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا يوافق رواية عمر عنه صلى الله عليه وسلم أن الوحي جاءه من الله بالإهلال بهما جميعاً ، فدل على أن القرآن سنته التي فعلها ، وامتثل أمر الله له بها .
وترجيح ثالث عشر: أن القارن تقع أعماله عن كل من النسكين ، فيقع إحرامه وطوافه وسعيه عنهما معاً، وذلك أكمل من وقوعه عن أحدهما، وعمل كل فعل على حدة ، وترجيح رابع عشر: وهو أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدي أفضل بلا ريب من نسك خلا عن الهدي . فإذا قرن ، كان هديه عن كل واحد من النسكين ، فلم يخل نسك منهما عن هدي ، ولهذا -والله أعلم - أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساق الهدي أن يهل بالحج والعمرة معاً ، وأشار إلى ذلك في المتفق عليه من حديث البراء بقوله : "إني سقت الهدي وقرنت " .
وترجيح خامس عشر: وهو أنه قد ثبت أن التمتع أفضل من الإفراد لوجوه كثيرة . منها: أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بفسخ الحج إليه ، ومحال أن ينقلهم من الفاضل إلى المفضول الذي هو دونه : ومنها: أنه تأسف على كونه لم يفعله بقوله :" لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" . ومنها : أنه أمر به كل من لم يسق الهدي . ومنها: أن الحج الذي استقر عليه فعله وفعل القرآن لمن ساق الهدي ، والتمتع لمن لم يسق الهدي ، ولوجوه كثيرة غير هذه ، والمتمتع إذا ساق الهدي ، فهو أفضل من متمتع اشتراه من مكة، بل في أحد القولين . لا هدي إلا ما جمع فيه بين الحل والحرم . فإذا ثبت هذا، فالقارن السائق أفضل من متمتع لم يسق ، ومن متمتع ساق الهدي لأنه قد ساق من حين أحرم ، والمتمتع إنما يسوق الهدي من أدنى الحل ، فكيف يجعل مفرد لم يسق هدياً، أفضل من متمتع ساقه من أدنى الحل ؟ فكيف إذا جعل أفضل من قارن ساقه من الميقات، وهذا بحمد الله واضح .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:34 AM

فصل وأما قول من قال : إنه حج متمتعاً تمتعاً حل فيه من إحرامه ، ثم أحرم يوم التروية بالحج مع سوق الهدي . فعذره ما تقدم من حديث معاوية، أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص في العشر، وفي لفظ : وذلك في حجته . وهذا مما أنكره الناس على معاوية، وغلطوه فيه ، وأصابه فيه ما أصاب ابن عمر في قوله : إنه اعتمر في رجب ، فإن سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعددة كلها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه إلا يوم النحر، ولذلك أخبر عن نفسه بقوله : "لولا أن معي الهدي لأحللت " وقوله : "إني سقت الهدي وقرنت فلا أحل حتى أنحر" . وهذا خبر عن نفسه ، فلا يدخله الوهم ولا الغلط ، بخلاف خبر غيره عنه ، لا سيما خبراً يخالف ما أخبر به عن نفسه ، وأخبر عنه به الجم الغفير، أنه لم يأخذ من شعره شيئاً، لا بتقصير ولا حلق ، وأنه بقي على إحرامه حتى حلق يوم النحر، ولعل معاوية قصر عن رأسه في عمرة الجعرانة، فإنه كان حينئذ قد أسلم ، ثم نسي ، فظن أن ذلك كان في العشر، كما نسي ابن عمر أن عمره كانت كلها في ذي القعدة . وقال : كانت إحداهن في رجب ، وقد كان معه فيها، والوهم جائز على من سوى الرسول صلى الله عليه وسلم . فإذا قام الدليل عليه ، صار واجباً .
وقد قيل : إن معاوية لعله قصر عن رأسه بقية شعر لم يكن استوفاه الحلاق يوم النحر، فأخذه معاوية على المروة ، ذكره أبو محمد ابن حزم ، وهذا أيضاً من وهمه ، فإن الحلاق لا يبقي غلطاً شعراً يقصر منه ، ثم يبقي منه بعد التقصير بقية يوم النحر، وقد قسم شعر رأسه بين الصحابة، فأصاب أبا طلحة أحد الشقين ، وبقية الصحابة اقتسموا الشق الآخر ، الشعرة ، والشعرتين ، والشعرات وأيضاً فإنه لم يسع بين الصفا والمروة إلا سعياً واحداً وهو سعيه الأول ، لم يسع عقب طواف الإفاضة، ولا اعتمر بعد الحج قطعاً ، فهذا وهم محض . وقيل : هذا الإسناد إلى معاوية وقع فيه غلط وخطأ، أخطأ فيه الحسن بن علي ، فجعله عن معمر، عن ابن طاووس . وإنما هو عن هشام بن حجير، عن ابن طاووس . وهشام : ضعيف .
قلت : والحديث الذي في البخاري عن معاوية ، قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص ولم يزد على هذا، والذي عند مسلم : قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص على المروة . وليس في الصحيحين غير ذلك .
وأما رواية من روى "في أيام العشر" فليست في الصحيح ، وهي معلولة ، أو وهم من معاوية. قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه ، ينكرون هذا على معاوية . وصدق قيس ، فنحن نحلف بالله : إن هذا ما كان في العشر قط .
ويشبه هذا وهم معاوية في الحديث الذي رواه أبو داود ، عن قتادة ، عن أبي شيخ الهنائي ، أن معاوية قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا ، وعن ركوب جلود النمور؟ قالوا : نعم .
قال : فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ قالوا : أما هذه، فلا . فقال : أما إنها معها ولكنكم نسيتم . ونحن نشهد بالله : إن هذا وهم من معاوية، أو كذب عليه ، فلم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قط ، وأبو شيخ شيخ لا يحتج به ، فضلاً عن أن يقدم على الثقات الحفاظ الأعلام ، وإن روى عنه قتادة ويحيى بن أبي كثير. واسمه خيوان بن خلدة بالخاء المعجمة، وهو مجهول .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:35 AM

فصل الرد على من زعم أنه حج متمتعاً

فصل
وأما من قال : حج متمتعاً تمتعاً لم يحل منه لأجل سوق الهدي كما قاله صاحب المغني وطائفة، فعذرهم قول عاثشة وابن عمر : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول حفصة : ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك ، وقول سعد في المتعة : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه ، وقول ابن عمر لمن سأله عن متعة الحج هي حلال . فقال له السائل : إن أباك قد نهى عنها، فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أأمر أبي تتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فقال : لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
قال هؤلاء : ولولا الهدي لحل كما يحل المتمتع الذي لا هدي معه ، ولهذا قال : "لولا أن معي الهدي لأحللت " فأخبر أن المانع له من الحل سوق الهدي ، والقارن إنما يمنعه من الحل القران لا الهدي . وأرباب هذا القول قد يسمون هذا المتمتع قارناً، لكونه أحرم بالحج قبل التحلل من العمرة ولكن القرآن المعروف أن يحرم بهما جميعاً ، أو يحرم بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف .
والفرق بين القارن والمتمتع السائق من وجهين ، أحدهما : من الإحرام ، فإن القارن هو الذي يحرم بالحج قبل الطواف ، إما في ابتداء الإحرام ، أو في أثنائه .
والثاني : أن القارن ليس عليه إلا سعي واحد، فإن أتى به أولاً، وإلا سعى عقب طواف الإفاضة، والمتمتع عليه سعي ثان عند الجمهور . وعن أحمد رواية أخرى : أنه يكفيه سعي واحد كالقارن ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسع سعياً ثانياً عقب طواف الإفاضة ، فكيف يكون متمتعاً على هذا القول .
فإن قيل : فعلى الرواية الأخرى، يكون متمتعاً، ولا يتوجه الإلزام ، ولها وجه قوي من الحديث الصحيح ، وهو ما رواه مسلم في صحيحه ، عن جابر قال : لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً . طوافه الأول هذا، مع أن أكثرهم كانوا متمتعين . وقد روى سفيان الثوري سلمة بن كهيل قال : حلف طاووس : ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحجه وعمرته إلا طوافاً واحداً .
قيل : الذين نظروا أنه كان متمتعاً تمتعاً خاصاً، لا يقولون بهذا القول، بل يوجبون عليه سعيين ، والمعلوم من سنته صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه لم يسع إلا سعياً واحداً، كما ثبت في الصحيح ، عن ابن عمر، أنه قرن ، وقدم مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ولم يزد على ذلك ، ولم يحلق ولا قصر، ولا حل من شيء حرم منه ، حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق رأسه ، ورأى أنه قد مضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، وقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومراده بطوافه الأول الذي قضى به حجه وعمرته : الطواف بين الصفا والمروة بلا ريب .
وذكر الدارقطني ، عن عطاء ونافع ، عن ابن عمر، وجابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لحجه وعمرته طوافاً واحداً، وسعى سعياً واحداً، ثم قدم مكة فلم يسع بينهما بعد الصدر . فهذا يدل على أحد أمرين ، ولا تجد إما أن يكون قارناً وهو الذي لا يمكن من أوجب على المتمتع سعيين أن يقول غيره ، وإما أن المتمتع يكفيه سعي واحد، ولكن الأحاديث التي تقدمت في بيان أنه كان قارناً صريحة في ذلك ، فلا يعدل عنها ....
فإن قيل : فقد روى شعبة، عن حميد بن طلال ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه واله وسلم ، طاف طوافين ، وسعى سعيين . رواه الدارقطني عن ابن صاعد : حدثنها محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا عبد الله بن داود، عن شعبة. قيل : هذا خبر معلول وهو غلط . قال الدارقطني : يقال : إن محمد بن يحيى حدث بهذا من حفظه ، فوهم في متنه ، والصواب بهذا الإسناد : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرن بين الحج والعمرة والله أعلم . وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يدل على أن هذا الحديث غلط .
وأظن أن الشيخ أبا محمد بن قدامة، إنما ذهب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً ، لأنه رأى الإمام أحمد قد نص على أن التمتع أفضل من القرآن ، ورأى أن الله سبحانه لم يكن ليختار لرسوله إلا الأفضل ، ورأى الأحاديث قد جاءت بأنه تمتع ، ورأى أنها صريحة في أنه لم يحل ، فأخذ من هذه المقدمات الأربع أنه تمتع تمتعاً خاصاً لم يحل منه ، ولكن أحمد لم يرجح التمتع ، لكون النبي صلى الله عليه وسلم حج متمتعاً، كيف وهو القائل : لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قارناً، وإنما اختار التمتع . لكونه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الذي أمر به الصحابة أن يفسخوا حجهم إليه ، وتأسف على فوته .
ولكن نقل عنه المروزي ، أنه إذا ساق الهدي ، فالقران أفضل ، فمن أصحابه من جعل هذا رواية ثانية، ومنهم من جعل المسألة رواية واحدة، وأنه إن ساق الهدي ، فالقران أفضل ، وإن لم يسق فالتمتع أفضل ، وهذه طريقة شيخنا ، وهي التي تليق بأصول أحمد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتمن أنه كان جعلها عمرة مع سوقه الهدي ، بل ود أنه كان جعلها عمرة ولم يسق الهدي .
بقي أن يقال : فأي الأمرين أفضل ، أن يسوق ويقرن ، أو يترك السوق ويتمتع كما ورد النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله .
قيل : قد تعارض في هذه المسألة أمران .
أحدهما : أنه صلى الله عليه وسلم قرن وساق الهدي ، ولم يكن الله سبحانه ليختار له إلا أفضل الأمور، ولا سيما وقد جاءه الوحي به من ربه تعالى، وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم .
والثاني قوله : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة" . فهذا يقتضي ، أنه لو كان هذا الوقت الذي تكلم فيه هو وقت إحرامه ، لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي ، لأن الذي استدبره هو الذي فعله ومضى فصار خلفه ، والذي استقبله هو الذي لم يفعله بعد، بل هو أمامه ، فبين أنه لو كان مستقبلاً لما استدبره ، وهو الإحرام بالعمرة دون هدي ، ومعلوم ، أنه لا يختار أن ينتقل عن الأفضل إلى المفضول ، بل إنما يختار الأفضل ، وهذا يدل على أن آخر الأمرين منه ترجيع التمتع .
ولمن رجح القران مع السوق أن يقول : هو صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا، لأجل أن الذي فعله مفضول مرجوح ، بل لأن الصحابة شق عليهم أن يحثوا من إحرامهم مع بقائه هو محرماً، وكان يختار موافقتهم ليفعلوا ما أمروا به مع انشراح وقبول ومحبة،
وقد ينتقل عن الأفضل إلى المفضول ، لما فيه من الموافقة وتأليف القلوب، كما قال لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين ". فهذا ترك ما هو الأولى لأجل الموافقة والتأليف ، فصار هذا هو الأولى في هذه الحال ، فكذلك اختياره للمتعة بلا هدي . وفي هذا جمع بين ما فعله وبين ما وده وتمناه ، ويكون الله سبحانه قد جمع له بين الأمرين ، أحدهما بفعله له ، والثاني : بتمنيه ووده له ، فأعطاه أجر ما فعله ، وأجر ما نواه من الموافقة وتمناه ، وكيف يكون نسك يتخلله التحلل ولم يسق فيه الهدي أفضل من نسك لم يتخلله تحلل، وقد ساق فيه مائة بدنة، وكيف يكون نسك أفضل في حقه من نسك اختاره الله له ، وأتاه به الوحي من ربه .
فإن قيل : التمتع وإن تخلله تحلل ، لكن قد تكرر فيه الإحرام ، وإنشاؤه عبادة محبوبة للرب ، والقران لا يتكرر فيه الإحرام ؟
قيل : في تعظيم شعائر الله بسوق الهدي ، والتقرب إليه بذلك من الفضل ما ليس في مجرد تكرر الإحرام ، ثم إن استدامته قائمة مقام تكرره ، وسوق الهدي لا مقابل له يقوم مقامه .
فإن قيل : فأيما أفضل ، إفراد يأتي عقيبه بالعمرة أو تمتع يحل منه ، ثم يحرم بالحج عقيبه ؟ قيل : معاذ الله أن نظن أن نسكاً قط أفضل من النسك الذي اختاره الله لأفضل الخلق ، وسادات الأمة ، وأن نقول في نسك لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من الصحابة الذين حجوا معه ، بل ولا غيرهم من أصحابه : إنه أفضل مما فعلوه بأمره ، فكيف يكون حج على وجه الأرض أفضل من الحج الذي حجه النبي صلوات الله عليه ، وأمر به أفضل الخلق ، واختاره لهم ، وأمرهم بفسخ ما عداه من الأنساك إليه ، وود أنه كان فعله ، لا حج قط أكمل من هذا. وهذا وإن صح عنه الأمر لمن ساق الهدي بالقران ، ولمن لم يسق بالتمتع ، ففي جواز خلافه نظر، ولا يوحشك قلة القائلين بوجوب ذلك ، فإن فيهم البحر الذي لا ينزف عبد الله بن عباس ، وجماعة من أهل الضاهر ، والسنة هي الحكم بين الناس ، والله المستعان.

اسير الصحراء 04-30-2006 01:36 AM

فصل الرد على من زعم أنه حج قارناً طاف له طوافين وسعى له سعيين

فصل
وأما من قال : إنه حج قارناً قراناً طاف له طوافين ، وسعى له سعيين، كما قاله كثير من فقهاء الكوفة، فعذره ما رواه الدارقطني من حديث مجاهد ، عن ابن عمر، أنه جمع بين حج وعمرة معاً ، وقال : سبيلهما واحد، قال : وطاف لهما طوافين ، وسعى لهما سعيين . وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت .
وعن علي بن أبي طالب ، أنه جمع بينهما، وطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت .
وعن علي رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، فطاف وسعى سعيين .
وعن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته طوافين ، وسعى لهما سعيين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وعن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طوافين ، وسعى سعيين .
وما أحسن هذا العذر، لو كانت هذه الأحاديث صحيحة ، بل لا يصح منها حرف واحد .
أما حديث ابن عمر، ففيه الحسن بن عمارة، وقال الدارقطني : لم يروه عن الحكم غير الحسن بن عمارة، وهو متروك الحديث .
وأما حديث علي رضي الله عنه الأول ، فيرويه حفص بن أبي داود . وقال أحمد ومسلم : حفص متروك الحديث ، وقال ابن خراش : هو كذاب يضع الحديث ، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ضعيف .
وأما حديثه الثاني : فيرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي . حدثني أبي عن أبيه عن جده قال الدارقطني : عيسى بن عبد الله يقال له : مبارك ، وهو متروك الحديث .
وأما حديث علقمة عن عبد الله ، فيرويه أبو بردة عمرو بن يزيد، عن حماد عن إبراهيم ، عن علقمة. قال الدارقطني : وأبو بردة ضعيف ، ومن دونه في الإسناد ضعفاء انتهى. وفيه عبد العزيز بن أبان ، قال يحيى : هو كذاب خبيث . وقال الرازي والنسائي : متروك الحديث .
وأما حديث عمران بن حصين ، فهو مما غلط فيه محمد بن يحيى الأزدي ، وحدث به من حفظه ، فوهم فيه ، وقد حدث به على الصواب مراراً ، ويقال : إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي .
وقد روى الإمام أحمد ، والترمذي ، وابن حبان في صحيحه من حديث الدرارودي ، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرن بين حجته وعمرته ، أجزأه لهما طواف واحد" . ولفظ الترمذي : "من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف وسعي واحد عنهما ، حتى يحل منهما جميعاً" .
وفي الصحيحين ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، ثم قال : "من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً ، فطاف الذين أهلوا بالعمرة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافاً واحداً ".
وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : "إن طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك " .
وروى عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، طاف طوافاً واحداً لحجه وعمرته . وعبد الملك : أحد الثقات المشهورين ، احتج به مسلم ، وأصحاب السنن . وكان يقال له : الميزان ، ولم يتكلم فيه بضعف ولا جرح ، وإنما أنكر عليه حديث الشفعة .
وتلك شكاة ظاهر عنه عارها .
وقد روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة ، وطاف لهما طوافاً واحداً وهذا ، وإن كان فيه الحجاج بن أرطأة، فقد روى عنه سفيان ، وشعبة ، وابن نمير ، وعبد الرزاق ، والخلق عنه . قال الثوري: وما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه ، وعيب عليه التدليس ، وقل من سلم منه . وقال أحمد : كان من الحفاظ ، وقال ابن معين : ليس بالقوي ، وهو صدوق يدلس . وقال أبو حاتم : إذا قال : حدثنا، فهو صادق لا نرتاب في صدقه وحفظه. وقد روى الدارقطني ، من حديث ليث بن أبي سليم قال : حدثني عطاء، وطاووس ، ومجاهد ، عن جابر ، وعن ابن عمر ، وعن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف هو وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً لعمرتهم وحجهم .
وليث بن أبي سليم ، احتج به أهل السنن الأربعة، واستشهد به مسلم ، وقال ابن معين : لا بأس به ، وقال الدارقطني : كان صاحب سنة، وانما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس ومجاهد حسب وقال عبد الوارث : كان من أوعية العلم ، وقال أحمد: مضطرب الحديث ، ولكن حدث عنه الناس ، وضعفه النسائي ، ويحيى في رواية عنه ، ومثل هذا حديثه حسن . وإن لم يبلغ رتبة الصحة .
وفي الصحيحين عن جابر قال : "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، ثم وجدها تبكي فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : قد حضت وقد حل الناس ، ولم أحل ولم أطف بالبيت ، فقال : اغتسلي ثم أهلي ففعلت ، ثم وقفت المواقف حتى إذا طهرت ، طافت بالكعبة وبالصفا والمروة، ثم قال : قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً " .
وهذا يدل على ثلاثة أمور ، أحدها : أنها كانت قارنة ، والثاني : أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد. والثالث : أنه لا يجب عليها قضاء تلك العمرة التي حاضت فيها، ثم أدخلت عليها الحج ، وأنها لم ترفض إحرام العمرة بحيضها ، وإنما رفضت أعمالها والاقتصار عليها ، وعائشة لم تطف أولاً طواف القدوم ، بل لم تطف إلا بعد التعريف ، وسعت مع ذلك ، فإذا كان طواف الإفاضة والسعي بعد يكفي القارن ، فلأن يكفيه طواف القدوم مع طواف الإفاضة ، والسعي بعد يكفي القارن ، فلأن يكفيه طواف القدوم مع طواف الإفاضة ، وسعي واحد مع أحدهما بطريق الأولى، لكن عائشة تعذر عليها الطواف الأول ، فصارت قصتها حجة ، فإن المرأة التي يتعذر عليها الطواف الأول ، تفعل كما فعلت عائشة ، تدخل الحج على العمرة ، وتصير قارنة ، ويكفيها لهما طواف الإفاضة والسعي عقيبه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومما يبين أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف طوافين ، ولا سعى سعيين قول عائشة رضي الله عنها . وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً . متفق عليه . وقول جابر: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً " طوافه الأول . رواه مسلم . وقوله لعائشة : "يجزىء عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك " . رواه مسلم . وقوله لها في رواية أبي داود : "طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك جميعاً ". وقوله لها في الحديث المتفق عليه لما طافت بالكعبة وبين والمروة : "قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً" قال : والصحابة الذين نقلوا حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلهم نقلوا أنهم لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة أمرهم بالتحيل إلا من ساق الهدي ، فإنه لا يحل إلا يوم النحر، ولم ينقل أحد منهم أن أحداً منهم طاف وسعى، ثم طاف وسعى . ومن المعلوم ، أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله . فلما لم ينقله أحد من الصحابة، علم أنه لم يكن .
وعمدة من قال بالطوافين والسعيين ، أثر يرويه الكوفيون ، عن علي رضي الله عنه ، وآخر عن ابن مسعود رضي الله عنهما.
وقد روى جعفر بن محمد، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه ، أن القارن يكفيه طوافاً واحد ، وسعي واحد ، خلاف ما روى أهل الكوفة ، وما رواه العراقيون ، منه ما هو منقطع ومنه ما رجاله مجهولون أو مجروحون ، ولهذا طعن علماء النقل في ذلك حتى قال ابن حزم : كل ما روي في ذلك عن الصحابة، لا يصح منه ولا كلمة واحدة . وقد نقل في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو موضوع بلا ريب . وقد حلف طاووس : ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجته وعمرته إلا طوافاً واحداً ، وقد ثبت مثل ذلك عن ابن عمر، وابن عباس ، وجابر ، وغيرهم رضي الله عنهم ، وهم أعلم الناس بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يخالفوها، بل هذه الآثار صريحة في أنهم لم يطوفوا بالصفا والمروة إلا مرة واحدة .
وقد تنازع الناس في القارن والمتمتع ، هل عليهما سعيان أو سعي واحد ؟ على ثلاثة أقوال : في مذهب أحمد وغيره .
أحدها : ليس على واحد منهما إلا سعي واحد، كما نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله . قال عبد الله : قلت لأبي : المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال : إن طاف طوافين ، فهو أجود . وإن طاف طوافاً واحداً، فلا بأس . قال شيخنا : وهذا منقول عن غير واحد من السلف.
الثاني : المتمتع عليه سعيان ، والقارن عليه سعي واحد، وهذا القول هو القول الثاني في مذهبه ، وقول من يقوله من أصحاب مالك والشافعي رحمهما الله .
والثالث : إن على كل واحد منهما سعيين ، كمذهب أبي حنيفة رحمه الله ، ويذكر قولاً في مذهب أحمد رحمه الله ، والله أعلم . والذي تقدم ، هو بسط قول شيخنا ، وشرحه والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:36 AM

فصل الرد على من زعم أنه حج مفرداً

فصل
وأما الذين قالوا: إنه حج حجاً مفرداً اعتمر عقيبه من التنعيم ، فلا يعلم لهم عذر البتة إلا ما تقدم من أنهم سمعوا أنه أفرد الحج ، وأن عادة المفردين أن يعتمروا من التنعيم، فتوهموا أنه فعل كذلك .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:37 AM

فصل فيمن غلط في إهلاله صلى الله عليه وسلم

فصل
وأما الذين غلطوا في إهلاله ، فمن قال : إنه لبى بالعمرة وحدها واستمر عليها، فعذره أنه سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع ، والمتمتع عنده من أهل بعمرة مفردة بشروطها. وقد قالت له حفصة رضي الله عنها: ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك ؟ وكل هذا لا يدل على أنه قال : لبيك بعمرة مفردة، ولم ينقل هذا أحد عنه البتة، فهو وهم محض ، والأحاديث الصحيحة المستفيضة في لفظه إهلاله تبطل هذا .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:37 AM

فصل في عذر من قال : إنه لبى بالحج وحده واستمر عليه

وأما من قال : إنه لبى بالحج وحده واستمر عليه ، فعذره ما ذكر ما ذكرنا عمن قال : أفرد الحج ولبى بالحج ، وقد تقدم الكلام على ذلك ، وأنه لم يقل أحد قط : إنه قال : لبيك بحجة مفردة ، وإن الذين نقلوا لفظه ، صرحوا بخلاف ذلك .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:38 AM

فصل وأما من قال : إنه لبى بالحج وحده ، ثم أدخل عليه العمرة ، وظن أنه بذلك تجتمع الأحاديث ، فعذره أنه رأى أحاديث إفراده بالحج صحيحة، فحملها على ابتداء إحرامه ، ثم إنه أتاه آت من ربه تعالى فقال : قل : عمرة في حجة ، فأخل العمرة حينئذ على الحج ، فصار قارناً . ولهذا قال للبراء بن عازب : "إني سقت الهدي وقرنت " ، فكان مفرداً في ابتداء إحرامه ، قارناً في أثنائه ، وأيضاً فإن أحداً لم يقل إنه أهل بالعمرة، ولا لبى بالعمرة ، ولا أفرد العمرة، ولا قال : لا ننوي إلا العمرة، بل قالوا : أهل بالحج ، ولبى بالحج ، وأفرد الحج ، ولم ننوي إلا الحج وهذا يدل على أن الإحرام وقع أولاً بالحج ، ثم جاءه الوحي من ربه تعالى بالقران ، فلبى بهما فسمعه أنس يلبي بهما، وصدق ، وسمعته عائشة وابن عمر ، وجابر يلبي بالحج وحده أولاً وصدقوا .
قالوا : وبهذا تتفق الأحاديث ، ويزول عنها الاضطراب . وأرباب هذه المقالة لا يجيزون إدخال العمرة على الحج ، ويرونه لغواً ، ويقولون : إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره . قالوا : ومما يدل على ذلك : أن ابن عمر قال : لبى بالحج وحده ، وأنس قال : أهل بهما جميعاً ، وكلاهما صادق فلا يمكن أن يكون إهلاله بالقران سابقاً على إهلاله بالحج وحده ، لأنه إذا أحرم قارناً ، لم يمكن أن يحرم بعد ذلك بحج مفرد ، وينقل الإحرام إلى الإفراد ، فتعين أنه أحرم بالحج مفرداً ، فسمعه ابن عمر ، وعائشة ، وجابر، فنقلوا ما سمعوه ، ثم أدخل عليه العمرة، فأهل بهما جميعاً لما جاءه الوحي من ربه ، فسمعه أنس يهل بهما، فنقل ما سمعه ، ثم أخبر عن نفسه بأنه قرن ، وأخبر عنه من تقدم ذكره من الصحابة بالقران ، فاتفقت أحاديثهم ، وزال عنها الاضطراب والتناقض . قالوا : ويدل عليه قول عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : "من أراد منكم أن يهل بحج أو عمرة فليهل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فيهل " . قالت عائشة : فأهل رسول لله صلى الله عليه وسلم بحج ، وأهل به ناس معه . فهذا يدل على أنه كان مفرداً في ابتداء إحرامه ، فعلم أن قرانه كان بعد ذلك ، ولا ريب أن في هذا القول من مخالفة الأحاديث المتقدمة، ودعوى التخصيص للنبي صلى الله عليه وسلم في بإحرام لا يصح في حق الأمة ما يرده ويبطله ، ومما يرده أن أنساً قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالبيداء، ثم ركب، وصعد جبل البيداء، وأهل ، بالحج والعمرة حين صلى الظهر.
وفي حديث عمر، أن الذي جاءه من ربه قال له : "صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة" . فكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالذي روى عمر أنه أمر به ، وروى أنس أنه فعله سواء، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم قال : "لبيك حجاً وعمرة " . واختلف الناس في جواز إدخال العمره على الحج على قولين ، وهما روايتان عن أحمد، أشهرهما : إنه لا يصح والذين قالوا بالصحة، كأبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله ، بنوه على أصولهم ، وأن القارن يطوف طوافين ، ويسعى سعين ، فإذا أدخل العمرة على الحج ، فقد التزم زيادة عمل على الإحرام بالحج وحده ، ومن قال : يكفيه طواف واحد، وسعي واحد، قال : لم يستفد بهذا الإدخال إلا سقوط أحد السفرين ، ولم يلتزم به زيادة عمل ، بل نقصانه فلا يجوز، وهذا مذهب الجمهور .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:38 AM

فصل وأما القائلون : إنه أحرم بعمرة، ثم أدخل عليها الحج ، فعذرهم قول ابن عمر: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج . متفق عليه .
وهذا ظاهر في أنه أحرم أولا بالعمرة، ثم أدخل عليها الحج ، ويبين أيضاً أن ابن عمر لما حج زمن ابن الزبير أهل بعمرة ثم قال : أشهدكم أنى أوجبت حجاً مع عمرتي ، وأهدى هدياً اشتراه بقديد، ثم انطلق يهل بهما جميعاً حتى قدم مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ولم يزد على ذلك ، ولم ينحر ولم يحلق ولم يقصر، ولم يحل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر، وحلق ، ورأى أن ذلك قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول . وقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعند هؤلاء، أنه كان متمتعاً في ابتداء إحرامه ، قارناً في أثنائه ، وهؤلاء أعذر من الذين قبلهم ، وإدخال الحج على العمرة جائز بلا نزاع يعرف ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها بإدخال الحج على العمرة فصارت قارنة، ولكن سياق الأحاديث الصحيحة ، يرد على أرباب هذه المقالة .
فإن أنساً أخبر أنه حين صلى الظهر أهل بهما جميعاً، وفي الصحيح عن عائشة، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل ، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة" قالت : وكان من القوم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بالحج ، فقالت : فكنت أنا ممن أهل بعمرة ، وذكرت الحديث رواه مسلم . فهذا صريح في أنه لم يهل إذ ذاك بعمرة ، فإذا جمعت بين قول عائشة هذا، وبين قولها في الصحيح : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وبين قولها وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، والكل في الصحيح ، علمت أنها إنما نفت عمرة مفردة، وأنها لم تنف عمرة القران ، وكانوا يسمونها تمتعاً كما تقدم ، وأن ذلك لا يناقض إهلاله بالحج ، فإن عمرة القران في ضمنه ، وجزء منه ، ولا ينافي قولها : أفرد الحج ، فإن أعمال العمرة لما دخلت في أعمال الحج ، وأفردت أعماله ، كان ذلك إفراداً بالنعل .
وأما التلبية بالحج مفرداً ، فهو إفراد بالقول ، وقد قيل : إن حديث ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، مروي بالمعنى من حديثه الآخر، وان ابن عمر هو الذي فعل ذلك عام حجه في فتنة ابن الزبير، وأنه بدأ فأهل بالعمرة، ثم قال : ما شأنها إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجاً مع عمرتي ، فأهل بهما جميعاً ، ثم قال ، في آخر الحديث : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنما أراد اقتصاره على طواف واحد، وسعي واحد، فحمل على المعنى، وروي به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج ، وإنما الذي فعل ذلك ابن عمر، وهذا ليس ببعيد، بل متعين ، فإن عائشة قالت عنه : "لولا أن معي الهدي لأهللت بعمرة "وأنس قال عنه : إنه حين صلى الظهر، أوجب حجاً وعمرة ؟ وعمر رضي الله عنه ، أخبر عنه أن الوحي جاءه من ربه فأمره بذلك .
فإن قيل : فما تصنعون بقول الزهري : إن عروة أخبره عن عائشة بمثل حديث سالم ، عن ابن عمر؟ قيل : الذي أخبرت به عائشة من ذلك ، هو أنه صلى الله عليه وسلم طاف طوافاً واحداً عن حجه وعمرته ، وهذا هو الموافق لرواية عروة عنهما في الصحيحين ، وطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً، فهذا مثل الذي رواه سالم عن أبيه سواء . وكيف تقول عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج ، وقد قالت . إن رسول صلى الله عليه وسلم قال : "لولا أن معي الهدي لأهللت بعمرة" وقالت : وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ؟ فعلم ، أنه صلى الله عليه وسلم لم يهل في ابتداء إحرامه بعمرة مفردة والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:39 AM

فصل وأما الذين قالوا: إنه أحرم إحراماً مطلقاً، لم يعين فيه نسكاً، ثم عينه بعد ذلك لما جاءه القضاء وهو بين الصفا والمروة، وهو أحد أقوال الشافعي رحمه الله ، نص عليه في كتاب اختلاف الحديث . قال : وثبت أنه خرج ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو ما بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه أن من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعله عمرة، ثم قال : ومن وصف انتظار النبي صلى الله عليه وسلم في القضاء، إذ لم يحج من المدينة بعد نزول الفرض طلباً للإختيار فيما وسع الله من الحج والعمرة، فيشبه أن يكون أحفظ ، لأنه قد أتي بالمتلاعنين، فانتظر القضاء، كذلك حفظ عنه في الحج ينتظر القضاء . وعذر أرباب هذا القول ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت : "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذكر حجاً ولا عمرة" وفي لفظ : "يلبي لا يذكر حجاً ولا عمرة" وفي رواية عنها : "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج ، حتى إذا دنونا منه مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل " وقال طاووس : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجاً ولا عمرة ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة . . . الحديث .
وقال جابر في حديثه الطويل في سياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم : فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله ، فما عمل به من شيء ، عملنا به ، فأهل بالتوحيد "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " . وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلبيته فأخبر جابر ، أنه لم يزد على هذه التلبية، ولم يذكر أنه أضاف إليها حجاً ولا عمرة، ولا قراناً ، وليس في شيء من هذه الأعذار ما يناقض أحاديث تعيينه النسك الذي أحرم به في الابتداء ، وأنه القران .
فأما حديث طاووس ، فهو مرسل لا يعارض به الأساطين المسندات ، ولا يعرف اتصاله بوجه صحيح ولا حسن . ولو صح ، فانتظاره للقضاء كان فيما بينه وبين الميقات ، فجاءه القضاء وهو بذلك الوادي ، أتاه آت من ربه تعالى فقال : "صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة"، فهذا القضاء الذي انتظره ، جاءه قبل الإحرام ، فعين له القران . وقول طاووس : نزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة، هو قضاء آخر غير القضاء الذي نزل عليه بإحرامه ، فإن ذلك كان بوادي العقيق ، وأما القضاء الذي نزل عليه بين الصفا والمروة، فهو قضاء الفسخ الذي أمر به الصحابة إلى العمرة، فحينئذ أمر كل من لم يكن معه هدي منهم أن يفسخ حجه إلى عمرة وقال : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" ، وكان هذا أمر حتم بالوحي ، فإنهم لما توقفوا فيه قال : "انظروا الذي آمركم به فافعلوه " .
فأما قول عائشة: خرجنا لا نذكر حجاً ولا عمرة، فهذا إن كان محفوظاً عنها، وجب حمله على ما قبل الإحرام ، وإلا ناقض سائر الروايات الصحيحة عنها، أن منهم من أهل عند الميقات بحج ، ومنهم من أهل بعمرة، وأنا ممن أهل بعمرة . وأما قولها: نلبي لا نذكر حجاً ولا عمرة، فهذا في ابتداء الاحرام ، ولم تقل : إنهم استمروا على ذلك إلى مكة، هذا باطل قطعاً فإن الذين سمعوا إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أهل به ، شهدوا على ذلك ، وأخبروا به ، ولا سبيل إلا رد رواياتهم . ولو صح عن عائشة ذلك ، لكان غايته أنها لم تحفظ إهلالهم عند الميقات ، فنفته وحفظه غيرها من الصحابة فأثبته ، والرجال بذلك أعلم من النساء . وأما قول جابر رضي الله عنه : وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فليس فيه إلا إخباره عن صفة تلبيته ، وليس فيه نفي لتعيينه النسك الذي أحرم بوجه من الوجوه . وبكل حال ، ولو كانت هذه الأحاديث صريحة في نفي التعيين ، لكانت أحاديث أهل الإثبات أولى بالأخذ منها ، لكثرتها ، وصحتها ، واتصالها ، وأنها مثبتة مبينة متضمنة لزيادة خفيت على من نفى، وهذا بحمد الله واضح وبالله التوفيق .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:39 AM

فصل ولنرجع إلى سياق حجته صلى الله عليه وسلم ولبد رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بالغسل وهو بالغين المعجمة على وزن كفل ، وهو ما يغسل به الرأس من خطمي ونحوه يلبد به الشعر حتى لا ينتشر ، وأهل في مصلاه ، ثم ركب على ناقته ، وأهل أيضاً ، ثم أهل لما استقلت به على البيداء .
قال ابن عباس : وايم الله : لقد أوجب في مصلاه ، وأهل حين استقلت به ناقته ، وأهل حين علا على شرف البيداء .
وكان يهل بالحج والعمرة تارة ، وبالحج تارة ، لأن العمرة جزء منه ، فمن ثم قيل : قرن ، وقيل : تمتع ، وقيل : أفرد ، قال ابن حزم : كان ذلك قبل الظهر بيسير ، وهذا وهم منه ، والمحفوظ : أنه إنما أهل بعد صلاة الظهر ، ولم يقل أحد قط : إن إحرامه كان قبل الظهر ، ولا أدري من أين له هذا . وقد قال ابن عمر : "ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ". وقد قال أنس : "إنه صلى الظهر ، ثم ركب" ، والحديثان في الصحيح .
فإذا جمعت أحدهما إلى الآخر ، تبين أنه إنما أهل بعد صلاة الظهر ، ثم لبى فقال : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " . ورفع صوته بهذه التلبية حتى سمعها أصحابه ، وأمرهم بأمر الله له أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية .
وكان حجه على رحل ، لا في محمل ، ولا هودج ، ولا عمارية وزاملته تحته . وقد اختلف في جواز ركوب المحرم في المحمل والهودج ، والعمارية ، ونحوها على قولين ، هما روايتان عن أحمد أحدهما: الجواز وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة . والثاني : المنع وهو مذهب مالك .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:40 AM

فصل إنه صلى الله عليه وسلم خيرهم عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة

فصل
ثم إنه صلى الله عليه وسلم خيرهم عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة ، ثم ندبهم عند دنوهم من مكة إلى فسخ الحج والقران إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي ، ثم حتم ذلك عليهم عند المروة .
وولدت أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنهما بذي الحليفة محمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن تغتسل ، وتستثفر، بثوب وتحرم وتهل . وكان في قصتها ثلاث سنن ، إحداها: غسل المحرم ، والثانية : أن الحائض تغتسل لإحرامها ، والثالثة : أن الإحرام يصح من الحائض . ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي بتلبيته المذكورة ، والناس معه يزيدون فيها وينقصون ، وهو يقرهم ولا ينكر عليهم .
ولزم تلبيته ، فلما كانوا بالروحاء ، رأى حمار وحش عقيراً ، فقال : "دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه " فجاء صاحبه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله أبا بكر فقسمة بين الرفاق .
وفي هذا دليل على جواز أكل المحرم من صيد الحلال إذا لم يصده لأجله ، وأما كون صاحبه لم يحرم ، فلعله لم يمر بذي الحليفة، فهو كأبي قتادة في قصته . وتدل هذه القصة على أن الهبة لا تفتقر إلى لفظ : وهبت لك ، بل تصح بما يدل عليها، وتدل على قسمته اللحم مع عظامه بالتحري ، وتدك على أن الصيد يملك بالإثبات ، وإزالة امتناعه ، وأنه لمن أثبته لا لمن أخذه ، وعلى حل أكل لحم الحمار الوحشي ، وعلى التوكيل في القسمة ، وعلى كون القاسم واحداً .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:40 AM

فصل ثم إنه صلى الله عليه وسلم خيرهم عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة ، ثم ندبهم عند دنوهم من مكة إلى فسخ الحج والقران إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي ، ثم حتم ذلك عليهم عند المروة .
وولدت أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنهما بذي الحليفة محمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن تغتسل ، وتستثفر، بثوب وتحرم وتهل . وكان في قصتها ثلاث سنن ، إحداها: غسل المحرم ، والثانية : أن الحائض تغتسل لإحرامها ، والثالثة : أن الإحرام يصح من الحائض . ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي بتلبيته المذكورة ، والناس معه يزيدون فيها وينقصون ، وهو يقرهم ولا ينكر عليهم .
ولزم تلبيته ، فلما كانوا بالروحاء ، رأى حمار وحش عقيراً ، فقال : "دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه " فجاء صاحبه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله أبا بكر فقسمة بين الرفاق .
وفي هذا دليل على جواز أكل المحرم من صيد الحلال إذا لم يصده لأجله ، وأما كون صاحبه لم يحرم ، فلعله لم يمر بذي الحليفة، فهو كأبي قتادة في قصته . وتدل هذه القصة على أن الهبة لا تفتقر إلى لفظ : وهبت لك ، بل تصح بما يدل عليها، وتدل على قسمته اللحم مع عظامه بالتحري ، وتدك على أن الصيد يملك بالإثبات ، وإزالة امتناعه ، وأنه لمن أثبته لا لمن أخذه ، وعلى حل أكل لحم الحمار الوحشي ، وعلى التوكيل في القسمة ، وعلى كون القاسم واحداً .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:41 AM

فصل في الصيد

فصل
ثم مضى حتى إذا كان بالأثاية بين الرويثة والعرج ، إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم ، فأمر رجلاً أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس ، حتى يجاوزوا . والفرق بين قصة الظبي ، وقصة الحمار، أن الذي صاد الحمار كان حلالاً، فلم يمنع من أكله ، وهذا لم يعلم أنه حلال وهم محرمون ، فلم يأذن لهم فى أكله ، ووكل من يقف عنده ، لئلا يأخذه أحد حتى يجاوزوه . وفيه دليل على أن قتل المحرم للصيد يجعله بمنزلة الميتة في عدم الحل إذ لوكان حلالاً ، لم تضع ماليته .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:41 AM

فصل المحرم يؤدب غلامه

فصل
ثم سار حتى إذا نزل بالعرج ، وكانت زمالته وزمالة أبي بكر واحدة ، وكانت مع غلام لأبي بكر، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى جانبه ، وعائشة إلى جانبه الآخر ، وأسماء زوجته إلى جانبه ، وأبو بكر ينتظر الغلام والزمالة ، إذ طلع الغلام ليس معه البعير، فقال : أين بعيرك ؟ فقال : أضللته البارحة، فقال أبو بكر: بعير واحد تضله . قال : فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ، ويقول : "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ، وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول ذلك ويتبسم ". ومن تراجم أبي داود على هذه القصة ، باب المحرم يؤدب غلامه .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:42 AM

بحث في لحم الصيد للمحرم

فصل
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بالأبواء ، أهدى له الصعب بن جثامة عجز حمار وحشي ، فرده عليه ، فقال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم . وفي الصحيحين : "أنه أهدى له حماراً وحشياً "، وفي لفظ لمسلم : "لحم حمار وحش".
وقال الحميدي : كان سفيان يقول في الحديث : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحش ، وربما قال سفيان : يقطر دماً ، وربما لم يقل ذلك ، وكان سفيان فيما خلا ربما قال : حمار وحش ، ثم صار إلى لحم حتى مات . وفي رواية : شق حمار وحش ، وفي رواية : رجل حمار وحش .
وروى يحيى بن سعيد، عن جعفر، عن عمرو بن أمية الضمري ، عن أبيه ، عن الصعب ، أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة، فأكل منه وأكل القوم . قال البيهقي : وهذا إسناد صحيح . فإن كان محفوظاً ، فكأنه رد الحي ، وقبل اللحم .
وقال الشافعي رحمه الله : فإن كان الصعب بن جثامة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم الحمار حياً ، فليس للمحرم ذبح حمار وحش ، وإن كان أهدى له لحم الحمار ، فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له ، فرده عليه ، وإيضاحه في حديث جابر . قال : وحديث مالك : أنه أهدى له حماراً أثبت من حديث من حدث له من لحم حمار . قلت : أما حديث يحيى بن سعيد، عن جعفر، فغلط بلا شك ، فإن الواقعة واحدة ، وقد اتفق الرواة أنه لم يأكل منه ، إلا هذه الرواية الشاذة المنكرة .
وأما الاختلاف في كون الذي أهداه حياً، أو لحماً، فرواية من روى لحماً أولى لثلاثة أوجه .
أحدها : أن راويها قد حفظها، وضبط الواقعة حتى ضبطها : أنه يقطر دماً، وهذا يدل على حفظه للقصة حتى لهذا الأمر لا يؤبه له .
الثاني : أن هذا صريح في كونه بعض الحمار، وأنه لحم منه ، فلا يناقض قوله : أهدى له حماراً، بل يمكن حمله على رواية من روى لحماً ، تسمية للحم بإسم الحيوان ، وهذا مما لا تأباه اللغة .
الثالث : أن سائر الروايات متفقة على أنه بعض من أبعاضه ، وإنما اختلفوا في ذلك البعض ، هل هو عجزه ، أو شقه ، أو رجله ، أو لحم منه ؟ ولا تناقض بين هذه الروايات ، إذ يمكن أن يكون الشق هو الذي فيه العجز وفيه الرجل ، فصح التعبير عنه بهذا وهذا، وقد رجع ابن عيينة عن قوله حماراً وثبت على قوله : لحم حمار حتى مات . وهذا يدل على له أنه تبين له إنما أهدى له لحماً لا حيواناً، ولا تعارض بين هذا وبين أكله لما صاده أبو قتادة، فإن قصة أبي قتادة كانت عام الحديبية سنة ست ، وقصة الصعب قد ذكر غير واحد أنها كانت في حجة الوداع ، منهم : المحب الطبري في كتاب حجة الوداع له . أو في بعض عمره وهذا مما ينظر فيه .
وفي قصة الظبي وحمار يزيد بن كعب السلمي البهزي ، هل كانت في حجة الوداع ، أو في بعض عمره ، والله أعلم ؟ فإن حمل حديث أبي قتادة على أنه لم يصده لأجله ، وحديث الصعب على أنه صيد لأجله ، زال الإشكال ، وشهد لذلك حديث جابر المرفوع "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم " وإن كان الحديث قد أكل بأن المطلب بن حنطب راويه عن جابر لا يعرف له سماع منه ، قاله النسائي .
قال الطبري في حجة الوداع له : فلما كان في بعض الطريق ، اصطاد أبو قتادة حماراً وحشياً ، ولم يكن محرماً، فأحله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد أن سألهم : هل أمره أحد منكم بشيء ، أو أشار إليه ؟ وهذا وهم منه رحمه الله ، فإن قصة أبي قتادة إنما كانت عام الحديبية ، هكذا روي في الصحيحين من حديث عبد الله ابنه عنه قال : انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم أحرم ، فذكر قصة الحمار الوحشي .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:42 AM

بحث في إحرام عائشة ورفضها العمرة وذكر اختلاف الروايات فيه

فصل
"فلما مر بوادي عسفان ، قال : يا أبا بكر أي واد هذا ؟ قال : وادي عسفان . قال : لقد مر به هود وصالح على بكرين أحمرين خطمهما الليف وأزرهم العباء ، وأرديتهم النمار ، يلبون يحجون البيت العتيق "ذكره الإمام أحمد في المسند .
فلما كان بسرف ، حاضت عائشة رضي الله عنها، وقد كانت أهلت بعمرة ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي ، قال: "ما يبكيك لعلك نفست ؟ قالت : نعم قال : هذا شيء قد كتبه الله على بنات آدم ، افعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت ".
وقد تنازع العلماء في قصة عائشة : هل كانت متمتعة أو مفردة ؟ فإذا كانت متمتعة، فهل رفضت عمرتها، أو انتقلت إلى الإفراد ، وأدخلت عليها الحج ، وصارت قارنة، وهل العمرة التي أتت بها من التنعيم كانت واجبة أم لا ؟ وإذا لم تكن واجبة، فهل هي مجزئة عن عمرة الإسلام أم لا ؟ واختلفوا أيضاً في موضع حيضها ، وموضع طهرها ، ونحن نذكر البيان الشافي في ذلك بحول الله وتوفيقه ، واختلف العلماء في مسألة مبنية على قصة عائشة، وهي أن المرأة إذا أحرمت بالعمرة، فحاضت ، ولم يمكنها الطواف قبل التعريف ، فهل ترفض الإحرام بالعمرة، وتهل بالحج مفرداً ، أوتدخل الحج على العمرة وتصير قارنة ؟ فقال بالقول الأول : فقهاء الكوفة، منهم أبو حنيفة وأصحابه ، وبالثاني : فقهاء الحجاز. منهم : الشافعي ومالك ، وهو مذهب أهل الحديث كالإمام أحمد وأتباعه .
قال الكوفيون : ثبت في الصحيحين ، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت : "أهللت بعمرة، فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة. قالت : ففعلت فلما قضيت الحج ، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ، فاعتمرت منه ، فقال : هذه مكان عمرتك ". قالوا : فهذا يدل على أنها كانت متمتعة ، وعلى أنها رفضت عمرتها وأحرمت بالحج ، لقوله صلى الله عليه وسلم ، "دعي عمرتك " ولقوله : "انقضي رأسك وامتشطي ". ولو كانت باقية على إحرامها، لما جاز لها أن تمتشط ، ولأنه قال للعمرة التي أتت بها من التنعيم : "هذه مكان عمرتك " . ولو كانت عمرتها الأولى باقية، لم تكن هذه مكانها ، بل كانت عمرة مستقلة . قال الجمهور: لو تأملت قصة عائشة حق التأمل ، وجمعتم بين طرقها وأطرافها، لتبين لكم أنها قرنت ، ولم ترفض العمرة، ففي صحيح مسلم : "عن جابر رضي الله عنه ، قال : أهلت عائشة بعمرة، حتى إذا كانت بسرف ، عركت ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، فوجدها تبكي ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني أني قد حضت وقد أحل الناس ، ولم أحل ، ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن ، قال : إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم ، فاغتسلي ، ثم أهلي بالحج ففعلت ، ووقفت المواقف كلها ، حتى إذا طهرت ، طافت بالكعبة وبالصفا والمروة . ثم قال : قد حللت من حجك وعمرتك قالت : يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت . قال : فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم ".
وفي صحيح مسلم : من حديث طاووس عنها : أهللت بعمرة، وقدمت ولم أطف حتى حضت ، فنسكت المناسك كلها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر : "يسعك طوافك لحجك وعمرتك " .
فهذه نصوص صريحة، أنها كانت في حج وعمرة، لا في حج مفرد ، وصريحة في أن القارن يكفيه طواف واحد، وسعي واحد، وصريحة في أنها لم ترفض إحرام العمرة، بل بقيت في إحرامها كما هي لم تحل منه . وفي بعض ألفاظ الحديث : "كوني في عمرتك ، فعسى أن الله يرزقكيها". ولا يناقض هذا "دعي عمرتك " . فلو كان المراد به رفضها وتركها، لما قال لها : "يسعك طوافك لحجك وعمرتك " ، فعلم أن المراد : دعي أعمالها ليس المراد به رفض إحرامها وأما قوله : "انقضي رأسك وامتشطي " ، فهذا مما أعضل على الناس، ولهم فيه أربعة مسالك .
أحدها : أنه دليل ، على رفض العمرة، كما قالت الحنفية .
المسلك الثاني . إنه دليل على أنه يجوز للمحرم أن يمشط رأسه ، ولا دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع على منعه من ذلك ، ولا تحريمه وهذا قول ابن حزم وغيره.
المسلك الثالث : تعليل هذه اللفظة ، وردها بأن عروة انفرد بها ، وخالف بها سائر الرواة ، وقد روى حديثها طاووس والقاسم والأسود وغيرهم ، فلم يذكر أحد منهم هذه اللفظة . قالوا : وقد رزق حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، عن عائشة ، حديث حيضها في الحج فقال فيه : حدثني غير واحد، أن رسول صلى الله عليه وسلم قال لها : " دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي " وذكر تمام الحديث........ قالوا : فهذا يدل على أن عروة لم يسمع هذه الزيادة من عائشة .
المسلك الرابع : أن قوله : "دعي العمرة" ، أي دعيها، بحالها لا تخرجي ، وليس المراد تركها ، قالوا : ويدل عليه وجهان .
أحدهما قوله : "يسعك طوافك لحجك وعمرتك " .
الثاني : قوله: "كوني في عمرتك ". قالوا: وهذا أولى من حمله على رفضها لسلامته من التناقض . قالوا : وأما قوله : "هذه مكان عمرتك فعائشة أحبت أن تأتي بعمرة مفردة ، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن طوافها وقع عن حجتها وعمرتها ، وأن عمرتها قد دخلت في حجها، فصارت قارنة، فأبت إلا عمرة مفردة كما قصدت أولاً، فلما حصل لها ذلك ، قال : هذه مكان عمرتك " .
وفي سنن الأثرم ، عن الأسود، قال : قلت لعائشة : اعتمرت بعد الحج ؟ قالت : والله ما كانت عمرة ، ما كانت إلا زيارة زرت البيت .
قال الإمام أحمد: إنما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة حين ألحت عليه ، فقالت : يرجع الناس بنسكين ، وأرجع بنسك ؟ فقال : "يا عبد الرحمن ، أعمرها" فنظر إلى أدنى الحل ، فأعمرها منه.

اسير الصحراء 04-30-2006 01:43 AM

فصل واختلف الناس فيما أحرمت به عائشة أولاً على قولين .
أحدهما : أنه عمرة مفردة ، وهذا هو الصواب لما ذكرنا من الأحاديث .
وفي الصحيح عنها، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أراد منكم أن يهل بعمرة، فليهل فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة" . قالت : وكان من القوم من أهل بعمرة ، ومنهم من أهل بالحج ، قالت : فكنت أنا ممن أهل بعمرة ، وذكرت الحديث ....... وقوله في الحديث : " دعي العمرة وأهلي بالحج " قاله لها بسرف قريباً من مكة وهو صريح في أن إحرامها كان بعمرة .
القول الثاني : أنها أحرمت أولاً بالحج وكانت مفردة، قال ابن عبد البر : روى القاسم بن بن محمد، والأسود بن يزيد، وعمرة كلهم عن عائشة ما يدل على أنها كانت محرمة بحج لا بعمرة ، منها : حديث عمرة عنها : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا نرى إلا أنه الحج ، وحديث الأسود بن يزيد مثله ، وحديث القاسم : لبينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج . قال : وغلطوا عروة في قوله عنها :" كنت فيمن أهل بالعمرة " قال إسماعيل بن إسحاق : قد اجتمع هؤلاء ، يعني الأسود، والقاسم ، وعمرة ، على الروايات التي ذكرنا ، فعلمنا بذلك أن الروايات التي رويت عن عروة غلط ، قال : ويشبه أن يكون الغلط ، إنما وقع فيه أن يكون لم يمكنها الطواف بالبيت ، وأن تحل بعمرة كما فعل من لم يسق الهدي . فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تترك الطواف ، وتمضي على الحج ، فتوهموا بهذا المعنى أنها كانت معتمرة، وأنها تركت عمرتها ، وابتدأت بالحج . قال أبو عمر : وقد روى جابر بن عبد الله ، أنها كانت مهلة بعمرة، كما روى عنها عروة . قالوا : والغلط الذي دخل على عروة، إنما كان في قوله : "انقضي رأسك ، وامتشطي ، ودعي العمرة ، وأهلي بالحج " .
وروى حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه : حدثني غير واحد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : "دعي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وافعلي ما يفعل الحاج " . فبين حماد، أن عروة لم يسمع هذا الكلام من عائشة .
قلت : من العجب رد هذه النصوص الصحيحة الصريحة التي لا مدفع لها ، ولا مطعن فيها، ولا تحتمل تأويلاً ، البتة بلفظ مجمل ليس ظاهراً في أنها كانت مفردة، فإن غاية ما احتج به من زعم أنها كانت مفردة، قولها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا أنه الحج . فيا لله العجب أيظن بالمتمتع أنه خرج لغير الحج ، بل خرح للحج متمتعاً، كما أن المغتسل للجنابة إذا بدأ فتوضأ لا يقول : خرجت لغسل الجنابة؟ وصدقت أم المؤمنين رضي الله عنها، إذ كانت لا ترى إلا أنه الحج حتى أحرمت بعمرة ، بأمره صلى الله عليه وسلم ، وكلامها يصدق بعضه بعضاً ، وأما قولها: لبينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالحج ، فقد قال جابر عنها في الصحيحين : إنها أهلت بعمرة، وكذلك قال طاووس عنها في صحيح مسلم وكذلك قال مجاهد عنها، فلو تعارضت الروايات عنها، فرواية الصحابة أولى أن يؤخذ بها من رواية التابعين ، كيف ولا تعارض في ذلك البتة ، فإن القائل : فعلنا كذا ، يصدق ذلك منه بفعله ، وبفعل أصحاب .
ومن العجب أنهم يقولون في قول ابن عمر: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، معناه : تمتع أصحابه ، فأضاف الفعل إليه لأمره به ، فهلا قلتم في قول عائشة: لبينا بالحج ، أن المراد به جنس الصحابة الذين لبوا بالحج ، وقولها : فعلنا، كما قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسافرنا معه ونحوه . ويتعين قطعاً إن لم تكن هذه الرواية غلطاً أن تحمل على ذلك للأحاديث الصحيحة الصريحة ، أنها كانت أحرمت بعمرة وكيف ينسب عروة في ذلك إلى الغلط ، وهو أعلم الناس بحديثها وكان يسمع منها مشافة بلا واسطة .
وأما قوله في رواية حماد: حدثني غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : "دعي عمرتك " فهذا إنما يحتاج إلى تعليله ، ورده إذا خالف الروايات الثابتة عنها ، فأما إذا وافقها وصدقها، وشهد لها أنها أحرمت بعمرة، فهذا يدل على أنه محفوظ ، وأن الذي حدث به ضبطه وحفظه ، هذا مع أن حماد بن زيد انفرد بهذه الرواية المعتلة ، وهي قوله : فحدثني غير واحد ، وخالفه جماعة ، فرووه متصلاً عن عروة، عن عائشة . فلو قدر التعارض ، فالأكثرون أولى بالصواب ، فيا لله العجب ! كيف يكون تغليط أعلم الناس بحديثها وهو عروة في قوله عنها : "وكنت فيمن أهل بعمرة" سائغاً بلفظ مجمل محتمل ، ويقضى به على النص الصحيح الصريح الذي شهد له سياق القصة من وجوه متعددة قد تقدم ذكر بعضها ؟ فهؤلاء ، أربعة رووا عنها ، أنها أهل بعمرة : جابر ، وعروة ، وطاووس ، ومجاهد، فلو كانت رواية القاسم ، وعمرة ، والأسود ، معارضة لرواية هؤلاء ، لكانت روايتهم أولى بالتقديم لكثرتهم ، ولأن فيهم جابراً ، ولفضل عروة ، وعلمه بحديث خالته رضي الله عنها ، ومن العجب قوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرها أن تترك الطواف ، وتمضي على الحج ، توهموا لهذا أنها كانت معتمرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها أن تدع العمرة وتنشىء إهلالاً بالحج ، فقال لها : "وأهلي بالحج " ولم يقل : "استمري عليه "، ولا امضي فيه ، وكيف يغلط راوي الأمر بالامتشاط بمجرد مخالفته لمذهب الراد؟ فأين في كتاب الله وسنة رسوله ، وإجماع الأمة ما يحرم على المحرم تسريح شعره ، ولا يسوغ تغليط الثقات لنصرة الآراء، والتقليد . والمحرم وإن أمن من تقطيع الشعر، لم يمنع من تسريح رأسه ، وإن لم يأمن من سقوط شيء من الشعر بالتسريح ، فهذا المنع منه محل نزاع واجتهاد ، والدليل يفصل بين المتنازعين فإن لم يدل كتاب ولا سنة ولا اجماع على منعه ، فهو جائز .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:44 AM

بحث في المراد من العمرة التي أتت بها عائشة من التنعيم

فصل
وللناس في هذه العمرة التي أتت بها عائشة من التنعيم أربعة
مسالك . أحدها : أنها كانت زيادة تطييباً لقلبها وجبراً لها، وإلا فطوافها وسعيها وقع عن حجها وعمرتها ، وكانت متمتعة، ثم أدخلت الحج على العمرة ، فصارت قارنة وهذا أصح الأقوال ، والأحاديث لا تدل على غيره ، وهذا مسلك الشافعي وأحمد وغيرهما .
المسلك الثاني : أنها لما حاضت ، أمرها أن ترفض عمرتها، وتنتقل عنها إلى حج مفرد، فلما حلت من الحج ، أمرها أن تعتمر قضاء لعمرتها التي أحرمت بها أولاً ، وهذا مسلك أبي حنيفة ومن تبعه ، وعلى هذا القول ، فهذه العمرة كانت في حقها واجبة، ولا بد منها، وعلى القول الأول كانت جائزة، وكل متمتعة حاضت ولم يمكنها الطواف قبل التعريف فهي على هذين القولين ، إما أن تدخل الحج على العمرة، وتصير قارنة، وإما أن تنتقل عن العمرة إلى الحج ، وتصير مفردة ، وتقضي العمرة .
المسلك الثالث : أنها لما قرنت ، لم يكن بد من أن تأتي بعمرة مفردة ، لأن عمرة القارن لا تجزىء عن عمرة الإسلام ، وهذا أحد الروايتين عن أحمد .
المسلك الرابع : أنها كانت منفردة، وإنما امتنعت من طواف القدوم لأجل الحيض ، واستمرت على الإفراد حتى طهرت ، وقضت الحج ، وهذه العمرة هي عمرة الإسلام ، وهذا مسلك القاضي إسماعيل بن إسحاق وغيره من المالكية ، ولا يخفى ما في هذا المسلك من الضعف ، بل هو أضعف المسالك في الحديث .
وحديث عائشة هذا ، يؤخذ فه أصول عظيمة من أصول المناسك .
أحدها : اكتفاء القارن بطواف واحد وسعي واحد .
الثاني : سقوط طواف القدوم عن الحائض ، كما أن حديث صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أصل في سقوط طواف الوداع عنها .
الثالث : أن إدخال الحج على العمرة للحائض جائز ، كما يجوز للطاهر، وأولى، لأنها معذورة محتاجة إلى ذلك .
الرابع : أن الحائض تفعل أفعال الحج كلها ، إلا أنها لا تطوف بالبيت .
الخامس: أن التنعيم من الحل .
السادس : جواز عمرتين في سنة واحدة، بل في شهر واحد .
السابع : أن المشروع في حق المتمتع اذا لم يأمن الفوات أن يدخل الحج على العمرة ، وحديث عائشة أصل فيه .
الثامن : أنه أصل في العمرة المكية، وليس مع من يستحبها غيره ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر هو ولا أحد ممن حج معه من مكة خارجاً منها إلا عائشة وحدهـا ، فجعل أصحاب العمرة المكية قصة عائشة أصلاً لقولهم ، ولا دلالة لهم فيها، فإن عمرتها إما أن تكون قضاء للعمرة المرفوضة عند من يقول : إنها رفضتها ، فهي واجبة قضاء لها، أو تكون زيادة محضة، وتطييباً لقلبها عند من يقول : إنها كانت قارنة، وان طوافها وسعيها أجزأها عن حجها وعمرتها. والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:44 AM

فصل عمرتها مجزئة عن عمرة الإسلام أم لا

فصل
وأما كون عمرتها تلك مجزئة عن عمرة الإسلام ، ففيه قولان للفقهاء ، وهما روايتان عن أحمد، والذين قالوا : لا تجزىء ، قالوا : العمرة المشروعة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها نوعان لا ثالث لهما : عمرة التمتع وهي التي أذن فيها عند الميقات ، وندب إليها في أثناء الطريق ، وأوجبها على من لم يسق الهدي عند الصفا والمروة . الثانية : العمرة المفردة التي ينشأ لها سفر ، كعمره المتقدمة ، ولم يشرع عمرة مفردة غير هاتين ، وفي كلتيهما المعتمر داخل إلى مكة . وأما عمرة الخارج إلى أدنى الحل ، فلم تشرع . وأما عمرة عائشة، فكانت زيارة محضة ، وإلا فعمرة قرانها قد أجزأت عنها بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا دليل على أن عمرة القارن تجزىء عن عمرة الإسلام ، وهذا هو الصواب المقطوع به ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : "يسعك طوافك لحجك وعمرتك " وفي لفظ : "يجزئك " وفي لفظ : "يكفيك " . وقال : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" وأمر كل من ساق الهدي أن يقرن بين الحج والعمرة، ولم يأمر أحداً ممن قرن سعه وساق الهدي بعمرة أخرى غير عمرة القران ، فصخ إجزاء عمرة القارن عن عمرة الإسلام قطعاً وبالله التوفيق .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:45 AM

فصل موضع حيضها ، وموضع طهرها

فصل
وأما موضع حيضها، فهوبسرف بلا ريب ، وموضع طهرها قد اختلف فيه ، فقيل : بعرفة هكذا روى مجاهد عنها وروى عروة عنها أنها أظلها يوم عرفة وهي حائض ولا تنافي بينهما، والحديثان صحيحان ، وقد حملهما ابن حزم على معنيين ، فطهر عرفة : هو الاغتسال للوقوف بها عنده ، قال : لأنها قالت : تطهرت بعرفة، والتطهر غير الطهر، قال : وقد ذكر القاسم يوم طهرها، أنه يوم النحر، وحديثه في صحيح مسلم . قال : وقد اتفق القاسم وعروة على أنها كانت يوم عرفة حائضاً، وهما أقرب الناس منها . وقد روى أبو داود : حدتنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، عنها : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين هلال ذي الحجة ..... فذكرت الحديث ، وفيه ، فلما كانت ليلة البطحاء، طهرت عائشة، وهذا إسناد صحيح لكن قال ابن حزم : إنه حديث منكر، مخالف لما روى هؤلاء كلهم عنها، وهو قوله : إنها طهرت ليلة البطحاء، وليلة البطحاء كانت بعد يوم النحر بأربع ليال ، وهذا محال إلا أننا لما تدبرنا وجدنا هذه اللفظة، ليست من كلام عائشة، فسقط التعلق بها، لأنها ممن دون عائشة، وهي أعلم بنفسها. قال : وقد روى حديث حماد بن سلمة هذا وهيب بن خالد ، وحماد بن زيد، فلم يذكرا هذه اللفظة .
قلت : يتعين تقديم حديث حماد بن زيد ومن معه على حديث حماد بن سلمة لوجوه .
أحدها : أنه أحفظ وأثبت من حماد بن سلمة .
الثاني : أن حديثهم فيه إخبارها عن نفسها ، وحديثه فيه الإخبار عنها .
الثالث : أن الزهري روى عن عروة عنها الحديث ، وفيه : فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة، وهذه الغاية هي التي بينها مجاهد والقاسم عنها، لكن قال مجاهد عنها : فتطهرت بعرفة، والقاسم قال : يوم النحر .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:46 AM

فصل عود إلى سياق حجته

فصل
عدنا إلى سياق حجته صلى الله عليه وسلم : فلما كان بسرف ، قال لأصحابه : "من لم يكن معه هدي ، فأحب أن يجعلها عمرة، فليفعل ، ومن كان معة هدي فأحب أن يجعلها عمرة ، فليفعل ، ومن كان معه هدي فلا " وهذه رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات .
فلما كان بمكة، أمر أمراً حتماً من لاهدي معه أن يجعلها عمرة، ويحل من إحرامه ، ومن معه هدي ، أن يقيم على إحرامه ، ولم ينسخ ذلك شيء البتة ، بل سأله سراقة بن مالك عن هذه العمرة التي أمرهم بالفسخ إليها، هل هي لعامهم ذلك ، أم للأبد: قال : "بل للأبد، وإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة " .
وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من أصحابه وأحاديثهم كلها صحاح ، وهم : عائشة، وحفصة أم المؤمنين ، وعلي بن أبي طالب ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن عباس ، وسبرة بن معبد الجهني ، وسراقة بن مالك المدلجي رضي الله عنهم ونحن نشير إلى هذه الأحاديث .
ففي الصحيحين : عن ابن عباس ، قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ فقال : "الحل كله " .
وفي لفظ لمسلم : قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأربع خلون من العشر إلى مكة وهم يلبون بالحج ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، وفي لفظ : وأمر أصحابه أن يجعلوا إحرامهم بعمرة إلا من كان معه الهدي . وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله : أهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج ، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة، وقدم علي رضي الله عنه من اليمن ومعه هدي ، فقال : أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، ويطوفوا، ويقصروا ، ويحلوا إلا من كان معه الهدي ، قالوا : ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أن معي الهدي لأحللت " . وفي لفظ : فقام فينا فقال : "لقد علمتم أني أتقاكم لله، وأصدقكم ، وأبركم ولولا أن معي الهدي لحللت كما تحلون ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ، لم أسق الهدي ، فحلوا" فحللنا، وسمعنا وأطعنا ، وفي لفظ : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا ، أن نحرم إذا توجهنا إلى منى. قال : فأهللنا من الأبطح ، فقال سراقة بن مالك بن جعشم : يا رسول الله لعامنا هذا أم للأبد؟ قال : "للأبد" . وهذه الألفاظ كلها في الصحيح وهذا اللفظ الأخير صريح في إبطال قول من قال : إن ذلك كان خاصاً بهم ، فإنه حينئذ يكون لعامهم ذلك وحده ، لا للأبد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنة للأبد.
وفي المسند : عن ابن عمر، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأصحابه مهلين بالحج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي " .
قالوا : يا رسول الله أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منياً؟ قال : "نعم " وسطعت المجامر .
وفي السنن : عن الربيع بن سبرة، عن أبيه ، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بعسفان ، قال سراقة بن مالك المدلجي ؟ يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم ، فقال : "إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجة وعمرة فإذا قدمتم ، فمن تطوف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، فقد حل إلا من معه هدي " .
وفي الصحيحين عن عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا نذكر إلا الحج ..... فذكرت الحديث ، وفيه : فلما قدمنا مكة، قال الني صلى الله عليه وسلم لأصحابه : "اجعلوها عمرة" فأحل الناس إلا من كان معه الهدي .......وذكرت باقي الحديث .
وفي لفظ للبخاري : "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج ، فلما قدمنا تطوفنا بالبيت ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل ، فحل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه لم يسقن ، فأحللن ".
وفي لفظ لمسلم : "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان ، فقلت : من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار . قال : أوما شعرت أني أمرت الناس بأمر، فإذا هم يترددون ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت . ما سقت الهدي معي حتى أشتريه ، ثم أحل كما حلوا" . وقال مالك : عن يحيى بن سعيد، عن عمرة ، قالت : سمعت عائشة تقول : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي القعدة، ولا نرى إلا أنه الحج ، فلما دنونا من مكة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل ، قال يحيى بن سعيد : فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد، فقال : أتتك والله بالحديث على وجهه .
وفي صحيح مسلم : عن ابن عمر، قال : "حدثتني حفصة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع ، فقلت : ما منعك أن تحل ؟ فقال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر الهدي ".
وفي صحيح مسلم : عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، خرجنا محرمين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كان معه هدي ، فليقم على إحرامه ، ومن لم يكن معه هدي ، فليحلل " ..... وذكرت الحديث .
وفي صحيح مسلم أيضاً: عن أبي سعيد الخدري ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نصرخ بالحج صراخاً، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي . فلما كان يوم التروية ، ورحنا إلى منى ، أهللنا بالحج .
وفي صحيح البخاري : عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : أهل المهاجرون والأنصار، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأهللنا فلما قدمنا مكة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي " ..... وذكر الحديث .
وفي السنن عن البراء بن عازب ، "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فأحرمنا بالحج ، فلما قدمنا مكة، قال : اجعلوا حجكم عمرة . فقال الناس : يا رسول الله قد أحرمنا بالحج ، فكيف نجعلها عمرة ؟ فقال : انظروا ما آمركم به فافعلوه ، فرددوا عليه القول ، فغضب ، ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان ، فرأت الغضب في وجهه فقالت : من أغضبك ، أغضبه الله . فقال : وما لي لا أغضب وأنا آمر أمراً فلا يتبع" .
ونحن ، نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج ، لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة تفادياً من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباعا لأمره . فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ، ولا صح حرف واحد يعارضه ، ولا خص به أصحابه دون من بعدهم ، بل أجرى الله سبحانه على لسان سراقة أن يسأله : هل ذلك مختص بهم ؟ فأجاب بأن ذلك كائن لأبد الأبد، فما ندري ما نقدم على هذه الأحاديث ، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه .
ولله در الإمام أحمد، رحمه الله إذ يقول لسلمة بن شبيب وقد قال له عبد الله : كل أمرك عندي حسن إلا خلة واحدة : قال : وما هي ؟ قال : تقول بفسخ الحج إلى العمرة . فقال : يا سلمة كنت أرى لك عقلاً ، عندي في ذلك أحد عشر حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أأتركها لقولك ؟ . وفي السنن عن البراء بن عازب ، أن علياً رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن ، أدرك فاطمة وقد لبست ثياباً صبيغاً ، ونضحت البيت بنضوح ، فقال : ما بالك ؟ فقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه فحلوا .
وقال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن فضيل ، عن يزيد، عن مجاهد، قال: قال عبد الله بن الزبيرة أفردوا الحج ، ودعوا قول أعماكم هذا . فقال عبد الله بن عباس : إن الذي أعمى الله قلبه لأنت ، ألا تسأل أمك عن هذا؟ فأرسل إليها، فقالت : صدق ابن عباس ، جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجاجاً، فجعلناها عمرة، فحللنا إلإحلال كله ، حتى سطعت المجامر بين الرجال والنساء .
وفي صحيح البخاري عن ابن شهاب ، قال : دخلت على عطاء أستفتيه ، فقال : "حدثني جابر بن عبد الله : أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه ، وقد أهلوا بالحج مفرداً ، فقال لهم : أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وقصروا ، ثم أقيموا حلالاً ، حتى إذا كان يوم التروية ، فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة. فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج ؟ فقال : افعلوا ما أمرتم به ، فلولا أني سقت الهدي ، لفعلت مثل الذي أمرتكم به . ولكن لا يحل مني حرام ، حتى يبلغ الهدي محله ، ففعلوا ".
وفي صحيحه أيضاً عنه : "أهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج" ...... وذكر الحديث . وفيه : "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة ، ويطوفوا ، ثم يقصروا إلا من ساق الهدي : فقالوا : أننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر؟ فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي ، للأحللت ".
وفي صحيح مسلم : عنه في حجة الوداع : "حتى إذا قدمنا مكة، طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يحل منا من لم يكن معه هدي ، قال : فقلنا: حل ماذا؟ قال : الحل كل ، فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب ، ولبسنا ثيابنا ، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ، ثم أهللنا يوم التروية "وفي لفظ آخر لمسلم : "فمن كان منكم ليس معه هدي ، فليحل وليجعلها عمرة ، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية ، توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ".
وفي مسند البزار بإسناد صحيح : "عن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة، فلما قدموا مكة، طافوا بالبيت والصفا والمروة، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحلوا، فهابوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أحلوا فلولا أن معي الهدي ، لأحللت فأحلوا حتى حلوا إلى النساء".
وفي صحيح البخاري : عن أنس ، "قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعاً ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله ، وسبح ، ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا، حتى إذا كان يوم التروية ، أهلوا بالحج ...... "وذكر باقي الحديث .
وفي صحيحه أيضاً : "عن أبي موسى الأشعري ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومي باليمن ، فجئت وهو بالبطحاء، فقال : بم أهللت ؟ فقلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : هل معك من هدي ؟ قلت : لا ، فأمرني ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم أمرني فأحللت".
وفي صحيح مسلم : أن رجلاً من بني الهجيم قال لابن عباس : ما هذه الفتيا التي قد تشغبت بالناس ، أن من طاف بالبيت فقد حل ؟ فقال : سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وإن رغمتم .
وصدق ابن عباس ، كل من طاف بالبيت ممن لا هدي معه من مفرد، أو قارن ، أو متمتع ، فقد حل إما وجوباً ، وإما حكماً، هذه هي السنة التي لا راد لها ولا مدفع ، وهذا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "إذا أدبر النهار من هاهنا ، وأقبل الليل من ها هنا، فقد أفطر الصائم "، إما أن يكون المعنى : أفطر حكماً ، أو دخل وقت إفطاره ، وصار الوقت في حقه وقت إفطاره . فهكذا هذا الذي قد طاف بالبيت ، إما أن يكون قد حل حكماً، وإما أن يكون ذلك الوقت في حقه ليس وقت إحرام ، بل هو وقت حل ليس إلا، ما لم يكن معه هدي ، وهذا صريح السنة .
وفي صحيح مسلم أيضاً عن عطاء قال : كان ابن عباس يقول : لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل . وكان يقول : هو بعد المعرف وقبله ، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع .
وفي صحيح مسلم : عن ابن عباس ، "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن معه الهدي ، فليحل الحل كله فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".
وقال عبد الرزاق : حدثنا معمر، عن قتادة، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس قال : من جاء مهلاً بالحج ، فإن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أو أبى .
قلت : إن الناس ينكرون ذلك عليك : قال : هي سنة نبيهم وإن رغموا وقد روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من سمينا وغيرهم ، وروى ذلك عنهم طوائف من كبار التابعين ، حتى صار منقولاً نقلاً يرفع الشك ، ويوجب اليقين ، ولا يمكن أحداً أن ينكره ، أو يقول : لم يقع ، وهو مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومذهب حبر الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه ، ومذهب أبي موسى الأشعري ، ومذهب إمام أهل السنة والحديث ومذهب إمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل وأتباعه ، وأهل الحديث ومذهب عبد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة ، ومذهب أهل الظاهر .
والذين خالفوا هذه الأحاديث ، لهم أعذار .
العذر الأول : أنها منسوخة .
العذر الثاني : أنها مخصوصة بالصحابة، لا يجوز لغيرهم مشاركتهم في حكمها.
العذر الثالث : معارضتها بما يدل على خلاف حكمها، وهذا مجموع ما اعتذروا به عنها .
ونحن نذكر هذه الأعذار عذراً عذراً ، ونبين ما فيها بمعونة الله وتوفيقه .
أما العذر الأول ، وهو النسخ ، فيحتاج إلى أربعة أمور، لم يأتو منها بشيء : يحتاج إلى نصوص أخر، تكون تلك النصوص معارضة لهذه ، ثم تكون مع هذه المعارضة مقاومة لها، ثم يثبت تأخرها عنها .قال المدعون للنسخ : قال عمر بن الخطاب السجستاني : حدثنا الفريابي ، حدثنا أبان بن أبي حازم ، قال: حدثني أبو بكر بن حفص ، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما ولي : "يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا" . رواه البزار في مسنده عنه .
قال المبيحون للفسخ : عجباً لكم في مقاومة الجبال الرواسي التي لا تزعزعها الرياح بكثيب مهيل ، تسفيه الرياح يميناً وشمالاً ، فهذا الحديث ، لا سند ولامتن ، أما سنده ، فإنه لا تقوم به حجة علينا عند أهل الحديث ، وأما متنة، فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء التي أحلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم حرمها ، لا يجوز فيها غير ذلك البتة ، لوجوه.
أحدها : إجماع الأمة على أن متعة الحج غير محرمة، بل إما واجبة، أو أفضل الأنساك على الإطلاق ، أو مستحبة ، أو جائزة ، ولا نعلم للأمة قولاً خامساً فيها بالتحريم .
الثاني : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، صح عنه من غير وجه ، أنه قال : لو حججت لتمتعت ، ثم لو حججت لتمتعت ، ذكره الأثرم في سننه وغيره .
وذكر عبد الرزاق في مصنفه : عن سالم بن عبد الله ، أنه سئل أنهى عمر عن متعة الحج ؟ قال : لا ، أبعد كتاب الله تعالى؟ وذكر عن نافع ، أن رجلاً قال له : أنهى عمر عن متعة الحج ؟ قال : لا. وذكر أيضاً عن ابن عباس ، أنه قال : هذا الذي يزعمون أنه نهى عن المتعة، - يعني عمر - سمعته يقول : لو اعتمرت ، ثم حججت ، لتمتعت .
قال أبو محمد بن حزم : صح عن عمر الرجوع إلى القول بالتمتع بعد النهي عنه ، وهذا محال أن يرجع إلى القول بما صح عنده أنه منسوخ .
الثالث : أنه من المحال أن ينهى عنها ، "وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله : هل هي لعامهم ذلك أم للأبد ؟ فقال : بل للأبد " ، وهذا قطع لتوهم ورود النسخ عليها ، وهذا أحد الأحكام التي يستحيل ورود النسخ عليها، وهو الحكم الذي الصادق المصدوق باستمراره ودوامه ، فإنه لا خلف لخبره .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:47 AM

عذر من ادعى اختصاص الصحابة بالفسخ

فصل
العذر الثاني : دعوى اختصاص ذلك بالصحابة، واحتجوا بوجوه .
أحدها : ما رواه "عبد الله بن الزبير الحميدي ، حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد، عن المرقع ، عن أبي ذر أنه قال : كان فسخ الحج من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا خاصة" .
وقال وكيع : حدثنا موسى بن عبيدة، حدثنا يعقوب بن زيد، عن أبي ذر قال :" لم يكن لأحد بعدنا أن يجعل حجته عمرة، إنها كانت رخصة لنا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ".
وقال البزار: "حدثنا يوسف بن موسى، حدثا سلمة بن الفضل ، محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن الأسدي ، عن يزيد بن شريك ، قلنا لأبي ذر : كيف تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم معه ؟ فقال : ما أنتم وذاك ، إنما ذاك شيىء رخص لنا فيه ، يعني المتعة" .
وقال البزار: "حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل ، عن إبراهيم بن المهاجر، عن أبي بكر التيمي ، عن أبيه والحارث بن سويد قالا : قال أبو ذر : في الحج والمتعة ، رخصة أعطاناها رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
وقال أبو داود : "حدثنا هناد بن السري ، عن ابن أبي زائدة ، أخبرنا محمد إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود، عن سليمان ، أو سليم بن الأسود ، أن أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها إلى عمرة، لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وفي صحيح مسلم : "عن أبي ذر . قال : كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة . وفي لفظ : كانت لنا رخصة، يعني المتعة في الحج " وفي لفظ آخر: "لا تصح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني متعة النساء ومتعة الحج " وفي لفظ آخر: "إنما كانت لنا خاصة دونكم ، يعني متعة الحج ".
وفي سنن النسائي بإسناد صحيح : "عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر، في متعة الحج : ليست لكم ، ولستم منها في شيء ، إنما كانت رخصة لنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" .
وفي سنن أبي داود والنسائي ، "من حديث بلال بن الحارث قال : قلت : يا رسول الله أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة، أم للناس عامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بل لنا خاصة "، ورواه الإمام أحمد .
وفي مسند أبي عوانة بإسناد صحيح : "عن ابراهيم التيمي ، عن أبيه ، قال : سئل عثمان عن متعة الحج فقال : كانت لنا، ليست لكم ".
هذا مجموع ما استدلوا به على التخصيصن بالصحابة .
قال المجوزون للفسخ ، والموجبون له : لا حجة لكم في شيء من
ذلك ، فإن هذه الآثار بين باطل لا يصح عن نسب إليه البتة، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا تعارض به نصوص المعصوم .
أما الأول : فإن المرقع ليس ممن تقوم بروايته حجة، فضلاً عن أن يقدم على النصوص الصحيحة غير المدفوعة . وقد قال أحمد بن حنبل : - وقد عورض بحديثه -: ومن المرقع الأسدي ؟ وقد روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الأمر بفسخ الحج إلى العمرة . وغاية ما نقل عنه ، إن صح : أن ذلك مختص بالصحابة ، فهو رأيه . وقد قال ابن عباس ، وأبو موسى الأشعري : إن ذلك عام للأمة ، فرأي أبي ذر معارض برأيهما ، وسلمت النصوص الصحيحة الصريحة ثم من المعلوم أن دعوى الاختصاص باطلة بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تلك العمرة التي وقع السؤال عنها وكانت عمرة فسخ لأبد الأبد، لا تختص بقرن دون قرن ، وهذا أصح سنداً من المروي عن أبي ذر، وأولى أن توخذ لوصح عنه .
وأيضاً ، فإذا رأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اختلفوا في أمر قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه فعله وأمر به ، فقال بعضهم : إنه منسوخ أو خاص ، وقال بعضهم : هو باق إلى الأبد، فقول من ادعى نسخه أو اختصاصه مخالف للأصل ، فلا يقبل إلا ببرهان ، وإن أقل ما في الباب معارضته بقول من ادعى بقاءه وعمومه ، والحجة تفصل بين المتنازعين والواجب الرد عند التنازع إلى الله ورسوله . فإذا قال أبو ذر وعثمان : إن الفسخ منسوخ أو خاص ، وقال أبو موسى وعبد الله بن عباس : إنه باق وحكمه فعلى من ادعى النسخ والاختصاص الدليل .
وأما حديثه المرفوع - حديث بلال بن الحارث - فحديث لا يكتب ، ولا يعارض بمثله تلك الأساطين الثابتة .
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يرى للمهل بالحج أن يفسخ حجه إن طاف بالبيت وبين الصفا والمروة. وقال في المتعة : هي آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : اجعلوا حجكم عمرة. قال عبد الله : فقلت لأبي : فحديث بلال بن الحارث في فسخ الحج ، يعني قوله : لنا خاصة؟ قال : لا أقول به ، لا يعرف هذا الرجل ، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف ، ليس حديث بلال بن الحارث عندي يثبت . هذا لفظه . قلت : ومما يدل على صحة قول الإمام أحمد، وأن هذا الحديث لا يصح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن تلك المتعة التي أمرهم أن يفسخوا حجهم إليها أنها لأبد الأبد، فكيف يثبت عنه بعد هذا أنها لهم خاصة ؟ هذا من أمحل المحال . وكيف يأمرهم بالفسخ ويقول : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، ثم يثبت عنه أن ذلك مختص بالصحابة دون من بعدهم : فنحن نشهد بالله ، أن حديث بلال بن الحارث هذا، لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه ، وكيف تقدم رواية بلال بن الحارث ، على روايات الثقات الأثبات ، حملة العلم الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلاف روايته ، ثم كيف يكون هذا ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وابن عباس رضي الله عنه يفتي بخلافه . ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون ، ولا يقول له رجل واحد منهم : هذا كان مختصاً بنا، ليس لغيرنا حتى يظهر بعد موت الصحابة، أن أبا ذر كان يرى اختصاص ذلك بهم ؟ وأما قول عثمان رضي الله عنه في متعة الحج : إنها كانت لهم ليست لغيرهم ، فحكمه حكم قول أبي ذر سواء، على أن المروي عن أبي ذر وعثمان يحتمل ثلاثة أمور .
أحدها : اختصاص جواز ذلك بالصحابة ، وهو الذي فهمه من حرم الفسخ .
الثاني : اختصاص وجوبه بالصحابة ، وهو الذي كان يراه شيخنا قدس الله روحه يقول : إنهم كانوا قد فرض عليهم الفسخ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم به ، وحتمه عليهم ، وغضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله . وأما الجواز والاستحباب ، فللأمة إلى يوم القيامة ، لكن أبى ذلك البحر ابن عباس ، وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة ، وأن فرضاً على كل مفرد وقارن لم يسق الهدي ، أن يحل ولا بد، بل قد حل وإن لم يشأ، وأنا إلى قوله أميل مني إلى قول شيخنا.
الاحتمال الثالث : أنه ليس لأحد من بعد الصحابة أن يبتدىء حجاً قارناً أو مفرداً بلا هدي ، بل هذا يحتاج معه إلى الفسخ ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في آخر الأمر من التمتع لمن لم يسق الهدي ، والقران لمن ساق ، كما صح عنه ذلك . وأما أن يحرم بحج مفرد ، ثم يفسخه عند الطواف إلى عمرة مفردة، ويجعله متعة، فليس له ذلك ، بل هذا إنما كان للصحابة ، فإنهم ابتدؤوا الإحرام بالحج المفرد قبل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمتع والفسخ إليه ، فلما استقر أمره بالتمتع والفسخ إليه ، لم يكن لأحد أن يخالفه ويفرد، ثم يفسخه .
وإذا تأملت هذين الاحتماين الأخيرين ، رأيتهما إما راجحين على الإحتمال الأول ، أو مساويين له ، وتسقط معارضة الأحاديث الثابتة الصريحة جملة وبالله التوفيق .
وأما ما رواه مسلم في صحيحه : عن أبي ذر، أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة . فهذا ، إن أريد به أصل المتعة، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين ، بل المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة . وإن أريد به متعة الفسخ ، احتمل الوجوه الثلاثة المتقدمة. وقال الأثرم في سننه : وذكر لنا أحمد بن حنبل ، أن عبد الرحمن بن مهدي حدثه عن سفيان ، عن الأعمش عن إبراهيم التيمي ، عن أبي ذر، في متعة الحج كانت لنا خاصة . فقال أحمد بن حنبل : رحم الله أبا ذر، هي في كتاب الله عز وجل " من تمتع بالعمرة إلى الحج " [ البقرة : 196] .
قال المانعون من الفسخ : قول أبي ذر وعثمان : إن ذلك منسوخ أو خاص بالصحابة، لا يقال مثله بالرأي ، فمع قائله زيادة علم خفيت على من ادعى بقاءه وعمومه ، فإنه مستصحب لحال النص بقاء وعموماً، فهو بمنزلة صاحب اليد في العين المدعاة، ومدعي فسخه واختصاصه بمنزلة صاحب البينة التي تقدم على صاحب اليد .
قال المجوزون للفسخ : هذا قول فاسد لا شك فيه ، بل هذا رأي لا شك فيه ، وقد صرح - بأنه رأي من هو أعظم من عثمان وأبي ذر -عمران بن حصين ، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : "تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل القرآن ، فقال رجل برأيه ما شاء" . ولفظ مسلم : "نزلت آية المتعة في كتاب الله عز وجل : يعني متعة الحج ، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم لم تنزل آية تنسخ متعة الحج ، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء وفي لفظ : يريد عمر".
وقال عبد الله بن عمر لمن سأله عنها، وقال له : إن أباك نهى عنها: أأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق أن يتبع أو أمر أبي ؟ . وقال ابن عباس لمن كان يعارضه فيها بأبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر فهذا جواب العلماء ، لا جواب من يقول : وأبو ذر أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم ، فهلا قال ابن عباس ، وعبد الله بن عمر : أبو بكر وعمر أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا ، ولم يكن أحد من الصحابة ، ولا أحد من التابعين يرضى بهذا الجواب في دفع نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم كانوا أعلم بالله ورسوله ، واتقى له من أن يقدموا على قول المعصوم رأي غير المعصوم ، ثم قد ثبت النص عن المعصوم ، بأنها باقية إلى يوم القيامة، وقد قال ببقائها : علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر، وابن عباس ، وأبو موسى، وسعيد بن المسيب ، وجمهور التابعين ، ويدل على أن ذلك رأي محض لا ينسب إلى أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما نهى عنها قال له أبو موسى الأشعري : يا أمير المؤمنين ما أحدثت في شأن النسك ؟ فقال : إن نأخذ بكتاب ربنا فإن الله يقول : " وأتموا الحج والعمرة لله " [البقرة : 196]، وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل حتى نحر ، فهذا اتفاق من أبي موسى وعمر، على أن منع الفسخ إلى المتعة والإحرام بها ابتداء ، إنما هو رأي منه أحدثه في النسك ، ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن استدل له بما استدل ، وأبو موسى كان يفتي الناس بالفسخ في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كلها، وصدراً من خلافة عمر حتى فاوض عمر رضي الله عنه في نهيه عن ذلك ، واتفقا على أنه رأي أحدثه عمر رضي الله عنه في النسك ، ثم صح عنه الرجوع عنه .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:48 AM

عذر من ادعى معارضة أحاديث الفسخ بما يدل على خلافها

فصل
وأما العذر الثالث : وهو معارضة أحاديث الفسخ بما يدل على خلافها ، فذكروا منها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث الزهري ، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج ، حتى قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أحرم بعمرة ولم يهد ، فليحلل ، ومن أحرم بعمرة وأهدى، فلا يحل حتى ينحر هديه ، ومن أهل بحج ، فليتم حجه ، وذكر باقي الحديث .
ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه أيضاً من حديث مالك ، عن أبي الأسود، عن عروة عنها : "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج ، فأما من أهل بعمرة فحل ، وأما فمن أهل بحج ، أو جمع الحج والعمرة ، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر".
ومنها : ما رواه ابن أبي شيبة: "حدثنا محمد بن بشر العبدي ، عن محمد بن عمرو بن علقمة، حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عائشة، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم للحج على ثلاثة أنواع : فمنا من أهل بعمرة وحجة، ومنا من أهل بحج مفرد، ومنا من أهل بعمرة مفردة، فمن كان أهل بحج وعمرة معاً ، لم يحل من شيء مما حرم منه حتى قضى مناسك الحج ، ومن أهل بحج مفرد، لم يحل من شيء مما حرم منه حتى قضى مناسك الحج ، ومن أهل بعمرة مفردة ، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، حل مما حرم منه حتى استقبل حجا" . ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه "من حديث ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن محمد بن نوفل ، أن رجلاً من أهل العراق ، قال له : سل لي عروة بن الزبير، عن رجل أهل بالحج ، فإذا طاف بالبيت ، أيحل أم لا ؟" فذكر الحديث ، وفيه : "قد حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فأخبرتني عائشة ، أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة، أنه توضأ، ثم طاف بالبيت ، ثم حج أبو بكر ثم كان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة، ثم عمر مثل ذلك ، ثم حج عثمان ، فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة . ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام ، فكان أول شيء الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة . ثم رأيت المهاجرين والأنصار، يفعلون ذلك ، ثم لم تكن عمرة، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر، ثم لم ينقضها بعمرة ، فهذا ابن عمر عندهم ، أفلا يسألونه ؟ ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدؤون بشي حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ، ثم لا يحلون ، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبدآن بشيء أول من الطواف بالبيت ، تطوفان به ثم لا تحلان" .
فهذا مجموع ما عارضوا به أحاديث الفسخ ، ولا معارضة فيها بحمد الله ومنه .
أما الحديث الأول وهو حديث الزهري ، عن عروة، عن عائشة فغلط فيه عبد الملك بن شعيب ، أو أبوه شعيب ، أو جده الليث ، أو شيخه عقيل ، فإن الحديث رواه مالك ومعمر ، والناس ، عن الزهري ، عن عروة ، عنها ، وبينوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى، أن يحل . فقال مالك : عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عنها، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين لذي القعدة، ولا نرى إلا الحج ، فلما دنونا من مكة ، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن معه هدي ، إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، أن يحل وذكر الحديث . قال يحيى : فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد، فقال : أتتك والله بالحديث على وجهه .
وقال منصور: عن إبراهيم ، عن الأسود، عنها، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نرى إلا الحج ، فلما قدمنا، تطوفنا بالبيت ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن ساق الهدي ، أن يحل ، فحل من لم يكن ساق الهدي ، ونساؤه لم يسقن فأحللن .
وقال مالك ومعمر كلاهما عن ابن شهاب ، عن عروة، عنها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من كان معه هدي ، فليهل بالحج مع العمرة، ولا يحل حتى يحل منهما جميعاً" .
وقال ابن شهاب : عن عروة عنها، بمثل الذي أخبر به سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولفظه :" تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، فأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ، فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى، فساق معه الهدي ، ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة، قال للناس : من كان منكم أهدى، فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وليقصر وليحل ، ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد هدياً ، فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله " ، وذكر باقي الحديث .
وقال عبد العزيز الماجشون : "عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن عائشة، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا نذكر إلا الحج .... "فذكر الحديث . وفيه ، قالت : "فلما قدمت مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اجعلوها عمرة، فأحل الناس إلا من كان معه الهدي ".
وقال الأعمش : "عن إبراهيم ، عن عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وآله وسلم لا نذكر إلا الحج ، فلما قدمنا ، أمرنا أن نحل وذكر الحديث ، وقال عبد الرحمن بن القاسم : عن أبيه ، عن عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا سرف ، طمثت . قالت : فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي . فقال : ما يبكيك ؟ قالت : فقلت : والله لوددت أني لا أحج العام ...... "فذكر الحديث . وفيه : "فلما قدمت مكة ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اجعلوها عمرة ، قالت : فحل الناس إلا من كان معه الهدي" .
وكل هذه الألفاظ في الصحيح ، وهذا موافق لما رواه جابر ، وابن عمر ، وأنس ، وأبو موسى ، وابن عباس ، وأبو سعيد ، وأسماء ، والبراء ، وحفصة ، وغيرهم ، من أمره صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه كلهم بالإحلال ، إلا من ساق الهدي ، وأن يجعلوا حجهم عمرة . وفي اتفاق هؤلاء كلهم ، على أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أصحابه كلهم أن يحلوا، وأن يجعلوا الذي قدموا به متعة، إلا من ساق الهدي ، دليل على غلط هذه الرواية، ووهم وقع فيها، يبين ذلك أنها من رواية الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن عروة، والليث بعينه هو الذي روى عن عقيل ، عن الزهري ، عن عروة، عنها مثل ما رواه ، عن الزهري عن سالم ، عن أبيه ، في تمتع النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وأمره لمن لم يكن أهدى أن يحل .
ثم تأملنا، فإذا أحاديث عائشة يصدق بعضها بعضاً ، وإنما بعض الرواة زاد على بعض ، وبعضهم اختصر الحديث ، وبعضهم اقتصر على بعضه ، وبعضهم رواه بالمعنى. والحديث المذكور ليس فيه منع من أهل بالحج من الإحلال ، وإنما فيه أمره أن يتم الحج ، فإن كان هذا محفوظاً ، فالمراد به بقاؤه على إحرامه ، فيتعين أن يكون لهذا قبل الأمر بالإحلال ، وجعله عمرة ، ويكون هذا أمرا زائداً قد طرأ على الأمر بالإتمام ، كما طرأ على التخيير بين الإفراد والتمتع والقران ، ويتعين هذا ولا بد، وإلا كان هذا ناسخاً للأمر بالفسخ ، والأمر بالفسخ ناسخاً للإذن بالإفراد، وهذا محال قطعاً، فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقضه ، والبقاء على الإحرام الأول ، هذا باطل قطعاً ، فيتعين إن كان محفوظاً أن يكون قبل الأمر لهم بالنسخ ، ولا يجوز غير هذا البتة، والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:49 AM

رد المصنف على من قال بالفسخ

فصل
وأما حديث أبي الأسود، عن عروة، عنها . وفيه : "وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر". وحديث "يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها: فمن كان أهل بحج وعمرة معاً ، لم يحل من شيء مما حرم منه حتى يقضي مناسك الحج ، ومن أهل بحج مفرد كذلك ". فحديثان ، قد أنكرهما الحفاظ ، وهما أهل أن ينكرا ، قال الأثرم : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك بن أنس ، عن أبي الأسود، عن عروة ، عن عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فمنا من أهل بالحج ، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة ، وأهل بالحج رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ، فأما من أهل بالعمرة، فأحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، وأما من أهل بالحج والعمرة ، فلم يحلوا إلى يوم النحر، فقال أحمد بن حنبل : أيش في هذا الحديث من العجب ، هذا خطأ، فقال
الأثرم : فقلت له : الزهري ، عن عروة، عن عائشة، بخلافه ؟ فقال : نعم ، وهشام بن عروة . وقال الحافظ أبو محمد بن حزم : هذان حديثان منكران جداً ، قال : ولأبي الأسود في هذا النحو حديث لا خفاء بنكرته ، ووهنه ، وبطلانه .
والعجب كيف جاز على من رواه ؟ ثم ساق من طريق البخاري عنه ، أن عبد الله مولى أسماء، حدثه أنه كان يسمع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما تقول كلما مرت بالحجون : صلى الله على رسوله : لقد نزلنا معه هاهنا ، ونحن يومئذ خفاف ، قليل ظهرنا ، قليلة أزوادنا ، فاعتمرت أنا وأختي عائشة ، والزبير، وفلان ، وفلان . فلما مسحنا البيت ، أحللنا ثم أهللنا من العشي بالحج . قال وهذه وهلة لاخفاء بها على أحد ممن له أقل علم بالحديث لوجهين باطلين فيه بلا شك .
أحدهما : قوله : فاعتمرت أنا وأختي عائشة، ولا خلاف بين أحد من أهل النقل ، في أن عائشة لم تعتمر في أول دخولها مكة، ولذلك أعمرها من بعد تمام الحج ليلة الحصبة، هكذا رواه جابر بن عبد الله ، ورواه عن عائشة الأثبات ، كالأسود بن يزيد، وابن أبي مليكة، والقاسم بن محمد، وعروة ، وطاووس ، ومجاهد .
الموضع الثاني : قوله فيه : فلما مسحنا البيت ، أحللنا، ثم أهللنا من العشي بالحج ، وهذا باطل لا شبه فيه ، لأن جابراً، وأنس بن مالك ، وعائشة ، وابن عباس ، كلهم رووا أن الإحلال كان يوم دخولهم مكة ، وأن إحلالهم بالحج كان يوم التروية ، وبين اليومين المذكورين ثلاثة أيام بلا شك .
قلت : الحديث ليس بمنكر ولا باطل ، وهو صحيح وإنما أتي أبو محمد فيه من فهمه ، فإن أسماء أخبرت أنها اعتمرت هي وعائشة، وهكذا وقع بلا شك . وأما قولها: فلما مسحنا البيت أحللنا، فإخبار منها عن نفسها، وعمن لم يصبه عذر الحيض الذي أصاب عائشة، وهي لم تصرح بأن عائشة مسحت البيت يوم دخولهم مكة ، وأنها حلت ذلك اليوم ، ولا ريب أن عائشة قدمت بعمرة ، ولم تزل عليها حتى حاضت بسرف ، فأدخلت عليها الحج ، وصارت قارنة . فإذا قيل : اعتمرت عائشة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو قدمت بعمرة، لم يكن هذا كذباً.
وأما قولها : ثم أهللنا من العشي بالحج ، فهي لم تقل : إنهم أهلوا من عشي يوم القدوم ، ليلزم ما قال أبو محمد ، وإنما أرادت عشي يوم التروية . ومثل هذا لا يحتاج في ظهوره وبيانه إلى أن يصرح فيه بعشي ذلك اليوم بعينه ، لعلم الخاص والعام به ، وأنه مما لا تذهب الأوهام إلى غيره ، فرد أحاديث الثقات بمثل هذا الوهم مما لا سبيل إليه .
قال أبو محمد: وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة، يعني اللذين أنكرهما ، أن تخرج روايتهما على أن المراد بقولها : إن الذين أهلوا بحج ، أو بحج وعمرة، لم يحلوا حتى كان يوم النحر حين قضوا مناسك الحج ، إنما عنت بذلك من كان معه الهدي ، وبهذا تنتفي النكرة عن هذين الحديثين ، وبهذا تأتلف الأحاديث كلها ، لأن الزهري عن عروة يذكر خلاف ما ذكره أبو الأسود عن عروة ، والزهري بلا شك أحفظ من أبي الأسود ، وقد خالف يحيى بن عبد الرحمن عن عائشة في هذا الباب من لا يقرن يحيى بن عبد الرحمن إليه ، لا في حفظ ، ولا في ثقة، ولا في جلالة، ولا في بطانة لعائشة، كالأسود بن يزيد، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبي عمرو ذكوان مولى عائشة، وعمرة بنت عبد الرحمن ، وكانت في حجر عائشة، وهؤلاء هم أهل الخصوصية والبطانة بها ، فكيف ؟ ولو لم يكونوا كذلك ، لكانت روايتهم أو رواية واحد منهم ، لو انفرد هي الواجب أن يؤخذ بها ، لأن فيها زيادة على رواية أبي الأسود ويحيى ، وليس من جهل ، أو غفل حجة على من عالم ، وذكر وأخبر، فكيف وقد وافق هؤلاء الجلة عن عائشة فسقط التعتق بحديث أبي الأسود ويحيى اللذين ذكرنا . قال. وأيضاً، فإن حديثي أبي الأسود ويحيى، موقوفان غير مسندين، لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من فعل ما ذكرت ، دون أن يذكرا أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمرهم أن لا يحلوا، ولا حجة في أحد دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلو صح ما ذكراه ، وقد صح أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لا هدي معه بالفسخ ، فتمادى المأمورون بذلك ، ولم يحلوا لكانوا عصاة لله تعالى ، وقد أعاذهم الله من ذلك ، وبرأهم منه ، فثبت يقيناً أن حديث أبي الأسود ويحيى، إنما عني فيهما : من كان معه هدي ، وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح التي أوردناها، بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر من معه الهدي ، بأن يجمع حجاً مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً. ثم ساق من طريق مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عنها ترفعه "من كان معة هدي ، فليهلل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً" قال : فهذا الحديث كما ترى، من طريق عن عائشة، يبين ما ذكرنا أنه المراد بلا شك ، في حديث أبي الأسود، عن عروة وحديث يحيى عن عائشة ، و ارتفع الآن الإشكال جملة ، والحمد لله رب العالمين .
قال : ومما يبين أن في حديث أبي الأسود حذفاً قوله فيه : عن عروة " أن أمه وخالته والزبير، أقبلوا بعمرة فقط ، فلما مسحوا الركن ، حلوا" . ولا خلاف بين أحد، أن من أقبل بعمرة لا يحل بمسح الركن ، حتى يسعى بين الصفا والمروة بعد مسح الركن ، فصح أن في الحديث حذفاً بينه سائر الأحاديث الصحاح التي ذكرنا وبطل التشغب به جملة، وبالله التوفيق.

اسير الصحراء 04-30-2006 01:50 AM

فصل
وأما ما في حديث أبي الأسود، عن عروة، من فعل أبي بكر ، وعمر ، والمهاجرين ، والأنصار ، وابن عمر، فقد أجابه ابن عباس فأحسن جوابه ، فيكتفى بجوابه . فروى الأعمش ، عن فضيل بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عروة: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة .
فقال ابن عباس : أراكم ستهلكون ، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول : قال أبو بكر وعمر .
وقال عبد الرازق : حدثنا معمر، عن أيوب ، قال : قال عروة لابن عباس : ألا تتقي الله ترخص في المتعة؟فقال ابن عباس : سل أمك يا عرية. فقال عروة: أما أبو بكر وعمر، فلم يفعلا، فقال ابن عباس : والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ، أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثحدثونا عن أبي بكر وعمر؟ فقال عروة : لهما أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتبع لها منك .
وأخرج أبو مسلم الكجي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، قال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : تأمر الناس بالعمرة في هؤلاء العشر، وليس فيها عمرة؟ قال : أولا تسأل أمك عن ذلك ؟ قال عروة : فإن أبا بكر وعمر لم يفعلا ذلك ، قال الرجل : من هاهنا هلكتم ، ما أرى الله عز وجل إلا سيعذبكم ، إني أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتخبروني بأبي بكر وعمر . قال عروة : إنهما والله كانا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، فسكت الرجل . ثم أجاب أبو محمد بن حزم عروة عن قوله هذا، بجواب نذكره ، ونذكر جواباً أحسن منه لشيخنا .
قال أبو محمد : ونحن نقول لعروة : ابن عباس أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبأبي بكر وعمر منك ، وخير منك ، وأولى بهم ثلاثتهم منك ، لا يشك في ذلك مسلم . وعائشة أم المؤمنين ، أعلم وأصدق منك . ثم ساق من طريق الثوري ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الله قال : قالت عائشة : من استعمل على الموسم ؟ قالوا : ابن عباس . قالت : هو أعلم الناس بالحج . قال أبو محمد : مع أنه قال عنها خلاف ما قاله عروة، ومن هو خير من عروة، وأفضل ، وأعلم ، وأصدق ، وأوثق . ثم ساق من طريق البزار، عن الأشج ، عن عبد الله بن إدريس الأودي عن ليث ، عن عطاء، وطاووس ، عن ابن عباس : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر . وأول من نهى عنها ، معاوية .
ومن طريق عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن ليث ، عن ابن عباس : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر . حتى مات ، وعمر، وعثمان كذلك . وأول من نهى عنها ، معاوية .
قلت : حديث ابن عباس هذا، رواه الإمام أحمد في المسند والترمذي . وقال : حديث حسن .
وذكر عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر عن ابن طاووس ، عن أبيه ، قال أبي بن كعب ، وأبو موسى لعمر بن الخطاب : ألا تقوم فتبين للناس أمر المتعة ؟ فقال عمر : وهل بقي أحد إلا وقد علمها، أما أنا فأفعلها .
وذكر علي بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان ، أو حميد، عن الحسن ، أن عمر أراد أن يأخذ مال الكعبة، وقال : الكعبة غنية عن ذلك المال ، وأراد أن ينهى أهل اليمن أن يصبغوا بالبول ، وأراد أن ينهى عن متعة الحج ، فقال أبي بن كعب : قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا المال ، وبه وبأصحابه الحاجة إليه ، فلم يأخذه ، وأنت فلا تأخذه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يلبسون الثياب اليمانية ، فلم ينه عنها، وقد علم أنها تصبغ بالبول ، وقد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينه عنها، ولم ينزل الله تعالى فيها نهياً .
وقد تقدم قول عمر: لو اعتمرت في وسط السنة، ثم حججت ، لتمتعت ، ولو حججت خمسين حجة، لتمتعت . ورواه حماد بن سلمة. عن قيس ، عن طاووس ، عن ابن عباس ، عنه : لو اعتمرت في سنة مرتين ، ثم حججت ، لجعلت مع حجتي عمرة . والثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن طاووس ، عن ابن عباس ، عنه : لو اعتمرت ، ثم اعتمرت ، ثم حججت ، لتمتعت . وابن عيينة : عن هشام بن حجير ، وليث ، عن طاووس ، عن ابن عباس ، قال : هذا الذي يزعمون أنه نهى عن المتعة - يعني عمر -سمعته يقول : لو اعتمرت ، ثم حججت ، لتمتعت . قال ابن عباس : كذا وكذا مرة، ما تمت حجة رجل قط إلا بمتعة .
وأما الجواب الذي ذكره شيخنا، فهو أن عمر رضي الله عنه ، لم ينه عن المتعة البتة ، وإنما قال : إن أتم لحجكم وعمرتكم أن تفصلوا بينهما ، فاختار عمر لهم أفضل الأمور ، وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده ، وهذا أفضل من القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى ، وقد نص على ذلك : أحمد ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي رحمهم الله تعالى وغيرهم . وهذا هو الإفراد الذي فعله أبو بكر وعمر رضي عنهما ، وكان عمر يختاره للناس ، وكذلك علي رضي الله عنهما.
وقال عمر وعلي رضي الله عنهما في قوله تعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " [البقرة : 196] قالا : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة في عمرتها: " أجرك على قدر نصبك " فإذا رجع الحاج إلى دويرة أهله ، فأنشأ العمرة منها، واعتمر قبل أشهر الحج ، وأقام حتى يحج ، أو اعتمر في اشهره ، ورجع إلى أهله ، ثم حج ، فها هنا قد أتي بكل واحد من النسكين من دويره أهله ، وهذا إتيان بهما على الكمال ، فهو أفضل من غيره .
قلت : فهذا الذي اختاره عمر للناس ، فظن من غلط منهم أنه نهى عن المتعة ، ثم منهم من حمل نهيه على متعة الفسخ ، ومنهم من حمله على ترك الأولى ترجيحاً للإفراد عليه ، ومنهم من عارض النهي عنه بروايات الإستحباب ، وقد ذكرناها ، ومنهم من جعل النهي قولاً قديماً ، ورجع عنه أخيراً ، كما سلك أبو محمد بن حزم ، ومنهم من يعد النهي رأياً من عنده لكراهته أن يظل الحاج معرسين بنسائهم في ظل الأراك .
قال أبو حنيفة : عن حماد ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن زيد ، قال : بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية عرفة . فإذا هو برجل مرجل شعرة ، يفوح منه ريح الطيب ، فقال له عمر : ما هيئتك بهيئة محرم ، إنما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر , قال : إني قدمت متمتعاً ، وكان معي أهلي ، وإنما أحرمت اليوم . فقال عمر عند ذلك : لا تتمتعوا في هذه الأيام ، فإني لو رخصت في المتعة لهم ، لعرسوا بهن في الأراك ، ثم راحوا بهن حجاجاً , وهذا يبين ، أن هذا من عمر رأي رآه .
قال ابن حزم : فكان ماذا ؟ وحبذا ذلك ؟ وقد طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه ، ثم أصبح محرماً ، ولا خلاف أن الوطء مباح قبل الإحرام بطرفة عين والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:51 AM

بقية طرق المانعين من فسخ الحج إلى العمرة

فصل
وقد سلك المانعون من الفسخ طريقتين أخريين ، نذكرهما ونبين فسادهما .
الطريقة الأولى : قالوا : إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ ، فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة عما لا يجوز فيها عند كثير من أهل العلم ، بل أكثرهم .
والطريقة الثانية : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج ، لأن أهل الجاهلية كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج ، وكانوا يقولون : إذا برأ الدبر، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر ، فقد حلت العمرة لمن اعتمر، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ ، ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج ، وهاتان الطريقتان باطلتان .
أما الأولى : فلأن الاحتياط إنما يشرع ، إذا لم تتبين السنة، فإذا تبينت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها، فإن كان تركها لأجل الاختلاف احتياطاً ، فترك ما خالفها واتباعها ، أحوط وأحوط ، فالاحتياط نوعان : احتياط للخروج من خلاف العلماء، واحتياط للخروج من خلاف السنة، ولا يخفى رجحان أحدهما على الآخر .
وأيضاً ، فإن الاحتياط ممتنع هنا ، فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال : أحدها : أنه محرم .
الثاني : أنه واجب ، وهو قول جماعة من السلف والخلف .
الثالث : أنه مستحب ، فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمه أولى بالاحتياط بالخروج من خلاف من أوجبه . وإذا تعذر الاحتياط بالخروح من الخلاف ، تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:52 AM

بطلان قول من قال أمرهم صلى الله عليه وسلم ليبين جواز العمرة في أشهر الحج

فصل
وأما الطريقة الثانية : فأظهر بطلاناً من وجوه عديدة .
أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ذلك عمره الثلاث في أشهر الحج في ذي القعدة ، كما تقدم ذلك ، وهو أوسط أشهر الحج . فكيف تظن أن الصحابة لم يعلموا جواز الاعتمار في أشهر الحج إلا بعد أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ، وقد تقدم فعله لذلك ثلاث مرات ؟ الثاني : أنه قد ثبت في الصحيحين ، أنه قال لهم عند الميقات : "من شاء أن يهل بعمرة فليفعل ، ومن شاء أن يهل بحجة فليفعل ، ومن شاء أن يهل بحج وعمرة فليفعل " فبين لهم جواز الاعتمار في أشهر الحج عند الميقات ، وعامة المسلمين معه ، فكيف لم يعلموا جوازها إلا بالفسخ ؟ ولعمر الله إن لم يكونوا يعلمون جوازها بذلك ، فهم أجدر أن لا يعلموا جوازها بالفسخ .
الثالث : أنه أمر من لم يسق الهدي أن يتحلل ، وأمر من ساق الهدي أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ، ففرق بين محرم ومحرم ، وهذا يدل على أن سوق الهدي هو المانع من التحلل ، لا مجرد الإحرام الأول ، والعلة ذكروها لا تختص بمحرم دون محرم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل التأثيرفي الحل وعدمه للهدي وجوداً وعدماً لا لغيره.
الرابع : أن يقال : إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قصد مخالفة المشركين ، كان هذا دليلاً على أن الفسخ أفضل لهذه العلة ، لأنه إذا كان إنما أمرهم بذلك لمخالفة المشركين ، كان يكون دليلاً على أن الفسخ يبقى مشروعاً إلى يوم القيامة إما وجوباً، أو استحباباً ، فإن المشركين كانوا يفيضون من عرفة قبل غروب الشمس ، وكانوا لا يفيضون من مزدلفة حتى تطلع الشمس ، وكانوا يقولون : أشرق ثبير كيما نعير فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : " خالف هدينا هدي المشركين ، فلم نفض من عرفة حتى غربت الشمس ".
وهذه المخالفة، إما ركن ، كقول مالك ، وإما واجب يجبره دم ، كقول أحمد ، وأبي حنيفة ، والشافعي في أحد القولين ، وإما سنة ، كالقول الآخر له .
والإفاضة من مزدلفة قبل طلوع الشمس سنة باتفاق المسلمين ، وكذلك قريش كانت لا تقف بعرفة ، بل تفيض من جمع ، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقف بعرفات ، وأفاض منها ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " [ البقرة : 199] وهذه المخالفة من أركان الحج باتفاق المسلمين ، فالأمور التي نخالف فيها المشركين هي الواجب أو المستحب ، ليس فيها مكروه ، فكيف يكون فيها محرم ، وكيف يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بنسك يخالف نسك المشركين ، مع كون الذي نهاهم عنه ، أفضل من الذي أمرهم به . أو يقال : من حج كما حج المشركون فلم يتمتع ، فحجه أفضل من حج السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الخامس: أنه قد ثبت في الصحيحين عنه ، أنه قال : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة . وقيل له : عمرتنا هذه لعامنا هذا، أم للأبد ؟ فقال : لا ، بل لأبد الأبد ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" .
وكان سؤالهم عن عمرة الفسخ ، كما جاء صريحاً في حديث جابر الطويل . قال : حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، قال :" لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، لم أسق الهدي، ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي ، فليحل ، وليجعلها عمرة" ، فقام سراقة بن مالك فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا ، أم للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : "دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا بل لأبد الأبد". وفي لفظ : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فأمرنا أن نحل ، فقلنا: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا ، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني .......فذكر الحديث . وفيه : فقال سراقة بن مالك : لعامنها هذا أم للأبد ؟ فقال : " للأبد " .
وفي صحيح البخاري عنه : "أن سراقة قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ألكم خاصة هذه يا رسول الله ؟ قال : بل للأبد" فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن تلك العمرة التي فسخ من فسخ منهم حجة إليها للأبد، وأن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة . وهذا يبين ، أن عمرة التمتع بعض الحج .
وقد اعترض بعض الناس على الاستدلال بقوله : "بل لأبد الأبد " باعتراضين ، أحدهما : أن المراد، أن سقوط الفرض بهذا لايختص بذلك العام ، بل يسقطه إلى الأبد ، وهذا الإعتراض باطل ، فإنه لو أراد ذلك لم يقل : للأبد ، فإن الأبد لا يكون في حق طائفة معينة ، ، بل إنما يكون لجميع المسلمين ، ولأنه قال : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، ولأنهم لو أرادوا بذلك السؤال عن تكرار الوجوب ، لما اقتصروا على العمرة، بل كان السؤال عن الحج ، ولأنهم قالوا له : "عمرتنا هذه لعامنا هذا ، أم للأبد؟ " ولو أرادوا تكرار وجوبها كل عام لقالوا له ، كما قالوا له في الحج : أكل عام يا رسول الله ؟ ولأجابهم بما أجابهم به في الحج بقوله : "ذروني ما تركتكم . لو قلت : نعم لوجبت ". ولأنهم قالوا له : هذه لكم خاصة . فقال : "بل لأبد الأبد" ، فهذا السؤال والجواب ، صريح عدم الاختصاص . الثاني : قوله : إن ذلك إنما يريد به جواز الإعتمار في أشهر الحج ، وهذا الاعتراض أبطل من الذي قبله ، فإن السائل إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم فيه عن المتعة التي هي فسخ الحج ، لا عن جواز العمرة في أشهر الحج ، لأنه إنما سأله عقب أمره من لا هدي معه بفسخ الحج ، فقال له سراقة حينئذ : هذا لعامنا هذا أم للأبد ؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفس ما سأله عنه ، لا عما لم يسأله عنه . وفي قوله : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة "، عقب أمره من لا هدي معه بالإحلال ، بيان جلي أن ذلك مستمر إلى يوم القيامة ، فبطل دعوى الخصوص ، وبالله التوفيق .
السادس : أن هذه العلة التي ذكرتموها، ليست في الحديث ، ولا فيه إشارة إليها، فإن كانت باطلة، بطل اعتراضكم بها، وإن كانت صحيحة، فإنها لا تلزم الاختصاص بالصحابة بوجه ببن الوجوه ، بل إن صحت اقتضت دوام معلولها واستمراره ، كما أن الرمل شرع ليري المشركين قوته وقوة أصحابه ، واستمرت مشروعيته إلى يوم القيامة ، فبطل الاحتجاح بتلك العلة على الاختصاص بهم على كل تقدير .
السابع : أن الصحابة رضي الله عنهم ، إذا لم يكتفوا بالعلم بجواز العمرة في أشهر الحج على فعلهم لها معه ثلاثة أعوام ، ولا بإذنه لهم فيها عند الميقات حتى أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة، فمن بعدهم أحرى أن لا يكتفي بذلك حتى يفسخ الحج إلى العمرة، اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واقتداء بأصحابه ، إلا أن يقول قائل : إنا نحن نكتفي من ذلك بدون ما اكتفى به الصحابه ، ولا نحتاج في الجواز إلى ما احتاجوا هم إليه ، وهذا جهل نعوذ بالله منه .
الثامن : أنه لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يأمر أصحابه بالفسخ الذي هو حرام ، ليعلمهم بذلك مباحاً يمكن تعليمه بغير ارتكاب هذا المحظور، وبأسهل منه بياناً ، وأوضح دلالة ، وأقل كلفة .
فإن قيل : لم يكن الفسخ حين أمرهم به حراماً. قيل : فهو إذاً إما واجب أو مستحب . وقد قال بكل واحد منهما طائفة ، فمن الذي حرمه بعد إيجابه أو استحبابه ، وأي نص أو إجماع رفع هذا الوجوب أو الاستحباب ، فهذه مطالبة لا محيص عنها.
التاسع : أنه صلى الله عليه وسلم قال : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة "، أفترى تجدد له صلى الله عليه وسلم عند ذلك العلم بجواز العمرة في أشهر الحج ، حتى تأسف على فواتها ؟ هذا من أعظم المحال .
العاشر: أنه أمر بالفسخ إلى العمرة، من كان أفرد، ومن قرن ، ولم يسق الهدي . ومعلوم : أن القارن قد اعتمر في أشهر الحج مع حجته ، فكيف يأمره بفسخ قرانه إلى عمرة ليبين له جواز العمرة في أشهر الحج ، وقد أتى بها، وضم إليها الحج ؟.
الحادي عشر: أن فسخ الحج إلى العمرة ، موافق لقياس الأصول ، لا مخالف له . ولو لم يرد به النص ، لكان القياس يقتضي جوازه ، فجاء النص به على وفق القياس ، قاله شيخ الإسلام ، وقرره بأن المحرم إذا التزم أكثر مما كان لزمه ، جاز باتفاق الأئمة . فلو أحرم بالعمرة، ثم أدخل عليها الحج ، جاز بلا نزاع ، وإذا أحرم بالحج ، ثم أدخل عليه العمرة، لم يجز عند الجمهور، وهو مذهب مالك ، وأحمد، والشافعي في ظاهر مذهبه ، وأبو حنيفة يجوز ذلك ، بناء على أصله في أن القارن يطوف طوافين ، ويسعى سعيين . قال : وهذا قياس الرواية المحكية عن أحمد في القارن : أنه يطوف طوافين ، ويسعى سعيين . وإذا كان كذلك ، فالمحرم بالحج لم يلتزم إلا الحج . فإذا صار متمتعاً ، صار ملتزماً لعمرة وحج ، فكان ما التزمه بالفسخ أكثر مما كان عليه ، فجاز ذلك . ولما كان أفضل كان مستحباً ، وإنما أشكل هذا على من ظن أنه فسخ حجاً إلى عمرة، وليس كذلك ، فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة، لم يجز بلا نزاع ، وإنما الفسخ جائز لمن كان من نيته أن يحج بعد العمرة، والمتمتع من حين يحرم بالعمرة فهو داخل في الحج ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" . ولهذا، يجوز له أن يصوم الأيام الثلاثة من حين يحرم بالعمرة، فدل على أنه في تلك الحال في الحج . وأما إحرامه بالحج بعد ذلك ، فكما يبدأ الجنب بالوضوء ، ثم يغتسل بعده . وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل . إذا اغتسل من الجنابة . وقال للنسوة في غسل ابنته :" ابدأن بميامنها ، ومواضع الوضوء منها " . فغسل مواضع الوضوء بعض الغسل .
فإن قيل : هذا باطل لثلاثة أوجه . أحدهما : أنه إذا فسخ ، استفاد بالفسخ حلاً كان ممنوعاً منه بإحرامه الأول، فهو دون ما التزمه .
الثاني : أن النسك الذي كان قد التزمه أولاً ، أكمل من النسك الذي فسخ إليه ، ولهذا لا يحتاج الأول إلى جبران ، والذي يفسخ إليه ، يحتاج إلى هدي جبراناً له ، وننسك لا جبران فيه ، أفضل من نسك مجبور .
الثالث : أنه إذا لم يجز إدخال العمرة على الحج ، فلأن لا يجوز إبدالها به وفسخه إليها بطريق الأولى والأحرى .
فالجواب عن هذه الوجوه ، من طريقين ، مجمل ومفصل . أما المجمل : فهو أن هذه الوجوه اعتراضات على مجرد السنة ، والجواب عنها بالتزام تقديم الوحي على الآراء ، وأن كل رأي يخالف السنة ، فهو باطل قطعاً ، وبيان بطلانه لمخالفة السنة الصريحة له ، والآراء تبع للسنة ، وليست السنة تبعاً للآراء .
وأما المفصل : وهو الذي نحن بصدده ، فإنا التزمنا أن الفسخ على وفق القياس ، فلا بد من الوفاء بهذا الإلتزام ، وعلى هذا فالوجه الأول جوابه : بأن التمتع -وإن تحلله التحلل-فهو أفضل من الإفراد الذي لا حل فيه ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لا هدي معه بالإحرام به ، ولأمره أصحابه بفسخ الحج إليه ، ولتمنيه أنه كان أحرم به ، ولأنه النسك المنصوص عليه في كتاب الله ، ولأن الأمة أجمعت على جوازه ، بل على استحبابه ، واختلفوا في غيره على قولين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، غضب حين أمرهم بالفسخ إليه بعد الإحرام بالحج ، فتوقفوا ، ولأنه من المحال قطعاً أن تكون له حجة قط أفضل من حجة خير القرون ، وأفضل العالمين مع نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وقد أمرهم كلهم بأن يجعلونها متعة إلا من ساق الهدي ، فمن المحال أن يكون غير هذا الحج أفضل منه ، إلا حج من قرن وساق الهدي ، كما اختاره الله سبحانه لنبيه ، فهذا هو الذي اختاره الله لنبيه ، واختار لأصحابه التمتع ، فأي حج أفضل من هذين . ولأنه من المحال أن ينقلهم ينقلهم من النسك الفاضل المرجوح ، ولوجوه أخر كثيرة ليس هذا موضعها، فرجحان هذا النسك أفضل من البقاء على الإحرام يفوته بالفسخ ، وقد تبين بهدا بطلان الوجه الثاني .
وأما قولكم : إنه نسك مجبور بالهدي ، فكلام باطل من وجوه .
أحدها: أن الهدي في التمتع عبادة مقصودة، وهو من تمام النسك ، وهو دم شكران لا دم جبران ، وهو بمنزلة الأضحية للمقيم ، وهو من عبادة هذا اليوم ، فالنسك المشتمل على الدم ، بمنزلة العيد المشتمل على الأضحية، فإنه ما تقرب إلى الله في ذلك اليوم ، بمثل إراقة دم سائل .
وقد روى الترمذي وغيره ، من حديث أبي بكر الصديق ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الحج أفضل ؟ فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : "العج والثج" . والعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج : إراقة دم الهدي . فإن قيل : يمكن المفرد أن يحصل هذه الفضيلة . قيل : مشروعيتها إنما جاءت في حق القارن والمتمتع ، وعلى تقدير استحبابها في حقه ، فأين ثوابها من ثواب هدي المتمتع والقارن ؟ الوجه الثاني : إنه لو كان دم جبران ، لما جاز الأكل منه ، وقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل من هديه ، فإنه أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر ، فأكل من لحمها، وشرب من مرقها . وإن كان الواجب عليه سبع بدنة ، فإنه أكل من كل بدنة من المائة، والواجب فيها مشاع لم يتعتين بقسمة.
وأيضاً : فإنه قد ثبت في الصحيحين : "أنه أطعم نساءه من الهدي الذي ذبحة عنهن وكن متمتعات "، احتج به الإمام أحمد، فثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، "أنه أهدى عن نسائه ثم أرسل إليهن من الهدي الذي ذبحه عنهن" . وأيضاً فإن الله سبحانه وتعالى قال فيما يذبح بمنى من الهدي : " فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير " [الحج : 28] وهذا يتناول هدي التمتع والقران قطعاً إن لم يختص به ، فإن المشروع هناك ذبح هدي المتعة والقرآن . ومن ها هنا والله أعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر امتثالاً لأمر ربه بالأكل ليعم به بالأكل ليعم به جميع هديه .
الوجه الثالث : أن سبب الجبران محظور في الأصل ، فلا يجوز الإقدام عليه إلا لعذر ، فإنه إما ترك واجب ، أو فعل محظور ، والتمتع مأمور به ، إما أمر إيجاب عند طائفة كابن عباس وغيره ، أو أمر استحباب عند الأكثرين ، فلو كان دمه دم جبران ، لم يجز الإقدام على سببه بغير عذر، فبطل قولهم : إنه دم جبران ، وعلم أنه دم نسك ، وهذا وسع الله به على عباده ، وأباح لهم بسببه التحلل في أثناء الإحرام لما في استمرار الإحرام عليهم من المشقة ، فهو بمنزلة القصر والفطر في السفر ، وبمنزلة المسح على الخفين ، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه فعل هذا وهذا " والله تعالى يحب أن يؤخذ برخصه ، كما يكره أن تأتي معصيته " . فمحبته لأخذ العبد بما يسره عليه وسهله له ، مثل كراهته منه لارتكاب ما حرمه عليه ومنعه منه . والهدي وإن كان بدلاً عن ترفهه بسقوط أحد السفرين ، فهو أفضل لمن قدم في أشهر الحج من أن يأتي بحج مفرد ويعتمر عقيبه ، والبدل قد يكون واجباً كالجمعة عند عن جعلها بدلاً ، وكالتيمم للعاجز عن استعمال الماء ، فإنه واجب عليه وهو بدل ، فإذا كان البدل قد يكون واجباً ، فكونه مستحباً أولى بالجواز ، وتخلل التحلل لا يمنع أن يكون الجميع عبادة واحدة كطواف الإفاضة ، فإنه ركن بالإتفاق ، ولا يفعل إلا بعد التحلل الأول ، وكذلك رمي الجمار أيام منى ، وهو يفعل بعد الحل التام ، وصم رمضان يتخلله الفطر في لياليه ، ولا يمنع أن يكون يكون عبادة واحدة . والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:53 AM

فصل في ادخال العمرة بالحج

فصل
وأما قولكم : إذا لم يجز إدخال العمرة على الحج ، فلأن لا يجوز فسخه إليها أولى وأحرى ، فنسمع جعجعة ولا نرى طحناً . وما وجه التلازم بين الأمرين ، وما الدليل على هذه الدعوى التي ليست بأيديكم برهان عليها ؟ ثم القائل بهذا إن كان من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ، فهو غير معتاد بفساد هذا القياس .
وإن كان من غيرهم ، طولب بصحة قياسه فلا يجد إليه سبيلاً ، ثم يقال : مدخل العمرة قد نقص مما كان التزمه ، فإنه كان يطوف طوافاً للحج ، ثم طوافاً آخر للعمرة . فإذا قرن ، كفاه طواف واحد وسعي واحد بالسنة الصحيحة ، وهو قول الجمهور، وقد نقص مما كان يلتزمه . وأما الفاسخ ، فإنه لم ينقص مما التزمه ، بل نقل نسكه إلى ما هو أكمل منه ، وأفضل ، وأكثر واجبات ، فبطل القياس على كل تقدير والحمد لله .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:53 AM

العودة الى سياق حجه صلى الله عليه وسلم

فصل
عدنا إلى سياق حجته صلى الله عليه وسلم . ثم نهض صلى الله عليه وسلم إلى أن نزل بذي طوى ، وهي المعروفة الآن بآبار الزاهر ، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل من يومه ، ونهض إلى مكة ، فدخلها نهاراً من أعلاها من الثنية العليا التي تشرف على الحجون ، وكان من العمرة يدخل من أسفلها ، وفي الحج دخل من أعلاها ، وخرج من أسفلها ، ثم سار حتى دخل المسجد وذلك ضحى .
وذكر الطبراني ، أنه دخل من باب بني عبد مناف الاذي يسميه الناس اليوم باب بني شيبة .
وذكر الإمام أحمد : أنه كان إذا دخل مكاناً من دار يعلى ، استقبل البيت فدعا .
وذكر الطبراني: أنه كان إذا نظر إلى البيت ، قال : " اللهم زد بيتك هذا تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة" . وروي عنه ، أنه كان عند رؤيته يرفع يديه ، ويكبر ويقول :" اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ، وتكريماً ومهابة ، وزد من حجه أو اعتمره تكريماً وتشريفاً ، وتعظيماً وبراً" . وهو مرسل ، ولكن سمع هذا عن سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقوله . فلما دخل المسجد، عمد إلى البيت ولم يركع تحية المسجد، فإن تحية المسجد الحرام الطواف ، فلما حاذى الحجر الأسود، استلمه ولم يزاحم ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ، ولم يرفع يديه ، ولم يقل : نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا، ولا افتتحه بالتكبير كما يفعله من لا علم عنده ، بل هو من البدع المنكرات ، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه ثم انفك عنه وجعله على شقه ، بل استقبله واستلمه ، ثم أخذ عن يمينه ، وجعل البيت عن يساره ، ولم يدع عند الباب بدعاء ، ولا تحت الميزاب ، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ، ولا وقت للطواف ذكراً معيناً ، لا بفعله ، ولا بتعليمه ، بل حفظ عنه بين الركنين : "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ورمل في طوافه هذا الثلاثة الأشواط الأول ، وكان يسرع في مشيه ، ويقارب بين خطاه ، واضطبع بردائه فجعل طرفيه على أحد كتفيه ، وأبدى كتفه الأخرى ومنكبه ، وكلما حاذى الحجر الأسود، أشار إليه أو استلمه بمحجنه ، وقبل المحجن ، والمحجن عصا محنية الرأس . وثبت عنه ، أنه استلم الركن اليماني . ولم يثبت عنه أنه قبله ، ولا قبل يده عند استلامه ، وقد روى الدارقطني : عن ابن عباس ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الركن اليماني ، ويضع خده عليه وفيه عبد الله بن مسلم بن هرمز، قال الإمام أحمد : صالح الحديث وضعفه غيره . ولكن المراد بالركن اليماني ها هنا الحجر الأسود، فإنه يسمى الركن اليماني ويقال له مع الركن الآخر اليمانيان، ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب : العراقيان ، ويقال للركنين اللذين يليان الحجر : الشاميان . ويقال للركن اليماني ، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة : الغربيان ، ولكن ثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود . وثبت عنه ، أنه استلمه بمحجن ، فهذه ثلاث صفات ، وروي عنه أيضاً ، أنه وضع شفتيه عليه طويلاً يبكي .
وذكر الطبراني عنه بإسناد جيد : أنه كان إذا استلم الركن اليماني ، قال : "بسم الله والله أكبر" .
وكان كلما أتى على الحجر الأسود قال:" الله أكبر" .
وذكر أبو داود الطيالسي ، وأبو عاصم النبيل ، عن جعفر بن عبد الله بن عثمان ، قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ، ثم قال :رأيت ابن عباس يقبله ويسجد عليه ، وقال ابن عباس : رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه . ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت .
وروى البيهقي عن ابن عباس : أنه قبل الركن اليماني ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ثلاث مرات .
وذكر أيضاً عنه ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر . ولم يستلم صلى الله عليه وسلم ، ولم يمس من الأركان إلا اليمانيين فقط . قال الشافعي رحمه الله : ولم يدع أحد استلامهما هجرة لبيت الله ، ولكن استلم ما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمسك عما أمسك عنه .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:54 AM

صلاته خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة

فصل
فلما فرغ من طوافه ، جاء إلى خلف المقام ، فقرأ: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " [البقرة : 125]، فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت ، قرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص وقراءته الآية المذكورة بيان منه لتفسير القران ، ومراد الله منه بفعله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ من صلاته ، أقبل إلى الحجر الأسود ، فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يقابله ، فلما قرب منه . قرأ : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " [ البقرة :159] أبدأ بما بدأ الله به ، وفي النسائي : "أبدؤوا"، بصيغة الأمر . ثم رقي عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره ، وقال : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " . ثم دعا بين ذلك ، وقال مثل هذا ثلاث مرات .
وقام ابن مسعود على الصدع ، وهو الشق الذي في الصفا . فقيل له : هاهنا يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة . ذكره البيهقي .
ثم نزل إلى المروة يمشي، فلما انصبت قدماه في باطن الوادي ، سعى حتى إذا جاوز الوادي وأصعد ، مشى . هذا الذي صح عنه ، وذلك اليوم قبل الميلين الأخضرين في أول المسعى وآخره . والظاهر: أن الوادي لم يتغير عن وضعه ، هكذا قال جابر عنه في صحيح مسلم . وظاهر هذا : أنه كان ماشياً ، وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت ، وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس قد غشوه وروى مسلم عن أبي الزبير عن جابر : لم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً طوافه الأول .
قال ابن حزم : لا تعارض بينهما، لأن الراكب إذا انصب به بعيره ، فقد انصب كله ، وانصبت قدماه أيضاً مع سائر جسده .
وعندي في الجمع بينهما وجه آخر أحسن من هذا ، وهو أنه سعى ماشياً أولاً ، ثم أتم سعيه راكباً ، وقد جاء ذلك مصرحاً به ، ففي صحيح مسلم : عن أبي الطفيل ، قال : قلت لابن عباس : أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة
راكباً ، أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنه . قال : صدقوا وكذبوا قال : قلت : ما قولك : صدقوا وكذبوا ؟ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس ، يقولون : هذا محمد ، هذا محمد ، حتى خرج العواتق من البيوت . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه . قال : فلما كثر عليه ، ركب ، والمشي والسعي أفضل .


الساعة الآن 07:09 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][