منتديات جعلان

منتديات جعلان (http://www.jalaan.com/index.php)
-   جعلان للتربية والتعليم (http://www.jalaan.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 (http://www.jalaan.com/showthread.php?t=10295)

اسير الصحراء 05-01-2006 12:36 AM

لقياه لمن قدم من الأوس والخزرج

فصل
وكان مما صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة أن نبياً من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج ، فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم ، وكانت الأنصار يحجون البيت كما كانت العرب تحجه دون اليهود ، فلما رأى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله عز وجل ، وتأملوا أحواله ، قال بعضهم لبعض : تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به يهود ، فلا يسبقنكم إليه . وكان سويد بن الصامت من الأوس قد قدم مكة ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يبعد ولم يجب حتى قدم أنس بن رافع أبو الحيسر في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقال إياس بن معاذ وكان شاباً حدثاً : يا قوم هذا والله خير مما جئنا له ، فضربه أبو الحيسر وانتهره ، فسكت ، ثم لم يتم لهم الحلف ، فانصرفوا إلى المدينة.

اسير الصحراء 05-01-2006 12:37 AM

لقي النبي ستة نفر من الخزرج

فصل
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة فى الموسم ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج ، وهم : أبو أمامة أسعد بن زرارة ، وعوف بن الحارث ، ورافع بن مالك ، وقطبة بن عامر ، وعقبة بن عامر ، وجابر بن عبد الله بن رئاب ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلموا .
ثم رجعوا إلى المدينة ، فدعوهم إلى الإسلام ، ففشا الإسلام فيها حتى لم يبق دار إلا وقد دخلها الإسلام ، فلما كان العام المقبل ، جاء منهم اثنا عشر رجلاً ، الستة الأول خلا جابر بن عبد الله ، ومعهم معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدم ، وذكوان بن عبد القيس ، وقد أقام ذكوان بمكة حتى هاجر إلى المدينة ، فيقال : إنه مهاجري أنصاري ، وعبادة بن الصامت ، ويزيد بن ثعلبة ، وأبو الهيثم بن التيهان وعويمر بن مالك هم اثنا عشر .
وقال أبو الزبير: عن جابر إن النبي صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ، ومجنة ، وعكاظ ، يقول :" من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ حتى أبلغ رسالات ربي ، وله الجنة ، " فلا يجد أحداً ينصره ولا يؤويه ، حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن إلى ذي رحمه ، فيأتيه قومه فيقولون له : احذر غلام قريش لا يفتنك ، ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل ، وهم يشيرون إليه بالأصابع ، حتى بعثنا الله من يثرب ، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن ، فينقلب إلى أهله ، فيسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين ، يظهرون الإسلام ، وبعثنا الله إليه ، فائتمرنا واجتمعنا وقلنا : حتى متى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم ، فواعدنا بيعة العقبة ، فقال له عمه العباس : يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك ، إني ذو معرفة بأهل يثرب ، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين ، فلما نظر العباس في وجوهنا ، قال : هؤلاء قوم لا نعرفهم ، هؤلاء أحداث ، فقلنا : يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال : " تبايعوني على السمع والطاعة ، في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم ، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة" فقمنا نبايعه ، فأخذ بيده أسعد بن زرارة ، وهو أصغر السبعين ، فقال : رويداً يا أهل يثرب : إنا لم نضرب إليه أكباد المطى إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم تصبرون على ذلك ، فخذوه ، وأجركم على الله ، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه ، فهو أعذر لكم عند الله ، فقالوا : يا أسعد أمط عنا يدك ، فوالله لا نذر هذه البيعة ، ولا نستقيلها ، فقمنا إليه رجلاً رجلاً ، فأخذ علينا وشرط ، يعطينا بذلك الجنة .
ثم انصرفوا إلى المدينة ، وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم ، ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ، ويدعوان إلى الله عز وجل ، فنزلا على أبي أمامة أسعد بن زرارة ، وكان مصعب بن عمير يؤمهم ، وجمع بهم لما بلغوا أربعين فأسلم على يديهما بشر كثير ، منهم أسيد بن الحضير ، وسعد بن معاذ ، وأسلم بإسلامهما يومئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء ، إلا أصيراً عمرو بن ثابت بن وقش ، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد ، وأسلم حينئذ ، وقاتل فقتل قبل أن يسجد لله سجدة ، فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "عمل قليلاً ، وأجر كثيراً " .
وكثر الإسلام بالمدينة ، وظهر ، ثم رجع مصعب إلى مكة ، ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من الأنصار من المسلمين والمشركين ، وزعيم القوم البراء بن معرور ، فلما كانت ليلة العقبة الثلث الأول من الليل تسلل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خفية من قومهم ، ومن كفار مكة ، على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم ، فكان أول من بايعه ليلتئذ البراء بن معرور ، وكانت له اليد البيضاء ، إذ أكد العقد ، وبادر إليه ، وحضر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكداً لبيعته كما تقدم ، وكان إذ ذاك على دين قومه ، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك الليلة اثني عشر نقيباً ، وهم : أسعد بن زرارة ، وسعد بن الربيع ، وعبد الله بن رواحة ، ورافع بن مالك والبراء بن معرور ، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر ، وكان إسلامه تلك الليلة ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، فهؤلاء تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس : أسيد بن الحضير ، وسعد بن خيثمة ، ورفاعة بن عبد المنذر . وقيل : بل أبو الهيثم بن التيهان مكانه .
وأما المرأتان : فأم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو ، وهي التي قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد ، وأسماء بنت عمرو بن عدي .
فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يميلوا على أهل العقبة بأسيافهم ، فلم يأذن لهم في ذلك ، وصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ صوت سمع : يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا أزب العقبة ، هذا ابن أزيب ، أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك ".
ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم ، فلما أصبح القوم ، غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة ، وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا ، وايم الله ما حي من العرب أبغض إلينا من أن ينشب بيننا وبينه الحرب منكم ، فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين ، يحلفون لهم بالله : ما كان هذا وما علمنا ، وجعل عبد الله بن أبي بن سلول يقول : هذا باطل ، وما كان هذا ، وما كان قومي ليفتاتوا علي مثل هذا ، لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا حتى يؤامروني ، فرجعت قريش من عندهم ، ورحل البراء بن معرور ، فتقدم إلى بطن يأجج ، وتلاحق أصحابه من المسلمين ، وتطلبتهم قريش ، فأدركوا سعد بن عبادة ، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ، وجعلوا يضربونه ويجرونه ، ويجذبونه بجمته حتى أدخلوه مكة ، فجاء مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية ، فخلصاه من أيديهم ، وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه ، فإذا سعد قد طلع عليهم ، فوصل القوم جميعاً إلى المدينة .
فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة ، فبادر الناس إلى ذلك ، فكان أول من خرج إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد ، وامرأته أم سلمة ، ولكنها احتبست دونه ، ومنعت من اللحاق به سنة ، وحيل بينها وبين ولدها سلمة ، ثم خرجت بعد السنة بولدها إلى المدينة ، وشيعها عثمان بن أبي طلحة .
ثم خرج الناس أرسالاً يتبع بعضهم بعضاً ، ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر وعلي ، أقاما بأمره لهما ، وإلا من احتبسه المشركون كرهاً ، وقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج ، وأعد أبو بكر جهازه .

اسير الصحراء 05-01-2006 12:38 AM

لقي النبي ستة نفر من الخزرج

فصل
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة فى الموسم ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج ، وهم : أبو أمامة أسعد بن زرارة ، وعوف بن الحارث ، ورافع بن مالك ، وقطبة بن عامر ، وعقبة بن عامر ، وجابر بن عبد الله بن رئاب ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلموا .
ثم رجعوا إلى المدينة ، فدعوهم إلى الإسلام ، ففشا الإسلام فيها حتى لم يبق دار إلا وقد دخلها الإسلام ، فلما كان العام المقبل ، جاء منهم اثنا عشر رجلاً ، الستة الأول خلا جابر بن عبد الله ، ومعهم معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدم ، وذكوان بن عبد القيس ، وقد أقام ذكوان بمكة حتى هاجر إلى المدينة ، فيقال : إنه مهاجري أنصاري ، وعبادة بن الصامت ، ويزيد بن ثعلبة ، وأبو الهيثم بن التيهان وعويمر بن مالك هم اثنا عشر .
وقال أبو الزبير: عن جابر إن النبي صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ، ومجنة ، وعكاظ ، يقول :" من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ حتى أبلغ رسالات ربي ، وله الجنة ، " فلا يجد أحداً ينصره ولا يؤويه ، حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن إلى ذي رحمه ، فيأتيه قومه فيقولون له : احذر غلام قريش لا يفتنك ، ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل ، وهم يشيرون إليه بالأصابع ، حتى بعثنا الله من يثرب ، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن ، فينقلب إلى أهله ، فيسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين ، يظهرون الإسلام ، وبعثنا الله إليه ، فائتمرنا واجتمعنا وقلنا : حتى متى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم ، فواعدنا بيعة العقبة ، فقال له عمه العباس : يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك ، إني ذو معرفة بأهل يثرب ، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين ، فلما نظر العباس في وجوهنا ، قال : هؤلاء قوم لا نعرفهم ، هؤلاء أحداث ، فقلنا : يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال : " تبايعوني على السمع والطاعة ، في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم ، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة" فقمنا نبايعه ، فأخذ بيده أسعد بن زرارة ، وهو أصغر السبعين ، فقال : رويداً يا أهل يثرب : إنا لم نضرب إليه أكباد المطى إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم تصبرون على ذلك ، فخذوه ، وأجركم على الله ، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه ، فهو أعذر لكم عند الله ، فقالوا : يا أسعد أمط عنا يدك ، فوالله لا نذر هذه البيعة ، ولا نستقيلها ، فقمنا إليه رجلاً رجلاً ، فأخذ علينا وشرط ، يعطينا بذلك الجنة .
ثم انصرفوا إلى المدينة ، وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم ، ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ، ويدعوان إلى الله عز وجل ، فنزلا على أبي أمامة أسعد بن زرارة ، وكان مصعب بن عمير يؤمهم ، وجمع بهم لما بلغوا أربعين فأسلم على يديهما بشر كثير ، منهم أسيد بن الحضير ، وسعد بن معاذ ، وأسلم بإسلامهما يومئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء ، إلا أصيراً عمرو بن ثابت بن وقش ، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد ، وأسلم حينئذ ، وقاتل فقتل قبل أن يسجد لله سجدة ، فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "عمل قليلاً ، وأجر كثيراً " .
وكثر الإسلام بالمدينة ، وظهر ، ثم رجع مصعب إلى مكة ، ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من الأنصار من المسلمين والمشركين ، وزعيم القوم البراء بن معرور ، فلما كانت ليلة العقبة الثلث الأول من الليل تسلل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خفية من قومهم ، ومن كفار مكة ، على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم ، فكان أول من بايعه ليلتئذ البراء بن معرور ، وكانت له اليد البيضاء ، إذ أكد العقد ، وبادر إليه ، وحضر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكداً لبيعته كما تقدم ، وكان إذ ذاك على دين قومه ، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك الليلة اثني عشر نقيباً ، وهم : أسعد بن زرارة ، وسعد بن الربيع ، وعبد الله بن رواحة ، ورافع بن مالك والبراء بن معرور ، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر ، وكان إسلامه تلك الليلة ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، فهؤلاء تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس : أسيد بن الحضير ، وسعد بن خيثمة ، ورفاعة بن عبد المنذر . وقيل : بل أبو الهيثم بن التيهان مكانه .
وأما المرأتان : فأم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو ، وهي التي قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد ، وأسماء بنت عمرو بن عدي .
فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يميلوا على أهل العقبة بأسيافهم ، فلم يأذن لهم في ذلك ، وصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ صوت سمع : يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا أزب العقبة ، هذا ابن أزيب ، أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك ".
ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم ، فلما أصبح القوم ، غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة ، وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا ، وايم الله ما حي من العرب أبغض إلينا من أن ينشب بيننا وبينه الحرب منكم ، فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين ، يحلفون لهم بالله : ما كان هذا وما علمنا ، وجعل عبد الله بن أبي بن سلول يقول : هذا باطل ، وما كان هذا ، وما كان قومي ليفتاتوا علي مثل هذا ، لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا حتى يؤامروني ، فرجعت قريش من عندهم ، ورحل البراء بن معرور ، فتقدم إلى بطن يأجج ، وتلاحق أصحابه من المسلمين ، وتطلبتهم قريش ، فأدركوا سعد بن عبادة ، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ، وجعلوا يضربونه ويجرونه ، ويجذبونه بجمته حتى أدخلوه مكة ، فجاء مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية ، فخلصاه من أيديهم ، وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه ، فإذا سعد قد طلع عليهم ، فوصل القوم جميعاً إلى المدينة .
فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة ، فبادر الناس إلى ذلك ، فكان أول من خرج إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد ، وامرأته أم سلمة ، ولكنها احتبست دونه ، ومنعت من اللحاق به سنة ، وحيل بينها وبين ولدها سلمة ، ثم خرجت بعد السنة بولدها إلى المدينة ، وشيعها عثمان بن أبي طلحة .
ثم خرج الناس أرسالاً يتبع بعضهم بعضاً ، ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر وعلي ، أقاما بأمره لهما ، وإلا من احتبسه المشركون كرهاً ، وقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج ، وأعد أبو بكر جهازه .

اسير الصحراء 05-01-2006 12:38 AM

تآمر المشركين للفتك به وإيذان الله له بالهجرة

فصل
فلما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا ، وخرجوا ، وحملوا ، وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج ، وعرفوا أن الدار دار منعة ، وأن القوم أهل حلقة وشوكة وبأس ، فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ولحوقه بهم ، فيشتد عليهم أمره ، فاجتمعوا في دار الندوة ، ولم يتخلف أحد من أهل الرأي والحجا منهم ليتشاوروا في أمره ، وحضرهم وليهم وشيخهم إبليس في صورة شيخ كبير من أهل نجد مشتمل الصماء في كسائه ، فتذاكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار كل أحد منهم برأي ، والشيخ يرده ولا يرضاه ، إلى أن قال أبو جهل : قد فرق لي فيه رأي ما أراكم قد وقعتم عليه ، قالوا : ما هو ؟ قال : أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاماً نهداً جلداً ، ثم نعطيه سيفاً صارماً ، فيضربونه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه في القبائل ، فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك كيف تصنع ، ولا يمكنها معاداة القبائل كلها ، ونسوق إليهم ديته ، فقال الشيخ : لله در الفتى ، هذا والله الرأي ، قال : فتفرقوا على ذلك ، واجتمعوا عليه ، فجاءه جبريل بالوحي من عند ربه تبارك وتعالى ، فأخبره بذلك ، وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة .
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر نصف النهار في ساعة لم يكن يأتيه فيها متقنعاً ، فقال له : "أخرج من عندك " فقال : إنما هم أهلك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر : الصحابة يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " فقال أبو بكر : فخذ بأبي وأمي إحدى راحلتى هاتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بالثمن " .
وأمر علياً أن يبيت في مضجعه تلك الليلة ، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه ، ويريدون بياته، ويأتمرون أيهم يكون أشقاها ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فأخذ حفنة من البطحاء ، فجعل يذره على رؤوسهم ، وهم لا يرونه ، وهو يتلو : " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " ( يس: 9 ) ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبى بكر ، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً ، وجاء رجل ، ورأى القوم ببابه فقال : ما تنتظرون ؟ قالوا : محمداً ، قال : خبتم وخسرتم قد والله مر بكم وذر على رؤوسكم التراب ، قالوا : والله ما أبصرناه ، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، وهم : أبو جهل ، والحكم بن العاص ، وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، وطعيمة بن عدي ، وأبو لهب ، وأبي بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، فلما أصبحوا ، قام علي عن الفراش ، فسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا علم لي به .
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى غار ثور ، فدخلاه ، وضرب العنكبوت على بابه .
وكانا قد استأجرا عبد الله بن أريقط الليثي ، وكان هادياً ماهراً بالطريق ، وكان على دين قومه من قريش ، وأمناه على ذلك ، وسلما إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ، وجدت قريش في طلبهما ، وأخذوا معهم القافة ، حتى انتهوا إلى باب الغار ، فوقفوا عليه .
ففي الصحيحين أن أبا بكر قال : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا فقال : " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن فإن الله معنا " وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يسمعان كلامهم فوق رؤوسهما ، ولكن الله سبحانه عمى عليهم أمرهما ، وكان عامر بن فهيرة يرعى عليهما غنماً لأبي بكر ، ويتسمع ما يقال بمكة ، ثم يأتيهما بالخبر ، فإذا كان السحر سرح مع الناس .
قالت عائشة : وجهزناهما أحث الجهاز ، ووضعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، فأوكت به الجراب ، وقطعت الأخرى فصيرتها عصاماً لفم القربة ، فلذلك لقبت ، ذات النطاقين .
وذكر الحاكم في مستدركه عن عمر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار ، ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه ، وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله ، فقال له : يا رسول الله أذكر الطلب ، فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد ، فأمشي بين يديك فقال : " يا أبا بكر لو كان شئ أحببت أن يكون بك دوني ؟ " قال : نعم والذي بعثك بالحق ، فلما انتهى إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار ، فدخل ، فاستبرأه ، حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الجحرة ، فقال : مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ الجحرة ثم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل فمكثا في الغار ثلاث ليال حتى خمدت عنهما نار الطلب ، فجاءهما عبد الله بن أريقط بالراحلتين ، فارتحلا ، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة ، وسار الدليل أمامهما ، وعين الله تكلؤهما ، وتأييده يصحبهما ، وإسعاده يرحلهما وينزلهما .
ولما يئس المشركون من الظفر بهما ، جعلوا لمن جاء بهما دية كل واحد منهما ، فجد الناس في الطلب ، والله غالب على أمره ، فلما مروا بحي بني مدلج مصعدين من قديد ، بصر بهم رجل من الحي ، فوقف على الحي فقال : لقد رأيت آنفاً بالساحل أسودة ما أراها إلا محمداً وأصحابه ، ففطن بالأمر سراقة بن مالك ، فأراد أن يكون الظفر له خاصة ، وقد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه ، فقال : بل هم فلان وفلان ، خرجا في طلب حاجة لهما ، ثم مكث قليلاً ، ثم قام فدخل خباءه وقال لخادمه : اخرج بالفرس من وراء الخباء ، وموعدك وراء الأكمة ، ثم أخذ رمحه ، وخفض عاليه يخط به الأرض حتى ركب فرسه ، فلما قرب منهم وسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر يكثر الالتفات ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت ، فقال أبو بكر : يا رسول الله هذا سراقة بن مالك قد رهقنا ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض ، فقال : قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما ، فادعوا الله لي ، ولكما علي أن أرد الناس عنكما ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأطلق ، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاباً ، فكتب له أبو بكر بأمره في أديم وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة ، فجاءه بالكتاب فوفاه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يوم وفاء وبر ، وعرض عليهما الزاد والحملان ، فقالا : لا حاجة لنا به ، ولكن عم عنا الطلب ، فقال : قد كفيتم ، ورجع فوجد الناس فى الطلب ، فجعل يقول : قد استبرأت لكم الخبر ، وقد كفيتم ما ها هنا ، وكان أول النهار جاهداً عليهما ، وآخره حارساً لهما .

اسير الصحراء 05-05-2006 09:50 PM

فصل مروره بخيمتي أم معبد
ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة ذلك حتى مر بخيمتي أم معبد الخزاعية ، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ، ثم تطعم وتسقي من مر بها ، فسألاها : هل عندها شئ ؟ فقالت : والله لو كان عندنا شئ ما أعوزكم القرى ، والشاء عازب ، وكانت سنة شهباء ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : " ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ " قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم ، فقال : " هل بها من لبن "؟ قالت : هي أجهد من ذلك ، فقال : " أتأذنين لي أن أحلبها ؟" قالت : نعم بأبي وأمي ، إن رأيت بها حلباً فاحلبها ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها ، وسمى الله ودعا ، فتفاجت عليه ، ودرت ، فدعا بإناء لها يربض الرهط ، فحلب فيه حتى علته الرغوة ، فسقاها فشربت حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب ، وحلب فيه ثانياً ، حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، فارتحلوا ، فقلما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً ، يتساوكن هزالاً لا نقي بهن ، فلما رأى اللبن ، عجب ، فقال : من أين لك هذا ، والشاة عازب ؟ ولا حلوبة في البيت ؟ فقالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت ، ومن حاله كذا وكذا . قال : والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه ، صفيه لي يا أم معبد ، قالت : ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ، ولم تزر به صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، أحور ، أكحل ، أزج ، أقرن ، شديد سواد الشعر ، إذا صمت علاه الوقار ، وإن تكلم ، علاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحسنه وأحلاه من قريب ، حلو المنطق ، فصل ، لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة ، لا تقحمه عين من قصر ، ولا تشنؤه من طول ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قدراً ، له رفقاء يحفون به ، إذا قال : استمعوا لقوله ، وإذا أمر ، تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفند ، فقال أبو معبد : والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا ، لقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً ، وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعونه ولا يرون القائل :
جزى الله رب العرش خير جزائــه رفيقين حـــلا خيمتـي أم معبـد
همــــا نزلا بالبــــر وارتحــلا بـــه وأفلــح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصـــي مــــا زوى الله عنــكم به من فعال لا يجازى وسـودد
ليهـــن بني كعـــب مكان فتاتهــــم ومقعدهـــا للمــؤمنين بمــرصــد
سلــوا أختكم عــن شاتها وإنــائها فإنكم إن تسألوا الشاء تشــهد
قالت أسماء بنت أبي بكر : ما درينا أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، فأنشد هذه الأبيات ، والناس يتبعونه ويسمعون صوته ، ولا يرونه حتى خرج من أعلاها ، قالت : فلما سمعنا قوله ، عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن وجهه إلى المدينة .

اسير الصحراء 05-05-2006 09:51 PM

خروج الأنصار إلى ظاهر المدينة لاستقباله

فصل
وبلغ الأنصار مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وقصده المدينة ، وكانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه أول النهار ، فإذا اشتد حر الشمس ، رجعوا على عادتهم إلى منازلهم ، فلما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من النبوة ، خرجوا على عادتهم ، فلما حمي حر الشمس رجعوا ، وصعد رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة لبعض شأنه ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين ، يزول بهم السراب ، فصرخ بأعلى صوته : يا بنى قيلة هذا صاحبكم قد جاء ، هذا جدكم الذي تنتظرونه ، فبادر الأنصار إلى السلاح ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمعت الرجة والتكبير في بني عمرو بن عوف ، وكبر المسلمون فرحاً بقدومه ، وخرجوا للقائه ، فتلقوه وحيوه بتحية النبوة ، فأحدقوا به مطيفين حوله ، والسكينة تغشاه ، والوحي ينزل عليه " فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير " ( التحريم : 4 ) ، فسار حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، فنزل على كلثوم بن الهدم ، وقيل : بل على سعد بن خيثمة ، والأول أثبت ، فأقام في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء ، وهو أول مسجد ، أسس بعد النبوة .
فلما كان يوم الجمعة ركب بأمر الله له ، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي .
ثم ركب ، فأخذوا بخطام راحلته ، هلم إلى العدد والعدة والسلاح والمنعة ، فقال : " خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة " فلم تزل ناقته سائرة به لا تمر بدار من دور الأنصار إلا رغبوا إليه في النزول عليهم ، ويقول : " دعوها فإنها مأمورة " فسارت حتى وصلت إلى موضع مسجده اليوم ، وبركت ، ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً ، ثم التفتت ، فرجعت ، فبركت في موضعها الأول ، فنزل عنها ، وذلك في بني النجار أخواله صلى الله عليه وسلم . وكان من توفيق الله لها ، فإنه أحب أن ينزل على أخواله ، يكرمهم بذلك ، فجعل الناس يكلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في النزول عليهم ، وبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله ، فأدخله بيته ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المرء مع رحله " وجاء أسعد بن زرارة، فأخذ بزمام راحلته ، وكانت عنده وأصبح كما قال أبو قيس صرمة الأنصاري ، وكان ابن عباس يختلف إليه يتحفظ منه هذه الأبيات :
ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكــر لــو يلقى حبيباً مواتيــــا
ويعرض في أهل المواسم نفســـه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيــــا
فلمـــا أتــانـــا واستقرت به النوى وأصبح مسروراً بطيبة راضيــــا
وأصبح لا يخشى ظـــلامة ظــــالم بعيد ولا يخشى من الناس باغيا
بذلنــا لــه الأموال من حـــل مالنـــا وأنــفسنا عنــد الوغـــى والتآسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعـاً وإن كان الحبيب المصافيا
ونعلـــم أن الـلـــــه لا رب غـيــــره وأن كتـــاب الله أصبـــح هاديـــا
قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأمر بالهجرة وأنزل عليه : " وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا " ( الإسراء : 80) .
قال قتادة : أخرجه الله من مكة إلى المدينة مخرج صدق ونبي الله يعلم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل الله سلطاناً نصيراً ، وأراه الله عز وجل دار الهجرة ، وهو بمكة فقال : أريت دار هجرتكم بسبخة ذات نخل بين لابتين .
وذكر الحاكم في مستدركه عن علي بن أبي طالب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : " من يهاجر معي ؟ " قال : أبو بكر الصديق .
قال البراء : أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرئان الناس القرآن ، ثم جاء عمار وبلال وسعد ، ثم جاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه في عشرين راكباً ، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما رأيت الناس فرحوا بشئ كفرحهم به حتى رأيت النساء والصبيان والإماء يقولون : هذا رسول الله قد جاء .
وقال أنس : شهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوماً قط ، كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل المدينة علينا ، وشهدته يوم مات ، فما رأيت يوماً قط ، كان أقبح ولا أظلم من يوم مات .
فأقام في منزل أبي أيوب حتى بنى حجره ومسجده ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزل أبي أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع ، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه ، وسودة بنت زمعة زوجته ، وأسامة بن زيد ، وأمه أم أيمن ، وأما زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يمكنها زوجها أبو العاص بن الربيع من الخروج ، وخرج عبد الله بن أبي بكر معهم بعيال أبي بكر ، ومنهم عائشة فنزلوا في بيت حارثة بن النعمان .

اسير الصحراء 05-05-2006 09:51 PM

فصل في بناء المسجد
قال الزهري : بركت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم موضع مسجده وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين ، وكان مربداً لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الأنصار ، كانا في حجر أسعد بن زرارة ، فساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين بالمربد ، ليتخذه مسجداً ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتاعه منهما بعشرة دنانير ، وكان جداراً ليس له سقف ، وقبلته إلى بيت المقدس ، وكان يصلي فيه ويجمع أسعد بن زرارة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان فيه شجرة غرقد وخرب ونخل وقبور للمشركين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت ، وبالخرب فسويت وبالنخل والشجر فقطعت وصفت في قبلة المسجد ، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع ، والجانبين مثل ذلك أو دونه ، وجعل أساسه قريباً من ثلاثة أذرع ، ثم بنوه باللبن ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني معهم ، وينقل اللبن والحجارة بنفسه ويقول :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخــــرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان يقول :
هــذا الحمــال لا حمـــال خــيبــر هــذا أبــــر ربنــا وأطهــر
وجعلوا يرتجزون ، وهم ينقلون اللبن ، ويقول بعضهم في رجزه :
لئن قـعدنــا والرســـول يعمـــــل لــذاك منــا العمــل المضلــل
وجعل قبلته إلى بيت المقدس ، وجعل له ثلاثة أبواب : باباً في مؤخره ، وباباً يقال له : باب الرحمة ، والباب الذي يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل عمده الجذوع ، وسقفه بالجريد ، وقيل له : ألا تسقفه ، فقال : " لا ، عريش كعريش موسى " وبنى إلى جنبه بيوت أزواجه باللبن ، وسقفها بالجريد والجذوع ، فلما فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد قبليه ، وهما مكان حجرته اليوم ، وجعل لسودة بنت زمعة بيتاً آخر .

اسير الصحراء 05-05-2006 09:52 PM

مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار

فصل
ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك ، وكانوا تسعين رجلاً ، نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة ، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر ، فلما أنزل الله عز وجل : " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " ( الأحزاب :6) رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة .
وقد قيل : إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية ، واتخذ فيها علياً أخاً لنفسه والثبت الأول ، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام ، وأخوة الدار ، وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار ، ولو آخى بين المهاجرين ، كان أحق الناس بأخوته أحب الخلق إليه ورفيقه في الهجرة ، وأنيسه في الغار ، وأفضل الصحابة وأكرمهم عليه أبو بكر الصديق وقد قال : " لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أخوة الإسلام أفضل " وفي لفظ " ولكن أخي و صاحبي " وهذه الأخوة في الإسلام وإن كانت عامة ، كما قال : " وددت أن قد رأينا إخواننا قالوا : ألسنا إخوانك ؟ قال أنتم أصحابي ، وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني " فللصديق من هذه الأخوة أعلى مراتبها ، كما له من الصحبة أعلى مراتبها ، فالصحابة لهم الأخوة ، ومزية الصحبة ، ولأتباعه بعدهم الأخوة دون الصحبة .

اسير الصحراء 05-05-2006 09:52 PM

موادعته من بالمدينة من اليهود

فصل
ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بالمدينة من اليهود ، وكتب بينه وبينهم كتاباً ، وبادر حبرهم وعالمهم عبد الله بن سلام ، فدخل في الإسلام ، وأبى عامتهم إلا الكفر .
وكانوا ثلاث قبائل : بنو قينقاع ، وبنو النضير ، وبنو قريظة ، وحاربه الثلاثة ، فمن على بني قينقاع ، وأجلى بني النضير ، وقتل بني قريظة ، وسبى ذريتهم ، ونزلت ( سورة الحشر ) في بني النضير، و ( سورة الأحزاب ) في بني قريظة .

اسير الصحراء 05-05-2006 09:53 PM

فصل في تحويل القبلة

فصل
وكان يصلي إلى قبلة بيت المقدس ، ويحب أن يصرف إلى الكعبة ، وقال لجبريل : " وددت أن يصرف الله وجهي عن قبلة اليهود " فقال : إنما أنا عبد فادع ربك ، واسأله فجعل يقلب وجهه في السماء يرجو ذلك حتى أنزل الله عليه : " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " ( البقرة : 144) وذلك بعد ستة عشر شهراً من مقدمه المدينة قبل وقعة بدر بشهرين .
قال محمد بن سعد : أخبرنا هاشم بن القاسم ، قال : أنبأنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال : ما خالف نبي نبياً قط في قبلة ، ولا في سنة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس حين قدم المدينة ستة عشر شهراً ، ثم قرأ : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك " ( الشورى : 13) .
وكان لله في جعل القبلة إلى بيت المقدس ، ثم تحويلها إلى الكعبة حكم عظيمة ، ومحنة للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين .
فأما المسلمون ، فقالوا : سمعنا وأطعنا وقالوا : " آمنا به كل من عند ربنا " ( آل عمران : 7) وهم الذين هدى الله ، ولم تكن كبيرة عليهم .
وأما المشركون ، فقالوا : كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا وما رجع إليها إلا أنه الحق .
وأما اليهود ، فقالوا : خالف قبلة الأنبياء قبله ، ولو كان نبياً ، لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء .
وأما المنافقون ، فقالوا : ما يدري محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقاً ، فقد تركها ، وإن كانت الثانية هي الحق ، فقد كان على باطل ، وكثرت أقاويل السفهاء من الناس ، وكانت كما قال الله تعالى : " وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ( البقرة :143) وكانت محنة من الله امتحن بها عباده ، ليرى من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب على عقبيه .
ولما كان أمر القبلة وشأنها عظيماً ، وطأ - سبحانه - قبلها أمر النسخ وقدرته عليه ، وأنه يأتي بخير من المنسوخ أو مثله ، ثم عقب ذلك بالتوبيخ لمن تعنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقد له ، ثم ذكر بعده اختلاف اليهود والنصارى ، وشهادة بعضهم على بعض بأنهم ليسوا على شئ ، وحذر عباده المؤمنين من موافقتهم ، واتباع أهوائهم ، ثم ذكر كفرهم وشركهم به ، وقولهم : إن له ولداً ، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً ، ثم أخبر أن له المشرق والمغرب ، وأينما يولي عباده وجوههم ، فثم وجهه ، وهو الواسع العليم ، فلعظمته وسعته وإحاطته أينما يوجه العبد ، فثم وجه الله .
ثم أخبر أنه لايسأل رسوله عن أصحاب الجحيم الذين لا يتابعونه ولا يصدقونه ، ثم أعلمه أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم ، وأنه إن فعل ، وقد أعاذه الله من ذلك ، فماله من الله من ولي ولا نصير ، ثم ذكرأهل الكتاب بنعمته عليهم ، وخوفهم من بأسه يوم القيامة ، ثم ذكر خليله باني بيته الحرام ، وأثنى عليه ومدحه وأخبر أنه جعله إماماً للناس ، يأتم به أهل الأرض ، ثم ذكر بيته الحرام ، وبناء خليله له ، وفي ضمن هذا أن باني البيت كما هو إمام للناس ، فكذلك البيت الذي بناه إمام لهم ، ثم أخبر أنه لا يرغب عن ملة هذا الإمام إلا أسفه الناس ، ثم أمرعباده أن يأتموا برسوله الخاتم ، ويؤمنوا بما أنزل إليه وإلى إبراهيم ، وإلى سائر النبيين ، ثم رد على من قال : إن إبراهيم وأهل بيته كانوا هوداً أو نصارى ، وجعل هذا كله توطئة ومقدمة بين يدي تحويل القبلة ، ومع هذا كله ، فقد كبر ذلك على الناس إلا من هدى الله منهم ، وأكد سبحانه هذا الأمر مرة بعد مرة ، بعد ثالثة ، وأمر به رسوله حيثما كان ، ومن حيث خرج ، وأخبر أن الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم هو الذي هداهم إلى هذه القبلة ، وأنها هي القبلة التي تليق بهم ، وهم أهلها ، لأنها أوسط القبل وأفضلها ، وهم أوسط الأمم وخيارهم ، فاختار أفضل القبل لأفضل الأمم ، كما اختار لهم أفضل الرسل ، وأفضل الكتب ، وأخرجهم في خير القرون ، وخصهم بأفضل الشرائع ، ومنحهم خير الأخلاق ، وأسكنهم خير الأرض ، وجعل منازلهم في الجنة خير المنازل ، وموقفهم في القيامة خير المواقف ، فهم على تل عال ، والناس تحتهم ، فسبحان من يختص برحمته من يشاء ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
وأخبر سبحانه أنه فعل ذلك لئلا يكون للناس عليهم حجة ، ولكن الظالمون الباغون يحتجون عليهم بتلك الحجج التي ذكرت ، ولا يعارض الملحدون الرسل إلا بها وبأمثالها من الحجج الداحضة ، وكل من قدم على أقوال الرسول سواها فحجته من جنس حجج هؤلاء .
وأخبر سبحانه أنه فعل ذلك ليتم نعمته عليهم ، وليهديهم ، ثم ذكرهم نعمه عليهم بإرسال رسوله إليهم ، وإنزال كتابه عليهم ، ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ، ثم أمرهم بذكره وبشكره ، إذ بهذين الأمرين يستوجبون إتمام نعمه ، والمزيد من كرامته ، ويستجلبون ذكره لهم ، ومحبته لهم ، ثم أمرهم بما لا يتم لهم ذلك إلا بالاستعانة به ، وهو الصبر والصلاة ، وأخبرهم أنه مع الصابرين .


الساعة الآن 09:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][