![]() |
مسألة إذا كان الآكلون جماعة هل على كل واحد تسمية
فصل وها هنا مسألة تدعو الحاجة إليها، وهي أن الآكلين إذا كانوا جماعة ، فسمى أحدهم ، هل تزول مشاركة الشيطان لهم في طعامهم بتسميته وحده ، أم لا تزول، إلا بتسمية الجميع ؟ فنص الشافعي على إجزاء تسمية الواحد عن الباقين ، وجعله أصحابه كرد السلام ، وتشميت العاطس ، وقد يقال : لا ترفع مشاركة الشيطان للآكل إلا بتسميته هو، ولا يكفيه تسمية غيره ، ولهذا جاء في حديث حذيفة : إنا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فجاءت جارية كأنما تدفع ، فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع ، فأخذ بيده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الشطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به ، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع يديهما" ثم ذكر اسم الله وأكل ، ولو كانت تسمية الواحد تكفي ، لما وضع الشيطان يده في ذلك الطعام . ولكن قد يجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قد وضع يده وسمى بعد، ولكن الجارية ابتدأت بالوضع بغير تسمية ، وكذلك الأعرابي ، فشاركهما الشيطان ، فمن أين لكم أن الشيطان شارك من لم يسم بعد تسمية غيره ؟ فهذا مما يمكن أن يقال ، لكن قد روى الترمذي وصححه من حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاماً في ستة من أصحابه ، فجاء أعرابي ، فأكله بلقمتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه لو سمى لكفاكم " ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولئك الستة سموا ، فلما جاء هذا الأعرابي فأكل ولم يسم ، شاركه الشيطان في أكله فأكل الطعام بلقميتن ، ولو سمى لكفى الجميع . وأما مسألة رد السلام ، وتشميت العاطس ، ففيها نظر، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا عطس أحدكم ؟ فحمد الله فحق على كل من سمعه أن يشمته " وإن سلم الحكم فيهما، فالفرق بينهما وبين مسألة الأكل ظاهر، فإن الشيطان إنما يتوصل إلى مشاركة الآكل في أكله إذا لم يسم ، فإذا سمى غيره لم تجز تسمية من سمى عمن لم يسم من مقارنة السيطان له ، فيأكل معه ، بل تقل مشاركة الشيطان بتسمية بعضهم ، وتبقى الشركة بين من لم يسم وبينه ، والله أعلم . ويذكر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "من نسي أن يسمي على طعامه ، فليقرأ قل هو الله أحد إذا فرغ " وفي ثبوت هذا الحديث نظر . وكان إذا رفع الطعام من بين يديد يقول :"الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، غير مكفي ولا مودع ولا مستغى عنه ربنا" عز وجل ذكره البخاري . وربما كان يقول : "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ". وكان يقول : "الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا" . وذكر البخاري عنه أنه كان يقول : "الحمد لله الذي كفانا وآوانا" وذكر الترمذي عنه أنه قال : "من أكل طعاماً فقال : الحمد لله الذي أطعمني هذا من غير حول مني ولا قوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه " حديث حسن . ويذكر عنه أن كان إذا قرب إليه الطعام قال : "بسم الله " فإذا فرغ من طعامه قال : "الهم أطعمت وسقيت ، وأغنيت وأقنيت ، وهديت وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت " وإسناده صحيح . وفي السنن عنه أنه كان يقول إذا فرغ : "الحمد لله الذي من علينا وهدانا ، والذي أشبعنا وأروانا ، ومن كل الإحسان آتانا" حديث حسن . وفي السنن عنه أيضا "إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه . ومن سقاه الله لبنا، فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، فإنه ليس شيء ويجزىء عن الطعام والشراب غير اللبن " حديث حسن . ويذكر عنه أنه كان إذا شرب في الإناء تنفس ثلاثة أنفاس ، ويحمد الله كل نفس ، ويشكره في آخرهن . |
فصل ما عاب صلى الله عليه وسلم طعاماً قط
فصل وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل على أهله ربما يسألهم : هل عندكم طعام ؟ وما عاب طعاماً قط ، بل كان إذا اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه وسكت وربما قال : "أجدني أعافه أني لا أشتهيه " . وكان يمدح الطعام أحياناً، كقوله لما سأل أهله الإدام ، فقالوا : ما عندنا إلا خل ، فدعا به فجعل يأكل منه ويقول : "نعم الأدم الخل " وليس في هذا تفضيل له على اللبن واللحم والعسل والمرق ، وإنما هو مدح له في تلك الحال التي حضر فيها، ولو حضر لحم أو لبن ، كان أولى بالمدح منه ، وقال هذا جبراً وتطييباً لقلب من قدمه ، لا تفضيلاً له على سائر أنواع الإدام . وكان إذا قرب إليه طعام وهو صائم قال : "إني صائم "وأمر من قرب إليه الطعام وهو صائم أن يصلي ، أي يدعو لمن قدمه ، وإن كان مفطراً أن يأكل منه . وكان إذا دعي لطعام وتبعه أحد، أعلم به رب المنزل ، وقال : "إن هذا تبعنا، فإن شئت أن تأذن له ، وإن شئت رجع ". وكاذ يتحدث على طعامه ، كما تقدم في حديث الخل ، وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يؤاكله : "سم الله ، وكل مما يليك ". وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مرارأ، كما يفعله أهل الكرم ، كما في حديث "أبي هريرة عند البخاري في قصة شرب اللبن وقوله له مراراً : اشرب ، فما زال يقول : اشرب حتى قال : والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً ". وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم ، فدعا في منزل عبد الله بن بسر ، فقال : "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ، واغفر لهم ، وارحمهم" ذكره مسلم . ودعا في منزل سعد بن عبادة فقال : "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة". وذكر أبو داود "عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما دعاه أبو الهيثم بن التيهان هو وأصحابه فأكلوا ، فلما فرغوا قال : أثيبوا أخاكم قالوا : يا رسول الله وما إثابته ؟ قال: إن الرجل إذا دخل بيته ، فأكل طعامه ، وشرب شرابة ، فدعوا له ، فذلك إثابته ". وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه دخل منزلة ليلة، فالتمس طعاماً فلم يجده ، فقال : "اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني ". وذكر عنه أن عمرو بن الحمق سقاه لبناً فقال : اللهم أمتعه بشبابه ، فمرت عليه ثمانون سنة لم يجد شعرة بيضاء. وكان يدعو لمن يضيف المساكين ، ويثني عليهم ، فقال مرة: ألا رجل يضيف هذا رحمه الله، وقال للأنصاري وامراته الذين آثرا بقوتهما وقوت صبيانهما ضيفهما : "لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة". وكان لا يأنف من مؤاكلة أحد صغيراً كان أو كبيراً، حراً أو عبداً ، أعرابياً أو مهاجراً، حتى لقد روى أصحاب السنن عنه أنه أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة فقال : "كل بسم الله ثقة بالله، وتوكلاً عليه ". وكان يأمر بالأكل باليمين ، وينهى عن الأكل بالشمال ، ويقول : "إن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله " ومقتضى هذا تحريم الأكل بها ، وهو الصحيح ، فإن الآكل بها، إما شيطان ، وإما مشبه به . وصح عنه أنه قال لرجل أكل عنده ، فأكل بشماله : "كل بيمينك "، فقال : لا استطيع ، فقال : "لا استطعت " فما رفع يده إلى فيه بعدها فلو كان ذلك جائزاً، لما دعا عليه بفعله ، وإن كان كبره حمله على ترك امتثال الأمر، فذلك أبلغ في العصيان واستحقاق الدعاء عليه وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون : أن يجتمعوا على طعامهم ولا يتفرقوا وأن يذكروا اسم الله عليه يبارك لهم فيه . وصح عنه أنه قال : "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة يحمده عليها ، ويشرب الشربة يحمده عليها" . وروي عنه أنه قال : "أذيبوا طعامكم بذكر الله عز وجل والصلاة ، ولا تناموا عليه فتقسو قلوبكم " وأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحا والواقع في التجربة يشهد به . |
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام والاستئذان وتشميت العاطس
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن أبي هريرة أن أفضل السلام وخيره إطعام الطعام ، وأن تقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف . وفيهما أن آدم عليه الصلاة والسلام لما خلفه الله قال له : اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة، فسلم عليهم ، واستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه "ورحمة الله". وفيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإفشاء السلام وأخبرهم أنهم إذا أفشوا السلام بينهم تحابوا ، وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا ، ولا يؤمثون حتى يتحابوا. وقال البخاري في صحيحه : قال عمار: ثلاث من جمعهن ، فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار. وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه ، فإن الإنصاف يوجب عليه أداء حقوق الله كاملة موفرة، وأداء حقوق الناس كذلك ، وأن لا يطالبهم بما ليس له ، ولا يحملهم فوق وسعهم ، ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ، ويعفيهم مما يحب أن يعفوه منه ، ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها، ويدخل في هذا إنصافه نفسه من نفسه ، فلا يدعي لها ما ليس لها، ولا يخبثها بتدنيسه لها، وتصغيره إياها، وتحقيرها بمعاصي الله ، وينميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده ، وحبه وخوفه ، ورجائه ، والتوكل عليه ، والإنابة إليه ، وإيثار مرضاته ومحابه على مراضي الخلق ومحابهم ، ولا يكون بها مع الخلق ولا مع الله ، بل يعزلها من البين كما عزلها الله ، ويكون بالله لا بنفسه في حبه وبغضه ، وعطائه ومنعه ، وكلامه وسكوته ، ومدخله ومخرجه ، فينجي نفسه من البين ، ولا يرى لها مكانة يعمل عليها، فيكون ممن ذمهم الله بقوله " اعملوا على مكانتكم " [ الأنعام :35 ] فالعبد المحض ليس له مكانة يعمل عليها، فإنه مستحق المنافع والأعمال لسيده ، ونفسه ملك لسيده ، فهو عامل على أن يؤدي إلى سيده ما هو مستحق له عليه ، ليس له مكانة أصلاً بل قد كوتب على حقوق منجمة، كلما أدى نجماً حل عليه نجم آخر، ولا يزال المكاتب عبداً ما بقي عليه شيء من نجوم الكتابة . والمقصود أن إنصافه من نفسه يوجب عليه معرفة ربه ، وحقه عليه ، ومعرفة نفسه ، وما خلقت له ، وأن لا يزاحم بها مالكها، وفاطرها ويدعي لها الملكة والاستحقاق ، ويزاحم مراد سيده ، ويدفعه بمراده هو ، أو يقدمه ويؤثره عليه ، أو يقسم إرادته بين مراد سيده ومراده ، وهي قسمة ضيزى ، مثل قسمة الذين قالوا : " هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون " [الأنعام : 136] . فلينظر العبد لا يكون من لا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركاته وبين الله لجهله وظلمه وإلا لبس عليه ، وهو لا يشعر، فإن الإنسان خلق ظلوماً جهولاً ، فكيف يطلب الإنصاف ممن وصفه الظلم والجهل ؟ وكيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق؟ كما في أثر إلهي يقول الله عز وجل : "ابن ادم ما أنصفتني ، خيري إليك نازل ، وشرك إلي صاعد، كم أتحبب إليك بالنعم ، وأنا غني عنك ، وكم تتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إلى منك بعمل قبيح ". وفي أثر آخر : "ابن ادم ما أنصفتني ، خلقتك وتعبد غيري ، وأرزقك وتشكر سواي " . ثم كيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه ، وظلمها أقبح الظلم ، وسعى في ضررها أعظم السعي ، ومنعها أعظم لذاتها من حيث ظن أنه يعطيها إياها، فأتعبها كل التعب ، وأشقاها كل الشقاء من حيث ظن أنه يريحها ويسعدها، وجد كل الجد في حرمانها حظها من الله ، وهو يظن أنه ينيلها حظوظها، ودساها كل التدسية، وهو يظن أنه يكبرها وينميها، وحقرها كل التحقير، وهو يظن أنه يعظمها، فكيف يرجى الإنصاف ممن هذا إنصافه لنفسه ؟ إذا كان هذا فعل العبد بنفسه ، فماذا تراه بالأجانب يفعل . والمقصود أن قول عمار رضي الله عنه : ثلاث من جمعهن ، فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار ، كلام جامع لأصول الخير وفروعه . وبذل السلام للعالم يتضمن تواضعه وأنه لا يتكبر على أحد، بل يبذل السلام للصغير والكبير ، والشريف والوضيع ، ومن يعرفه ومن لا يعرفه ، والمتكبر ضد هذا، فإنه لا يرد السلام على كل من سلم عليه كبراً منه وتيهاً، فكيف يبذل السلام لكل أحد . وأما الإنفاق من الإقتار، فلا يصدر إلا عن قوة ثقة بالله ، وأن الله يخلفه ما أنفقه ، وعن قوة يقين ، وتوكل ، ورحمة، وزهد في الدنيا، وسخاء نفس بها، ووثوق بوعد من وعده مغفرة منه وفضلاً، وتكذيباً بوعد من يعده الفقر، ويأمر بالفحشاء، والله المستعان . |
فصل في هديه في السلام على الصيبان
فصل وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بصيبان ، فسلم عليهم ، ذكره مسلم . وذكر الترمذي في جامعه عنه صلى الله عليه وسلم مر يوماً، بجماعة نسوة ، فألوى بيده بالتسليم . وقال أبو داود: عن أسماء بنت يزيد مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلم علينا ، وهي رواية حديث الترمذي ، والظاهر أن القصة واحدة وأنه سلم عليهن بيده . وفي صحيح البخاري :أن الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم ، فيسلمون عليها، فتقدم لهم طعاماً من أصول السلق والشعير . وهذا هو الصواب في مسألة السلام على النساء يسلم على العجوز وذوات المحارم دون غيرهن . |
فصل في تسليم الصغير على الكبير والماشي على القاعد
فصل وثبت عنه في صحيح البخاري وغيره تسليم الصغير على الكبير، والمار على القاعد ، والراكب على الماشي ، والقليل على الكثير. وفي جامع الترمذي عنه : يسلم الماشي على القائم . وفي مسند البزار عنه : يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والماشيان أيهما بدأ ، فهو أفضل . وفي سنن أبي داود عنه : "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ". وكان من هديه صلى الله عليه وسلم السلام عند المجيء إلى القوم ، والسلام عند الإنصراف عنهم ، وثبت عنه أنه قال : "إذا قعد أحدكم ، فليسلم ، وإذا قام ، فليسلم ، وليست الأولى أحق من الآخرة". وذكر أبو داود عنه "إذا لقي أحدكم صاحبه فليسلم عليه ، فإن حال بينهما شجرة أو جدار، ثم لقيه ، فليسلم عليه أيضاً". وقال أنس : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة ، تفرقوا يميناً وشمالاً ، وإذا التقوا من ورائها ، سلم بعضهم على بعض . ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدىء بركعتين تحية المسجد، ثم يجيء فيسلم على القوم ، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله ، فإن تلك حق الله تعالى، والسلام على الخلق هو حق لهم ، وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم ، بخلاف الحقوق المالية، فإن فيها نزاعاً معروفاً، والفرق بينهما حاجة الآدمي وعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين ، بخلاف السلام . وكانت عادة القوم معه هكذا ، يدخل أحدهم المسجد ، فيصلي ركعتين ، ثم يجيء ، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا جاء في حديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يوماً قال رفاعة: ونحن معه إذ جاء رجل كالبدوي فصلى، فأخف صلاته ، ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وعليك فارجع ، فصل ، فإنك لم تصل " . . . وذكر الحديث فأنكر عليه صلاته ، ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد الصلاة . وعلى هذا: فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مترتبة : أن يقول عند دخوله : بسم الله والصلاة على رسول الله . ثم يصلي ركعتين تحية المسجد . ثم يسلم على القوم . |
فصل وكان إذا دخل على أهله بالليل يسلم تسليماً لا يوقظ النائم . ويسمع اليقظان
فصل وكان إذا دخل على أهله بالليل ، يسلم تسليماً لا يوقظ النائم . ويسمع اليقظان ، ذكره مسلم . |
فصل في البدء بالسلام قبل الكلام
فصل وذكر الترمذي عنه عليه السلام "السلام قبل الكلام ". وفي لفظ آخر : "لا تدعوا أحداً إلى الطعام حتى يسلم" . وهذا وإن كان إسناده وما قبله ضعيفاً ، فالعمل عليه . وقد روى أبو أحمد بإسناد أحسن منه حديث عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "السلام قبل السؤال ، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام ، فلا تجيبوه ". ويذكر عنه أنه كان لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام . ويذكر عنه : "لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام ". وأجود منها ما رواه الترمذي عن كلدة بن حنبل ، أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ وجداية وضغابيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي قال : فدخلت عليه ، ولم أسلم ، ولم أستأذن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ارجع فقل : السلام عليكم ، أأدخل ؟" ، قال : هذا حديث حسن غريب . وكان إذا أتى باب قوم ، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن ، أو الأيسر ، فيقول : السلام عليكم ، السلام عليكم . |
فصل في التسليم على من يواجهه وتحمله السلام للغائب
فصل وكان يسلم بنفسه على كل من يواجهه ، ويحمل السلام لمن يريد السلام من الغائبين عنه ، ويتحمل السلام لمن يبلغه إليه ، كما تحمل السلام من الله عز وجل على صديقة النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها لما قال له جبريل : "هذه خديجة قد أتتك بطعام ، فاقرأ [عليها] السلام من ربها، [ومني] وبشرها ببيت في الجنة". وقال للصديقة الثانية بنت الصديق عائشة رضي الله عنها : "هذا جبريل يقرأ عليك السلام " فقالت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، يرى ما لا أرى. |
فصل في انتهاء السلام إلى وبركاته
فصل وكان هديه انتهاء السلام إلى وبركاته فذكر النسائي عنه "أن رجلاً جاء فقال : السلام عليكم ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : عشرة ثم جلس ، ثم جاء آخر، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : عشرون ثم جلس وجاء آخر، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال : ثلاثون" رواه النسائي ، والترمذي من حديث عمران بن حصين ، وحسنه . وذكره أبو داود من حديث معاذ بن أنس ، وزاد فيه : "ثم أتى آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال : أربعون فقال : هكذا تكون الفضائل ". ولا يثبت هذا الحديث . فإن له ثلاث علل : إحداهما : إنه من رواية أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون ، ولا يحتج به . الثانية : إن فيه أيضاً سهل بن معاذ وهو أيضاً كذلك. الثالثة : أن سعيد بن أبي مريم أحد رواته لم يجزم بالرواية، بل قال : أظن أني سمعت نافع بن يزيد. وأضعف من هذا الحديث الآخر "عن أنس : كان رجل يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : السلام عليك يا رسول الله ، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقيل له : يا رسول الله تسلم على هذا سلاماً ما تسلمه على أحد من أصحابك ؟ فقال : وما يمنعي من ذلك ، وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلاً ، وكان يرعى على أصحابه" . |
فصل في التسليم ثلاثاً
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يسلم ثلاثاً كما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمتن أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم ثلاثاً ولعل هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث ، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع كما سلم لما انتهى إلى منزل سعد بن عبادة ثلاثاً، فلما لم يجبه أحد رجع وإلا فلو كان هديه الدائم التسليم ثلاثاً لكان أصحابه يسلمون عليه كذلك ، وكان يسلم على كل من لقيه ثلاثاً ، وإذا دخل بيته ثلاثاً، ومن تأمل هديه ، علم أن الأمر ليس كذلك ، وأن تكرار السلام كان منه أمراً عارضاً في بعض الأحيان ، والله أعلم . |
الساعة الآن 03:49 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][