منتديات جعلان

منتديات جعلان (http://www.jalaan.com/index.php)
-   جعلان للتربية والتعليم (http://www.jalaan.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 (http://www.jalaan.com/showthread.php?t=10295)

اسير الصحراء 04-29-2006 12:58 AM

فصل
وكان صلى الله عليه وسلم يضطجع بعد سنة الفجر على شقه الأيمن ، هذا الذي ثبت عنه في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها . وذكر الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح ، فليضطجع على جنبه الأيمن " . قال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب . وسمعت ابن تيمية يقول : هذا باطل ، وليس بصحيح ، وإنما الصحيح الفعل لا الأمر بها ، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه ، وأما ابن حزم ومن تابعه ، فإنهم يوجبون هذه الضجعة ، ويبطل ابن حزم صلاة ما لم يضطجعها بهذا الحديث ، وهذا مما تفرد به عن الأمة ، ورأيت مجلداً لبعض أصحابه قد نصر
فيه هذا المذهب . وقد ذكر عبد الرزاق في المصنف عن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، أن أبا موسى ، ورافع بن خديج ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ، كانوا يضطجعون بعد ركعتي الفجر ، ويأمرون بذلك ، وذكر عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، أن ابن عمر كان لا يفعله ، ويقول : كفانا بالتسليم . وذكر عن ابن جريج : أخبرني من أصدق أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : " إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يضطجع لسنة ، ولكنه كان يدأب ليله فيستريح" . قال : وكان ابن عمر يحصبهم إذا رآهم يضطجعون على أيمانهم . وذكر ابن أبي شيبة عن أبي الصديق الناجي ، أن ابن عمر رأى قوماً اضطجعوا بعد ركعتي الفجر ، فأرسل إليهم فنهاهم ، فقالوا : نريد بذلك السنة ، فقال ابن عمر : ارجع إليهم وأخبرهم أنها بدعة . وقال أبو مجلز : سألت ابن عمر عنها فقال : يلعب بكم الشيطان . قال ابن عمر رضي الله عنه : ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يفعل كما يفعل الحمار إذا تمعك .
وقد غلا في هذه الضجعة طائفتان ، وتوسط فيها طائفة ثالثة ، فأوجبها جماعة من أهل الظاهر ، وأبطلوا الصلاة بتركها كابن حزم ومن وافقه ، وكرهها جماعة من الفقهاء ، وسموها بدعة ، وتوسط فيها مالك وغيره ، فلم يروا بها بأساً لمن فعلها راحة ، وكرهوها لمن فعلها استناناً ، واستحبها طائفة على الإطلاق ، سواء استراح بها أم لا ، واحتجوا بحديث أبي هريرة . والذين كرهوها ، منهم من احتج بآثار الصحابة كابن عمر وغيره ، حيث كان يحصب من فعلها ، ومنهم من أنكر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها ، وقال : الصحيح أن اضطجاعه كان بعد الوتر ، وقبل ركعتي الفجر ، كما هو مصرح به في حديث ابن عباس . قال : وأما حديث عائشة ، فاختلف على ابن شهاب فيه ، فقال مالك عنه : فإذا فرغ يعني من قيام الليل ، اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين ، وهذا صريح أن الضجعة قبل سنة الفجر ، وقال غيره عن ابن شهاب : فإذا سكت المؤذن من أذان الفجر ، وتبين له الفجر ، وجاءه المؤذن ، قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن . قالوا : وإذا اختلف أصحاب ابن شهاب ، فالقول ما قاله مالك ، لأنه أثبتهم فيه وأحفظهم . وقال الآخرون : بل الصواب في هذا مع من خالف مالكاً ، وقال أبو بكر الخطيب : روى مالك عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة ، يوتر منها بواحدة ، فإذا فرغ منها ، اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن ، فيصلى ركعتين خفيفتين . وخالف مالكاً ، عقيل ، ويونس ، وشعيب ، وابن أبي ذئب ، والأوزاعي ، وغيرهم ، فرووا عن الزهري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يركع الركعتين للفجر . ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن ، فيخرج معه . فذكر مالك أن اضطجاعه كان قبل ركعتي الفجر . وفي حديث الجماعة ، أنه اضطجع بعدهما ، فحكم العلماء أن مالكا أخطأ وأصاب غيره ، انتهى كلامه .
وقال أبو طالب : قلت لأحمد : حدثنا أبو الصلت ، عن أبي كدينة ، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه اضطجع بعد ركعتي الفجر ، قال : شعبة لا يرفعه ، قلت : فإن لم يضطجع عليه شئ ؟ قال : لا ، عائشة ترويه وابن عمر ينكره . قال الخلال : وأنبأنا المروزي أن أبا عبد الله قال : حديث أبي هريرة ليس بذاك . قلت : إن الأعمش يحدث به عن أبي صالح ، عن أبي هريرة . قال : عبد الواحد وحده يحدث به . وقال إبراهيم بن الحارث : إن أبا عبد الله سئل عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر قال : ما أفعله ، وإن فعله رجل ، فحسن . انتهى . فلو كان حديث عبد الواحد بن زياد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح صحيحاً عنده ، لكان أقل درجاته عنده الاستحباب ، وقد يقال : إن عائشة رضي الله عنها روت هذا ، وروت هذا ، فكان يفعل هذا تارة ، وهذا تارة ، فليس في ذلك خلاف ، فإنه من المباح ، والله أعلم .
وفي اضطجاعه على شقه الأيمن سر ، وهو أن القلب معلق في الجانب الأيسر ، فإذا نام الرجل على الجنب الأيسر ، استثقل نوماً ، لأنه يكون في دعة واستراحة ، فيثقل نومه ، فإذا نام على شقه الأيمن ، فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم ، لقلق القلب ، وطلبه مستقره ، وميله إليه ، ولهذا استحب الأطباء النوم على الجانب الأيسر لكمال الراحة وطيب المنام ، وصاحب الشرع يستحب النوم على الجانب الأيمن ، لئلا يثقل نومه فينام عن قيام الليل ، فالنوم على الجانب الأيمن أنفع للقلب ، وعلى الجانب الأيسر أنفع للبدن ، والله أعلم .

اسير الصحراء 04-29-2006 12:58 AM

فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في قيام الليل
قد اختلف السلف والخلف في أنه : هل كان فرضاً عليه أم لا ؟ والطائفتان احتجوا بقوله تعالى : " ومن الليل فتهجد به نافلة لك "
( الإسراء :79) قالوا : فهذا صريح في عدم الوجوب ، قال الآخرون : أمره بالتهجد في هذه السورة ، كما أمره فى قوله تعالى: " يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا " ( المزمل :1) ولم يجئ ما ينسخه عنه ، وأما قوله تعالى : " نافلة لك " . فلو كان المراد به التطوع ، لم يخصه بكونه نافلة له ، وإنما المراد بالنافلة الزيادة ، ومطلق الزيادة لا يدل على التطوع ، قال تعالى : " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة " ( الأنبياء : 72) ، أي زيادة على الولد ، وكذلك النافلة في تهجد النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في درجاته ، وفي أجره ولهذا خصه بها ، فإن قيام الليل في حق غيره مباح ، ومكفر للسيئات ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فهو يعمل في زيادة الدرجات وعلو المراتب ، وغيره يعمل في التكفير . قال مجاهد : إنما كان نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكانت طاعته نافلة ، أي : زيادة في الثواب ، ولغيره كفارة لذنوبه ، قال ابن المنذر في تفسيره : حدثنا يعلى بن أبي عبيد ، حدثنا الحجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : ما سوى المكتوبة ، فهو نافلة من أجل أنه لا يعمل في كفارة الذنوب ، وليست للناس نوافل ، إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، والناس جميعاً يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها .
حدثنا محمد بن نصر ، حدثنا عبد الله ، حدثنا عمرو ، عن سعيد وقبيصة ، عن سفيان ، عن أبي عثمان ، عن الحسن في قوله تعالى : " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " . قال : لا تكون نافلة الليل إلا للنبي صلى الله عليه وسلم . وذكر عن الضحاك ، قال : نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
وذكر سليم بن حيان ، حدثنا أبو غالب ، حدثنا أبو أمامة ، قال : إذا وضعت الطهور مواضعه ، قمت مغفوراً لك ، فإن قمت تصلي، كانت لك فضيلة وأجراً ، فقال رجل : يا أبا أمامة ، أرأيت إن قام يصلي تكون له نافلة ؟ قال : لا ، إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف يكون له نافلة ، وهو يسعى في الذنوب والخطايا ؟! تكون له فضيلة وأجراً . قلت : والمقصود أن النافلة في الآية ، لم يرد بها ما يجوز فعله وتركه ، كالمستحب ، والمندوب ، وإنما المراد بها الزيادة في الدرجات ، وهذا قدر مشترك بين الفرض والمستحب ، فلا يكون قوله :" نافلة لك " نافياً لما دل عليه الأمر من الوجوب ، وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة إن شاء الله تعالى ، عند ذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم .
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً ، وكان إذا غلبه نوم أو وجع ، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة . فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : في هذا دليل على أن الوتر لا يقضى لفوات محله ، فهو كتحية المسجد ، وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحوها ، لأن المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وتراً ، كما أن المغرب آخر صلاة النهار ، فإذا انقضى الليل وصليت الصبح ، لم يقع الوتر موقعه . وقد روى أبو داود ، وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نام عن الوتر أو نسيه ، فليصله إذا أصبح أو ذكر " . ولكن لهذا الحديث عدة علل .
أحدها : أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف . الثاني : أن الصحيح فيه أنه مرسل له عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الترمذي : هذا أصح ، يعني المرسل .
الثالث : أن ابن ماجه حكى عن محمد بن يحيى بعد أن روى حديث أبي سعيد : الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوتروا قبل أن تصبحوا " . قال : فهذا الحديث دليل على أن حديث عبد الرحمن واه .
وكان قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ، كما قال ابن عباس وعائشة ، فإنه ثبت عنهما هذا وهذا ، ففي الصحيحين عنها : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة . وفي الصحيحين عنها أيضاً ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، يوتر من ذلك بخمس ، لايجلس في شئ إلا في آخرهن و الصحيح عن عائشة الأول : والركعتان فوق الإحدى عشرة هما ركعتا الفجر ، جاء ذلك مبينا عنها في هذا الحديث بعينه ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر ، ذكره مسلم في صحيحه . وقال البخاري : في هذا الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالفجر ركعتين خفيفتين . وفي الصحيحين عن القاسم بن محمد قال : سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات ، ويوتر بسجدة ، ويركع ركعتي الفجر ، وذلك ثلاث عشرة ركعة ، فهذا مفسر مبين .
وأما ابن عباس ، فقد اختلف عليه ، ففي الصحيحين عن أبي جمرة عنه : كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل . لكن قد جاء عنه هذا مفسراً أنها بركعتي الفجر . قال الشعبي : سألت عبد الله بن عباس . وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ، فقالا : ثلاث عشرة ركعة ، منها ثمان ، ويوتر بثلاث ، وركعتين قبل صلاة الفجر . وفي الصحيحين عن كريب عنه ، في قصة مبيته عند خالته ميمونة بنت الحارث ، أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة ، ثم نام حتى نفخ ، فلما تبين له الفجر ، صلى ركعتين خفيفتين . وفي لفظ : فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن . فقام فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم خرج يصلي الصبح . فقد حصل الاتفاق على إحدى عشرة ركعة .
واختلف فى الركعتين الأخيرتين : هل هما ركعتا الفجر أو هما غيرهما ؟ فإذا إنضاف ذلك إلى عدد ركعات الفرض والسنن الراتبة التي كان يحافظ عليها ، جاء مجموع ورده الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة ، كان يحافظ عليها دائما سبعة عشر فرضاً ، وعشر ركعات ، أو ثنتا عشرة سنة راتبة ، وإحدى عشرة ، أو ثلاث عشرة ركعة قيامه بالليل ، والمجموع أربعون ركعة وما زاد على ذلك ، فعارض غير راتب ، كصلاة الفتح ثمان ركعات ، وصلاة الضحى إذا قدم من سفر ، وصلاته عند من يزوره ، وتحية المسجد ونحو ذلك ، فينبغي للعبد أن يواظب على هذا الورد دائماً إلى الممات ، فما أسرع الإجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعه كل يوم وليلة أربعين مرة . والله المستعان .

اسير الصحراء 04-29-2006 12:59 AM

فصل في سياق صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل ووتره وذكر صلاة أول الليل
قالت عائشة رضي الله عنها : ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل علي ، إلا صلى أربع ركعات ، أو ست ركعات ، ثم يأوي إلى فراشه .
وقال ابن عباس لما بات عنده : صلى العشاء ، ثم جاء ، ثم صلى ، ثم نام . ذكرهما أبو داود . وكان إذا استيقظ ، بدأ بالسواك ، ثم يذكر الله تعالى ، وقد تقدم ذكر ما كان يقوله عند استيقاظه ، ثم يتطهر ، ثم يصلى ركعتين خفيفتين ، كما في صحيح مسلم ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ، افتتح صلاته بركعتين خفيفتين . وأمر بذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : " إذا قام أحدكم من الليل ، فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين " رواه مسلم . وكان يقوم تارة إذا انتصف الليل ، أوقبله بقليل ، أو بعده بقليل ، وربما كان يقوم إذا سمع الصارخ وهو الديك وهو إنما يصيح في النصف الثاني ، وكان يقطع ورده تارة ، ويصله تارة وهو الأكثر ، ويقطعه كما قال ابن عباس في حديث مبيته عنده ، أنه صلى الله عليه وسلم استيقظ ، فتسوك ، وتوضأ ، وهو يقول : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " ( آل عمران : 190) فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة ، ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود ، ثم انصرف ، فنام حتى نفخ ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات ، كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات ، ثم أوتر بثلاث ، فأذن المؤذن ، فخرج إلى الصلاة وهو يقول : " اللهم اجعل في قلبي نوراً ، وفي لساني نوراً ، واجعل في سمعي نوراً ، واجعل في بصري نوراً ، واجعل من خلفي نوراً ، ومن أمامي نوراً ، واجعل من فوقي نوراً ، ومن تحتي نوراً ، اللهم أعطني نوراً " رواه مسلم . ولم يذكر ابن عباس افتتاحه بركعتين خفيفتين كما ذكرته عائشة ، فإما أنه كان يفعل هذا تارة ، وهذا تارة ، وإما أن تكون عائشة حفظت ما لم يحفظ ابن عباس ، وهو الأظهر لملازمتها له ، ولمراعاتها ذلك ، ولكونها أعلم الخلق بقيامه بالليل ، وابن عباس إنما شاهده ليلة المبيت عند خالته ، وإذا اختلف ابن عباس وعائشة في شئ من أمر قيامه بالليل ، فالقول ما قالت عائشة .
وكان قيامه بالليل ووتره أنواعاً ، فمنها هذا الذي ذكره ابن عباس .
النوع الثاني : الذي ذكرته عائشة ، أنه كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ، ثم يتمم ورده إحدى عشرة ركعة ، يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة .
النوع الثالث : ثلاث عشرة ركعة كذلك .
النوع الرابع : يصلي ثمان ركعات ، يسلم من كل ركعتين ، ثم يوتر بخمس سرداً متوالية ، لا يجلس في شئ إلا في آخرهن .
النوع الخامس : تسع ركعات ، يسرد منهن ثمانياً لا يجلس في شئ منهن إلا في الثامنة ، يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يصلي التاسعة ، ثم يقعد ، ويتشهد ، ويسلم ، ثم يصلي ركعتين جالساً بعدما يسلم .
النوع السادس : يصلي سبعاً كالتسع المذكورة ، ثم يصلي بعدها ركعتين جالساً .
النوع السابع : أنه كان يصلي مثنى مثنى ، ثم يوتر بثلاث لا يفصل بينهن . فهذا رواه الإمام أحمد رحمه الله عن عائشة ، أنه كان يوتر بثلاث لا فصل فيهن . وروى النسائي عنها : كان لا يسلم في ركعتي الوتر . وهذه الصفة فيها نظر ، فقد روى أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا توتروا بثلاث ، أوتروا بخمس أو سبع ، ولا تشبهوا بصلاة المغرب ". قال الدارقطني : رواته كلهم ثقات ، قال مهنا : سألت أبا عبد الله : إلى أي شئ تذهب في الوتر ، تسلم في الركعتين ؟ قال : نعم . قلت : لأي شئ ؟ قال : لأن الأحاديث فيه أقوى وأكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين . الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سلم من الركعتين . وقال حرب : سئل أحمد عن الوتر ؟ قال : يسلم في الركعتين . وإن لم يسلم ، رجوت ألا يضره ، إلا أن التسليم أثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو طالب : سألت أبا عبد الله : إلى أي حديث تذهب في الوتر ؟ قال : أذهب إليها كلها : من صلى خمساً لا يجلس إلا في آخرهن ، ومن صلى سبعاً لا يجلس إلا في آخرهن ، وقد روي في حديث زرارة عن عائشة : يوتر بتسع يجلس في الثامنة . قال : ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة ، فأنا أذهب إليها . قلت : ابن مسعود يقول : ثلاث ، قال : نعم ، قد عاب على سعد ركعة ، فقال له سعد أيضاً شيئاً يرد عليه .
النوع الثامن : ما رواه النسائي ، عن حذيفة ، "أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ، فركع ، فقال في ركوعه : سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائماً ، ثم جلس يقول : رب اغفر لي ، رب اغفر لي مثل ما كان قائماً . ثم سجد ، فقال : سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائماً ، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة "، وأوتر أول الليل ، ووسطه ، وآخره . وقام ليلة تامة بآية يتلوها ويرددها حتى الصباح وهي : " إن تعذبهم فإنهم عبادك " ( المائدة : 118) . وكانت صلاته بالليل ثلاثة أنواع .
أحدها - وهو أكثرها : صلاته قائماً .
الثاني : أنه كان يصلي قاعداً ، ويركع قاعداً .
الثالث : أنه كان يقرأ قاعداً ، فإذا بقي يسير من قراءته ، قام فركع قائماً ، والأنواع الثلاثة صحت عنه .
وأما صفة جلوسه في محل القيام ، ففي سنن النسائي ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً قال النسائي : لا أعلم أحداً روى هذا الحديث غير أبي دواد ، يعني الحفري ، وأبو داود ثقة ، ولا أحسب إلا أن هذا الحديث خطأ والله أعلم .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:00 AM

فصل في صلاته جالساً بعد الوتر

فصل
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً تارة ، وتارة يقرأ فيهما جالساً ، فإذا أراد أن يركع ، قام فركع ، وفي صحيح مسلم عن أبي سلمة قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان يصلي ثلاث عشرة ركعة ، يصلي ثمان ركعات ، ثم يوتر ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع ، قام فركع ، ثم يصلي ركعتين بعد النداء والإقامة من صلاة الصبح . وفي المسند عن أم سلمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس . وقال الترمذي : روي نحو هذا عن عائشة ، وأبي أمامة ، وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي المسند عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس ، يقرأ فيهما بـ" إذا زلزلت " و " قل يا أيها الكافرون " .
وروى الدارقطني نحوه من حديث أنس رضي الله عنه .
وقد أشكل هذا على كثير من الناس ، فظنوه معارضاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ". وأنكر مالك رحمه الله هاتين الركعتين ، وقال أحمد : لا أفعله ولا أمنع من فعله ، قال : وأنكره مالك وقالت طائفة : إنما فعل هاتين الركعتين ، ليبين جواز الصلاة بعد الوتر ، وأن فعله لا يقطع التنفل ، وحملوا قوله : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " على الاستحباب ، وصلاة الركعتين بعده على الجواز .
والصواب : أن يقال : إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة ، وتكميل الوتر ، فإن الوتر عبادة مستقلة ، ولا سيما إن قيل بوجوبه ، فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب ، فإنها وتر النهار ، والركعتان بعدها تكميل لها ، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل ، والله أعلم .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:00 AM

فصل في قنوت الوتر

فصل
ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر ، إلا في حديث رواه ابن ماجه ، عن علي بن ميمون الرقي ، حدثنا مخلد بن يزيد ، عن سفيان ، عن زبيد اليامي ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع . وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله : أختار القنوت بعد الركوع ، إن كل شيء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت ، إنما هو في الفجر لما رفع رأسه من الركوع ، وقنوت الوتر أختاره بعد الركوع ، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شئ . وقال الخلال : أخبرني محمد بن يحيى الكحال ، أنه قال لأبي عبد الله في القنوت في الوتر ؟ فقال : ليس يروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ ، ولكن كان عمر يقنت من السنة إلى السنة .
وقد روى أحمد وأهل السنن من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت " . زاد البيهقي والنسائي : " ولا يعز من عاديت " .
وزاد النسائي في روايته : " وصلى الله على النبي " .
وزاد الحاكم في المستدرك وقال : " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود ". ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه : "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو" .
قال الترمذي : وفي الباب عن علي رضي الله عنه ، وهذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي ، واسمه ربيعة بن شيبان ، ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئاً أحسن من هذا انتهى .
والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر ، وابن مسعود ، والرواية عنهم أصح من القنوت في الفجر ، والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الفجر ، أصح من الرواية في قنوت الوتر . والله أعلم .
وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره : " اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". وهذا يحتمل ، أنه قبل فراغه منه وبعده ، وفي إحدى الروايات عن النسائي : كان يقول إذا فرغ من صلاته ، وتبوأ مضجعه ، وفي هذه الرواية :" لا أحصي ثناء عليك ولو حرصت ". وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في السجود ، فلعله قاله في الصلاة وبعدها . وذكر الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووتره : ثم أوتر ، فلما قضى صلاته ، سمعته يقول : " اللهم اجعل في قلبي نوراً ، وفي بصري نوراً ، وفي سمعي نوراً ، وعن يميني نوراً ، وعن شمالي نوراً ، وفوقي نوراً ، وتحتي نوراً ، وأمامي نوراً ، وخلفي نوراً ، واجعل لي يوم لقائك نوراً " . قال كريب : وسبع في القنوت ، فلقيت رجلاً من ولد العباس ، فحدثني بهن ، فذكر : " لحمي ودمي ، وعصبي وشعري وبشري "، وذكر خصلتين ، وفي رواية النسائي في هذا الحديث ، وكان يقول في سجوده . وفي رواية لمسلم في هذا الحديث : فخرج إلى الصلاة يعني صلاة الصبح ، وهو يقول ... فذكر هذا الدعاء ، وفي رواية له أيضاً ، " وفي لساني نوراً واجعل في نفسي نوراً ، وأعظم لي نوراً " ، وفي رواية له أيضاً ، " واجعلني نوراً " . وذكر أبو داود ، والنسائي من حديث أبي بن كعب ، قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر ، بـ " سبح اسم ربك الأعلى " و " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " ، فإذا سلم قال : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ، يمد بها صوته في الثالثة ويرفع ". وهذا لفظ النسائي . زاد الدارقطني "رب الملائكة والروح ".
وكان صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته ، ويقف عند كل آية فيقول : " الحمد لله رب العالمين ، ويقف : الرحمن الرحيم ، ويقف : مالك يوم الدين".
وذكر الزهري أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت آية آية ، وهذا هو الأفضل ، الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها ، وذهب بعض القراء إلى تتبع الأغراض والمقاصد ، والوقوف عند انتهائها ، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته أولى . وممن ذكر ذلك البيهقي في شعب الإيمان وغيره ، ورجح الوقوف على رؤوس الآي وإن تعلقت بما بعدها .
وكان صلى الله عليه وسلم يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها ، وقام بآية يرددها حتى الصباح . وقد اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة ، أو السرعة مع كثرة القراءة : أيهما أفضل ؟ على قولين .
فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها . واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من القراءة فهمه وتدبره ، والفقه فيه والعمل به ، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، كما قال بعض السلف : نزل القرآن ليعمل به ، فاتخذوا تلاوته عملاً ، ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به ، والعاملون بما فيه ، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب . وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه ، فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم .
قالوا : ولأن الإيمان أفضل الأعمال ، وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان ، وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر ، فيفعلها البر والفاجر ، والمؤمن والمنافق ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن ، كمثل الريحانة ، ريحها طيب ، وطعمها مر ".
والناس في هذا أربع طبقات : أهل القرآن والإيمان ، وهم أفضل الناس . والثانية : من عدم القرآن والإيمان . الثالثة : من أوتي قرآناً ، ولم يؤت إيماناً ، الرابعة : من أوتي إيماناً ولم يؤت قرآناً . قالوا : فكما أن من أوتي إيماناً بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآناً بلا إيمان ، فكذلك من أوتي تدبراً ، وفهماً في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر . قالوا : وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول منها ، وقام بآية حتى الصباح .
وقال أصحاب الشافعي رحمه الله : كثرة القراءة أفضل ، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ في كتاب الله ، فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف " . رواه الترمذي . وصححه .
قالوا : ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة ، وذكروا آثاراً عن كثير من السلف في كثرة القراءة .
والصواب في المسألة أن يقال : إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدراً ، وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً ، فالأول : كمن تصدق بجوهرة عظيمة ، أو أعتق عبداً قيمته نفيسة جداً ، والثاني : كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم ، أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة ، وفي صحيح البخاري عن قتادة قال : سألت أنساً عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كان يمد مداً .
وقال شعبة : حدثنا أبو جمرة ، قال : قلت لابن عباس : إني رجل سريع القراءة ، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين ، فقال ابن عباس : لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل ، فإن كنت فاعلاً ولا بد ، فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ، ويعيها قلبك . وقال إبراهيم : قرأ علقمة على ابن مسعود ، وكان حسن الصوت ، فقال : رتل فداك أبي وأمي ، فإنه زين القرآن .
وقال ابن مسعود : لا تهذوا القرآن هذ الشعر ، ولا تنثروه نثر الدقل ، وقفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .
وقال عبد الله أيضاً : إذا سمعت الله يقول : " يا أيها الذين آمنوا " فأصغ لها سمعك ، فإنه خير تؤمر به ، أو شر تصرف عنه.
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : دخلت علي امرأة وأنا أقرأ ( سورة هود ) فقالت : يا عبد الرحمن : هكذا تقرأ سورة هود ؟! والله إني فيها منذ ستة أشهر ، وما فرغت من قراءتها .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر بالقراءة في صلاة الليل تارة ، ويجهر بها تارة ، ويطيل القيام تارة ، ويخففه تارة ، ويوتر آخر الليل - وهو الأكثر - وأوله تارة ، وأوسطه تارة .
وكان يصلي التطوع بالليل والنهار على راحلته في السفر قبل أي جهة توجهت به ، فيركع ويسجد عليها إيماء ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، وقد روى أحمد وأبو داود عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعاً ، استقبل القبلة ، فكبر للصلاة ، ثم خلى عن راحلته ، ثم صلى أينما توجهت به . فاختلف الرواة عن أحمد : هل يلزمه أن يفعل ذلك إذا قدر عليه ؟ على روايتين : فإن أمكنه الاستدارة إلى القبلة في صلاته كلها مثل أن يكون في محمل أو عمارية ونحوها ، فهل يلزمه ، أو يجوز له أن يصلي حيث توجهت به الراحلة ؟ فروى محمد بن الحكم عن أحمد فيمن صلى في محمل : أنه لا يجزئه إلا أن يستقبل القبلة ، لأنه يمكنه أن يدور ، وصاحب الراحلة والدابة لا يمكنه . وروى عنه أبو طالب أنه قال : الاستدارة في المحمل شديدة يصلي حيث كان وجهه . واختلفت الرواية عنه في السجود في المحمل ، فروى عنه ابنه عبد الله أنه قال : وإن كان محملاً فقدر أن يسجد في المحمل ، فيسجد . وروى عنه الميموني ، إذا صلى في المحمل أحب إلي أن يسجد ، لأنه يمكنه . وروى عنه الفضل بن زياد : يسجد في المحمل إذا أمكنه . وروى عنه جعفر بن محمد : السجود على المرفقة إذا كان في المحمل ، وربما أسند على البعير ، ولكن يومىء ويجعل السجود أخفض من الركوع ، وكذا روى عنه أبو داود .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:01 AM

فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى

فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى
روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى ، وإني لأسبحها . وروى أيضاً من حديث مورق العجلي ، قلت لابن عمر : أتصلي الضحى ؟ قال : لا ، قلت : فعمر ؟ قال : لا ، قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . إخاله .
وذكر عن ابن أبي ليلى قال : ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانىء ، فإنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة ، فاغتسل ، وصلى ثمان ركعات ، فلم أر صلاة قط أخف منها ، غير أنه يتم الركوع والسجود .
وفي صحيح مسلم ، عن عبد الله بن شقيق قال : سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه .
قلت : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السور ؟ قالت : من المفصل .
وفي صحيح مسلم عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ، ويزيد ما شاء الله . وفي الصحيحين عن أم هانىء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ثمان ركعات وذلك ضحى .
وقال الحاكم في المستدرك : حدثنا الأصم ، حدثنا الصغاني ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا بكر بن مضر ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن بكر بن الأشج عن الضحاك بن عبد الله ، عن أنس رضي الله عن قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سبحة الضحى ، صلى ثمان ركعات ، فلما انصرف ، قال : " إني صليت صلاة رغبة ورهبة، فسألت ربي ثلاثاً ، فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة ، سألته ألا يقتلوا أمتي بالسنين ففعل ، وسألته ألا يظهر عليهم عدواً ، ففعل ، وسألته أن لا يلبسهم شيعاً فأبى علي " . قال الحاكم صحيح . قلت : الضحاك بن عبد الله هذا ينظر من هو وما حاله ؟ وقال الحاكم : في كتاب فضل الضحى : حدثنا أبو بكر الفقيه ، أخبرنا بشر بن يحيى ، حدثنا محمد بن صالح الدولابي ، حدثنا خالد بن عبد الله بن الحصين ، عن هلال بن يساف ، عن زاذان ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى ، ثم قال : " اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وتب علي إنك أنت التواب الرحيم الغفور " . حتى قالها مائة مرة .
حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أسد بن عاصم ، حدثنا حصين بن حفص ، عن سفيان ، عن عمر بن ذر ، عن مجاهد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلى الضحى ركعتين ، وأربعاً ، وستاً وثمانياً .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عثمان بن عبد الملك العمري ، حدثتنا عائشة بنت سعد ، عن أم ذرة، قالت : رأيت عائشة رضي الله عنها تصلي الضحى وتقول : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أربع ركعات .
وقال الحاكم أيضاً : أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد المروزي ، حدثنا أبو قلابة ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا أبو عوانة ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن مرة ، عن عمارة بن عمير ، عن ابن جبير بن مطعم ، عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى .
قال الحاكم أيضاً : حدثنا إسماعيل بن محمد ، حدثنا محمد بن عدي بن كامل ، حدثنا وهب بن بقية الواسطي ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن محمد بن قيس ، عن جابر بن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات
ثم روى الحاكم عن إسحاق بن بشير المحاملي ، حدثنا عيسى بن موسى ، عن جابر ، عن عمر بن صبح ، عن مقاتل بن حيان ، عن مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ، قالتا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى ثنتي عشرة ركعة ، وذكر حديثاً طويلاً .
وقال الحاكم : أخبرنا أبو أحمد بن محمد الصيرفي ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي الضحى .
وبه إلى أبي الوليد : حدثنا أبو عوانة ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عمرو بن مرة ، عن عمارة بن عمير العبدي ، عن ابن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى .
قال الحاكم : وفي الباب عن أبي سعيد الخدري ، وأبي ذر الغفاري وزيد بن أرقم ، وأبي هريرة ، وبريدة الأسلمي ، وأبي الدرداء ، وعبد الله أبي أوفى ، وعتبان بن مالك ، وأنس بن مالك ، وعتبة بن عبد الله السلمي ، ونعيم بن همار الغطفاني ، وأبي أمامة الباهلي رضي الله عنهم ، ومن النساء ، عائشة بنت أبي بكر ، وأم هانىء ، وأم سلمة رضي الله عنهن ، كلهم شهدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها .
وذكر الطبراني من حديث علي ، وأنس ، وعائشة ، وجابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات .
فاختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق ، منهم من رجح رواية الفعل على الترك بأنها مثبتة تتضمن زيادة علم خفيت على النافي . قالوا : وقد يجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس ، ويوجد عند الأقل . قالوا : وقد أخبرت عائشة ، وأنس ، وجابر ، وأم هانىء ، وعلي بن أبي طالب ، أنه صلاها . قالوا : ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة المتضمنة للوصية بها ، والمحافظة عليها ، ومدح فاعلها ، والثناء عليه ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي محمد صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام .
وفي صحيح مسلم نحوه عن أبي الدرداء .
وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر يرفعه ، قال : " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" .
===>>>يتبع

اسير الصحراء 04-29-2006 01:02 AM

وفي مسند الإمام أحمد ، عن معاذ بن أنس الجهني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيراً ، غفر الله له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " .
وفي الترمذي ، و سنن ابن ماجه عن أبي هريرة رضي لله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حافظ على سبحة الضحى ، غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر " .
وفي المسند و السنن ، عن نعيم بن همار قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله عز وجل : يا ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره " ورواه الترمذي من حديث أبي الدرداء ، وأبي ذر .
وفي جامع الترمذي و سنن ابن ماجه ، عن أنس مرفوعاً " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة ، بنى الله له قصراً من ذهب في الجنة " .
وفي صحيح مسلم ، عن زيد بن أرقم أنه رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء ، فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ".
وقوله : ترمض الفصال ، أي : يشتد حر النهار ، فتجد الفصال حرارة الرمضاء . وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى في بيت عتبان بن مالك ركعتين .
وفي مستدرك الحاكم من حديث خالد بن عبد الله الواسطي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب " وقال : هذا إسناد قد احتج بمثله مسلم بن الحجاح ، وأنه حدث عن شيوخه ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، " ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن " قال : ولعل قائلاً يقول : قد أرسله حماد بن سلمة ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن محمد بن عمرو ، فيقال له : خالد بن عبد الله ثقة ، والزيادة من الثقة مقبولة .
ثم روى الحاكم : حدثنا عبدان بن يزيد ، حدثنا محمد بن المغيرة السكري ، حدثنا القاسم بن الحكم العرني ، حدثنا سليمان بن داود اليمامي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للجنة باباً يقال له باب الضحى ، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ، هذا بابكم ، فادخلوه برحمه الله " . وقال الترمذي في الجامع : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني موسى بن فلان ، عن عمه ثمامة بن أنس بن مالك ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة ، بنى الله له قصراً من ذهب في الجنة " . قال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وكان أحمد يرى أصح شئ في هذا الباب حديث أم هانئ . قلت : وموسى ابن فلان هذا ، هو موسى بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك .
وفي جامعه أيضاً من حديث عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ، ويدعها حتى نقول : لا يصليها . قال : هذا حديث حسن غريب .
وقال الإمام أحمد في مسنده حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن الحارث الذماري ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر ، كان له كأجر الحاج المحرم ، ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر ، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين " قال أبو أمامة : الغدو والرواح إلى هذه المساجد من الجهاد في سبيل الله عز وجل . وقال الحاكم : حدثنا أبو العباس ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو المورع محاضر بن المورع ، حدثنا الأحوص بن حكيم ، حدثني عبد الله بن عامر الألهاني ، عن منيب بن عيينة بن عبد الله السلمي ، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " من صلى الصبح في مسجد جماعة ، ثم ثبت فيه حتى الضحى ، ثم يصلي سبحة الضحى ، كان له كأجر حاج أو معتمر تام له حجته وعمرته " .
وقال ابن أبي شيبة : حدثني حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن المقبري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً ، فأعظموا الغنيمة ، وأسرعوا الكرة . فقال رجل : يا رسول الله ! ما رأينا بعثاً قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث ، فقال : " ألا أخبركم يأسرع كرة ، وأعظم غنيمة : رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه ، ثم عمد إلى المسجد ، فصلى فيه صلاة الغداة ، ثم أعقب بصلاة الضحى ، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة " .
وفي الباب أحاديث سوى هذه ، لكن هذه أمثلها . قال الحاكم : صحبت جماعة من أئمة الحديث الحفاظ الأثبات ، فوجدتهم يختارون هذا العدد ، يعني أربع ركعات ، ويصلون هذه الصلاة أربعاً ، لتواتر الأخبار الصحيحة فيه ، وإليه أذهب ، وإليه أدعوا اتباعاً للأخبار المأثورة ، واقتداء بمشايخ الحديث فيه .
قال ابن جرير الطبري - وقد ذكر الأخبار المرفوعة في صلاة الضحى واختلاف عددها : وليس في هذه الأحاديث حديث يدفع صاحبه ، وذلك أن من حكى أنه صلى الضحى أربعاً جائز أن يكون رآه في حال فعله ذلك ، ورآه غيره في حال أخرى صلى ركعتين ، ورآه آخر في حال أخرى صلاها ثمانياً ، وسمعه آخر يحث على أن يصلي ستاً ، وآخر يحث على أن يصلي ركعتين وآخر على عشر ، وآخر على ثنتي عشرة ، فأخبر كل واحد منهم عما رأى وسمع . قال : والدليل على صحة قولنا ، ما روى عن زيد بن أسلم قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول لأبي ذر : أوصني يا عم ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني ، فقال : " من صلى الضحى ركعتين ، لم يكتب من الغافلين ، ومن صلى أربعاً ، كتب من العابدين ، ومن صلى ستاً ، لم يلحقه ذلك اليوم ذنب ، ومن صلى ثمانياً ، كتب من القانتين ، ومن صلى عشراً بنى الله له بيتاً في الجنة " .
وقال مجاهد : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الضحى ركعتين ، ثم يوماً أربعاً ، ثم يوماً ستاً ، ثم يوماً ثمانياً ثم ترك . فأبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا من احتمال خبر كل مخبر ممن تقدم أن يكون إخباره لما أخبر عنه في صلاة الضحى على قدر ما شاهده وعاينه . والصواب : إذا كان الأمر كذلك : أن يصليها من أراد على ما شاء من العدد . وقد روي هذا عن قوم من السلف حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن إبراهيم ، سأل رجل الأسود ، كم أصلي الضحى ؟ قال : كم شئت .
وطائفة ثانية ، ذهبت إلى أحاديث الترك ، ورجحتها من جهة صحة إسنادها ، وعمل الصحابة بموجبها ، فروى البخاري عن ابن عمر ، أنه لم يكن يصليها ، ولا أبو بكر ، ولا عمر . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : لا إخاله . وقال وكيع : حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى إلا يوماً واحداً . وقال علي بن المديني : حدثنا معاذ بن معاذ ، حدثنا شعبة ، حدثنا فضيل بن فضالة ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال : رأى أبو بكرة ناساً يصلون الضحى ، قال : إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه .
وفي الموطأ : عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس ، فيفرض عليهم .
وقال أبو الحسن علي بن بطال : فأخذ قوم من السلف بحديث عائشة ، ولم يروا صلاة الضحى ، وقال قوم : إنها بدعة ، روى الشعبي ، عن قيس بن عبيد ، قال : كنت اختلف إلى ابن مسعود السنة كلها ، فما رأيته مصلياً الضحى . وروى شعبة ، عن سعد بن ابراهيم ، عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف ، كان لا يصلي الضحي . وعن مجاهد ، قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا ابن عمر جالس عند حجرة عائشة ، وإذا الناس في المسجد يصلون صلاة الضحى ، فسألناه عن صلاتهم ، فقال : بدعة ، وقال مرة : ونعمت البدعة .
وقال الشعبي : سمعت ابن عمر يقول : ما ابتدع المسلمون أفضل صلاة من الضحى ، وسئل أنس بن مالك عن صلاة الضحى ، فقال : الصلوات خمس .
وذهبت طائفة ثالثة إلى استحباب فعلها غباً ، فتصلى في بعض الأيام دون بعض ، وهذا أحد الروايتين عن أحمد ، وحكاه الطبري عن جماعة ، قال : واحتجوا بما روى الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : قلت لعائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجئ من مغيبه . ثم ذكر حديث أبي سعيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ، حتى نقول : لا يدعها ، ويدعها حتى نقول : لا يصليها ، وقد تقدم . ثم قال : كذا ذكر من كان يفعل ذلك من السلف . وروى شعبة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس يصليها يوماً ويدعها عشرة أيام يعنى صلاة الضحى ، وروى شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أنه كان لا يصلي الضحى ، فإذا أتى مسجد قباء ، صلى ، وكان يأتيه كل سبت . وروى سفيان ، عن منصور ، قال : كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ، ويصلون ويدعون يعني صلاة الضحى . وعن سعيد بن جبير : إني لأدع صلاة الضحى وأنا أشتهيها ، مخافة أن أراها حتماً علي . وقال مسروق : كنا نقرأ في المسجد ، فنبقى بعد قيام ابن مسعود ، ثم نقوم ، فنصلي الضحى ، فبلغ ابن مسعود ذلك فقال : لم تحملون عباد الله ما لم يحملهم الله ؟! إن كنتم لا بد فاعلين ، ففي بيوتكم . وكان أبو مجلز يصلي الضحى في منزله .
قال هؤلاء : وهذا أولى لئلا يتوهم متوهم وجوبها بالمحافظة عليها ، أو كونها سنة راتبة ، ولهذا قالت عائشة : لو نشر لي أبواي ما تركتهما . فإنها كانت تصليها في البيت حيث لا يراها الناس .
===>>يتبع

اسير الصحراء 04-29-2006 01:03 AM

وذهبت طائفة رابعة إلى أنها تفعل بسبب من الأسباب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما فعلها بسبب ، قالوا : وصلاته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثمان ركعات ضحى ، إنما كانت من أجل الفتح ، وأن سنة الفتح أن تصلى عنده ثمان ركعات ، وكان الأمراء يسمونها صلاة الفتح . وذكر الطبرى في تاريخه عن الشعبي قال : لما فتح خالد بن الوليد الحيرة ، صلى صلاة الفتح ثمان ركعات لم يسلم فيهن ، ثم انصرف . قالوا : وقول أم هانئ : وذلك ضحى . تريد أن فعله لهذه الصلاة كان ضحى ، لا أن الضحى اسم لتلك الصلاة . قالوا : وأما صلاته في بيت عتبان بن مالك ، فإنما كانت لسبب أيضاً ، فإن عتبان قال له : إني أنكرت بصري ، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي ، فوددت أنك جئت ، فصليت في بيتي مكاناً أتخذه مسجداً ، فقال : " أفعل إن شاء الله تعالى " قال : فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتى قال : " أين تحب أن أصلي من بيتك" ؟ فأشرت إليه من المكان الذي أحب أن يصلي فيه ، فقام وصففنا خلفه ، وصلى ، ثم سلم ، وسلمنا حين سلم . متفق عليه .
فهذا أصل هذه الصلاة وقصتها ، ولفظ البخاري فيها ، فاختصره بعض الرواة عن عتبان ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتي سبحة الضحى ، فقاموا وراءه فصلوا .
وأما قول عائشة : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه ، فهذا من أبين الأمور أن صلاته لها إنما كانت لسبب ، فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر ، بدأ بالمسجد ، فصلى فيه ركعتين .
فهذا كان هديه ، وعائشة أخبرت بهذا وهذا ، وهى القائلة : ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى قط . فالذي أثبتته فعلها بسبب ، كقدومه من سفر ، وفتحه ، وزيارته لقوم ونحوه ، وكذلك إتيانه مسجد قباء للصلاة فيه ، وكذلك ما رواه يوسف بن يعقوب ، حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا سلمة بن رجاء ، حدثتنا الشعثاء ، قالت : رأيت ابن أبي أوفى صلى الضحى ركعتين يوم بشر برأس أبي جهل . فهذا إن صح فهي صلاة شكر وقعت وقت الضحى ، كشكر الفتح . والذي نفته ، هو ما كان يفعله الناس ، يصلونها لغير سبب ، وهي لم تقل : إن ذلك مكروه ، ولا مخالف لسنته ، ولكن لم يكن من هديه فعلها لغير سبب . وقد أوصي بها وندب إليها ، وحض عليها ، وكان يستغني عنها بقيام الليل ، فإن فيه غنية عنها ، وهي كالبدل منه ، قال تعالى : " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " (الفرقان :62) قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة : عوضاً وخلفاً يقوم أحدهما مقام صاحبه ، فمن فاته عمل في أحدهما ، قضاه في الآخر .
قال قتادة : فأدوا لله من أعمالكم خيراً في هذا الليل والنهار ، فإنهما مطيتان يقحمان الناس إلى آجالهم ، ويقربان كل بعيد ، ويبليان كل جديد ، ويجيئان بكل موعود إلى يوم القيامة .
وقال شقيق : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : فاتتني الصلاة الليلة ، فقال : أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك ، فإن الله عز وجل جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً .
قالوا : وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على هذا ، فإن ابن عباس كان يصليها يوماً ، ويدعها عشرة ، وكان ابن عمر لا يصليها ، فإذا أتى مسجد قباء ، صلاها ، وكان يأتيه كل سبت . وقال سفيان ، عن منصور : كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها ، كالمكتوبة ، ويصلون ويدعون ، قالوا : ومن هذا الحديث الصحيح عن أنس ، أن رجلاً من الأنصار كان ضخماً ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لا أستطيع أن أصلي معك ، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً ، ودعاه إلى بيته ، ونضح له طرف حصير بماء ، فصلى عليه ركعتين . قال أنس : ما رأيته صلى الضحى غير ذلك اليوم . رواه البخاري .
ومن تأمل الأحاديث المرفوعة وآثار الصحابة ، وجدها لا تدل إلا على هذا القول ، وأما أحاديث الترغيب فيها ، والوصية بها ، فالصحيح منها كحديث أبي هريرة وأبي ذر لا يدل على أنها سنة راتبة لكل أحد ، وإنما أوصى أبا هريرة بذلك ، لأنه قد روى أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة ، فأمره بالضحى بدلاً من قيام الليل ، ولهذا أمره ألا ينام حتى يوتر ، ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة .
وعامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال ، وبعضها منقطع ، وبعضها موضوع لا يحل الاحتجاج به ، كحديث يروى عن أنس مرفوعاً "من داوم على صلاة الضحى ولم يقطعها إلا عن علة ، كنت أنا وهو في زورق من نور في بحر من نور " وضعه زكريا بن دويد الكندي ، عن حميد .
وأما حديث يعلى بن أشدق ، عن عبد الله بن جراد ، عن النبى صلى الله عليه وسلم ، " من صلى منكم صلاة الضحى ، فليصلها متعبداً ، فإن الرجل ليصليها السنة من الدهر ثم ينساها ويدعها ، فتحن إليه كما تحن الناقة إلى ولدها إذا فقدته " . فيا عجباً للحاكم كيف يحتج بهذا الحديث فى كتاب أفرده للضحى ، وهذه نسخة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني نسخة يعلى بن الأشدق . وقال ابن عدي : روى يعلى بن الأشدق ، عن عمه عبد الله بن جراد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منكرة ، وهو وعمه غير معروفين ، وبلغني عن أبي مسهر ، قال : قلت ليعلى بن الأشدق : ما سمع عمك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : جامع سفيان ، وموطأ مالك ، وشيئاً من الفوائد . وقال أبو حاتم بن حبان : لقي يعلى عبد الله بن جراد ، فلما كبر ، اجتمع عليه من لا دين له ، فوضعوا له شهباً بمائتي حديث ، فجعل يحدث بها وهو لا يدري ، وهو الذي قال له بعض مشايخ أصحابنا : أي شئ سمعته من عبد الله بن جراد ؟ فقال : هذه النسخة ، وجامع سفيان - لا تحل الرواية عنه بحال .
وكذلك حديث عمر بن صبح عن مقاتل بن حيان حديث عائشة المتقدم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ثنتي عشرة ركعة ، وهو حديث طويل ذكره الحاكم في صلاة الضحى وهو حديث موضوع ، المتهم به عمر بن صبح ، قال البخاري : حدثني يحيى ، عن علي بن جرير ، قال : سمعت عمر بن صبح يقول : أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عدي : منكر الحديث . وقال ابن حبان : يضع الحديث على الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب منه ، وقال الدارقطني : متروك ، وقال الأزدي : كذاب.
وكذلك حديث عبد العزيز بن أبان ، عن الثوري ، عن حجاج بن فرافصة ، عن مكحول ، عن أبي هريرة مرفوعاً : " من حافظ على سبحة الضحى ، غفرت ذنوبه ، وإن كانت بعدد الجراد ، وأكثر من زبد البحر " ذكره الحاكم أيضاً . وعبد العزيز هذا ، قال ابن نمير : هو كذاب ، وقال يحيى : ليس بشئ ، كذاب خبيث يضع الحديث ، وقال البخاري ، والنسائي ، والدارقطني : متروك الحديث. وكذلك حديث النهاس بن قهم ، عن شداد ، عن أبي هريرة يرفعه " من حافظ على شفعة الضحى ، غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر" والنهاس ، قال يحيى : ليس بشئ ضعيف كان يروي عن عطاء ، عن ابن عباس أشياء منكرة ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال ابن عدي : لا يساوي شيئاً ، وقال ابن حبان : كان يروي المناكير عن المشاهير ، ويخالف الثقات ، لا يجوز الاحتجاج به ، وقال الدارقطني : مضطرب الحديث ، تركه يحيي القطان .
وأما حديث حميد بن صخر ، عن المقبري ، عن أبي هريرة : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً الحديث ، وقد تقدم . فحميد هذا ، ضعفه النسائي ، ويحيى بن معين ، ووثقه آخرون ، وأنكر عليه بعض حديثه ، وهو ممن لا يحتج به إذا انفرد . والله أعلم .
وأما حديث محمد بن إسحاق ، عن موسى ، عن عبد الله بن المثنى ، عن أنس ، عن عمه ثمامة ، عن أنس يرفعه " من صلى الضحى ، بنى الله له قصراً في الجنة من ذهب "، فمن الأحاديث الغرائب ، وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وأما حديث نعيم بن همار : " ابن آدم لا تعجز لي عن أربع ركعات في أول النهار ، أكفك آخره " ، وكذلك حديث أبي الدرداء ، وأبي ذر ، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها

اسير الصحراء 04-29-2006 01:04 AM

فصل في هديه في سجود الشكر

فصل
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه سجود الشكر عند تجدد نعمة تسر ، أو اندفاع نقمة ، كما في المسند عن أبي بكرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان إذا أتاه أمر يسره ، خر لله ساجداً شكراً لله تعالى .
وذكر ابن ماجه ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بحاجة ، فخر لله ساجداً .
وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري ، أن علياً رضي الله عنه ، لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان ، خر ساجداً ثم رفع رأسه ، فقال : " السلام على همدان ، السلام على همدان " . وصدر الحديث في صحيح البخاري وهذا تمامه بإسناده عند البيهقي .
وفي المسند من حديث عبد الرحمن بن عوف ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سجد شكراً لما جاءته البشرى من ربه ، أنه من صلى عليك ، صليت عليه ، ومن سلم عليك ، سلمت عليه .
وفي سنن أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه فسأل الله ساعة ، ثم خر ساجداً ثلاث مرات ، ثم قال : " إني سألت ربي ، وشفعت لأمتي ، فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجداً شكراً لربي ، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي ، فأعطاني الثلث الثاني ، فخررت ساجداً شكراً لربي ، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي ، فأعطاني الثلث الآخر ، فخررت ساجداً لربي " .
وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه ، ذكره البخاري .
وذكر أحمد عن علي رضي الله عنه ، أنه سجد حين وجد ذا الثدية في قتلى الخوارج .
وذكر سعيد بن منصور ، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، سجد حين جاءه قتل مسيلمة .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:04 AM

فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سجود القرآن
كان صلى الله عليه وسلم ، إذا مر بسجدة ، كبر وسجد ، وربما قال في سجوده " سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته ".
وربما قال : " اللهم احطط عني بها وزراً ، واكتب لي بها أجراً ، واجعلها لي عندك ذخراً ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ". ذكرهما أهل السنن .
ولم يذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود ، ولذلك لم يذكره الخرقي ومتقدمو الأصحاب ، ولا نقل فيه عنه تشهد ولا سلام البتة . وأنكر أحمد والشافعي السلام فيه ، فالمنصوص عن الشافعي: إنه لا تشهد فيه ولا تسليم ، وقال أحمد : أما التسليم ، فلا أدري ما هو ، وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي غيره .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه سجد في ( الم تنزيل ) ، وفي ( ص ) ، وفي ( النجم ) وفي ( إذا السماء انشقت ) ، وفي ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
وذكر أبو داود عن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقرأه خمس عشرة سجدة ، منها ثلاث في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتان .
وأما حديث أبي الدرداء ، سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ، ليس فيها من المفصل شئ : ( الأعراف) ، و ( الرعد ) ، و ( النحل ) ، و ( بنى اسرائيل ) ، و ( مريم ) ، و ( الحج ) ، و ( سجدة الفرقان ) ، و ( النمل ) ، و ( السجدة ) ، و ( ص ) ، و ( سجدة الحواميم ) ، فقال أبو داود : روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ، وإسناده واه .
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل منذ تحول إلى المدينة . رواه أبو داود فهو حديث ضعيف ، في إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد ، لا يحتج بحديثه . قال الإمام أحمد : أبو قدامة مضطرب الحديث . وقال يحيى بن معين : ضعيف ، وقال النسائي : صدوق عنده مناكير ، وقال أبو حاتم البستي : كان شيخاً صالحاً ممن كثر وهمه . وعلله ابن القطان بمطر الوراق ، وقال : كان يشبهه في سوء الحفظ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعيب على مسلم إخراج حديثه . انتهى كلامه .
ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه ، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه ، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه ، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع حديث الثقة ، ومن ضعف جميع حديث سئ الحفظ ، فالأولى : طريقة الحاكم وأمثاله ، والثانية : طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله ، وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن والله المستعان . وقد صح عن أبي هريرة أنه سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم في ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ، وفي ( إذا السماء انشقت ) ، وهو إنما أسلم بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بست سنين أو سبع ، فلو تعارض الحديثان من كل وجه ، وتقاوما في الصحة ، لتعين تقديم حديث أبي هريرة ، لأنه مثبت معه زيادة علم خفيت على ابن عباس ، فكيف وحديث أبي هريرة في غاية الصحة متفق على صحته، وحديث ابن عباس فيه من الضعف ما فيه . والله أعلم .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:05 AM

فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها
ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم ، فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، والناس لنا فيه تبع ، اليهود غداً والنصارى بعد غد " .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ، وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا ، فهدانا ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة ، المقضي لهم قبل الخلائق " .
وفي المسند والسنن ، من حديث أوس بن أوس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق الله آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي . قالوا : يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ ( يعني : قد بليت ) قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " . ورواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه . وفي جامع الترمذي ، من حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق الله آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة " . قال : حديث حسن صحيح ، وصححه الحاكم .
وفي المستدرك أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً " سيد الأيام يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة " .
وروى مالك في الموطأ ، عن أبي هريرة مرفوعاً " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة ، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس ، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه . قال كعب : ذلك في كل سنة يوم ، فقلت : بل في كل جمعة ، فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قال أبو هريرة ، ثم لقيت عبد الله بن سلام ، فحدثته بمجلسي مع كعب ، قال : قد علمت أية ساعة هي ، قلت : فأخيرني بها ، قال : هي آخر ساعة في يوم الجمعة ، فقلت : كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلى فيها ؟ فقال ابن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جلس مجلساً ينتظر الصلاة ، فهو في صلاة حتى يصلي " ؟
وفي صحيح ابن حبان مرفوعاً ، " لا تطلع الشمس على يوم خير من يوم الجمعة " . وفي مسند الشافعي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، "قال : أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرآة بيضاء ، فيها نكتة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذه ؟ فقال : هذه يوم الجمعة فضلت بها أنت وأمتك والناس لكم فيها تبع ، اليهود والنصارى ، ولكم فيها خير ، وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ! ما يوم المزيد ؟ قال : إن ربك اتخذ في الفردوس وادياً أفيح فيه كثب من مسك ، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله سبحانه ما شاء من ملائكته ، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين ، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد ، عليها الشهداء والصديقون ، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب ، فيقول الله عز وجل : أنا ربكم قد صدقتكم وعدي ، فسلوني أعطكم ، فيقولون : ربنا نسألك رضوانك ، فيقول : قد رضيت عنكم ولكم ما تمنيتم ولدي مزيد ، فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير ، وهو اليوم الذي استوى فيه ربك تبارك وتعالى على العرش ، وفيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة ".
رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد ، حدثني موسى بن عبيدة ، قال : حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة ، عن عبد الله بن عبيد ، عن عمير بن أنس .
ثم قال : وأخبرنا إبراهيم قال : حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد ، عن أنس شبيهاً به .
وكان الشافعي حسن الرأي في شيخه إبراهيم هذا ، لكن قال فيه الإمام أحمد رحمه لله : معتزلي جهمي قدري كل بلاء فيه .
ورواه أبو اليمان الحكم بن نافع ، حدثنا صفوان : قال : قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل فذكره ورواه محمد بن شعيب ، عن عمر مولى غفرة ، عن أنس . ورواه أبوظبية ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس . وجمع أبو بكر بن أبي داود طرقه .
وفي مسند أحمد من حديث علي بن أبي طلحة ، عن أبي هريرة ، قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لأي شئ سمي يوم الجمعة ؟ قال : " لأن فيه طبعت طينة أبيك آدم ، وفيه الصعقة ، والبعثة ، وفيه البطشة ، وفي آخره ثلاث ساعات ، منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له " . وقال الحسن بن سفيان النسوي في مسنده حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق ، حدثنا الحسن بن يحيى الخشني ، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة ، حدثني أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أتاني جبريل وفي يده كهيئة المرآة البيضاء ، فيها نكتة سوداء ، فقلت : ما هذه يا جبريل ؟ فقال : هذه الجمعة بعثت بها إليك تكون عيداً لك ولأمتك من بعدك. فقلت : وما لنا فيها يا جبريل ؟ قال : لكم فيها خير كثير ، أنتم الآخرون السابقون يوم القيامة ، وفيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه . قلت : فما هذه النكتة السوداء يا جبريل ؟ قال : هذه الساعة تكون في يوم الجمعة وهو سيد الأيام ، ونحن نسميه عندنا يوم المزيد . قلت : وما يوم المزيد يا جبريل ؟ قال : ذلك بأن ربك اتخذ في الجنة وادياً أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة ، هبط الرب عز وجل من عرشه إلى كرسيه ، ويحف الكرسي بمنابر من النور فيجلس عليها النبيون وتحف المنابر بكراسي من ذهب ، فيجلس عليها الصديقون والشهداء ، ويهبط أهل الغرف من غرفهم ، فيجلسون على كثبان المسك لا يرون لأهل المنابر والكراسي فضلاً في المجلس ، ثم يتبدى لهم ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى ، فيقول : سلوني ، فيقولون بأجمعهم : نسألك الرضى يا رب ، فيشهد لهم على الرضى ، ثم يقول : سلوني ، فيسألونه حتى تنتهى نهمة كل عبد منهم ، قال : ثم يسعى عليهم بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ثم يرتفع الجبار من كرسيه إلى عرشه ، ويرتفع أهل الغرف إلى غرفهم ، وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء ، أو ياقوتة حمراء ، أو زمردة خضراء ، ليس فيها فصم ولا وصم منورة ، فيها أنهارها ، أو قال : مطردة متدلية فيها ثمارها ، فيها أزواجها وخدمها ومساكنها قال : فأهل الجنة يتباشرون في الجنة بيوم الجمعة ، كما يتباشر أهل الدنيا في الدنيا بالمطر " .
وقال ابن أبي الدنيا في كتاب صفة الجنة : حدثني أزهر بن مروان الرقاشي ، حدثني عبد الله بن عرادة الشيباني ، حدثنا القاسم بن مطيب ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آتاني جبريل وفي كفه مرآة كأحسن المرائي وأضوئها ، وإذا في وسطها لمعة سوداء ، فقلت : ما هذه اللمعة التي أرى فيها ؟ قال : هذه الجمعة ، قلت : وما الجمعة ؟ قال : يوم من أيام ربك عظيم ، وسأخبرك بشرفه وفضله في الدنيا ، وما يرجى فيه لأهله ، وأخبرك باسمه في الآخرة ، فأما شرفه وفضله في الدنيا ، فإن الله عز وجل جمع فيه أمر الخلق ، وأما ما يرجى فيه لأهله ، فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تعالى فيها خيراً إلا أعطاهما إياه ، وأما شرفه وفضله في الآخرة واسمه ، فإن الله تبارك وتعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، جرت عليهم هذه الأيام وهذه الليالي ، ليس فيها ليل ولا نهار إلا قد علم الله عز وجل مقدار ذلك وساعاته ، فإذا كان يوم الجمعة حين يخرح أهل الجمعة إلى جمعتهم ، نادى أهل الجنة مناد ، ياأهل الجنة ! اخرجوا إلى وادي المزيد ، ووادي المزيد لا يعلم سعة طوله وعرضه إلا الله ، فيه كثبان المسك ، رؤوسها في السماء قال : فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور ، ويخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت ، فإذا وضعت لهم ، وأخذ القوم مجالسهم ، بعث الله عليهم ريحاً تدعى المثيرة ، تثير ذلك المسك ، وتدخله من تحت ثيابهم ، وتخرجه في وجوههم وأشعارهم ، تلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك المسك من إمرأة أحدكم ، لو دفع إليها كل طيب على وجه الأرض . قال : ثم يوحي الله تبارك وتعالى إلى حملة عرشه : ضعوه بين أظهرهم ، فيكون أول ما يسمعونه منه : إلي يا عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني ، وصدقوا رسلي ، واتبعوا أمري ، سلوني فهذا يوم المزيد ، فيجتمعون على كلمة واحدة ، رضينا عنك فارض عنا ، فيرجع الله إليهم : أن يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم داري ، فسلوني فهذا يوم المزيد ، فيجتمعون على كلمة واحدة : يا ربنا وجهك ننظر إليه ، فيكشف تلك الحجب ، فيتجلى لهم عز وجل ، فيغشاهم من نوره شئ لولا أنه قضى ألا يحترقوا ، لاحترقوا لما يغشاهم من نوره ، ثم يقال لهم : ارجعوا إلى منازلكم ، فيرجعون إلى منازلهم وقد أعطى كل واحد منهم الضعف على ما كانوا فيه ، فيرجعون إلى أزواجهم وقد خفوا عليهن وخفين عليهم مما غشيهم من نوره ، فإذا رجعوا تراد النور حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها ، فتقول لهم أزواجهم : لقد خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها ، فيقولون : ذلك لأن الله عز وجل تجلى لنا ، فنظرنا منه قال : وإنه والله ما أحاط به خلق ، ولكنه قد أراهم من عظمته وجلاله ما شاء أن يريهم قال : فذلك قولهم فنظرنا منه ، قال : فهم يتقلبون في مسك الجنة ونعيمها في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذلك قوله تعالى : " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " (السجدة : 17)" . ورواه أبو نعيم في صفة الجنة من حديث عصمة بن محمد ، حدثنا موسى بن عقبة ، عن أبي صالح ، عن أنس شبيهاً به . وذكر أبو نعيم في صفة الجنة من حديث المسعودي ، عن المنهال ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : سارعوا إلى الجمعة في الدنيا ، فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة في كل جمعة على كثيب من كافور أبيض ، فيكونون منه سبحانه بالقرب على قدر سرعتهم إلى الجمعة ، ويحدث لهم من الكرامة شيئاً لم يكونوا رأوه قبل ذلك ، فيرجعون إلى أهليهم وقد أحدث لهم .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:05 AM

فصل في مبدأ الجمعة
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه ، قال : حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، قال : كنت قائد أبي حين كف بصره ، فإذا خرجت به إلى الجمعة ، فسمع الأذان بها ، استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ، فمكث حيناً على ذلك فقلت : إن هذا لعجز ألا أسأله عن هذا ، فخرجت به كما كنت أخرج ، فلما سمع الأذان للجمعة ، استغفر له ، فقلت : يا أبتاه ! أرأيت استغفارك لأسعد بن زرارة كلما سمعت الأذان يوم الجمعة ؟ قال : أي بني ! كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له : نقيع الخضمات . قلت : فكم كنتم يومئذ ؟ قال: أربعون رجلاً . قال البيهقي ، ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه من الراوي ، وكان الراوي ثقة ، استقام الإسناد ، وهذا حديث حسن صحيح الإسناد انتهى .
قلت : وهذا كان مبدأ الجمعة . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأقام بقباء في بني عمرو بن عوف ، كما قاله ابن إسحاق يوم الاثنين ، ويوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ، ويوم الخميس ، وأسس مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة ، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة ، وذلك قبل تأسيس مسجده .
قال ابن إسحاق : وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله ما لم يقل - أنه قام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد أيها الناس ، فقدموا لأنفسكم ، تعلمن والله ليصعقن أحدكم ، ثم ليدعن غنمه ليس له راع ، ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ، ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولي ، فبلغك ، وآتيتك مالاً ، وأفضلت عليك ، فما قدمت لنفسك ، فلينظرن يميناً وشمالاً ، فلا يرى شيئاً ، ثم ينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم ، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة ، فليفعل ، ومن لم يجد ، فبكلمة طيبة ، فإن بها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ". قال ابن إسحاق : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى ، فقال : " إن الحمد لله أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل ، فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إن أحسن الحديث كتاب الله ، قد أفلح من زينه الله في قلبه ، وأدخله في الإسلام بعد الكفر ، فاختاره على ما سواه من أحاديث الناس ، إنه أحسن الحديث وأبلغه ، أحبوا ما أحب الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم ، ولا تملوا كلام الله وذكره ، ولا تقس عنه قلوبكم ، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي ، قد سماه الله خيرته من الأعمال ، ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ، ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، واتقوه حق تقاته ، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابوا بروح الله بينكم ، إن الله يغضب أن ينكث عهده ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .
وقد تقدم طرف من خطبته عليه السلام عند ذكر هديه في الخطب .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:06 AM

فصل في ذكر خصائص يوم الجمعة

فصل
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه ، وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره . وقد اختلف العلماء : هل هو أفضل ، أم يوم عرفة ؟ على قولين : هما وجهان لأصحاب الشافعي .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:06 AM

الأولى : قراءة سورة السجدة في فجر الجمعة

وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي ( آلم تنزيل ) و ( هل أتى على الإنسان ) . ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ، ويسمونها سجدة الجمعة ، وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة ، استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة ، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة ، دفعاً لتوهم الجاهلين ، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة ، لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها ، فإنهما اشتملتا على خلق آدم ، وعلى ذكر المعاد ، وحشر العباد ، وذلك يكون يوم الجمعة ، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون ، والسجدة جاءت تبعاً ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت . فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:07 AM

الخاصة الثانية : استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ".
ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ، ويوم الجمعة سيد الأيام ، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى ، وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة ، فإنما نالته على يده ، فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة ، فأعظم كرامة تحصل لهم ، فإنما تحصل يوم الجمعة ، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة ، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة ، وهو يوم عيد لهم في الدنيا ، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ، ولا يرد سائلهم ، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده ، فمن شكره وحمده ، وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:07 AM

الخاصة الثالثة : صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام ، ومن أعظم مجامع المسلمين ، وهي أعظم من كل مجع يجمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة ، ومن تركها تهاوناً بها ، طبع الله على قلبه، وقرب أهل الجنة يوم القيامة ، وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة وتبكيرهم .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:08 AM

الخاصة الرابعة : الأمر بالاغتسال في يومها ، وهو أمر مؤكد جداً ، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر ، وقراءة البسملة في الصلاة ، ووجوب الوضوء من مس النساء ، ووجوب الوضوء من مس الذكر ، ووجوب الوضوء من القهقهة في الصلاة ، ووجوب الوضوء من الرعاف ، والحجامة ، والقيء ، ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ، ووجوب القراءة على المأموم .
وللناس في وجوبه ثلاثة أقوال : النفي والإثبات ، والتفصل بين من به رائحة يحتاح إلى إزالتها ، فيجب عليه ، ومن هو مستغن عنه ، فيستحب له ، والثلاثة لأصحاب أحمد .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:09 AM

الخاصة الخامسة : التطيب فيه ، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:09 AM

الخاصة السادسة : السواك فيه ، وله مزية على السواك في غيره .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:10 AM

الخاصة السابعة : التبكير للصلاة .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:10 AM

الخاصة الثامنة : أن يشتغل بالصلاة ، والذكر ، والقراءة حتى يخرج الإمام .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:10 AM

الخاصة التاسعة : الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً في أصح القولين ، فإن تركه ، كان لاغياً ، ومن لغا ، فلا جمعة له ، وفي المسند مرفوعاً "والذي يقول لصاحبه : أنصت ، فلا جمعة له " .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:11 AM

الخاصة العاشرة : قراءة سورة الكهف في يومها ، فقد روي عن النبى صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة ، سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضئ به يوم القيامة ، وغفر له ما بين الجمعتين " .
وذكره سعيد بن منصور من قول أبي سعيد الخدري وهو أشبه .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:11 AM

الحادية عشرة : أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه

،وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية ، ولم يكن اعتماده على حديث ليث ، عن مجاهد ، عن أبي الخليل ، عن أبي قتادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة . وقال : إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة - وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام ، وفي الحديث الصحيح " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه ، أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج ، فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " . رواه البخاري فندبه إلى الصلاة ما كتب له ، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام ، ولهذا قال غير واحد من السلف ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل : خروج الإمام يمنع الصلاة ، وخطبته تمنع الكلام ، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام ، لا انتصاف النهار .
وأيضاً ، فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف ، ولا يشعرون بوقت الزوال ، والرجل يكون متشاغلاً بالصلاة لا يدري بوقت الزوال ، ولا يمكنه أن يخرج ، ويتخطى رقاب الناس ، وينظر إلى الشمس ويرجع ، ولا يشرع له ذلك .
وحديث أبي قتادة هذا ، قال أبو داود : هو مرسل لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة ، والمرسل إذا اتصل به عمل ، وعضده قياس ، أو قول صحابي ، أو كان مرسله معروفاً باختيار الشيوخ ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوته ، عمل به .
وأيضاً ، فقد عضده شواهد أخر ، منها ما ذكره الشافعي في كتابه فقال : روي عن إسحاق بن عبد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة . هكذا رواه رحمه الله في كتاب اختلاف الحديث ورواه في كتاب الجمعة : حدثنا إبراهيم بن محمد ، عن إسحاق ، ورواه أبو خالد الأحمر ، عن شيخ من أهل المدينة ، يقال له : عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد رواه البيهقي في المعرفة من حديث عطاء بن عجلان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة نصف النهار ، إلا يوم الجمعة . ولكن إسناده فيه من لا يحتج به ، قاله البيهقي ، قال : ولكن إذا انضمت هذه الأحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة .
قال الشافعي : من شأن الناس التهجير إلى الجمعة ، والصلاة إلى خروج الإمام ، قال البيهقي : الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في التبكير إلى الجمعة ، وفي الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء ، وذلك يوافق هذه الأحاديث التي أبيحت فيها الصلاة نصف النهار يوم الجمعة ، وروينا الرخصة في ذلك عن عطاء ، وطاووس ، و الحسن ، ومكحول .
قلت : اختلف الناس في كراهة الصلاة نصف النهار على ثلاثة أقوال أحدها : أنه ليس وقت كراهة بحال ، وهو مذهب مالك .
الثاني : أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والمشهور من مذهب أحمد .
والثالث : أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة ، فليس بوقت كراهة ، وهذا مذهب الشافعي .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:11 AM

الثانية عشرة : قراءة ( سورة الجمعة ) و ( المنافقين ) ، أو( سبح والغاشية ) في صلاة الجمعة ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن في الجمعة ، ذكره مسلم في صحيحه . وفيه أيضاً : أنه صلى الله عليه وسلم ، كان يقرأ فيها بـ ( الجمعة ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) ثبت عنه ذلك كله .
ولا يستحب أن يقرأ من كل سورة بعضها ، أو يقرأ إحداهما في الركعتين ، فإنه خلاف السنة ، وجهال الأئمة يداومون على ذلك .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:12 AM

الثالثة عشرة : أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع ، وقد روى أبو عبد الله بن ماجه في سننه من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يوم الجمعة سيد الأيام ، وأعظمها عند الله ، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ، ويوم الفطر ، فيه خمس خلال : خلق الله فيه آدم ، وأهبط فيه آدم إلى الأرض ، وفيه توفى الله آدم ، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا أعطاه ، ما لم يسأل حراماً ، وفيه تقوم الساعة ، ما من ملك مقرب ، ولا سماء ، ولا أرض ، ولا رياح ، ولا جبال ، ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة " .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:12 AM

الرابعة عشرة : إنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أيوب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له ، ولبس من أحسن ثيابه ، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ، ثم يركع إن بدا له ، ولم يؤذ أحداً ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي ، كانت كفارة لما بينهما" . وفي سنن أبي داود ، عن عبد الله بن سلام ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة : " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته " .
وفي سنن ابن ماجه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة ، فرأى عليهم ثياب النمار ، فقال: " ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته " .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:12 AM

الخامسة عشرة : أنه يستحب فيه تجمير المسجد ، فقد ذكر سعيد بن منصور ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار .
قلت : ولذلك سمي نعيم المجمر .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:13 AM

السادسة عشرة : أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها ، وأما قبله ، فللعلماء ثلاثة أقوال ، وهي روايات منصوصات عن أحمد ، أحدها : لا يجوز ، والثاني : يجوز ، والثالث : يجوز للجهاد خاصة .
وأما مذهب الشافعي رحمه الله ، فيحرم عنده إنشاء السفر يوم الجمعة بعد الزوال ، ولهم في سفر الطاعة وجهان ، أحدهما : تحريمه ، وهو اختيار النووي ، والثاني : جوازه وهو اختيار الرافعي . وأما السفر قبل الزوال ، فللشافعي فيه قولان : القديم : جوازه ، والجديد : أنه كالسفر بعد زوال .
وأما مذهب مالك ، فقال صاحب التفريع : ولا يسافر أحد يوم الجمعة بعد الزوال حتى يصلي الجمعة ، ولا بأس أن يسافر قبل الزوال ، والاختيار : أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يصلي الجمعة .
وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقاً ، وقد روى الدارقطني في الأفراد ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سافر من دار إقامته يوم الجمعة ، دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره " . وهو من حديث ابن لهيعة .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية ، فوافق ذلك يوم الجمعة ، قال : فغدا أصحابه ، وقال : أتخلف وأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ألحقهم ، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم ، رآه ، فقال : ما منعك أن تغدو مع أصحابك ؟ فقال : أردت أن أصلي معك ، ثم ألحقهم ، فقال : " لو انفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " .
وأعل هذا الحديث ، بأن الحكم لم يسمع من مقسم . هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته ، فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم ، جاز له السفر مطلقاً ، لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة .
ولعل ما روي عن الأوزاعي - أنه سئل عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته ، فقال : ليمض على سفره - محمول على هذا ، وكذلك قول ابن عمر رضي الله عنه : الجمعة لا تحبس عن السفر . وإن كان مرادهم جواز السفر مطلقاً ، فهي مسألة نزاع . والدليل : هو الفاصل ، على أن عبد الرزاق قد روى في مصنفه عن معمر ، عن خالد الحذاء ، عن ابن سيرين أو غيره ، أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً عليه ثياب سفر بعدما قضى الجمعة ، فقال : ما شأنك ؟ قال : أردت سفراً ، فكرهت أن أخرج حتى أصلي ، فقال عمر : إن الجمعة لا تمنعك السفر ما لم يحضر وقتها . فهذا قول من يمنع السفر بعد الزوال ، ولا يمنع منه قبله .
وذكره عبد الرزاق أيضاً عن الثوري ، عن الأسود بن قيس ، عن أبيه قال : أبصر عمر بن الخطاب رجلاً عليه هيئة السفر ، وقال الرجل : إن اليوم يوم جمعة ولولا ذلك ، لخرجت ، فقال عمر : إن الجمعة لا تحبس مسافراً ، فاخرج ما لم يحن الرواح .
وذكر أيضاً عن الثوري ، عن ابن أبي ذئب ، عن صالح بن كثير ، عن الزهري قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافراً يوم الجمعة ضحى قبل الصلاة .
وذكر عن معمر قال : سألت يحيى بن أبي كثير : هل يخرج الرجل يوم الجمعة ؟ فكرهه ، فجعلت أحدثه بالرخصة فيه ، فقال لي: قلما يخرج رجل في يوم الجمعة إلا رأى ما يكرهه ، لو نظرت في ذلك ، وجدته كذلك .
وذكر ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن أبي عطية ، قال : إذا سافر الرجل يوم الجمعة ، دعا عليه النهار أن لا يعان على حاجته ، ولا يصاحب في سفره .
وذكر الأوزاعي ، عن ابن المسيب ، أنه قال : السفر يوم الجمعة بعد الصلاة . قال ابن جريج : قلت لعطاء : أبلغك أنه كان يقال : إذا أمسى في قرية جامعة من ليلة الجمعة ، فلا يذهب حتى يجمع ؟ قال : إن ذلك ليكره . قلت : فمن يوم الخميس ؟ قال : لا ، ذلك النهار فلا يضره .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:13 AM

السابعة عشرة : أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها ، قال عبد الرزاق : عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أوس بن أوس ، قال : قال رسول لله صلى الله عليه وسلم : " من غسل واغتسل يوم الجمعة ، وبكر وابتكر ، ودنا من الإمام ، فأنصت ، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها ، وذلك على الله يسير " . ورواه الإمام أحمد في مسنده .
وقال الإمام أحمد : غسل ، بالتشديد : جامع أهله ، وكذلك فسره وكيع .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:13 AM

الثامنة عشرة : أنه يوم تكفير السيئات ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدري ما يوم الجمعة ؟ " قلت : هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم قال : " ولكني أدري ما الجمعة ، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ، ثم يأتي الجمعة ، فينصت حتى يقضي الإمام صلاته ، إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة ما اجتنبت المقتلة " .
وفي المسند أيضاً من حديث عطاء الخراساني ، عن نبيشة الهذلي ، أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ، أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحداً ، فإن لم يجد الإمام صلى ما بدا له ، وإن وجد الإمام قد خرج ، جلس ، فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه ، إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها ، أن تكون كفارة للجمعة التي تليها". وفي صحيح البخاري ، عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج ، فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " .
وفي مسند أحمد ، من حديث أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من اغتسل يوم الجمعة ، ثم لبس ثيابه ، ومس طيباً إن كان عنده ، ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة ، ولم يتخط أحداً ، ولم يؤذه ، وركع ما قضي له ، ثم انتظر حتى ينصرف الإمام ، غفر له ما بين الجمعتين ".

اسير الصحراء 04-29-2006 01:14 AM

التاسعة عشرة : أن جهنم تسجر كل يوم إلا يوم الجمعة . وقد تقدم حديث أبي قتادة في ذلك ، وسر ذلك - والله أعلم - أنه أفضل الأيام عند الله ، ويقع فيه من الطاعات ، والعبادات ، والدعوات ، والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى ، ما يمنع من تسجير جهنم فيه . ولذلك تكون معاصي أهل الإيمان ، فيه أقل من معاصيهم في غيره ، حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في يوم السبت وغيره .
وهذا الحديث الظاهر منه أن المراد سجر جهنم في الدنيا ، وأنها توقد كل يوم إلا يوم الجمعة ، وأما يوم القيامة ، فإنه لا يفتر عذابها ، ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوماً من الأيام ، ولذلك يدعون الخزنة أن يدعوا ربهم ليخفف عنهم يوماً من العذاب ، فلا يجيبونهم إلى ذلك .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:14 AM

العشرون : أن فيه ساعة الإجابة ، وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئاً إلا أعطاه ، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، وقال : بيده يقللها ". وفي المسند من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيد الأيام يوم الجمعة ، وأعظمها عند الله ، وأعظم عند الله من يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وفيه خمس خصال : خلق الله فيه آدم ، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض ، وفيه توفى الله عز وجل آدم ، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه ما لم يسأل حراماً ، وفيه تقوم الساعة ، ما من ملك مقرب ، ولا أرض ، ولا رياح ، ولا بحر ، ولا جبال ، ولا شجر ، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة " .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:15 AM

فصل في اختلاف الناس حول ساعة الاجابة وأقوالهم فيها

فصل
وقد اختلف الناس في هذه الساعة : هل هي باقية أو قد رفعت ؟ على قولين ، حكاهما ابن عبد البر وغيره ، والذين قالوا : هي باقية ولم ترفع ، اختلفوا ، هل هي في وقت من اليوم بعينه ، أم هي غير معينة ؟ على قولين . ثم اختلف من قال تعيينها : هل هي تنتقل في ساعات اليوم ، أو لا ؟ على قولين أيضاً ، والذين قالوا بتعيينها ، اختلفوا على أحد عشر قولاً .
قال ابن المنذر : روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : هي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .
الثاني : أنها عند الزوال ، ذكره ابن المنذر عن الحسن البصري ، وأبي العالية .
الثالث : أنها إذا أذن المؤذن بصلاة الجمعة ، قال ابن المندز : روينا ذلك عن عائشة رضي الله عنها .
الرابع : أنها إذا جلس الإمام على المنبر يخطب حتى يفرغ ، قال ابن المنذر : رويناه عن الحسن البصري .
الخامس : قاله أبو بردة : هي الساعة التي اختار الله وقتها للصلاة .
السادس : قاله أبو السوار العدوي ، وقال : كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة .
السابع : قاله أبو ذر : إنها ما بين أن ترتفع الشمس شبراً إلى ذراع .
الثامن : أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس ، قاله أبو هريرة ، وعطاء ، وعبد الله بن سلام ، وطاووس ، حكى ذلك كله ابن المنذر .
التاسع : أنها آخر ساعة بعد العصر ، وهو قول أحمد ، وجمهور الصحابة ، والتابعين .
العاشر : أنها من حين خروح الإمام إلى فراغ الصلاة ، حكاه النووي وغيره .
الحادي عشر : أنها الساعة الثالثة من النهار ، حكاه صاحب المغني فيه . وقال كعب : لو قسم الإنسان جمعة في جمع ، أتى على تلك الساعة ، وقال عمر : إن طلب حاجة في يوم ليسير .
وأرجح هذه الأقوال : قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة ، وأحدهما أرجح من الآخر .
الأول : أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى ، أن عبد الله بن عمر قال له : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئاً ؟ قال : نعم سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة " . وروى ابن ماجه ، والترمذي ، من حديث عمرو بن عوف المزني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه قالوا : يا رسول الله ! أية ساعة هي؟ قال : حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها " .
والقول الثانى : أنها بعد العصر ، وهذا أرجح القولين ، وهو قول عبد الله بن سلام ، وأبي هريرة ، والإمام أحمد ، وخلق . وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر ".
وروى أبو داود والنسائي ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " يوم الجمعة اثنا عشر ساعة ، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه ، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر ".
وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا ، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة ، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة .
وفي سنن ابن ماجه : "عن عبد الله بن سلام ، قال : قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس : إنا لنجد في كتاب الله ( يعني التوراة) في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله عز وجل شيئاً إلا قضى الله له حاجته قال عبد الله : فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة . قلت : صدقت يا رسول الله ، أو بعض ساعة . قلت : أي ساعة هي ؟ قال : هي آخر ساعة من ساعات النهار . قلت : إنها ليست ساعة صلاة ، قال : بلى إن العبد المؤمن إذا صلى ، ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة ، فهو في صلاة" . وفي مسند أحمد من حديث أبي هريرة ، قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لأي شئ سمي يوم الجمعة ؟ قال : " لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم ، وفيها الصعقة والبعثة ، وفيها البطشة ، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له " .
==>>يتبع

اسير الصحراء 04-29-2006 01:15 AM

وفي سنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة ، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة ، إلا الجن والإنس ، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه إياها قال كعب : ذلك في كل سنة يوم ؟ فقلت : بل في كل جمعة قال : فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو هريرة : ثم لقيت عبد الله بن سلام ، فحدثته بمجلسي مع كعب ، فقال عبد الله بن سلام : وقد علمت أية ساعة هي . قال أبو هريرة : فقلت : أخبرني بها ، فقال عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة من يوم الجمعة ، فقلت : كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلى فيها ؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جلس مجلساً ينتظر الصلاة ، فهو في صلاة حتى يصلي ؟ قال : فقلت : بلى . فقال : هو ذاك ".
قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وفي الصحيحين بعضه . وأما من قال : إنها من حين يفتتح الإمام الخطبة إلى فراغه من الصلاة ، فاحتج بما رواه مسلم في صحيحه ، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، قال : قال عبد الله بن عمر : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة ؟ قال : قلت : نعم سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الإمام الصلاة " .
وأما من قال : هي ساعة الصلاة ، فاحتج بما رواه الترمذي ، وابن ماجه ، من حديث عمرو بن عوف المزني ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن في الجمعة لساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه " . قالوا : يا رسول الله ! أية ساعة هي ؟ قال : حين تقام الصلاة إلى الإنصراف منها . ولكن هذا الحديث ضعيف ، قال أبو عمر بن عبد البر : هو حديث لم يروه فيما علمت إلا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، وليس هو ممن يحتج بحديثه . وقد روى روح بن عبادة ، عن عوف ، عن معاوية بن قرة ، عن أبي بردة عن أبي موسى ، أنه قال لعبد الله بن عمر : هي الساعة التي يخرج فيها الإمام إلى أن تقضى الصلاة . فقال ابن عمر : أصاب الله بك .
وروى عبد الرحمن بن حجيرة ، عن أبي ذر ، أن امرأته سألته عن الساعة التي يستجاب فيها يوم الجمعة للعبد المؤمن ، فقال لها: هي مع رفع الشمس بيسير ، فإن سألتني بعدها ، فأنت طالق .
واحتج هؤلاء أيضاً بقوله في حديث أبي هريرة "وهو قائم يصلي " وبعد العصر لا صلاة في ذلك الوقت ، والأخذ بظاهر الحديث أولى . قال أبو عمر : يحتج أيضاً من ذهب إلى هذا بحديث علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا زالت الشمس ، وفاءت الأفياء ، وراحت الأرواح ، فاطلبوا إلى الله حوائجكم ، فإنها ساعة الأوابين ، ثم تلا : " فإنه كان للأوابين غفورا " ( الإسراء :25) ".
وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : الساعة التي تذكر يوم الجمعة : ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس . وكان سعيد بن جبير ، إذا صلى العصر ، لم يكلم أحداً حتى تغرب الشمس ، وهذا هو قول أكثر السلف ، وعليه أكثر الأحاديث . ويليه القول : بأنها ساعة الصلاة ، وبقية الأقوال لا دليل عليها .
وعندى أن ساعة الصلاة ساعة ترجى فيها الإجابة أيضاً ، فكلاهما ساعة إجابة ، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر ، فهى ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر ، وأما ساعة الصلاة ، فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت ، لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيراً في الإجابة ، فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيها الإجابة ، وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها ، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حض أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين .
ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن المسجد الذى أسس على التقوى ، فقال : " هو مسجدكم هذا " وأشار إلى مسجد المدينة . وهذا لا ينفي أن يكون مسجد قباء الذي نزلت فيه الآية مؤسساً على التقوى ، بل كل منهما مؤسس على التقوى . وكذلك قوله في ساعة الجمعة " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة " لا ينافي قوله في الحديث الآخر " فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر " .
ويشبه هذا في الأسماء قوله "ما تعدون الرقوب فيكم ؟ قالوا : من لم يولد له ، قال : الرقوب من لم يقدم من ولده شيئاً " .
فأخبر أن هذا هو الرقوب ، إذ لم يحصل له من ولده من الأجر ما حصل لمن قدم منهم فرطاً ، وهذا لا ينافي أن يسمى من لم يولد له رقوباً .
ومثله قوله ما تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا : من لا درهم له ولا متاع . قال : " المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأتي وقد لطم هذا ، وضرب هذا ، وسفك دم هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته " الحديث .
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ، ولا يتفطن له . فيتصدق عليه " . وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر ، يعظمها جميع أهل الملل . وعند أهل الكتاب هي ساعة الإجابة ، وهذا مما لاغرض لهم في تبديله وتحريفه ، وقد اعترف به مؤمنهم .
وأما من قال بتنقلها ، فرام الجمع بذلك بين الأحاديث ، كما قيل ذلك في ليلة القدر ، وهذا ليس بقوي ، فإن ليلة القدر قد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : "فالتمسوها في خامسة تبقى ، في سابعة تبقى ، في تاسعة تبقى " . ولم يجىء مثل ذلك في ساعة الجمعة .
وأيضاً فالأحاديث التي في ليلة القدر ، ليس فيها حديث صريح بأنها ليلة كذا وكذا ، بخلاف أحاديث ساعة الجمعة ، فظهر الفرق بينهما .
وأما قول من قال : إنها رفعت ، فهو نظير قول من قال : إن ليلة القدر رفعت ، وهذا القائل ، إن أراد أنها كانت معلومة ، فرفع علمها عن الأمة ، فيقال له : يرفع علمها عن كل الأمة ، وإن رفع عن بعضهم ، وإن أراد أن حقيقتها وكونها ساعة إجابة رفعت ، فقول باطل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة ، فلا يعول عليه . والله أعلم .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:16 AM

الحادية والعشرون : أن فيه صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع ، والعدد المخصوص ، واشترط الإقامة ، والاستيطان ، والجهر بالقراءة . وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأت نظيره إلا في صلاة العصر ، ففي السنن الأربعة ، من حديث أبي الجعد الضمري - وكانت له صحبة - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك ثلاث جمع تهاوناً ، طبع الله على قلبه " قال الترمذي : حديث حسن ، وسألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي الجعد الضمري ، فقال : لم يعرف اسمه ، وقال : لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث .
وقد جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر لمن تركها أن يتصدق بدينار ، فإن لم يجد ، فنصف دينار . رواه أبو داود ، والنسائي من رواية قدامة بن وبرة ، عن سمرة بن جندب . ولكن قال أحمد : قدامة بن وبرة لا يعرف . وقال يحيى بن معين : ثقة ، وحكي عن البخاري ، أنه لا يصح سماعه من سمرة .
وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين ، إلا قولاً يحكى عن الشافعي ، أنها فرض كفاية ، وهذا غلط عليه منشؤه أنه قال : وأما صلاة العيد . فتجب على كل من تجب عليه صلاة الجمعة ، فظن هذا القائل أن العيد لما كانت فرض كفاية ، كانت الجمعة كذلك . وهذا فاسد ، بل هذا نص من الشافعي أن العيد واجب على الجميع ، وهذا يحتمل أمرين ، أحدهما : أن يكون فرض عين كالجمعة ، وأن يكون فرض كفاية ، فإن فرض الكفاية على الجميع ، كفرض الأعيان سواء ، وإنما يختلفان بسقوطه عن البعض بعد وجوبه بفعل الآخرين .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:16 AM

الثانية والعشرون : أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده ، والشهادة له بالوحدانية ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وتذكير العباد بأيامه ، وتحذيرهم من بأسه ونقمته ، ووصيتهم بما يقربهم إليه ، وإلى جنانه ، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره ، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:17 AM

الثالثة والعشرون : أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة ، وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة ، فالله سبحانه جعل لأهل كل ملة يوماً يتفرغون فيه للعبادة ، ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا ، فيوم الجمعة يوم عبادة ، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور ، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان . ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم ، سلمت له سائر جمعته ، ومن صح له رمضان وسلم ، سلمت له سائر سنته ، ومن صحت له حجته وسلمت له ، صح له سائر عمره ، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ، ورمضان ميزان العام ، والحج ميزان العمر . وبالله التوفيق .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:18 AM

الرابعة والعشرون : أنه لما كان في الأسبوع كالعيد في العام ، و كان العيد مشتملاً على صلاة وقربان ، وكان يوم الجمعة يوم صلاة ، جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلاً من القربان ، وقائماً مقامه ، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة ، والقربان ، كما في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية ، فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنما قرب كبشاً أقرن "
وقد اختلف الفقهاء في هذه الساعة على قولين :
أحدهما : أنها من أول النهار ، وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما .
والثاني : أنها أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال ، وهذا هو المعروف في مذهب مالك ، واختاره بعض الشافعية ، واحتجوا عليه بحجتين .
إحداهما : أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ، وهو مقابل الغدو الذي لا يكون إلا قبل الزوال ، قال تعالى : " ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر " ( سبأ:12) . قال الجوهري : ولا يكون إلا بعد الزوال .
الحجة الثانية : أن السلف كانوا أحرص شئ على الخير ، ولم يكونوا يغدون إلى الجمعة من وقت طلوع الشمس ، وأنكر مالك التبكير إليها في أول النهار ، وقال : لم ندرك عليه أهل المدينة .
واحتج أصحاب القول الأول ، بحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة ". قالوا : والساعات المعهودة ، هي الساعات التي هي ثنتا عشرة ساعة ، وهي نوعان : ساعات تعديلية ، وساعات زمانية ، قالوا : ويدل على هذا القول ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما بلغ بالساعات إلى ست ، ولم يزد عليها ، ولو كانت الساعة أجزاء صغاراً من الساعة التي تفعل فيها الجمعة ، لم تنحصر في ستة أجزاء ، بخلاف ما إذا كان المردذ بها الساعات المعهودة ، فإن الساعة السادسة متى خرجت ، ودخلت السابعة ، خرج الإمام ، وطويت الصحف ، ولم يكتب لأحد قربان بعد ذلك ، كما جاء مصرحاً به في سنن أبي داود من حديث علي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان يوم الجمعة ، غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق ، فيرمون الناس بالترابيث أو الربائث ويثبطونهم عن الجمعة ، وتغدو الملائكة ، فتجلس على أبواب المساجد ، فيكتبون الرجل من ساعة ، والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام " . قال أبو عمر بن عبد البر : اختلف أهل العلم في تلك الساعات ، فقالت طائفة منهم : أراد الساعات من طلوع الشمس وصفائها ، والأفضل عندهم التبكير في ذلك الوقت إلى الجمعة ، وهو قول الثوري ، وأبي حنيفة والشافعي ، وأكثر العلماء ، بل كلهم يستحب البكور إليها .
قال الشافعي رحمه الله : ولو بكر إليه بعد الفجر ، وقبل طلوع الشمس ، كان حسناً . وذكر الأثرم ، قال : قيل لأحمد بن حنبل : كان مالك بن أنس يقول : لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكراً ، فقال : هذا خلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم . وقال : سبحان الله إلى أي شئ ذهب في هذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " كالمهدى جزوراً ". قال : وأما مالك فذكر يحيي بن عمر ، عن حرملة ، أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات : أهو الغدو من أول ساعات النهار ، أو إنما أراد بهذا القول ساعات الرواح ؟ فقال ابن وهب : سألت مالكاً عن هذا ، فقال : أما الذي يقع بقلبي ، فإنه إنما أراد ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات ، من راح من أول تلك الساعة ، أو الثانيه ، أو الثالثة ، أو الرابعة ، أو الخامسة ، أو السادسة . ولو لم يكن كذلك ، ما صليت الجمعة حتى يكون النهار تسع ساعات في وقت العصر ، أو قريباً من ذلك . وكان ابن حبيب ، ينكر مالك هذا ، ويميل إلى القول الأول ، وقال : قول مالك هذا تحريف في تأويل الحديث ، ومحال من وجوه . وقال : يدلك أنه لا يجوز ساعات في ساعة واحدة : أن الشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار ، وهو وقت الأذان ، وخروج الإمام إلى الخطبة ، فدل ذلك على أن الساعات في هذا الحديث هي ساعات النهار المعروفات ، فبدأ بأول ساعات النهار ، فقال : من راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة ، ثم قال : في الساعة الخامسة بيضة ، ثم انقطع التهجير ، وحان وقت الأذان ، فشرح الحديث بين في لفظه ، ولكنه حرف عن موضعه ، وشرح بالخلف من القول ، وما لا يكون ، وزهد شارحه الناس فيما رغبهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التهجير من أول النهار ، وزعم أن ذلك كله إنما يجتمع في ساعة واحدة قرب زوال الشمس ، قال : وقد جاءت الآثار بالتهجير إلى الجمعة في أول النهار ، وقد سقنا ذلك في موضعه من كتاب واضح السنن بما فيه بيان وكفاية .
===>>يتبع

اسير الصحراء 04-29-2006 01:18 AM

هذا كله قول عبد الملك بن حبيب ، ثم رد عليه أبو عمر ، وقال : هذا تحامل منه على مالك رحمه الله تعالى ، فهو الذي قال القول الذي أنكره وجعله خلفاً وتحريفاً من التأويل ، والذي قاله مالك تشهد له الآثار الصحاح من رواية الأئمة ، ويشهد له أيضاً العمل بالمدينة عنده ، وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل ، لأنه أمر يتردد كل جمعة لا يخفى على عامة العلماء . فمن الآثار التي يحتج بها مالك ، ما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم الجمعة ، قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة ، يكتبون الناس ، الأول فالأول ، فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ، ثم الذي يليه كالمهدي كبشاً ، حتى ذكر الدجاجة والبيضة ، فإذا جلس الإمام ، طويت الصحف ، واستمعوا الخطبة ". قال : ألا ترى إلى ما في هذا الحديث ، فإنه قال : يكتبون الأول فالأول ، فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه فجعل الأول مهجراً ، وهذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة والتهجير ، وذلك وقت النهوض إلى الجمعة ، وليس ذلك وقت طلوع الشمس ، لأن ذلك الوقت ليس بهاجرة ولا تهجير ، وفي الحديث : " ثم الذي يليه ، ثم الذي يليه ". ولم يذكر الساعة . قال : والطرق بهذا اللفظ كثيرة ، مذكورة في التمهيد ، وفي بعضها " المتعجل إلى الجمعة كالمهدى بدنة " . وفي أكثرها " المهجر كالمهدى جزوراً " الحديث . وفي بعضها ، ما يدل على أنه جعل الرائح إلى الجمعة في أول الساعة كالمهدي بدنة ، وفي آخرها كذلك ، وفي أول الساعة الثانية كالمهدي بقرة ، وفي آخرها كذلك . وقال بعض أصحاب الشافعي : لم يرد صلى الله عليه وسلم بقوله : " المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة " ، الناهض إليها في الهجير والهاجرة ، وإنما أراد التارك لأشغاله وأعماله من أغراض أهل الدنيا للنهوض إلى الجمعة ، كالمهدي بدنة ، وذلك مأخوذ من الهجرة وهو ترك الوطن ، والنهوض إلى غيره ، ومنه سمي المهاجرون . وقال الشافعي رحمه الله : أحب التبكير إلى الجمعة ، ولا تؤتى إلا مشياً . هذا كله كلام أبي عمر .
قلت : ومدار إنكار التبكير أول النهار على ثلاثة أمور ، أحدها : عل لفظة الرواح ، وإنها لا تكون إلا بعد الزوال ، والثاني : لفظة التهجير ، وهي إنما تكون بالهجرة وقت شدة الحر ، والثالث : عمل أهل المدينة ، فإنهم لم يكونوا يأتون من أول النهار .
فأما لفظة الرواح ، فلا ريب أنها تطلق على المضي بعد الزوال ، وهذا إنما يكون في الأكثر إذا قرنت بالغدو ، كقوله تعالى : " غدوها شهر ورواحها شهر " ( سبأ :12) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من غدا إلى المسجد وراح ، أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح ". وقول الشاعر :
نروح ونغدوا لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
وقد يطلق الرواح بمعنى الذهاب والمضي ، وهذا إنما يجئ ، إذا كانت مجردة عن الاقتران بالغدو .
وقال الأزهري في التهذيب : سمعت بعض العرب يستعمل الرواح في السير في كل وقت ، يقال : راح القوم : إذا ساروا ، وغدوا كذلك ، ويقول أحدهم لصاحبه : تروح ، ويخاطب أصحابه ، فيقول : روحوا أي : سيروا ، ويقول الآخر : ألا تروحون ؟ ومن ذلك ما جاء في الأخبار الصحيحة الثابتة ، وهو بمعنى المضي إلى الجمعة والخفة إليها ، لا بمعنى الرواح بالعشي .
وأما لفظ التهجير والمهجر ، فمن الهجير ، والهاجرة ، قال الجوهري : هي نصف النهار عند اشتداد الحر ، تقول منه : هجر النهار ، قال امرؤ القيس :
فدعها وسل الهم عنها بجسرة ذمول إذا صام النهار وهجرا
ويقال : أتينا أهلنا مهجرين ، أي : في وقت الهاجرة ، والتهجير والتهجر : السير في الهاجرة ، فهذا ما يقرر به قول أهل المدينة . قال الآخرون : الكلام في لفظ التهجير ، كالكلام في لفظ الرواح ، فإنه يطلق ويراد به التبكير .
قال الأزهري في التهذيب : روى مالك ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في التهجير ، لاستبقوا إليه " .
وفي حديث آخر مرفوع : " المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ". قال : ويذهب كثير من الناس إلى أن التهجير في هذه الأحاديث تفعيل من الهاجرة وقت الزوال وهو غلط ، والصواب فيه ما روى أبو داود المصاحفي ، عن النضر بن شميل ، أنه قال : التهجير إلى الجمعة وغيرها : التبكير والمبادرة إلى كل شئ قال : سمعت الخليل يقول ذلك ، قاله في تفسير هذا الحديث .
قال الأزهري : وهذا صحيح ، وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس ، قال لبيد :
أهل المدينة حجة ، فإن هذا ليس فيه إلا ترك الرواح إلى الجمعة من أول النهار ، وهذا جائز بالضرورة . وقد يكون اشتغال الرجل بمصالحه ومصالح أهله ومعاشه وغير ذلك من أمور دينه ودنياه أفضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار ، ولا ريب أن انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وجلوس الرجل في مصلاه حتى يصلي الصلاة الأخرى ، أفضل من ذهابه وعوده في وقت آخر للثانية ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " والذي ينتظر الصلاة ، ثم يصليها مع الإمام أفضل من الذي يصلي ، ثم يروح إلى أهله " وأخبر " أن الملائكة لم تزل تصلي عليه ما دام في مصلاه " وأخبر " أن انتظار الصلاة بعد الصلاة ، مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ، وأنه الرباط " وأخبر " أن الله يباهي ملائكته بمن قضى فريضة وجلس ينتظر أخرى " وهذا يدل على أن من صلى الصبح ، ثم جلس ينتظر الجمعة ، فهو أفضل ممن يذهب ، ثم يجيء في وقتها ، وكون أهل المدينة وغيرهم لا يفعلون ذلك ، لا يدل على أنه مكروه، فهكذا المجيء إليها والتبكير في أول النهار ، والله أعلم .


الساعة الآن 06:12 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][