منتديات جعلان

منتديات جعلان (http://www.jalaan.com/index.php)
-   جعلان للتربية والتعليم (http://www.jalaan.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 (http://www.jalaan.com/showthread.php?t=10295)

اسير الصحراء 04-30-2006 01:34 AM

فصل وأما قول من قال : إنه حج متمتعاً تمتعاً حل فيه من إحرامه ، ثم أحرم يوم التروية بالحج مع سوق الهدي . فعذره ما تقدم من حديث معاوية، أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص في العشر، وفي لفظ : وذلك في حجته . وهذا مما أنكره الناس على معاوية، وغلطوه فيه ، وأصابه فيه ما أصاب ابن عمر في قوله : إنه اعتمر في رجب ، فإن سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعددة كلها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه إلا يوم النحر، ولذلك أخبر عن نفسه بقوله : "لولا أن معي الهدي لأحللت " وقوله : "إني سقت الهدي وقرنت فلا أحل حتى أنحر" . وهذا خبر عن نفسه ، فلا يدخله الوهم ولا الغلط ، بخلاف خبر غيره عنه ، لا سيما خبراً يخالف ما أخبر به عن نفسه ، وأخبر عنه به الجم الغفير، أنه لم يأخذ من شعره شيئاً، لا بتقصير ولا حلق ، وأنه بقي على إحرامه حتى حلق يوم النحر، ولعل معاوية قصر عن رأسه في عمرة الجعرانة، فإنه كان حينئذ قد أسلم ، ثم نسي ، فظن أن ذلك كان في العشر، كما نسي ابن عمر أن عمره كانت كلها في ذي القعدة . وقال : كانت إحداهن في رجب ، وقد كان معه فيها، والوهم جائز على من سوى الرسول صلى الله عليه وسلم . فإذا قام الدليل عليه ، صار واجباً .
وقد قيل : إن معاوية لعله قصر عن رأسه بقية شعر لم يكن استوفاه الحلاق يوم النحر، فأخذه معاوية على المروة ، ذكره أبو محمد ابن حزم ، وهذا أيضاً من وهمه ، فإن الحلاق لا يبقي غلطاً شعراً يقصر منه ، ثم يبقي منه بعد التقصير بقية يوم النحر، وقد قسم شعر رأسه بين الصحابة، فأصاب أبا طلحة أحد الشقين ، وبقية الصحابة اقتسموا الشق الآخر ، الشعرة ، والشعرتين ، والشعرات وأيضاً فإنه لم يسع بين الصفا والمروة إلا سعياً واحداً وهو سعيه الأول ، لم يسع عقب طواف الإفاضة، ولا اعتمر بعد الحج قطعاً ، فهذا وهم محض . وقيل : هذا الإسناد إلى معاوية وقع فيه غلط وخطأ، أخطأ فيه الحسن بن علي ، فجعله عن معمر، عن ابن طاووس . وإنما هو عن هشام بن حجير، عن ابن طاووس . وهشام : ضعيف .
قلت : والحديث الذي في البخاري عن معاوية ، قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص ولم يزد على هذا، والذي عند مسلم : قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص على المروة . وليس في الصحيحين غير ذلك .
وأما رواية من روى "في أيام العشر" فليست في الصحيح ، وهي معلولة ، أو وهم من معاوية. قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه ، ينكرون هذا على معاوية . وصدق قيس ، فنحن نحلف بالله : إن هذا ما كان في العشر قط .
ويشبه هذا وهم معاوية في الحديث الذي رواه أبو داود ، عن قتادة ، عن أبي شيخ الهنائي ، أن معاوية قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا ، وعن ركوب جلود النمور؟ قالوا : نعم .
قال : فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ قالوا : أما هذه، فلا . فقال : أما إنها معها ولكنكم نسيتم . ونحن نشهد بالله : إن هذا وهم من معاوية، أو كذب عليه ، فلم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قط ، وأبو شيخ شيخ لا يحتج به ، فضلاً عن أن يقدم على الثقات الحفاظ الأعلام ، وإن روى عنه قتادة ويحيى بن أبي كثير. واسمه خيوان بن خلدة بالخاء المعجمة، وهو مجهول .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:35 AM

فصل الرد على من زعم أنه حج متمتعاً

فصل
وأما من قال : حج متمتعاً تمتعاً لم يحل منه لأجل سوق الهدي كما قاله صاحب المغني وطائفة، فعذرهم قول عاثشة وابن عمر : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول حفصة : ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك ، وقول سعد في المتعة : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه ، وقول ابن عمر لمن سأله عن متعة الحج هي حلال . فقال له السائل : إن أباك قد نهى عنها، فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أأمر أبي تتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فقال : لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
قال هؤلاء : ولولا الهدي لحل كما يحل المتمتع الذي لا هدي معه ، ولهذا قال : "لولا أن معي الهدي لأحللت " فأخبر أن المانع له من الحل سوق الهدي ، والقارن إنما يمنعه من الحل القران لا الهدي . وأرباب هذا القول قد يسمون هذا المتمتع قارناً، لكونه أحرم بالحج قبل التحلل من العمرة ولكن القرآن المعروف أن يحرم بهما جميعاً ، أو يحرم بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف .
والفرق بين القارن والمتمتع السائق من وجهين ، أحدهما : من الإحرام ، فإن القارن هو الذي يحرم بالحج قبل الطواف ، إما في ابتداء الإحرام ، أو في أثنائه .
والثاني : أن القارن ليس عليه إلا سعي واحد، فإن أتى به أولاً، وإلا سعى عقب طواف الإفاضة، والمتمتع عليه سعي ثان عند الجمهور . وعن أحمد رواية أخرى : أنه يكفيه سعي واحد كالقارن ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسع سعياً ثانياً عقب طواف الإفاضة ، فكيف يكون متمتعاً على هذا القول .
فإن قيل : فعلى الرواية الأخرى، يكون متمتعاً، ولا يتوجه الإلزام ، ولها وجه قوي من الحديث الصحيح ، وهو ما رواه مسلم في صحيحه ، عن جابر قال : لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً . طوافه الأول هذا، مع أن أكثرهم كانوا متمتعين . وقد روى سفيان الثوري سلمة بن كهيل قال : حلف طاووس : ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحجه وعمرته إلا طوافاً واحداً .
قيل : الذين نظروا أنه كان متمتعاً تمتعاً خاصاً، لا يقولون بهذا القول، بل يوجبون عليه سعيين ، والمعلوم من سنته صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه لم يسع إلا سعياً واحداً، كما ثبت في الصحيح ، عن ابن عمر، أنه قرن ، وقدم مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ولم يزد على ذلك ، ولم يحلق ولا قصر، ولا حل من شيء حرم منه ، حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق رأسه ، ورأى أنه قد مضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، وقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومراده بطوافه الأول الذي قضى به حجه وعمرته : الطواف بين الصفا والمروة بلا ريب .
وذكر الدارقطني ، عن عطاء ونافع ، عن ابن عمر، وجابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لحجه وعمرته طوافاً واحداً، وسعى سعياً واحداً، ثم قدم مكة فلم يسع بينهما بعد الصدر . فهذا يدل على أحد أمرين ، ولا تجد إما أن يكون قارناً وهو الذي لا يمكن من أوجب على المتمتع سعيين أن يقول غيره ، وإما أن المتمتع يكفيه سعي واحد، ولكن الأحاديث التي تقدمت في بيان أنه كان قارناً صريحة في ذلك ، فلا يعدل عنها ....
فإن قيل : فقد روى شعبة، عن حميد بن طلال ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه واله وسلم ، طاف طوافين ، وسعى سعيين . رواه الدارقطني عن ابن صاعد : حدثنها محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا عبد الله بن داود، عن شعبة. قيل : هذا خبر معلول وهو غلط . قال الدارقطني : يقال : إن محمد بن يحيى حدث بهذا من حفظه ، فوهم في متنه ، والصواب بهذا الإسناد : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرن بين الحج والعمرة والله أعلم . وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يدل على أن هذا الحديث غلط .
وأظن أن الشيخ أبا محمد بن قدامة، إنما ذهب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً ، لأنه رأى الإمام أحمد قد نص على أن التمتع أفضل من القرآن ، ورأى أن الله سبحانه لم يكن ليختار لرسوله إلا الأفضل ، ورأى الأحاديث قد جاءت بأنه تمتع ، ورأى أنها صريحة في أنه لم يحل ، فأخذ من هذه المقدمات الأربع أنه تمتع تمتعاً خاصاً لم يحل منه ، ولكن أحمد لم يرجح التمتع ، لكون النبي صلى الله عليه وسلم حج متمتعاً، كيف وهو القائل : لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قارناً، وإنما اختار التمتع . لكونه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الذي أمر به الصحابة أن يفسخوا حجهم إليه ، وتأسف على فوته .
ولكن نقل عنه المروزي ، أنه إذا ساق الهدي ، فالقران أفضل ، فمن أصحابه من جعل هذا رواية ثانية، ومنهم من جعل المسألة رواية واحدة، وأنه إن ساق الهدي ، فالقران أفضل ، وإن لم يسق فالتمتع أفضل ، وهذه طريقة شيخنا ، وهي التي تليق بأصول أحمد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتمن أنه كان جعلها عمرة مع سوقه الهدي ، بل ود أنه كان جعلها عمرة ولم يسق الهدي .
بقي أن يقال : فأي الأمرين أفضل ، أن يسوق ويقرن ، أو يترك السوق ويتمتع كما ورد النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله .
قيل : قد تعارض في هذه المسألة أمران .
أحدهما : أنه صلى الله عليه وسلم قرن وساق الهدي ، ولم يكن الله سبحانه ليختار له إلا أفضل الأمور، ولا سيما وقد جاءه الوحي به من ربه تعالى، وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم .
والثاني قوله : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة" . فهذا يقتضي ، أنه لو كان هذا الوقت الذي تكلم فيه هو وقت إحرامه ، لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي ، لأن الذي استدبره هو الذي فعله ومضى فصار خلفه ، والذي استقبله هو الذي لم يفعله بعد، بل هو أمامه ، فبين أنه لو كان مستقبلاً لما استدبره ، وهو الإحرام بالعمرة دون هدي ، ومعلوم ، أنه لا يختار أن ينتقل عن الأفضل إلى المفضول ، بل إنما يختار الأفضل ، وهذا يدل على أن آخر الأمرين منه ترجيع التمتع .
ولمن رجح القران مع السوق أن يقول : هو صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا، لأجل أن الذي فعله مفضول مرجوح ، بل لأن الصحابة شق عليهم أن يحثوا من إحرامهم مع بقائه هو محرماً، وكان يختار موافقتهم ليفعلوا ما أمروا به مع انشراح وقبول ومحبة،
وقد ينتقل عن الأفضل إلى المفضول ، لما فيه من الموافقة وتأليف القلوب، كما قال لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين ". فهذا ترك ما هو الأولى لأجل الموافقة والتأليف ، فصار هذا هو الأولى في هذه الحال ، فكذلك اختياره للمتعة بلا هدي . وفي هذا جمع بين ما فعله وبين ما وده وتمناه ، ويكون الله سبحانه قد جمع له بين الأمرين ، أحدهما بفعله له ، والثاني : بتمنيه ووده له ، فأعطاه أجر ما فعله ، وأجر ما نواه من الموافقة وتمناه ، وكيف يكون نسك يتخلله التحلل ولم يسق فيه الهدي أفضل من نسك لم يتخلله تحلل، وقد ساق فيه مائة بدنة، وكيف يكون نسك أفضل في حقه من نسك اختاره الله له ، وأتاه به الوحي من ربه .
فإن قيل : التمتع وإن تخلله تحلل ، لكن قد تكرر فيه الإحرام ، وإنشاؤه عبادة محبوبة للرب ، والقران لا يتكرر فيه الإحرام ؟
قيل : في تعظيم شعائر الله بسوق الهدي ، والتقرب إليه بذلك من الفضل ما ليس في مجرد تكرر الإحرام ، ثم إن استدامته قائمة مقام تكرره ، وسوق الهدي لا مقابل له يقوم مقامه .
فإن قيل : فأيما أفضل ، إفراد يأتي عقيبه بالعمرة أو تمتع يحل منه ، ثم يحرم بالحج عقيبه ؟ قيل : معاذ الله أن نظن أن نسكاً قط أفضل من النسك الذي اختاره الله لأفضل الخلق ، وسادات الأمة ، وأن نقول في نسك لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من الصحابة الذين حجوا معه ، بل ولا غيرهم من أصحابه : إنه أفضل مما فعلوه بأمره ، فكيف يكون حج على وجه الأرض أفضل من الحج الذي حجه النبي صلوات الله عليه ، وأمر به أفضل الخلق ، واختاره لهم ، وأمرهم بفسخ ما عداه من الأنساك إليه ، وود أنه كان فعله ، لا حج قط أكمل من هذا. وهذا وإن صح عنه الأمر لمن ساق الهدي بالقران ، ولمن لم يسق بالتمتع ، ففي جواز خلافه نظر، ولا يوحشك قلة القائلين بوجوب ذلك ، فإن فيهم البحر الذي لا ينزف عبد الله بن عباس ، وجماعة من أهل الضاهر ، والسنة هي الحكم بين الناس ، والله المستعان.

اسير الصحراء 04-30-2006 01:36 AM

فصل الرد على من زعم أنه حج قارناً طاف له طوافين وسعى له سعيين

فصل
وأما من قال : إنه حج قارناً قراناً طاف له طوافين ، وسعى له سعيين، كما قاله كثير من فقهاء الكوفة، فعذره ما رواه الدارقطني من حديث مجاهد ، عن ابن عمر، أنه جمع بين حج وعمرة معاً ، وقال : سبيلهما واحد، قال : وطاف لهما طوافين ، وسعى لهما سعيين . وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت .
وعن علي بن أبي طالب ، أنه جمع بينهما، وطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت .
وعن علي رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، فطاف وسعى سعيين .
وعن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته طوافين ، وسعى لهما سعيين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وعن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طوافين ، وسعى سعيين .
وما أحسن هذا العذر، لو كانت هذه الأحاديث صحيحة ، بل لا يصح منها حرف واحد .
أما حديث ابن عمر، ففيه الحسن بن عمارة، وقال الدارقطني : لم يروه عن الحكم غير الحسن بن عمارة، وهو متروك الحديث .
وأما حديث علي رضي الله عنه الأول ، فيرويه حفص بن أبي داود . وقال أحمد ومسلم : حفص متروك الحديث ، وقال ابن خراش : هو كذاب يضع الحديث ، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ضعيف .
وأما حديثه الثاني : فيرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي . حدثني أبي عن أبيه عن جده قال الدارقطني : عيسى بن عبد الله يقال له : مبارك ، وهو متروك الحديث .
وأما حديث علقمة عن عبد الله ، فيرويه أبو بردة عمرو بن يزيد، عن حماد عن إبراهيم ، عن علقمة. قال الدارقطني : وأبو بردة ضعيف ، ومن دونه في الإسناد ضعفاء انتهى. وفيه عبد العزيز بن أبان ، قال يحيى : هو كذاب خبيث . وقال الرازي والنسائي : متروك الحديث .
وأما حديث عمران بن حصين ، فهو مما غلط فيه محمد بن يحيى الأزدي ، وحدث به من حفظه ، فوهم فيه ، وقد حدث به على الصواب مراراً ، ويقال : إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي .
وقد روى الإمام أحمد ، والترمذي ، وابن حبان في صحيحه من حديث الدرارودي ، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرن بين حجته وعمرته ، أجزأه لهما طواف واحد" . ولفظ الترمذي : "من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف وسعي واحد عنهما ، حتى يحل منهما جميعاً" .
وفي الصحيحين ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، ثم قال : "من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً ، فطاف الذين أهلوا بالعمرة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافاً واحداً ".
وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : "إن طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك " .
وروى عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، طاف طوافاً واحداً لحجه وعمرته . وعبد الملك : أحد الثقات المشهورين ، احتج به مسلم ، وأصحاب السنن . وكان يقال له : الميزان ، ولم يتكلم فيه بضعف ولا جرح ، وإنما أنكر عليه حديث الشفعة .
وتلك شكاة ظاهر عنه عارها .
وقد روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة ، وطاف لهما طوافاً واحداً وهذا ، وإن كان فيه الحجاج بن أرطأة، فقد روى عنه سفيان ، وشعبة ، وابن نمير ، وعبد الرزاق ، والخلق عنه . قال الثوري: وما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه ، وعيب عليه التدليس ، وقل من سلم منه . وقال أحمد : كان من الحفاظ ، وقال ابن معين : ليس بالقوي ، وهو صدوق يدلس . وقال أبو حاتم : إذا قال : حدثنا، فهو صادق لا نرتاب في صدقه وحفظه. وقد روى الدارقطني ، من حديث ليث بن أبي سليم قال : حدثني عطاء، وطاووس ، ومجاهد ، عن جابر ، وعن ابن عمر ، وعن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف هو وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً لعمرتهم وحجهم .
وليث بن أبي سليم ، احتج به أهل السنن الأربعة، واستشهد به مسلم ، وقال ابن معين : لا بأس به ، وقال الدارقطني : كان صاحب سنة، وانما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس ومجاهد حسب وقال عبد الوارث : كان من أوعية العلم ، وقال أحمد: مضطرب الحديث ، ولكن حدث عنه الناس ، وضعفه النسائي ، ويحيى في رواية عنه ، ومثل هذا حديثه حسن . وإن لم يبلغ رتبة الصحة .
وفي الصحيحين عن جابر قال : "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، ثم وجدها تبكي فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : قد حضت وقد حل الناس ، ولم أحل ولم أطف بالبيت ، فقال : اغتسلي ثم أهلي ففعلت ، ثم وقفت المواقف حتى إذا طهرت ، طافت بالكعبة وبالصفا والمروة، ثم قال : قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً " .
وهذا يدل على ثلاثة أمور ، أحدها : أنها كانت قارنة ، والثاني : أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد. والثالث : أنه لا يجب عليها قضاء تلك العمرة التي حاضت فيها، ثم أدخلت عليها الحج ، وأنها لم ترفض إحرام العمرة بحيضها ، وإنما رفضت أعمالها والاقتصار عليها ، وعائشة لم تطف أولاً طواف القدوم ، بل لم تطف إلا بعد التعريف ، وسعت مع ذلك ، فإذا كان طواف الإفاضة والسعي بعد يكفي القارن ، فلأن يكفيه طواف القدوم مع طواف الإفاضة ، والسعي بعد يكفي القارن ، فلأن يكفيه طواف القدوم مع طواف الإفاضة ، وسعي واحد مع أحدهما بطريق الأولى، لكن عائشة تعذر عليها الطواف الأول ، فصارت قصتها حجة ، فإن المرأة التي يتعذر عليها الطواف الأول ، تفعل كما فعلت عائشة ، تدخل الحج على العمرة ، وتصير قارنة ، ويكفيها لهما طواف الإفاضة والسعي عقيبه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومما يبين أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف طوافين ، ولا سعى سعيين قول عائشة رضي الله عنها . وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً . متفق عليه . وقول جابر: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً " طوافه الأول . رواه مسلم . وقوله لعائشة : "يجزىء عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك " . رواه مسلم . وقوله لها في رواية أبي داود : "طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك جميعاً ". وقوله لها في الحديث المتفق عليه لما طافت بالكعبة وبين والمروة : "قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً" قال : والصحابة الذين نقلوا حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلهم نقلوا أنهم لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة أمرهم بالتحيل إلا من ساق الهدي ، فإنه لا يحل إلا يوم النحر، ولم ينقل أحد منهم أن أحداً منهم طاف وسعى، ثم طاف وسعى . ومن المعلوم ، أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله . فلما لم ينقله أحد من الصحابة، علم أنه لم يكن .
وعمدة من قال بالطوافين والسعيين ، أثر يرويه الكوفيون ، عن علي رضي الله عنه ، وآخر عن ابن مسعود رضي الله عنهما.
وقد روى جعفر بن محمد، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه ، أن القارن يكفيه طوافاً واحد ، وسعي واحد ، خلاف ما روى أهل الكوفة ، وما رواه العراقيون ، منه ما هو منقطع ومنه ما رجاله مجهولون أو مجروحون ، ولهذا طعن علماء النقل في ذلك حتى قال ابن حزم : كل ما روي في ذلك عن الصحابة، لا يصح منه ولا كلمة واحدة . وقد نقل في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو موضوع بلا ريب . وقد حلف طاووس : ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجته وعمرته إلا طوافاً واحداً ، وقد ثبت مثل ذلك عن ابن عمر، وابن عباس ، وجابر ، وغيرهم رضي الله عنهم ، وهم أعلم الناس بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يخالفوها، بل هذه الآثار صريحة في أنهم لم يطوفوا بالصفا والمروة إلا مرة واحدة .
وقد تنازع الناس في القارن والمتمتع ، هل عليهما سعيان أو سعي واحد ؟ على ثلاثة أقوال : في مذهب أحمد وغيره .
أحدها : ليس على واحد منهما إلا سعي واحد، كما نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله . قال عبد الله : قلت لأبي : المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال : إن طاف طوافين ، فهو أجود . وإن طاف طوافاً واحداً، فلا بأس . قال شيخنا : وهذا منقول عن غير واحد من السلف.
الثاني : المتمتع عليه سعيان ، والقارن عليه سعي واحد، وهذا القول هو القول الثاني في مذهبه ، وقول من يقوله من أصحاب مالك والشافعي رحمهما الله .
والثالث : إن على كل واحد منهما سعيين ، كمذهب أبي حنيفة رحمه الله ، ويذكر قولاً في مذهب أحمد رحمه الله ، والله أعلم . والذي تقدم ، هو بسط قول شيخنا ، وشرحه والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:36 AM

فصل الرد على من زعم أنه حج مفرداً

فصل
وأما الذين قالوا: إنه حج حجاً مفرداً اعتمر عقيبه من التنعيم ، فلا يعلم لهم عذر البتة إلا ما تقدم من أنهم سمعوا أنه أفرد الحج ، وأن عادة المفردين أن يعتمروا من التنعيم، فتوهموا أنه فعل كذلك .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:37 AM

فصل فيمن غلط في إهلاله صلى الله عليه وسلم

فصل
وأما الذين غلطوا في إهلاله ، فمن قال : إنه لبى بالعمرة وحدها واستمر عليها، فعذره أنه سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع ، والمتمتع عنده من أهل بعمرة مفردة بشروطها. وقد قالت له حفصة رضي الله عنها: ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك ؟ وكل هذا لا يدل على أنه قال : لبيك بعمرة مفردة، ولم ينقل هذا أحد عنه البتة، فهو وهم محض ، والأحاديث الصحيحة المستفيضة في لفظه إهلاله تبطل هذا .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:37 AM

فصل في عذر من قال : إنه لبى بالحج وحده واستمر عليه

وأما من قال : إنه لبى بالحج وحده واستمر عليه ، فعذره ما ذكر ما ذكرنا عمن قال : أفرد الحج ولبى بالحج ، وقد تقدم الكلام على ذلك ، وأنه لم يقل أحد قط : إنه قال : لبيك بحجة مفردة ، وإن الذين نقلوا لفظه ، صرحوا بخلاف ذلك .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:38 AM

فصل وأما من قال : إنه لبى بالحج وحده ، ثم أدخل عليه العمرة ، وظن أنه بذلك تجتمع الأحاديث ، فعذره أنه رأى أحاديث إفراده بالحج صحيحة، فحملها على ابتداء إحرامه ، ثم إنه أتاه آت من ربه تعالى فقال : قل : عمرة في حجة ، فأخل العمرة حينئذ على الحج ، فصار قارناً . ولهذا قال للبراء بن عازب : "إني سقت الهدي وقرنت " ، فكان مفرداً في ابتداء إحرامه ، قارناً في أثنائه ، وأيضاً فإن أحداً لم يقل إنه أهل بالعمرة، ولا لبى بالعمرة ، ولا أفرد العمرة، ولا قال : لا ننوي إلا العمرة، بل قالوا : أهل بالحج ، ولبى بالحج ، وأفرد الحج ، ولم ننوي إلا الحج وهذا يدل على أن الإحرام وقع أولاً بالحج ، ثم جاءه الوحي من ربه تعالى بالقران ، فلبى بهما فسمعه أنس يلبي بهما، وصدق ، وسمعته عائشة وابن عمر ، وجابر يلبي بالحج وحده أولاً وصدقوا .
قالوا : وبهذا تتفق الأحاديث ، ويزول عنها الاضطراب . وأرباب هذه المقالة لا يجيزون إدخال العمرة على الحج ، ويرونه لغواً ، ويقولون : إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره . قالوا : ومما يدل على ذلك : أن ابن عمر قال : لبى بالحج وحده ، وأنس قال : أهل بهما جميعاً ، وكلاهما صادق فلا يمكن أن يكون إهلاله بالقران سابقاً على إهلاله بالحج وحده ، لأنه إذا أحرم قارناً ، لم يمكن أن يحرم بعد ذلك بحج مفرد ، وينقل الإحرام إلى الإفراد ، فتعين أنه أحرم بالحج مفرداً ، فسمعه ابن عمر ، وعائشة ، وجابر، فنقلوا ما سمعوه ، ثم أدخل عليه العمرة، فأهل بهما جميعاً لما جاءه الوحي من ربه ، فسمعه أنس يهل بهما، فنقل ما سمعه ، ثم أخبر عن نفسه بأنه قرن ، وأخبر عنه من تقدم ذكره من الصحابة بالقران ، فاتفقت أحاديثهم ، وزال عنها الاضطراب والتناقض . قالوا : ويدل عليه قول عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : "من أراد منكم أن يهل بحج أو عمرة فليهل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فيهل " . قالت عائشة : فأهل رسول لله صلى الله عليه وسلم بحج ، وأهل به ناس معه . فهذا يدل على أنه كان مفرداً في ابتداء إحرامه ، فعلم أن قرانه كان بعد ذلك ، ولا ريب أن في هذا القول من مخالفة الأحاديث المتقدمة، ودعوى التخصيص للنبي صلى الله عليه وسلم في بإحرام لا يصح في حق الأمة ما يرده ويبطله ، ومما يرده أن أنساً قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالبيداء، ثم ركب، وصعد جبل البيداء، وأهل ، بالحج والعمرة حين صلى الظهر.
وفي حديث عمر، أن الذي جاءه من ربه قال له : "صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة" . فكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالذي روى عمر أنه أمر به ، وروى أنس أنه فعله سواء، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم قال : "لبيك حجاً وعمرة " . واختلف الناس في جواز إدخال العمره على الحج على قولين ، وهما روايتان عن أحمد، أشهرهما : إنه لا يصح والذين قالوا بالصحة، كأبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله ، بنوه على أصولهم ، وأن القارن يطوف طوافين ، ويسعى سعين ، فإذا أدخل العمرة على الحج ، فقد التزم زيادة عمل على الإحرام بالحج وحده ، ومن قال : يكفيه طواف واحد، وسعي واحد، قال : لم يستفد بهذا الإدخال إلا سقوط أحد السفرين ، ولم يلتزم به زيادة عمل ، بل نقصانه فلا يجوز، وهذا مذهب الجمهور .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:38 AM

فصل وأما القائلون : إنه أحرم بعمرة، ثم أدخل عليها الحج ، فعذرهم قول ابن عمر: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج . متفق عليه .
وهذا ظاهر في أنه أحرم أولا بالعمرة، ثم أدخل عليها الحج ، ويبين أيضاً أن ابن عمر لما حج زمن ابن الزبير أهل بعمرة ثم قال : أشهدكم أنى أوجبت حجاً مع عمرتي ، وأهدى هدياً اشتراه بقديد، ثم انطلق يهل بهما جميعاً حتى قدم مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ولم يزد على ذلك ، ولم ينحر ولم يحلق ولم يقصر، ولم يحل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر، وحلق ، ورأى أن ذلك قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول . وقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعند هؤلاء، أنه كان متمتعاً في ابتداء إحرامه ، قارناً في أثنائه ، وهؤلاء أعذر من الذين قبلهم ، وإدخال الحج على العمرة جائز بلا نزاع يعرف ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها بإدخال الحج على العمرة فصارت قارنة، ولكن سياق الأحاديث الصحيحة ، يرد على أرباب هذه المقالة .
فإن أنساً أخبر أنه حين صلى الظهر أهل بهما جميعاً، وفي الصحيح عن عائشة، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل ، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة" قالت : وكان من القوم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بالحج ، فقالت : فكنت أنا ممن أهل بعمرة ، وذكرت الحديث رواه مسلم . فهذا صريح في أنه لم يهل إذ ذاك بعمرة ، فإذا جمعت بين قول عائشة هذا، وبين قولها في الصحيح : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وبين قولها وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، والكل في الصحيح ، علمت أنها إنما نفت عمرة مفردة، وأنها لم تنف عمرة القران ، وكانوا يسمونها تمتعاً كما تقدم ، وأن ذلك لا يناقض إهلاله بالحج ، فإن عمرة القران في ضمنه ، وجزء منه ، ولا ينافي قولها : أفرد الحج ، فإن أعمال العمرة لما دخلت في أعمال الحج ، وأفردت أعماله ، كان ذلك إفراداً بالنعل .
وأما التلبية بالحج مفرداً ، فهو إفراد بالقول ، وقد قيل : إن حديث ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، مروي بالمعنى من حديثه الآخر، وان ابن عمر هو الذي فعل ذلك عام حجه في فتنة ابن الزبير، وأنه بدأ فأهل بالعمرة، ثم قال : ما شأنها إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجاً مع عمرتي ، فأهل بهما جميعاً ، ثم قال ، في آخر الحديث : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنما أراد اقتصاره على طواف واحد، وسعي واحد، فحمل على المعنى، وروي به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج ، وإنما الذي فعل ذلك ابن عمر، وهذا ليس ببعيد، بل متعين ، فإن عائشة قالت عنه : "لولا أن معي الهدي لأهللت بعمرة "وأنس قال عنه : إنه حين صلى الظهر، أوجب حجاً وعمرة ؟ وعمر رضي الله عنه ، أخبر عنه أن الوحي جاءه من ربه فأمره بذلك .
فإن قيل : فما تصنعون بقول الزهري : إن عروة أخبره عن عائشة بمثل حديث سالم ، عن ابن عمر؟ قيل : الذي أخبرت به عائشة من ذلك ، هو أنه صلى الله عليه وسلم طاف طوافاً واحداً عن حجه وعمرته ، وهذا هو الموافق لرواية عروة عنهما في الصحيحين ، وطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً، فهذا مثل الذي رواه سالم عن أبيه سواء . وكيف تقول عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج ، وقد قالت . إن رسول صلى الله عليه وسلم قال : "لولا أن معي الهدي لأهللت بعمرة" وقالت : وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ؟ فعلم ، أنه صلى الله عليه وسلم لم يهل في ابتداء إحرامه بعمرة مفردة والله أعلم .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:39 AM

فصل وأما الذين قالوا: إنه أحرم إحراماً مطلقاً، لم يعين فيه نسكاً، ثم عينه بعد ذلك لما جاءه القضاء وهو بين الصفا والمروة، وهو أحد أقوال الشافعي رحمه الله ، نص عليه في كتاب اختلاف الحديث . قال : وثبت أنه خرج ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو ما بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه أن من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعله عمرة، ثم قال : ومن وصف انتظار النبي صلى الله عليه وسلم في القضاء، إذ لم يحج من المدينة بعد نزول الفرض طلباً للإختيار فيما وسع الله من الحج والعمرة، فيشبه أن يكون أحفظ ، لأنه قد أتي بالمتلاعنين، فانتظر القضاء، كذلك حفظ عنه في الحج ينتظر القضاء . وعذر أرباب هذا القول ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت : "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذكر حجاً ولا عمرة" وفي لفظ : "يلبي لا يذكر حجاً ولا عمرة" وفي رواية عنها : "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج ، حتى إذا دنونا منه مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل " وقال طاووس : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجاً ولا عمرة ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة . . . الحديث .
وقال جابر في حديثه الطويل في سياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم : فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله ، فما عمل به من شيء ، عملنا به ، فأهل بالتوحيد "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " . وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلبيته فأخبر جابر ، أنه لم يزد على هذه التلبية، ولم يذكر أنه أضاف إليها حجاً ولا عمرة، ولا قراناً ، وليس في شيء من هذه الأعذار ما يناقض أحاديث تعيينه النسك الذي أحرم به في الابتداء ، وأنه القران .
فأما حديث طاووس ، فهو مرسل لا يعارض به الأساطين المسندات ، ولا يعرف اتصاله بوجه صحيح ولا حسن . ولو صح ، فانتظاره للقضاء كان فيما بينه وبين الميقات ، فجاءه القضاء وهو بذلك الوادي ، أتاه آت من ربه تعالى فقال : "صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة"، فهذا القضاء الذي انتظره ، جاءه قبل الإحرام ، فعين له القران . وقول طاووس : نزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة، هو قضاء آخر غير القضاء الذي نزل عليه بإحرامه ، فإن ذلك كان بوادي العقيق ، وأما القضاء الذي نزل عليه بين الصفا والمروة، فهو قضاء الفسخ الذي أمر به الصحابة إلى العمرة، فحينئذ أمر كل من لم يكن معه هدي منهم أن يفسخ حجه إلى عمرة وقال : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" ، وكان هذا أمر حتم بالوحي ، فإنهم لما توقفوا فيه قال : "انظروا الذي آمركم به فافعلوه " .
فأما قول عائشة: خرجنا لا نذكر حجاً ولا عمرة، فهذا إن كان محفوظاً عنها، وجب حمله على ما قبل الإحرام ، وإلا ناقض سائر الروايات الصحيحة عنها، أن منهم من أهل عند الميقات بحج ، ومنهم من أهل بعمرة، وأنا ممن أهل بعمرة . وأما قولها: نلبي لا نذكر حجاً ولا عمرة، فهذا في ابتداء الاحرام ، ولم تقل : إنهم استمروا على ذلك إلى مكة، هذا باطل قطعاً فإن الذين سمعوا إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أهل به ، شهدوا على ذلك ، وأخبروا به ، ولا سبيل إلا رد رواياتهم . ولو صح عن عائشة ذلك ، لكان غايته أنها لم تحفظ إهلالهم عند الميقات ، فنفته وحفظه غيرها من الصحابة فأثبته ، والرجال بذلك أعلم من النساء . وأما قول جابر رضي الله عنه : وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فليس فيه إلا إخباره عن صفة تلبيته ، وليس فيه نفي لتعيينه النسك الذي أحرم بوجه من الوجوه . وبكل حال ، ولو كانت هذه الأحاديث صريحة في نفي التعيين ، لكانت أحاديث أهل الإثبات أولى بالأخذ منها ، لكثرتها ، وصحتها ، واتصالها ، وأنها مثبتة مبينة متضمنة لزيادة خفيت على من نفى، وهذا بحمد الله واضح وبالله التوفيق .

اسير الصحراء 04-30-2006 01:39 AM

فصل ولنرجع إلى سياق حجته صلى الله عليه وسلم ولبد رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بالغسل وهو بالغين المعجمة على وزن كفل ، وهو ما يغسل به الرأس من خطمي ونحوه يلبد به الشعر حتى لا ينتشر ، وأهل في مصلاه ، ثم ركب على ناقته ، وأهل أيضاً ، ثم أهل لما استقلت به على البيداء .
قال ابن عباس : وايم الله : لقد أوجب في مصلاه ، وأهل حين استقلت به ناقته ، وأهل حين علا على شرف البيداء .
وكان يهل بالحج والعمرة تارة ، وبالحج تارة ، لأن العمرة جزء منه ، فمن ثم قيل : قرن ، وقيل : تمتع ، وقيل : أفرد ، قال ابن حزم : كان ذلك قبل الظهر بيسير ، وهذا وهم منه ، والمحفوظ : أنه إنما أهل بعد صلاة الظهر ، ولم يقل أحد قط : إن إحرامه كان قبل الظهر ، ولا أدري من أين له هذا . وقد قال ابن عمر : "ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ". وقد قال أنس : "إنه صلى الظهر ، ثم ركب" ، والحديثان في الصحيح .
فإذا جمعت أحدهما إلى الآخر ، تبين أنه إنما أهل بعد صلاة الظهر ، ثم لبى فقال : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " . ورفع صوته بهذه التلبية حتى سمعها أصحابه ، وأمرهم بأمر الله له أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية .
وكان حجه على رحل ، لا في محمل ، ولا هودج ، ولا عمارية وزاملته تحته . وقد اختلف في جواز ركوب المحرم في المحمل والهودج ، والعمارية ، ونحوها على قولين ، هما روايتان عن أحمد أحدهما: الجواز وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة . والثاني : المنع وهو مذهب مالك .


الساعة الآن 09:24 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][