![]() |
ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه على قبائل العرب
" أخبرنا محمد بن إبراهيم المقدسي الإمام قراءة عليه و أنا حاضر في الرابعة ، و عبد الرحيم ابن يوسف المزي قراءة عليه و أنا أسمع بالجامع الأزهر ، قال الأول : أخبرنا أبو اليمن زيد ابن الحسن الكندي قراءة عليه و أنا أسمع . و قال الثاني : أخبرني أبو حفص عمر بن محمد ابن طبرزذ سماعاً عليه في الخامسة ، قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني ، أخبرنا أبو بكر محمد ابن إسماعيل الوراق ، حدثنا أبو أحمد إسماعيل بن موسى بن إبراهيم الحاسب ، حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، حدثنا إسرائيل يعني ابن يونس ، عن عثمان بن أبي المغيرة الثقفي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه على الناس في الوقف و يقول : ألا رجل يعرض علي قومه ، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " . " و أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه و غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي بقراءتي عليه ، قالا : أخبرنا ابن طبرزذ ، أخبرنا ابن الحصين . أخبرنا ابن غيلان ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، حدثنا محمد بن المنكدر أنه سمع ربيعة بن عباد ـ أو عباد ـ الدؤلي يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول : يا أيها الناس إن الله أمركم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئاً . قال : و وراءه رجل يقول : يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم . فسألت من هذا الرجل ؟ فقيل : أبو لهب . و ذكر ابن إسحاق عرضه عليه السلام نفسه على كندة ، و على كلب ، و على بني حنيفة . قال : و لم يك أحدة من العرب أقبح رداً عليه منهم . و على بني عامر بن صعصعة . و ذكر الواقدي دعاءه عليه السلام بني عبس إلى الإسلام ، و أنه أتى غسان في منازلهم . و بني محارب كذلك . و ذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه " من حديث عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب في خروجهما هو و أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لذلك ، قال علي : و كان أبو بكر في كل خير مقدماً . فقال : ممن القوم ؟ فقالوا : من شيبان بن ثعلبة . فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : بأبي أنت و أمي هؤلاء غرر في قومهم ، و فيهم مفروق بن عمرو ، و هانيء بن قبيصة ، و مثنى بن حارثة ، و النعمان بن شريك . و كان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالاً و لساناً ، و كان له غديرتان ، و كان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر رضي الله عنه . فقال له أبو بكر رضي الله عنه : كيف العدد فيكم ؟ فقال له مفروق : إنا لنزيد على الألف ، و لن تغلب الألف من قلة . فقال أبو بكر : كيف المنعة فيكم ؟ فقال مفروق : علينا الجهد و لكل قوم جد . فقال أبو بكر : فكيف الحرب بينكم و بين عدوكم ؟ فقال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضباً حين نلقى و إنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب ، و إنا لنؤثر الجياد على الأولاد و السلاح على اللقاح ، و النصر من عند الله ، يديلنا مرة علينا اخرى ، لعلك أخو قريش ؟ فقال أبو بكر : أو قد بلغكم أنه رسول الله ؟ فها هو ذا . فقال مفروق : قد بلغنا أنه يذكر ذلك ، فغلام تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له ، و أني رسول الله ، و إلى أن تؤوني و تنصروني ، فإن قريشاً قد تظاهرت على على أمر الله و كذبت رسله ، و استغنت بالباطل عن الحق ، و الله الغني الحميد . فقال مفروق إلام تدعو أيضاً يا أخا العرب ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون " [ الأنعام : 150 ] فقال مفروق : و غلام تدعو أيضاً يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " [ النحل : 90 ] فقال مفروق : دعوت و الله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ، و محاسن الأعمال ، و لقد أفك قوم كذبوك ، و ظاهروا عليك . و كأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة ، فقال : و هذا هانئ بن قبيصة شيخنا و صاحب ديننا . فقال هانئ : قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش ، و إني أرى أن تركنا ديننا و اتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول و لا آخر : زلة في الرأي و قلة نظر في العاقبة ، و إنما تكون الزلة مع العجلة ، و من ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً ، و لكن نرجع و نرجع ، و ننظر و تنظر . و كأنه أحب أن يشركه في الكلام المثني بن حارثة . فقال : و هذا المثنى بن حارثة شيخنا ، و صاحب حربنا . فقال المثنى : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، و الجواب هو جواب هانيء بن قبيصة : في تركنا ديننا ، و اتباعنا دينك لمجلس إلينا ليس له أول و لا آخر ، و إنا إنما نزلنا بين صريي اليمامة و السمامة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما هذان الصريين ؟ فقال أنهار كسرى و مياه العرب . فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور و عذره غير مقبول ، و أما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور و عذره مقبول ، و إنا نزلنا على عهد أخاه علينا كسرى أن لا نحدث حدثاً و لا نؤوي محدثاً ، و إني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت ، هو مما تكرهه الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك و ننصرك ، مما يلي مياه العرب فعلنا . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أسألتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق ، و إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه من جميع . أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله بأرضهم و ديارهم و أموالهم و يفرشكم نساءهم ؟ أتسبحون الله و تقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم لك ذا . فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " [ الأحزاب : 45 ـ 46 ] ثم نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ بيدي فقال : يا أبا بكر يا أبا حسن أية أخلاق في الجاهلية ؟ ! ما أشرفها ! بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض ، و بها يتحاجزون فيما بينهم . قال : ثم دفعنا إلى مجلس الأوس و الخزرج ، فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه و سلم ، و كانوا صدقاً صبراً . و لم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك كله يدعو إلى دين الله ، و يأمر به كل من لقيه ، و رآه من العرب ، إلى أن قدم سويد بن الصامت ، أخو بني عمرو بن عوف من الأوس ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فلم يبعد و لم يجب ، ثم انصرف إلى يثرب فقتل في بعض حروبهم . قال ابن إسحاق : فإن كان رجال من قومه ليقولون إنا نراه قد قتل و هو مسلم . و قدم مكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه بني عبد الأشهل ، يطلبون الحلف ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام . فقال رجل منهم اسمه إياس بن معاذ و كان شاباً : يا قوم ، هذا و الله خير مما قدمنا له . فضربه أبو الحيسر و انتهره فسكت . ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى بلادهم ، و مات إياس بن معاذ . فقيل : إنه مات مسلماً . |
بدء إسلام الأنصار و ذكر العقبة الأولى
و الأنصار : بنو الأوس و الخزرج ، ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن ابن الأزد دراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ عامر بن يشجب ابن يعرب بن يقطن قحطان . قال ابن إسحاق : فلما أراد الله إظهار دينه و إعزاز نبيه و إنجاز موعده له ، خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم ، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج ، أراد الله بهم خيراً فقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج . قال : أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم . قال : أفلا تجلسون أكلمكم . قالوا : بلى . فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله ، و عرض عليهم الإسلام ، و كان مما صنع الله به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم ، و كانوا أهل علم و كتاب ، و كانوا هم أهل شرك ، أصحاب أوثان ، و كانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء . قالوا لهم : إن نبياً مبعوث الآن ، قد أظل زمانه ، نتبعه نقتلكم معه قتل عاد و إرم . فلما كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أولئك النفر ، و دعاهم إلى الله ، قال بعضهم لبعض تعلموا و الله إنه لنبي الذي توعدكم به يهود ، فلا يسبقنكم إليه . فأجابوه فيما دعاهم إليه ، بأن صدقوا و قبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام . و قالوا له : إنا تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشر ما بينهم ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك . ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا و صدقوا . و هم فيما ذكر لي ستة نفر من الخزرج منهم من بني النجار ـ و هو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار . و عوف بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك ابن النجار ـ و ابن سعد يقول : سواد بن مالك بن غنم بن مالك ـ و هو ابن عفراء . و من بني زريق : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق . و من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة : قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد . و من بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن سادرة بن تزيد بن جشم . ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام . و من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : جابر بن عبد الله بن رئاب ابن النعمان بن سنان بن عبيد . قال أبو عمر : و من أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت و يسقط جابر ابن رئاب ، و الله أعلم . |
ذكر العقبة الثانية
حتى إذا كان العام المقبل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلاً ، منهم خمسة من الستة الذين ذكرنا و هم : أبو أمامة ، و عوف بن عفراء ، و رافع بن مالك ، و قطبة ، و عقبة . و بقيتهم : معاذ بن الحارث بن رفاعة و هو ابن عفراء أخو عوف المذكور . و ذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق الزرقي . ذكروا أنه رحل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة فسكنها فهو مهاجري أنصاري قتل يوم أحد . و عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو ابن عوف بن الخزرج . و من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج : العباس بن عبادة بن نضلة ابن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم . و من حلفائهم : يزيد بن ثعلبة بن خزمة ـ بسكون الزاي و الطبري يفتحها ـ بن أصرم بن عمرو بن عمارة ـ بفتح العين و تشديد الميم ـ بن مالك من بني فران من بلي . و من بني الأوس بن حارثة أخي الخزرج : ثم من بني جشم أخي عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : أبو الهيثم مالك بن التيهان ـ أهل الحجاز يخففون الياء و غيرهم يشددها ـ بن مالك بن عمرو بن زيد بن جشم بن عمرو بن جشم . و من الناس من يعده لهم من بلي . و من بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس : عويم بن ساعدة بن عايش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن زيد بن أمية بن زيد . فبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء عند العقبة على بيعة النساء ، و لم يكن أمر القتال بعد . " أخبرنا أحمد بن يوسف الساوي بقراءة والدي عليه سنة ست و سبعين ، أخبرنا أبو روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعاً ، أخبرنا أبو بكر الطوسي ، أخبرنا نصر الله بن أحمد الخشنامي ، أخبرنا أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا محمد بن أحمد ، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري ، عن أبي أدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت ، قال : بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم نفراً أنا منهم ، فتلا عليهم آية النساء لا تشركوا بالله شيئاً ثم قال : و من وفى فأجره على الله ، و من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو طهر له ـ أو قال كفارة له ـ و من أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء الله غفر له و إن شاء عذبه " . رواه البخاري . حدثني إسحاق بن منصور ، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي ابن شهاب ، عن عمه ، فذكره بمعناه . فلما انصرفوا بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معهم ابن أم مكتوم و مصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ، و يدعوان من لم يسلم إلى الإسلام ، فنزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة ، و كان مصعب بن عمير يدعى المقرئ و القارئ ، و كان يؤمهم ، و ذلك أن الأوس و الخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض ، فجمع بهم أول جمعة جمعت في الإسلام . و عند ابن إسحاق : أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة . روينا عن ابن أبي عروبة حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس عن ابن شهاب ، قال : بلغنا أن أول ما جمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فجمع بالمسلمين مصعب بن عمير بن عبد مناف . و به قال حدثنا هاشم ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إليه يأمره بذلك . و روينا من طريق أبي داود ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن أدريس ، عن محمد ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ـ و كان قائد أبيه بعدما ذهب بصره ـ عن أبيه كعب بن مالك ، أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة . فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة ؟ فقال : لأنه أول من جمع بنا في هزم البيت من حرة بني بياضة في بقيع يقال له : بقيع الخضمات . قلت : كم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون . بقيع الخضمات بالباء وقع في هذه الرواية ، و قيده البكري بالنون ، و قال : هزم النبيت : جبل على بريد من المدينة . قال السهيلي : " تجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة و تسميتهم إياها بهذا الاسم هداية من الله لهم قبل يؤمروا بها ، ثم نزلت سورة الجمعة بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فاستقر فرضها و استمر حكمها ، و لذلك قال عليه الصلاة و السلام : أضلته اليهود و النصارى و هداكم الله له " . و ذكر عبد بن حميد : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : جمع أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ، و قبل أن تنزل الجمعة . . الحديث . و روى الدارقطني عن ابن عباس إذن النبي صلى الله عليه و سلم لهم بها قبل الهجرة . و قد روينا من طريق ابن أبي عروبة الأثر عن سليمان بن موسى بذلك . |
ذكر إسلام سعد بن معاذ و أسيد بن حضير على يدي مصعب بن عمير
قال ابن إسحاق : و حدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب و عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد دار بني عبد الأشهل و دار بني ظفر فدخل حائطاً من حوائط بني ظفر ، فجلسا فيه ، و اجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، و سعد بن معاذ و أسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما ، و كلاهما مشرك على دين قومه ، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير : لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما و انههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن سعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك ، و هو ابن خالتي ، و لا أجد عليه مقدماً ، فأخذ أسيد بن حضير حربته ، ثم أقبل إليهما ، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب : هذا سيد قومه ، قد جاءك ، فاصدق الله فيه . ثم قال مصعب : إن يجلس هذا أكلمه . قال : فوقف عليها مشتماً ، فقال : ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ، اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة . فقال له مصعب : أوتجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته و إن كرهته كف عنك ما تكره . قال : أنصف . ثم ركز حربته و جلس إليهما ، فكلما مصعب بالإسلام و قرأ عليه القرآن . فقالا فيما يذكر عنهما : و الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم . ثم قال : ما أحسن هذا و أجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له : تغتسل فتطهر ، و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي . فقام فاغتسل و طهر ثوبيه و تشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ، ثم قال لهما : إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، و سأرسله إليكما الآن ، و هو سعد ابن معاذ . ثم أخذ حريته فانصرف إلى سعد و قومه ، و هم جلوس في ناديهم ، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً ، قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف على النادي قال له سعد : ما فعلت ؟ قال : كلمت الرجلين ، فو الله ما رأيت بهما بأساً ، و قد نهيتهما ، فقالا : نفعل ما أحببت ، و قد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، و ذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحفروك . فقام سعد مغضباً مبادراً تخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده و قال : و الله ما أراك أغنيت عنا شيئاً . ثم خرج إليهما ، فلما رآهما سعد مطمئين ، عرف أن أسيداً إنما أراد منه أن يسمع منهما . فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة ، أما و الله لولا ما بيني و بينك من القرآبة ما رمت مني هذا . أتغشانا في دارينا بما نكره ، و قد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير : أي مصعب ، جاءك و الله سيد من وراءه من قومه ، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان . قال : فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً قبلته و إن كرهته عزلنا عنك ما تكره . قال سعد : أنصفت ، ثم ركز الحربة و جلس ، فعرض عليه الإسلام . و قرأ عليه القرآن . قالا : فعرفنا و الله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم . ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم و دخلتم في هذا الدين . قالا : تغتسل فتطهر و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين . قال فقام فاغتسل و طهر ثوبيه ثم شهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين ، ثم أخذ حربته فأقبل عامداً إلى نادي قومه و معهم أسيد بن حضير ، فلما رآه قومه مقبلاً قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم . فلما وقف عليهم قال : يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا و أفضلنا رأياً و أيمنناً نقيبة ، قال : فإن كلام رجالكم و نسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله و رسوله . قال : فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل و لا امرأة إلا مسلماً و مسلمة . قال أبو عمر : " حاشا الأصيرم ، و هو عمرو بن ثابت بن وقش ، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد ، فأسلم و استشهد و لم يسجد لله سجدة ، و أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه من أهل الجنة " . رجع إلى ابن إسحاق : قال و رجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة ، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا و فيها رجال و نساء مسلمون ، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد ، و خطمة و وائل و واقف ، و تلك أوس الله ، و هم من الأوس بن حارثة . قال أبو عمر : و كانوا سكاناً في عوالي المدينة ، فأسلم منهم قوم ، و كان سيدهم أبو قيس صيفي بن الأسلب ، فتأخر إسلامه و إسلام سائر قومه إلى أن مضت بدر و أحد و الخندق ثم أسلموا كلهم . و رأيت في التاريخ الأوسط للبخاري أن أهل مكة سمعوا هاتفاً يهتف قبل إسلام سعد بن معاذ : فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف فحسبوا أنه يريد القبيلتين سعد هذيم من قضاعة ، و سعد بن زيد مناة بن تميم ، حتى سمعوه يقول : فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً و يا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى و تمنيا على الله في الفردوس منية عارف في أبيات ، و قد روينا ذلك أطول من هذا . |
ذكر البراء بن معرور و صلاته إلى القبلة و ذكر العقبة الثالثة
قال ابن إسحاق : " ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، خرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم القعبة من أوسط أيام التشريق ، فحدثني معبد كعب بن مالك أن أخاه عبد الله ، و كان من أعلم الأنصار ، حدثه أنا أباه كعباً حدثه ، و كان ممن شهد العقبة و بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم بها ، قال : خرجنا في حجاج قومنا من المشركين ، و قد صلينا و فقهنا و معنا البراء بن معرور سيدنا و كبيرنا ، فلما وجهنا لسفرنا و خرجنا من المدينة ، قال البراء لنا : يا هؤلاء ! إني قد رأيت رأياً و الله ما أدري أتوافقوني عليه أم لا ؟ قال : قلنا و ما ذاك ؟ قال : رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر ـ يعني الكعبة ـ و أن أصلي إليها . قال : قلنا : و الله ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام ، و ما نريد أن نخالفه . قال : فقال : إني لمصل إليها . قال : قلنا له : لكنا لا نفعل . قال : فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام و صلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة . قال : و قد كنا عبنا عليه ما صنع ، و أبي إلا الإقامة على ذلك . قال : فلما قدمنا مكة قال لي : يا ابنم أخي ! انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه و الله لقد وقع في نفسي منه شيء ، لما رأيت من خلافكم إياي فيه . قال : فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كنا لا نعرفه و لم نره قبل ذلك ، فلقينا رجلاً من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : هل تعرفانه ؟ قلنا : لا . قال : فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قال : قلنا : نعم . قال : و كنا نعرف العباس ، كان لا يزال يقدم علينا تاجراً . قال : فإذا دخلتما المسجد هو الرجل الجالس مع العباس . قال : فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس و رسول الله صلى الله عليه و سلم معه ، فسلمنا ثم جلسنا إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس : هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ قال : نعم . هذا البراء بن معرور سيد قومه ، و هذا كعب بن مالك . قال : فو الله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : الشاعر ؟ قال : نعم . قال : فقال له البراء بن معرور : يا نبي الله ! إني خرجت في سفري هذا ، و قد هداني الله للإسلام ، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية منى بظهر فصيلت إليها ، و خالفني أصحابي في ذلك ، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء ، فماذا ترى يا رسول الله ؟ قال : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها . فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه و سلم و صلى إلى الشام ، و أهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات ، و ليس كما قالوا ، نحن أعلم به منهم . ثم خرجنا إلى الحج و واعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم العقبة من أوسط أيام التشريق ، فلما فرغنا من الحج و كانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم لها ، و معنا عبد الله بن عمرو ابن حرام أبو جابر ، سيد من ساداتنا ، أخذناه و كنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه و قلنا له يا أيا جابر إنك سيد من ساداتنا ، و شريف من أشرافنا ، و إنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً ، ثم دعوناه إلى الإسلام و أخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم إيانا العقبة . قال : فأسلم و شهد معنا العقبة و كان نقيباً . فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل ، خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم تسلل القطا ، مستخفين . حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة و سبعون رجلاً ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار ، و أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي إحدى نساء بني سلمة ، و هي أم منيع . قال : فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جاءنا و معه العباس بن عبد المطلب ، و هو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه و يتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم . فقال : يا معشر الخزرج و كانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار : الخزرج ـ خزرجها و أوسها ـ إن محمداً منا الحديث قد علمتم ، و قد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عز من قومه و منعة في بلده ، و إنه قد أبى إلا الانحياز إليكم و اللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، و مانعوه ممن خالفه فأنتم و ما تحملتم من ذلك ، و إن كنتم ترون أنكم مسلموه و خاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز و منعة من قومه و بلده قال : فقلنا له قد سمعنا ما قلت . فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك و لربك ما أحببت قال : فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فتلا القرآن ، و دعا إلى الله ، و رغب في الإسلام ، ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم و أبناءكم . قال : فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم و الذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فنحن و الله أهل الحروب و أهل الحلقة ، و رثناها كابراً عن كابر . قال : فاعترض القول ـ و البراء يكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ أبو الهيثم بن التيهان ، فقال : يا رسول الله ! إن بيننا و بين الرجا لحبالاً ، و إنا قاطعوها ـ يعني اليهود ـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا ، قال : فتبسم رسول الله ثم قال : بل الدم الدم و الهدم الهدم ، أنا منكم و أتنم مني ، أحارب من حاربتم ، و أسالم من سالمتم . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً ، يكونون على قومهم بما فيهم ، فأخرجوا تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس . فمن الخزرج ثم من بني النجار : أسعد بن زرارة بن عدس . و من بني مالك الأغر ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة بن ثعلبة امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر ، و سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر . ومن بني زريق : رافع ابن مالك بن العجلان . و من بني سلمة ، ثم بني حرام : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام . و من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة أبو بكر البراء بن معرور ابن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد . و من بني طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب ابن الخزرج : سعد بن عبادة دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف . و من بني ثعلبة بن الخزرج أخي طريف : النمذر بن عمرو بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة . و من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج : عبادة بن الصامت . و من الأوس ، ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس : أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل . و من بني السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس : سعد بن خيثمة ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم . و من بني أمية بن زيد ، رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية " . قال ابن هشام : و أهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان بدل رفاعة . و روينا عن أبي بكر البيقهي بسنده إلى مالك ، قال : فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام كان يشير له إلى من يجعله نقيباً . و قد قيل إن الذي تولي الكلام مع الأنصار و شد العقد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أسعد بن زرارة . و روينا من طريق العدني ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر فذكر حديث العقبة و فيه : فأخذ بيده يعني النبي صلى الله عليه و سلم أسعد بن زرارة و هو أصغر السبعين إلا أنا ، فقال . رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي و نحن نعلم أنه رسول الله ، و إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، و قتل خياركم ، و أن تعضكم السيوف ، فإما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم و مفارقة العرب كافة فخذوه و أجركم على الله ، و إما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه ، فهو أعذر لكم عند الله . فقالوا : يا أسعد ! أمط عنا يدك ، فو الله لا نذر هذه البيعة و لا نستقلبها . . الحديث . و قيل : بل العباس بن عبادة بن نضلة . روينا عن ابن إسحاق ، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال العباس بن عبادة بن نضلة : يا معشر الخزرج ! إنكم تبايعونه على حرب الأحمر و الأسود من الناس . فذكر نحو ما تقدم . قال : فأما عاصم فقال : و الله ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أما عبد الله بن أبي بكر فقال : ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم ، فالله أعلم أي ذلك كان . و كانت هذه البيعة على حرب الأسود و الأحمر ، و أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه و اشترط عليهم لربه ، و جعل لهم على الوفاء بذلك الجنة ، فأما المبايعين فيها مختلف فيه : فروينا عن ابن إسحاق من طريق البكائي ، و من طريق أبي عروبة ، " عن سليمان بن سيف ، عن سعيد بن بزيغ عنه قال : بنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه و سلم . و بنو عبد الأشهل يقولون : بل أبو الهيثم بن التيهان ، و قد تقدم أنه البراء بن معرور . فلما انتهيت البيعة صرخ الشيطان من رأس العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم و الصباة معه قد أجمعوا على حربكم . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا أزب العقبة ، أتسمع أي عدو الله ، أما و الله لأفرغن لك . فاستأذنه العباس بن عبادة في القتال . فقال : لم نؤمر بذلك . و تطلب المشركون خبرهم فلم يعرفوه ، ثم شعروا به حين انصرفوا فاقتفوا آثارهم فلم يدركوا إلا سعدوا بن عبادة و المنذر بن عمرو ، فأما سعد فكان ممن عذب في الله ، و أما المنذر فأعجزهم و أفلت . و نمى خبر سعد بن عبادة إلى جبير بن مطعم و الحارث ابن حرب بن أمية على يدي أبي البختري بن هشام فأنقذه الله بهما . و قال ضرار بن الخطاب الفهري : تداركت سعداً عنوة فأخذته و كان شفاء لو تداركت منذرا و لو نلته طلت هناك جراحه و كان حرياً أن يهان و يهدرا فأجابه حسان بأبيات ذكرها ابن إسحاق . فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام و كان عمرو بن الجموح ممن بقي على شركه ، و كان له صنم يعظمه فكان فتيان ممن أسلم من بني سلمة يدلجون بالليل على صنمه فيطرح في بعض حفر بني سلمة منكساً رأسه في عذراً الناس ، فإذا أصبح عمرو قال : ويحكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة ، ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله و طهره و طيبه ، فإذا أمسى عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك إلى أن غسله مرة و طهره ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ، ثم قال له : ما أعلم من يصنع بك ما أرى ، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك . فلما أمسى و نام عمرو عدوا عليه و أخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس. و غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه ، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكساً مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه أبصر شأنه و كلمه من أسلم من قومه فأسلم رضي الله عنه ، و حسن إسلامه " . |
تسمية من شهد العقبة
و هذه تسمية من شهد العقبة ، و كانوا ثلاثة و سبعين رجلاً و امرأتين . هذا هو العدد المعروف ، و إن زاد في التفضيل على ذلك ، فليس ذلك بزيادة في الجملة ، و إنما هو لمحل الخلاف فيمن شهد ، فبعض الرواة يثبته و بعضهم يثبت غيره بدله ، و قد وقع ذلك في غير موضع ، في أهل بدر و شهداء أحد ، و غير ذلك . و هم من الأوس أحد عشر رجلاً ، ثم من بني عبد الأشهل : أسيد بن حضير ، و أبو الهيثم مالك بن التيهان ، و سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل . و سعد بن زيد بن عامر بن عمرو بن جشم بن الحارث بن الخزرج ، و بنو جشم عدادهم في بني عبد الأشهل . شهد العقبة في قول الواقدي وحده و هو معدود في البدريين عند غيره . و قد اختلف في نسبه ، و هو عند ابن إسحاق : سعد بن زيد بن مالك بن عبيد ابن كعب بن عبد الأشهل . و من بني عبد حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : ظهير بن رافع ابن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة ، و أبو بردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة حليف لهم ، و بهيز بن الهيثم بن نابي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ـ و بهيز بالباء الموحدة عند بعضهم و بالنون عند آخرين ـ . و من بني عمرو بن عوف : سعد بن خيثمة ، و رفاعة بن عبد المنذر ، و عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك ـ و اسم البرك : امرئ القيس ـ بن ثعلبة بن عمرو ، و معن بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبيعة ، و عويم بن ساعدة . و من الخزرج ثم من بني النجار : أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد ابن عوف ابن غنم بن مالك بن النجار ، و معاذ بن عفراء ، و أخواه معوذ و عوف ، و عمارة ابن حزم ابن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار ، و أسعد ابن زرارة ، و النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم عند الواقدي وحده . و من بني مبذول عامر بن مالك بن النجار : سهل بن عتيك بن نعمان بن زيد بن معاوية بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر . و من بني حديلة : أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، و حديلة أم معاوية بن عمرو ، و هي ابنة مالك بن زيد مناة بن حبيب ابن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ، و لم يذكره ابن إسحاق . و من بني مغالة ، و هم بنو عدي بن عمرو بن مالك بن النجار : أوس بن ثابت عن المنذر بن حرام ، بن عمرو بن زيد مناة بن عدي ، و أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود ابن حرام . و من بني مازن بن النجار : قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول ابن عمرو بن غنم بن مازن ، و عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول . و ابن هشام يقول : هو غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء ، و غيرهما يثبتهما معاً . و من بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة ، و سعد بن ربيع ، و خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيش بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، و بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس ـ بفتح الخاء المعجمة و تشديد اللام للدارقطني ، و بكسرها و تخفيف اللام عند غيره ـ ابن زيد مناة بن مالك الأغر ، و خلاد بن سويد ابن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن مالك الأغر ، و عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد بن الحرث بن الخزرج . و بعضهم يقول في زيد زيد مناة ، و ابن عمارة يسقط ثعلبة . صاحب الأذان . و من بني الأبجر : خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج : عبد الله بن ربيع بن قيس ابن عامر بن عباد الأبجر . و من بني أخيه خدارة بن عوف : عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث ، أبو مسعود و كان أحدثهم سناً ، و ابن إسحاق يسقط منه عطية ، و أسيرة عنده بالياء يسيرة ، و ذكرها الدارقطني و أبو بكر الخطيب عن ابن إسحاق نسيرة بالنون المضمومة ، و وهم الأمير ، و ابن عبد البر من قال ذلك ، و أما ابن عقبة فقال أسيرة بفتح الهمزة ، و كذلك اختلفوا في تقييد عسيرة ، فمنهم من يفتح العين و يكسر السين ، و منهم من يفتح السين و يضم العين . و خدارة : منهم من يقول بالجيم ، ومنهم من يقول بالخاء المعجمة ، و الذين يقولونها بالجيم منهم من يضمها و منهم من يكسرها . و من بني زريق بن عبد الحارثة : رافع بن مالك بن العجلان ، و ذكوان بن عبد قيس ، و عباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق . و الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق . و عند ابن الكلبي : خلدة بدل خالد . و من بني بياضة بن عامر بن زريق : زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي ابن أمية بن بياضة ، و فروة بن عمرو بن ودفة بن عبيد بن عامر بن بياضة ، و خالد ابن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة . و من بني سلمة ، ثم من بني عبيد : البراء بن معرور ، و ابنه بشر ، و سنان بن صيفي ابن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و الطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد ـ قال ابن سعد : لا أحسبه إلا وهلاً ـ و معقل و يزيد ابنا المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد ، و مسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و الضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد ، و يزيد بن خذام ـ و بعضهم يقول حرام ـ بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و الجبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و يقال خناس . و الطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد . و من بني سلمة أيضاً ، ثم من بني سواد ، ثم من بني كعب بن سواد : كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين ، و عند غيره : كعب بن أبي كعب بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد ، رجل . و من بني غنم بن سواد : قطبة بن عامر بن حديدة و أخوه يزيد ، و سليم بن عمرو ابن حديدة ، و أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم ، و صيفي بن سواد ابن عباد المذكور ، خمسة . و من بني نابي بن عمرو بن سواد : ثعلبة بن عنمة بن عدي بن نابي و أخوه عمرو ، و عبس ابن عامر بن عدي بن نابي ، و خالد بن عمرو بن عدي بن نابي ، و عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام بن حبيب بن مالك بن غنم بن كعب بن تيم بن بهثة بن ناشرة بن يربوع بن البرك بن وبرة . و البرك : دخل في جهينة حليف لهم ـ و عند أبي عمر : تيم بن نفاثة بن إياس بن يربوع ـ خمسة . و عامر بن نابي : أبو عقبة المذكور في العقبة الأولى ذكره ابن الكلبي ، و عمير بن عامر بن نابي شهد المشاهد كلها ، قاله ابن الكلبي ، قال الدمياطي : و لم أر من تابعه على ذكر عمير في الصحابة . و من بني سلمة ثم من بني حرام : عبد الله بن عمرو بن حرام ، ابنه جابر ، و ثابت ابن الجذع ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام ، و عمير ـ و قيل عمرو ـ بن الحارث ابن ثعلبة بن الحارث ابن حرام ، و ابن هشام يقول : لبدة بدل ثعلبة . و عمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام ، و ابنه معاذ . و لم يذكر ابن إسحاق عمراً . و خديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن كعب بن القراقر بن الضحيان أبو شباث حليف لهم من قضاعة ، سبعة . و من بني أدي بن سعد أخي سلمة بن سعد : معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي ، عداده في بني سلمة ، لأنه كان أخا سهل ابن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن سنان بن عبيد لأمه . و من بني غنم بن عوف أخي سالم الحبلى : عبادة بن الصامت ، و العباس بن عبادة بن نضلة ، و يزيد بن ثعلبة البلوي حليفهم ، و عمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة ، و مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة بن غنم ، و أبو معشر ينكر شهوده العقبة ، خمسة ، و هم من القوافل . و من بني الحبلى سالم : رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم ، و ابنه مالك بن رفاعة ، ذكره الأموي . و عقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان بن سعد ابن قيس عيلان حليف لهم ، ثلاثة . و من بني ساعدة : سعد بن عبادة ، و المنذر بن عمرو . و المرأتان من بني مازن بن النجار : نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول ابن عمرو بن غنم بن مازن أم عمارة . و من بني سلمة : أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي . قال أبو عمر : و قد ذكر بعض أهل السير فيهم أوس بن عباد بن عدي في بني سلمة . |
ذكر الهجرة إلى المدينة
قال ابن إسحاق : فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه و سلم في ليلة العقبة ، و كانت سراً عن كفار قومهم و كفار قريش ، أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه بالهجرة إلى المدينة . فخرجوا أرسالاً ، أولهم ـ فيما قيل ـ أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، و حبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بمكة نحو سنة ، ثم أذن لها بنو المغيرة الذين حبسوها في اللحاق بزوجها ، فانطلقت وحدها مهاجرة ، حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار ، و كان يومئذ مشركاً ، فشيعها حتى أوفى على قرية بني عمرو بن عوف بقباء ، قال لها : هذا زوجك في هذه القرية ، ثم انصرف راجعاً إلى مكة فكانت تقول : ما رأيت صاحباً قط كان أكرم من عثمان بن أبي طلحة . و قد قيل : إن أول المهاجرين مصعب بن عمير . روينا عن أبي عروبة ، حدثنا ابن بشار و ابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء يقول : كان أول من قدم المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم مصعب بن عمير ، ثم عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم قال أبو عمر : و هي أول ظعينة دخلت من المهاجرات المدينة . و قال موسى بن عقبة : و أول امرأة دخلت المدينة أم سلمة . ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بأهله و أخيه عبد بن جحش أبي أحمد ، و كان ضريراً ، و كان منزلهما و منزل أبي سلمة و عامر ، على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء في بني عمرو بن عوف . قال أبو عمر : " و هاجر جميع بني جحش بنسائهم ، فعدا أبو سفيان على دراهم فتملكها ، و كانت الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش . و زاد غير أبي عمر : فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي ، فذكر ذلك عبد الله ابن جحش لما بلغه لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له رسول الله : ألا ترضى يا عبد الله أن يطيك الله بها داراً في الجنة خيراً منها ؟ قال : بلى ، قال : فذلك لك . فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم ، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال الناس لأبي أحمد : يا أبا أحمد ! إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله " . فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم . رجع إلى خبر ابن إسحاق : و كان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم هجرة رجالهم و نساؤهم . عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد ابن خزيمة أبو محصن ، حليف بني أمية . و أخوه عمرو بن محصن . و شجاع و عقبة ابنا و هب و ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة . و أربد بن جميرة ، و قال ابن هشام : حميرة بالحاء ، و هو عند ابن سعد : حمير . و منقذ ابن نباته بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد . و سعيد بن رقيش . و محرز بن نضلة ابن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم . و زيد بن رقيش . و قيس بن جابر . و مالك بن عمرو . و صفوان بن عمرو . و ثقف بن عمرو حليف بني عبد شمس . و ربيعة بن أكثم بن سخبرة ابن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد . و الزبير بن عبيدة . و تمام بن عبيدة . و سخبرة بن عبيدة . و محمد بن عبد الله بن جحش . و من نسائهم : زينب بنت جحش . و أم حبيبة بنت جحش . و جدامة بنت جندل و أم قيس بنت محصن . و أم حبيب بنت ثمامة . و آمنة بنت رقيش . و سخبرة بنت تميم . و حمنة بنت جحش . و قال أبو عمر : ثم خرج عمر بن الخطاب ، و عياش بن أبي ربيعة ، في عشرين راكباً ، فقدموا المدينة ، فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد ، و كان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة ، و كان أكثرهم قرآناً ، و كان هشام بن العاصي بن وائل قد أسلم و واعد عمر بن الخطاب أن يهاجر معه ، و قال : تجدني أو أجدك عند أضاة بني غفار ، ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة . ثم إن أبا جهل و الحارث بن هشام ـ و من الناس من يذكر معهما أخاهما العاصي بن هشام ـ خرجا حتى قدما المدينة ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ، فكلما عياش بن أبي ربيعة ، و كان أخاهما لأمهما و ابن عمهما ، و أخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها و لا تستظل حتى تراه ، فرقت نفسه و صدقهما ، و خرج راجعاً معهما ، فكتفاه في الطريق و بلغا به مكة ، فحبساه به مكة ، فحبساه بها إلى أن خلصه الله تعالى بعد ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم له في قنوت الصلاة : " اللهم أنج الوليد بن الوليد ، و سلمة بن هشام ، و عياش ابن أبي ربيعة " . قال ابن إسحاق : فحدثني بعض آل عياش بن أبي ربيعة ، أنهما حين دخلا مكة ، دخلا به نهاراً موثقاً ، ثم قالا : يأهل مكة ، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا . قال ابن هشام : " و حدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و هو بالمدينة : من لي بعياش بن أبي ربيعة ، و هشام بن العاص ؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة : أن لك يا ر سول الله بهما . فخرج إلى مكة فقدمها مستخفياً ، فلقي امرأة تحمل طعاماً ، فقال لها : أين تريدين يا أمة الله ؟ قالت : أريد هذين المحبوسين ـ تعنيهما ـ فتبعها حتىعرف موضعهما ، و كانا محبوسين في بيت لا سقف له ، فلما أمسى تسور عليهما ، ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما ، فكان يقال لسيفه : ذو المروة لذلك . ثم حملها على بعيره ، و ساق بهما ، فعثر فدميت إصبعه ، فقال : هل أنت إلا إصبع دميت ؟ و في سبيل الله ما لقيت ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ". قال ابن إسحاق : و نزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة و من لحق به من أهله و قومه ، و أخوه زيد بن الخطاب ، و عمرو و عبد الله ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب ، و خنيس بن حذافة السهمي ـ و كان صهره على ابنته حفصة بنت عمر بن الخطاب ، خلف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعده ـ و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، و واقد بن عبد الله التميمي حليف لهم ، و خولي بن أبي خولي ، و مالك بن أبي خولي ، و اسم أبي خولي عمرو بن زهير ـ قيل : جعفي ، و قيل : عجلي و قيل غير ذلك ـ حليفان لهم ، و بنو البكير أربعتهم إياس و عاقل و عامر وخالد ، و حلفاؤهم من بني سعد بن ليث : على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر ، في بني عمرو بن عوف بقباء ، و قد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة . ثم تتابع الهاجرون ، فنزل طلحة بن عبد الله و صهيب بن سنان على خبيب بن إساف ، و يقال : بل نزل طلحة على سعد بن زرارة أخي بني النجار ، كذا قال ابن سعد و إنما هو أسعد . قال ابن هشام : " و قد ذكر لي عن أبي عثمان النهدي ، أنه قال : بلغني أن صهيباً حين أراد الهجرة قال له كفار قريش : أتينا صلعوكاً حقيراً ، فكثر مالك عندنا ، و بلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك و نفسك ؟ لا و الله لا يكون ذلك . فقال لهم صهيب : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا : نعم . فقال : فإني قد جعلت لكم مالي . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : ربح صهيب ، ربح صهيب " . قال ابن إسحاق : ونزل حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة ، و أبو مرثد كناز بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن جلان بن غنم ابن غني بن يعصر الغنوي ، كذا ذكره أبو عمر عن ابن إسحاق . و أما ابن الرشاطي فقال : حصين بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشة بن عبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جيلان بن غنم بن غني . و ابنه مرثد . و أنسة ، و أبو كبشة ، مولياً رسول الله صلى الله عليه و سلم : على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف بقباء ، و يقال : بل نزلوا على سعد بن خيثمة . و يقال : بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة . و نزل عبيدة بن الحارث و أخواه الطفيل و الحصين و مسطح بن أثاثة ـ و اسمه عمرو ابن أثاثة ـ بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، و سويبط بن سعد بن حريلمة ، و طليب بن عمير ، و خباب مولى عتبة بن غزوان : على عبد الله بن سلمة ، أخي بني العجلان بقباء . و نزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع . و نزل الزبير بن العوام و أبو سبرة بن أبي رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة ابن الجلاح . و نزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ . و نزل أبو حذيفة بن عتبة ، و سالم مولى أبي حذيفة ، و عتبة بن غزوان ، على عباد ابن بشر بن وقش . و نزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسان . و يقال : نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خثيمة ، و ذلك أنه كان عزباً . و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ، و لم يتخلف معه أحد من المهاجرين ، إلا من حبس أو افتتن ، إلا علي بن أبي طالب و أبو بكر و كان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة ، فيقول له : لا تعجل ، لعل الله أن يجعل لك صاحباً ، فيطمع أبو بكر أن يكون هو . |
ذكر يوم الزحمة
قال ابن إسحاق : و لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كانت له شيعة و أصحاب من غيرهم ، بغير بلدهم ، و رأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً و أصابوا منعة ، فحزروا خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم ، و عرفوا أنه قد جمع لحربهم ، فاجتعمعوا له في دار الندوة ، و هي دار قصي بن كلاب ، التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها ، يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خافوه . فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج و غيره ممن لا أتهم ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لما اجتمعوا لذلك و اتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له ، و كان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة ، فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه بت له ، فوقف على باب الدار ، فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا : من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون ، و عسى أن لا يعدمكم منه رأياً و نصحاً . قالوا : أجل فادخل ، فدخل معهم ، و قد اجتمع فيها أشراف قريش من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، و شيبة بن ربيعة ، و أبو سفيان بن حرب . و من بني نوفل ابن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، و جبير بن مطعم ، و الحارث بن عمرو بن نوفل ، و من بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة . و من بني أسد بن عبد العزى : أبو البحتري بن هشام ، و زمعة بن الأسود ، و حكيم بن حزام . و من بني مخزوم : أبو جهل بن هشام . و من بني سهم : نبيه و منبه ابنا الحجاج . و من بني جمح : أمية بن خلف . و من كان منهم و غيرهم ممن لا يعد من قريش . فقال بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، و إنا و الله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأياً . قال : فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم : احبسوه في الحديد ، و أغلقوا عليه باباً ، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير و النابغة ، و من مضى منهم من هذا الموت ، حتى يصيبه ما أصابهم . قال الشيخ النجدي : لا و الله ما هذا لكم برأي ، و الله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي ، فانظروا إلى غيره . فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم : نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا خرج عنا ، فو الله ما نبالي أين ذهب و لا حيث وقع إذا غاب عنا و فرعنا منه ، فأصلحنا أمرنا و ألفتنا كما كانت . قال الشيخ النجدي : و الله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه و حلاوة منطقه و غلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، و الله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب ، فيغلب بذلك عليهم من قوله و حديثه ، حتى يتابعوه عليه ، ثم يسير بهم إليكم ، حتى يطأكم بهم ، فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد ، أديروا فيه رأياً غير هذا . قال : فقال أبو جهل بن هشام : و الله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد . قالوا : و ما هو يا أبا الحكم ؟ قال : أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً و سيطاً ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً ، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه ، فنستريح منه ، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً ، فيرضوا منا بالعقل ، فعلقناه لهم . قال : يقول الشيخ النجدي : القول ما قال هذا الرجل ، هذا الرأي و لا رأي غيره . فتفرق القوم على ذلك و هم مجمعون له . فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال : فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام ، فيثبون عليه ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب : نم على فراشي و تسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم عليه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام في برده ذلك إذا نام . فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : لما اجتمعوا له و فيهم أبو جهل بن هشام ، فقال و هم على بابه : إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب و العجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم ، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن ، و إن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ، ثم بعثتم من بعد موتكم ، فجعلت لكم نار تحرقون فيها . قال : وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : نعم أنا أقول ذلك ، و أنت أحدهم . و أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم ، و هو يتلو هذه الآيات " يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم " إلى قوله : " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " [ يس : 1 ـ 9 ] حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من هذه الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا و قد وضع على رأسه تراباً ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم ، فقال : و ما تنتظرون ها هنا ؟ قالوا : محمداً . قال : قد خيبكم الله ، قد و الله خرج عليكم محمد ، ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً و انطلق لحاجته ، أفما ترون ما بكم ؟ قال : فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ، ثم جعلوا يطلعون ، فيرون علياً على الفراش متسجياً ببرد رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولون : و الله إن هذا لمحمد نائماً ، عليه بردة ، فلم يزالوا كذلك حتى أصبحو ، فقام علي عن الفراش . فقالوا : و الله لقد صدقنا الذي كان حدثنا . فكان مما أنزل الله من القرآن في ذلك : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " [ الأنفال : 30 ] و قول الله تعالى : " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون * قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " [ الطور : 30 ـ 31 ] " . |
ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار
قوله /: بقباء هو مسكن بني عمرو بن عوف ، على فرسخ من المدينة ، و يمد و يقصر ، و يؤنث و يذكر ، و يصرف و لا يصرف . و ذكر في مهاجري بني دودان بن أسد : بنات جحش بن رئاب ، و هن : زينب ، وكان اسمها برة ، فسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب ، وهي التي كانت عند زيد ابن حارثة ، و نزلت فيها " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " [ الأحزاب : 37 ] . وحمنة بنت جحش ، و هي التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف . و أم حبيبة ، و قال السهيلي : أم حبيب و حكاه أبو عمر ، و قال : هو قول أكثرهم ، و كان شيخنا الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله يقول : أم حبيب حبيبة ، و أما الحافظ أبو القاسم بن عساكر فعنده أم حبيبة ، و اسمها حمنة ، فهما اثنتان ـ على هذا ـ فقط . و لم أجد في جمهرة ابن الكلبي و كتاب أبي محمد بن حزم في النسب غير زينب و حمنة ، و السهيلي يقول : كانت زينب عند زيد بن حارثة ، و أم حبيب تحت عبد الرحمن بن عوف ، و حمنة تحت مصعب بن عمير . و قال : و وقع في الموطأ وهم أن زينب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، و لم يقله أحد ، و الغلط لا يسلم منه بشر ، غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح ، أخبرنا : أن أم حبيب كان اسمها زينب ، فهما زينبان ، غلبت على إحداهما الكنية ، فعلى هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم . و ذكر جدامة بنت جندل ـ و هي بالدال المهملة ، و من أعجمها فقد صحف ـ قال السهيلي : و أحسبها جدامة بنت وهب . قلت : جادمة بنت جندل غير معروفة ، و الذي ذكره أبو عمر جدامة بنت وهب ، أسلمت بمكة و هاجرت مع قومها إلى المدينة لا يعرف غير ذلك . و ذكر في المهاجرين محرز بن نضلة . و ابن عقبة يقول فيه : محرز بن وهب و ذكر في خبر يوم الزحمة : تشاور قريش في أمره عليه السلام ، و لم يسم المشيرين ، و كان الذي أشار بحبسه أبو البختري بن هشام ، و الذي أشار بإخراجه و نفيه هو أبو الأسود ربيعة بن عمير أخو بني عامر بن لؤي ، ذكره السهيلي عن ابن سلام . |
أحاديث الهجرة و توديع رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة
" قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم بعربيل من غوطة دمشق ، أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمدالأنصاري حضوراً في الرابعة ، أخبرنا أبو الحسن السلمي ، أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب الخطيب ، قال علي بن أبي طالب أخبرنا ابن جميع ، حدثنا إبراهيم بن معاوية ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا نصر بن عاصم ، حدثنا الوليد ، حدثنا طلحة ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله إني لآخرج منك و إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله ، و أكرمها على الله ، و لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك " . و كان أبو بكر يستأذنه عليه الصلاة و السلام في الهجرة فيثبطه ليكون معه من غير أن يصرح له بذلك ، " كما أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي بقراءة و الدي عليه و أنا حاضر في الرابعة ، و أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بقراءتي عليه بظاهر دمشق ، قالا : أخبرنا ابن ملاعب ، أخبرنا الأموري ، أخبرنا يوسف بن محمد بن أحمد ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا ابن مخلد ، حدثنا ابن كرامة ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذن أبو بكر في الخروج من مكة حين اشتد عليه الأذى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أقم . فقال : يا رسول الله ! أتطمع أن يؤذن لك ؟ فيقول : إني لأرجو ذلك . فانتظره أبو بكر ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم ظهراً ، فناداه ، فقال : أخرج من عندك . فقال : يا رسول الله إنما هما ابنتاي . قال : أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج ؟ فقال : يا رسول الله ! الصحبة . فقال : الصحبة . قال : يا رسول الله ! عندي ناقتان قد أعددتهما للخروج ، فأعطى النبي صلى الله عليه و سلم إحداهما ـ وهي الجدعاء ـ فركبها ، فانطلقا حتى أتيا الغار ، و هو بثور ، فتواريا فيه ، و كان عامر بن فهيرة غلاماً لعبد الله بن طفيل ، و هو أخو عائشة لأمها ، و كانت لأبي بكر منحة فكان يروح بها و يغدو عليها ، و يصبح فيدلج إليهم ، ثم يسرح و لا يفطن له أحد من الرعاء ، فلما خرجا خرج معهما يعقبانه ، حتى قدم المدينة ، فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة " . |
حديث الغار
قرأت على أبي الفتح الشيباني بدمشق ، أخبركم الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن ابن محمد بن البن الأسدي قراءة عليه و أنت تسمع ، قال : أخبرنا جدي ، قال : أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أخبرنا ابن أبي النصر ، أخبرنا خيثمة ، حدثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي ، حدثنا أبو مصعب المكي ، قال : أدركت أنس بن مالك و زيد بن أرقم و المغيرة بن شعبة ، فسمعتهم يتحدثون : أن النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه و سلم فسترته ، و أمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار ، و أقبل فتيان قريش من كل بطن يعصيهم و هراويهم و سيوفهم ، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه و سلم على أربعين ذراعاً ، تعجل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين بفم الغار ، فرجع إلى أصحابه ، فقالوا له : مالك ؟ قال : رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد ، فسمع النبي صلى الله عليه و سلم ما قال ، فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز وجل قد درأ عنه . |
حديث الهجرة و خبر سراقة بن مالك بن جعشم
روينا من طريق البخاري ، " حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، قال ابن شهاب ، فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : لم أعقل أبوي إلا و هما يدينان الدين ، و لم يمر علينا إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفي النهار بكرة و عشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرأً نحو أرض الحبشة ، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة ، و هو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ قال أبو بكر : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض ، فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، و تصل الرحم ، و تحمل الكل و تقري الضيف ، و تعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، فارجع ، فاعبد ربك ببلدك . فرجع و ارتحل مع ابن الدغنة ، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله و لا يخرج ، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ، و يصل الرحم ، ويحمل الكل و يقري الضيف ، و يعين على نوائب الحق . فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة . و قالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليصل فيها وليقرأ ما شاء ، و لا يؤذنا بذلك ، و لا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا و أبناءنا . فقال ذلك ابن اللدغنة لأبي بكر . فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره و لا يستعلن بصلاته و لا يقرأ في غير داره . ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره ، فكان يصلي فيه و يقرأ القرآن ، فيتقصف عليه نساء المشركين و أبناؤهم ، وهم يعجبون منه و ينظرون إليه . و كان أبو بكر رجلاً بكاء ، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة ، فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ، فقد جاوز ذلك ، فابتنى مسجداً بفناء داره ، فأعلن بالصلاة و القراءة فيه و إنا قد خشينا أن يفتن نساءنا و أبناءنا بهذا ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، و إن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، و لسنا مقرين للأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك و إما أن ترجع إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له . فقال له أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك و أرضى بجوار الله . و النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ بمكة ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم للمسلمين : إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين ، و هما الحرتان ، فهاجر من هاجر قبل المدينة ، و رجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، و تجهز أبو بكر قبل المدينة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي . فقال أبو بكر : هل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : نعم . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصحبه ، و علف را حلتين عنده ورق السمر ـ و هو الخبط ـ أربعة أشهر " . قال ابن شهاب : " قال عروة : قالت عائشة : فبينا نحن جلوس يوماً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال أبو بكر : فدى له أبي و أمي ، و الله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فاستأذن ، فأذن لي ، فدخل ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر : أخرج من عندك . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال : فإنه قد أذن لي في الخروج . فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم . قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل بالثمن . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، و صنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين . قالت : ثم لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر بغار في جبل ثور ، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، و هو غلام شاب ثقف لقن ، فيدلج من عندهما بسحر ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، و يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل ـ و هو لبن منحتهما و رضيفهما ـ حين ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث . و استأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر رجلاً من بني الديل ـ و هو من بني عبد بن عدي ـ هادياً خريتاً ـ و الخريت : الماهر بالهداية ـ قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي ، و هو على دين كفار قريش ، فأمناه ، فدفعا إليه راحلتيهما ، و واعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ، و انطلق معهما عامر بن فهيرة و الدليل ، فأخذ بهم على طريق السواحل . قال ابن شهاب : و أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي ـ و هو ابن أخي سراقة ابن مالك بن جعشم ـ أن أباه أخبره ، أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفار يجعلون في رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره ، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج ، أقبل رجل منهم حتى أقام علينا ، و نحن جلوس ، فقال : يا سراقة ! إني قد رأيت آنفاً أسودة بالساحل ، أراها محمداً و أصحابه . قال سراقة : فعرفت أنهم هم . فقلت له : إنهم ليسوا بهم ، و لكنك رأيت فلاناً و فلاناً انطلقوا بأعيننا . ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت فدخلت ، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي ، و هي من وراء أكمة فتحبسها علي ، و أخذت رمحي ، فخرجت به من ظهر البيت ، فخططت بزجه و خفضت عاله ، حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي ، حتى دنوت منهم ، فعثرت بي فرسي فخررت عنها ، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي ، فاستخرجت منها الأزلام ، فاستقسمت بها : أضرهم أم لا ؟ فخرج الذي أكره ، فركبت فرسي ـ و عصيت الأزلام ـ تقرب بي ، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو لا يلتفت ، و أبو بكر يكثر الالتفات ، ساخت يدا فرسي في الأرض ، حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها فنهضت ، فلم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره ، فناديتهم بالأمان ، فوقفوا ، فركبت فرسي حتى جئتهم ، و وقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقلت له : إن قومك جعلوا فيك الدية ، و أخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم ، و عرضت عليهم الزاد و المتاع ، فلم يرزآني و لم يسألاني ، إلا أن قالا : أخف عنا . فسألته أن يكتب لي كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام ، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر ثياب بياض . و سمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة ، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه ، حتى يردهم حر الظهيرة ، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم ، فلما أووا إلى بيوتهم أو في رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه ، فبصر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه مبيضين ، يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معاشر العرب ! هذا جدكم الذي تنتظرون . فثار المسلمون إلى السلاح ، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بظهر الحرة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في دار بني عمرو ابن عوف ، و ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، فقام أبو بكر للناس و جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم صامتاً ، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه و سلم يحيي أبا بكر ، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه ، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك ، فلبث رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة ، و أسس المسجد الذي أسس على التقوى ، و صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم ركب راحلته ، فسار بمشي معه الناس ، حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم بالمدينة ، و هو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين ، و كان مربداً للتمر ، لسهل و سهيل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بركت به راحلته : هذا إن شاء الله تعالى المنزل . ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الغلامين ، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله . فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقبه منهما هبة ، حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجداً ، فطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم ينقل معهم اللبن في بنائه ، و يقول و هو ينقل اللبن : هذا الحمال لا حمال خبر هذا أبر ربنا و أطهر اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار و المهاجرة تمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي " . قال ابن شهاب : و لم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات . كذا وقع في هذا الخبر أن الذي كسا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر الزبير ، و ذكر موسى ابن عقبة أنه طلحة بن عبيد الله في خبر ذكره . " و روينا من طريق البخاري أن أبا بكر كان يسأل عن النبي صلى الله عليه و سلم : من هذا ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني الطريق . قال : فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق ، و إنما يعني سبيل الخير " . و روينا من طريق ابن إسحاق : " أنه عليه الصلاة و السلام أعلم علياً بمخرجه ، و أمره أن يتخلف بعده حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس و أن أبا بكر خرج بماله كله ، و هو فيما قيل خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم " . " أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس ، و يوسف بن يعقوب بن المجاور قراءة على الأول و أنا أسمع بالقاهرة ، و بقراءتي على الثاني بسفح قاسيون ، قالا : حدثنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري ، أخبرنا أبو طالب العشاري ، أخبرنا أبو الحسين بن سمعون ، حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك ، أخبرنا يحيى بن إسماعيل الحريري ، حدثنا جعفر بن علي ، حدثنا سيف ، عن بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أحد أمن علي في صحبته و ذات يده من أبي بكر ، و ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر ، و لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " . و جهل أهل مكة الخبر عنهم ، إلى أن سمعوا الهاتف يهتف بالشعر الذي فيه ذكر أم معبد ، فعلموا أنهم توجهوا نحو يثرب قد نجوا منهم . |
حديث أم معبد
" أخبرنا الشيخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف المزي والدي عليه ، و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بقراءتي عليه ، قالا : أخبرنا ابن طبرزد ، أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن غيلان ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن يونس القرشي ، حدثنا عبد العزيز بن يحيى مولى العباس بن عبد المطلب ، حدثنا محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده أبي سليط و كان بدرياً ، قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة و معه أبو بكر الصديق و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر و ابن أريقط يدلهم على الطريق ، مروا بأم معبد الخزاعية ، و هي لا تعرفهم . فقال لها : يا أم معبد ، هل عندك من لبن ؟ قالت : لا و الله إن الغنم لعازبة . قال : فما هذه الشاة التي أرى ـ لشاة رآها في كفاء البيت ـ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم . قال : أتأذنين في حلابها ؟ قالت : لا و الله ما ضربها من فحل قط ، فشأنك بها ، فدعا بها ، فمسح ظهرها و ضرعها ، ثم دعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه فملأه ، فسقى أصحابه عللاً بعد نهل ، ثم حلب فيه آخر ، فغادره عندها ، و ارتحل ، فلما جاء زوجها عند المساء ، قال : يا أم معبد ! ماهذا اللبن و لا حلوبة في البيت و الغنم عازبة ؟ قالت لا و الله إلا أنه مر بنا رجل ظاهر الوضاءة ، متبلج الوجه ، في أشفاره وطف ، و في عينيه دعج و في صوته صحل ، غصن بين الغصنين ، لا تشنؤه من طول و لا تقتحمه من قصر ، لم تعبه ثجلة و لم تزره صعلة ، كأن عنقه إبريق فضة ، إذا صمت فعليه البهاء ، و إذا نطق فعليه وقار ، له كلام كخرزات النظم ، أزين أصحابه منظراً ، و أحسنهم وجهاً ، أصحابه يحفون به ، إذا أمر ابتدروا أمره ، و إذا نهى اتفقوا عند نهايته . قال : هذه و الله صفة صاحب قريش ، و لو رأيته لاتبعته و لاجتهدن أن أفعل . قال : فلم يعلموا بمكة أين توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر ، حتى سمعوا هاتفاً على رأس أبي قبيس ، و هو يقول : جزى الله خيراً و الجزاء بكفه رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما رحلا بالحق و انتزلا به فقد فاز من أمسى رفيق محمد فما حملت من ناقة فوق رحلها أبر و أوفى ذمة من محمد و أكسى لبرد الخال قبل ابتذاله و أعطى برأس السابح المتجرد ليهن بني كعب مكان فتاتهم و مقعدها للمؤمنين بمرصد " و به قال أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان ، حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثت عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، أنها قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر رضي الله عنه ، فخرجت إليهم ، فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : و الله لا أدري أين أبي . قالت : فرفع أبو جهل يده ـ و كان فاحشاً خبيثاً ـ فلطم خدي لطمة خرم منها قرطي . قالت : ثم انصرفوا ، فمضى ثلاث ليال ما ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يغني بأبيات ، غنى بها العرب ، و إن الناس ليتبعونه يسمعون صوته و ما يرونه ، حتى خرج بأعلى مكة : جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى و اغتدوا به فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهن بني كعب مكان فتاتهم و مقعدها للمؤمنين بمرصد قالت : فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم . . . الحديث . و قد روينا حديث أسماء هذا متصلاً ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء . أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس قراءة عليه و أنا أسمع بالقاهرة ، و أبو الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بقراءة عليه بسفح قاسيون ، قالا : أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي ، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري ، أخبرنا أبو طالب محمد ابن علي بن الفتح ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ، حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك الشيباني ، أخبرنا يحيى بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن علي ، حدثنا سيف ، عن هشام ابن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت : ارتحل النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر ، فلبثنا أياماً ثلاثة أو أربعة ، أو خمس ليال ، لا ندري أين توجه ، و لا يأتينا عنه خبر ، حتى أقبل رجل من الجن . . . الحديث بنحو ما تقدم . و روينا عن أبي بكر الشافعي بالسند المتقدم ، حدثنا بشر بن أنس أبو الخير ، حدثنا أبو هشام محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن زيد بن ثابت بن يسار الكعبي الربعي الخزاعي ، حدثني عمي أيوب بن الحكم ، قال الشافعي : و حدثني أحمد ابن يوسف بن تميم البصري ، حدثنا أبو هاشم محمد بن سليمان بن زيد . قال : حدثني عمي أيوب بن الحكم ، عن حزام بن هشام ، عن أبيه هشام ، عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة ، فذكر نحو ما تقدم من خبر أبي سليط ، و ذكر الأبيات و زاد فيها : فيا لقصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا تجاري و سودد سلوا أختكم عن شاتها و إنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت عليه صريحاً ضرة الشاة مزبد فغادرها رهناً لديها بحالب ترددها في مصدر ثم مورد فلما سمع حسان بن ثابت قال يجاوب الهاتف : لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم و قدس من يسري إليه و يغتدي ترحل عن قوم فضلت عقولهم و حل على قوم بنور مجدد هداهم به بعد الصلالة ربهم و أرشدهم ، من يتبع الحق يرشد و قد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله و يتلو كتاب الله في كل مسجد و إن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد ليهن أبو بكر سعادة جده بصحبته ، من يسعد الله يسعد و اجتاز رسول الله صلى الله عليه و سلم في وجهه ذلك بعبد يرعى غنماً ، فكان من شأنه ما رويناه من طريق البيهقي بسنده ، " عن قيس بن النعمان ، قال : لما انطلق النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر مستخفيين ، مرا بعبد يرعى غنماً ، فاستسقياه اللبن ، فقال : ما عندي شاة تحلب ، غير أن ها هنا عناقاً حملت أول ، و قد أخدجت ، و ما بقي لها لبن ، فقال : ادع بها ، فدعا بها ، فاعتقلها النبي صلى الله عليه و سلم ، و مسح ضرعها ، و دعا حتى أنزلت ، و قال : جاء أبو بكر بمجن فحلب ، فسقى أبا بكر ، ثم حلب فسقي الراعي ، ثم حلب فشرب . فقال الراعي : بالله من أنت ؟ فو الله ما رأيت مثلك . قال : أو تراك تكتم علي حتى أخبرك ؟ قال : نعم . قال : فإني محمد رسول الله . فقال : أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ ؟ قال : إنهم ليقولون ذلك ؟ قال : فأشهد أنك نبي ، و أن ما جئت به حق ، و أنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي ، و أنا متبعك . قال : إنك لن تستطيع ذلك يومك ، فإذا بلغك أني قد ظهرت فائتنا " . |
ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار
العثان : بضم العين المهملة و الثاء المثلثة : شبه الدخان ، و هو مفسر في الخبر بذلك ، و جمعه عواثن . الحمال : جمع أو مصدر ، أي هذا الحمل أو المحمول من اللبن أفضل من حمال خيبر ، التمر و الزبيت المحمول منها ، قيل رواه المستعلي بالجيم فيهما ، و له وجه ، الأول أظهر . و أم معبد : عاتكة بنت خالد ، إحدى بني كعب من خزاعة ، و هي أخت حبيش ابن خالد الذي روينا الخبر من طريقه و له صحبة ، و كان منزلها بقديد . و أبو سليط : أسيرة بن عمرو ، أنصاري من بني النجار ، شهد بدراً و ما بعدها . و وقع في الأبيات التي رويناها في الخبر من طريقه . فما حملت من ناقة فوق رحلها البيت ، و الذي يليه في ذلك الشعر ، و ليس ذلك بمعروف ، و المعروف في هذا الشعر أنه لأبي أناس الديلي رهط أبي الأسود ، صحابي ذكره أبو عمر ، و عمه سارية بن زنيم ، الذي قال له عمر بن الخطاب : يا سارية الجبل . و كان أبو أناس شاعراً ، و هو القائل لرسول الله صلى الله عليه و سلم : تعلم رسول الله أنك قادر على كل حاف من تهام و منجد و هي طويلة منها : و ما حملت من ناقة فوق رحلها أبر و أوفى ذمة من محمد و تضمن حديث أم معبد أشياء من صفة النبي صلى الله عليه و سلم يأتي شرحها في الشمائل إن شاء الله تعالى . و كفاء البيت : سترة في البيت من أعلاه إلى أسفله من مؤخره ، و قيل : الكفاء : الشقة التي تكون في مؤخر الخباء ، و قيل : هو كساء يلقى على خباء كالإزار حتى يبلغ الأرض ، و قد أكفى البيت . ذكره ابن سيده . |
ذكر دخوله عليه الصلاة و السلام المدينة
و كان أهل المدينة يتوكفون قدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بلغهم توجهه إليهم ، فكانوا يخرجون كل يوم لذلك أول النهار ثم يرجعون ، حتى كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، خرجوا لذلك على عادتهم فرجعوا و لم يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم قدم من يومه ذلك حين اشتد الضحاء ، فنزل بقباء على بني عمرو بن عوف على كلثوم بن هدم ، و كان يجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة . قال الواقدي : و نزل على كلثوم أيضاً جماعة من الصحابة ، منهم : أبو عبيدة بن الجراح ، و المقداد بن عمرو ، و خباب بن الأرت ، و سهيل و صفوان ابنا بيضاء ، و عياض ابن زهير ، و عبد الله بن مخرمة ، و وهب بن سعد بن أبي سرح ، و معمر بن أبي سرح ، و عمرو بن أبي عمرو من بني محارب بن فهر ، و عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو . و كل هؤلاء قد شهد بدراً ، ثم يلبث كلثوم أن مات قبل بدر ، و كان رجلاً صالحاً غير مغموص عليه . انتهى كلام الواقدي . و قيل : نزل أبو بكر على خبيب بن إساف ، و قيل : على خارجة بن زيد بن أبي زهير . و أقام علي بمكة ثلاث ليال حتى أدى الودائع التي كانت عند النبي صلى الله عليه و سلم للناس ، ثم جاء فنزل علي كلثوم ، فكان يقول : كان بقباء امرأة لا زوج لها مسلمة ، فرأيت إنساناً يأتيها من جوف الليل ، فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئاً معه فتأخذه ، قال : فاستربت شأنه ، فقلت : يا أمة الله ، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئاً لا أدري ما هو و أنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت : هذا سهل بن حنيف ، قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها ، فقال احتطبي بهذا ، فكان علي يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف . و كان فيمن خرج لينظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قوم من اليهود فيهم عبد الله بن سلام . " أخبرنا الشيخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل ، قالا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ ، أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو طالب بن غيلان ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا معاذ ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عوف قال : حدثنا زرارة ، قال : قال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ، قيل : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فانجفل الناس إليه ، فكنت فيمن انجفل ، فلما رأيت وجهه صلى الله عليه و سلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فأول ما سمعته يقول : أفشوا السلام ، و أطعموا الطعام ، و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " . و أشرقت المدينة بقدومه صلى الله عليه و سلم ، و سرى السرور إلى القلوب بحلوله بها . روينا من طريق ابن ماجه ، حدثنا بشر بن هلال الصواف ، حدثنا جعفر بن سليمان ، الضبعي ، حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ، و ما نفضنا عن النبي صلى الله عليه و سلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا . و روى ابن أبي خيثمة ، عن أنس : شهدت يوم دخول النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فلم أر يوماً أحسن منه و لا أضوأ . و روى البخاري من حديث البراء بن عازب ، قال : فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه و سلم . . الحديث . قال ابن إسحاق : و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين و يوم الثلاثاء و يوم الأربعاء و يوم الخميس ، و أسس مسجدهم ، ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة . و بنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك . و قد روينا عن أنس من طريق البخاري إقامته فيهم أربع عشرة ليلة . و المشهور عند أصحاب المغازي ما ذكره ابن إسحاق . " فأدركت رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي ، وادي رانوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة ، فأتاه عتبان بن مالك و عباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف ، فقالوا : يا رسول الله ، أقم عندنا في العدد و العدة و المنعة . قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ـ لناقته ، فخلوا سبيلها فانطلقت حتى وازت دار بني بياضة ، تلقاه زياد بن لبيد و فروة بن عمرو في رجال من بني بياضة ، فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلينا ، إلى العدد و العدة و المنعة . فقال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة ، فقالوا : يا رسول الله هام إلينا إلى العدد و العدة و المنعة . قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة . فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا وازت دار بني الحارث بن الخزرج ، اعترضه سعد بن الربيع و خارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني بلحارث بن الخزرج ، فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلينا إلى العدد و العدة و المنعة . قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة . فخلوا سبيلها حتى إذا مرت بدار عدي بن النجار ـ و هم أخواله دينا أم عبد المطلب ، سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم ـ اعترضه سليط بن قيس و أبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار ، فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلى أخوالك ، إلى العدد و المنعة ، قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى الله عليه و سلم و هو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني مالك بن النجار في حجر معاذ بن عفراء ، سهل و سهيل ابني عمرو ، فلما بركت و رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينزل و ثبت ، فسارت غير بعيد و رسول الله صلى الله عليه و سلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ، ثم تحلحلت و أرزمت و وضعت جرانها ، و نزل عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و احتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ، و نزل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم " . |
ذكر بناء المسجد
" و سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل و سهيل ابني عمرو ، و هما يتيمان لي و سأرضيهما منه فاتخذه مسجداً ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبني ، و نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي أيوب حتى بني مسجده و مساكنه ، ، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ليرغب المسلمين في العمل فيه ، فعمل فيه المهاجرون و الأنصار و دأبوا فيه ، فقال قائل من المسلمين : لئن قعدنا و النبي يعمل لذاك منا العمل المضلل و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة ، يبني له فيها مسجده و مساكنه " . قال أبو عمر : " و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أبى أن يأخذه إلا بثمن ، فالله أعلم . فبني رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده و جعل عضادتيه الحجارة ، و سواريه جذوع النخل ، و سقفه جريدها ، بعد أن نبش قبور المشركين و سواها ، و سوى الخرب ، و قطع النخل ، و عمل فيه المسلمون حسبة . و مات أبو أمامة أسعد بن زرارة حينئذ ، فوجد عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وجداً شديداً ، و كان قد كواه من ذبحة نزلت به ، و كان نقيب بني النجار فلم يجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم نقيباً بعده ، و قال لهم : أنا نقيبكم . فكانت من مفاخرهم " . و ذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ، " قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم عند أبي أيوب ، و أراده قوم من الخزرج على النزول عليهم ، فقال : المرء مع رحله . فكان مقامه في منزل أبي أيوب سبعة أشهر ، و نزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر ، و وهبت الأنصار لرسول الله صلى الله عليه و سلم كل فضل كان في خططها ، و قالوا : يا نبي الله ! إن شئت فخذ منازلنا ، فقال لهم خيراً . قالوا : و كان أبو أمامة أسعد بن زرارة يجمع بمن يليه في مسجد له ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي فيه ، ثم إنه سأل أسعد أن يبيعه أرضاً متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل و سهيل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة ابن غنم . كذا نسبهما البلاذري و هو يخالف ما سبق عن ابن إسحاق و غيره ، و الأول أشهر . قال : فعرض عليه أن يأخذها و يغرم عنه لليتيمين ثمنها ، فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك و ابتاعها منهما بعشر دنانير أداها من مال أبي بكر . ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ ، و بني به المسجد ، و رفع أساسه بالحجارة ، و سقف بالجريد ، و جعلت عمده جذوعاً " ، فلما استخلف أبو بكر لم يحدث فيه شئياً ، و استخلف عمر فوسعه ، فكلم العباس بن عبد المطلب في بيع داره ليزيدها فيه ، فوهبها العباس لله و للمسلمين ، فزادها عمر في المسجد . ثم إن عثمان بناه في خلافته بالحجارة و القصة و جعل عمده حجارة ، و سقفه بالساج و زاد فيه و نقل إليه الحصباء من العقيق . و كان أول من اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم ، بناها بحجارة منقوشة ، ثم لم يحدث فيه شيء إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه ، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز و هو عامله على المدينة يأمره بهدم المسجد و بنائه ، و بعث إليه بمال و فيسفساء و رخام ، و بثمانين صانعاً من الروم و القبط من أهل الشام و مصر ، فبناه و زاد فيه . و ولي القيام بأمره و النفقة عليه صالح بن كيسان ، و ذلك في سنة سبع و ثمانين ، و يقال في سنة ثمان و ثمانين . ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئاً حتى استخلف المهدي . قال الواقدي : بعث المهدي عبد الملك بن شبيب الغساني و ررجلاً من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها و الزيادة فيه ، و عليها يومئذ جعفر بن سليمان بن علي ، فمكثا في عمله سنة و زاد في مؤخره مائة ذراع ، فصار طوله ثلاثمائة ذراع و عرضه مائتي ذراع ، و قال علي بن محمد المدائني : ولى المهدي جعفر بن سليمان مكة و المدينة و اليمامة ، فزاد ، في مسجد مكة و مسجد المدينة ، فتم بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين و ستين و مائة ، و كان المهدي أتى المدينة في سنة ستين قبل الهجرة فأمر بقلع المقصورة و تسويتها مع المسجد . |
ذكر الموادعة بين المسلمين و اليهود
قال ابن إسحاق : " و كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم كتاباً بين المهاجرين و الأنصار ، و وداع فيه يهود ، و عاهدهم و أقرهم على دينهم و أموالهم ، و شرط لهم و اشترط عليهم : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه و سلم بين المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم فلحق بهم و جاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ، و هم يفدون عانيهم بالمعروف و القسط بين المؤمنين . و بنو عوف على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، و كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين ، و ذكر كذلك في بني ساعدة ، و بني جشم ، و بني النجار ، و بني عمرو ابن عوف ، و بني النبيت ، و بني الأوس . و إن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل ، و لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، و إن المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين ، و إن أيديهم عليه جميعاً و لو كان ولد أحدهم ، و لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، و لا ينصر كافر على مؤمن ، و إن ذمة الله واحدة ، يجير عليهم أدناهم ، و إن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ، و إنه من تبعنا من يهود فإن له النصر و الأسوة غير مظلمومين و لا متناصر عليهم ، و إن سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمن من دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء أو عدل بينهم ، و إن لكل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً ، و إن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله ، و إن المؤمنين المتقين على أحسن هدى و أقومه ، و إنه لا يجير مشرك مالاً لقريش و لا نفساً و لا يحول دونه على مؤمن ، و إنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا يرضى ولي المقتول ، و إن المؤمنين عليه كافة ، و لا يحل لهم إلا قيام عليه ، و إن يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة و آمن بالله و اليوم آخر أن ينصر محدثاً و لا يؤويه ، و إن من نصره آو آواه فإن عليه لعنة الله و غضبه يوم القيامة ، و لا يؤخذ منه صرف و لا عدل ، و إنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله و إلى محمد ، و إن اليهود يثقفون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، و إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم و للمسلمين دينهم ، مواليهم و أنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه و أهل بيته . و ذكر مثل ذلك ليهود بني النجار ، و بني الحارث ، و بني ساعدة ، و بني جشم ، و بني الأوس ، و بني ثعلبة ، و بين الشطبة ، و إن جفنة بطن من ثعلبة ، و إن بطانة يهود كأنفسهم ، و إن البر دون الإثم ، و إن موالي ثعلبة كأنفسهم ، و إنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ، و إنه لا ينحجز عن ثأر جرح ، و إنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم ، و إن الله على أبر هذا ، و إن على اليهود نفقتهم و على المسلمين نفقتهم ، و إن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، و إن بينهم النصح و النصيحة و البر دون الإثم ، و إنه لن يأثم امرؤ بحليفه ، و إن النصر للمظلوم ، و إن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ، و إن الجار كالنفس غير مضار و لا آثم ، و إنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها ، و إنه ما كان بين أهل الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله و إلى محمد صلى الله عليه و سلم ، و إن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة و أبره ، و إنه لاتجار قريش و لا من نصرها ، و إن بينهم النصر على من دهم يثرب . و إذا دعوا إلى صلح يصالحونه و يلبسونه فإنهم يصالحونه و يلبسونه ، و إنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب في الدين ، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم ، و إن يهود الأوس مواليهم و أنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة ، و إن البر دون الإثم ، و لا يكتسب كاسب إلا على نفسه ، و إن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة و أبره ، و إنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم و لا آثم ، و إن من خرج آمن ، و من قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم أو إثم . و إن الله جار لمن بر و أتقى ، و محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم " . هكذا ذكره ابن إسحاق ، و قد ذكره ابن أبي خيثمة ، فأسنده : حدثنا أحمد بن جناب أبو الوليد ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب كتاباً بين المهاجرين و الأنصار ، فذكره بنحوه . |
شرح ما فيه من الغريب
الربعة : الحالة التي جاء الإسلام و هم عليها ، من كتاب المزني . قال الخشني : ربعة و ربعة ، و كذلك رباعة و رباعة . و المفرح : رواه ابن جريج مفرجاً . قال أبو عبيدة ومعناهما واحد ، و قال أبو عبيد : سمعت محمد بن الحسن يقول هذا يروى بالحاء و بالجيم ، قال أبو العباس ثعلب : المفرح المثقل من الديون ، و بالجيم الذي لا عشيرة له . و قال أبو عبيدة : المفرج بالجيم أن يسلم الرجل فلا يوالي أحداً بقول ، فتكون جنايته على بيت المال ، لأنه لا عاقلة له ، فهو مفرج . و قال بعضهم : هو الذي لا ديوان له . و قال أبو عبيد القاسم بن سلام عن محمد بن الحسن : هو القتيل يوجد بأرض فلاة لا يكون عند قرية فإنه يودى من بيت المال و لا يظل دمه . و قوله : و إن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض : يعني أن دماءهم متكافئة ، يقال : ما فلان ببواء لفلان ، أي بكفؤ له . و يقال : باء الرجل بصاحبه يبوء بواء ، إذا قتل به كفؤاً ، و لم يفسره ابن قتيبة ، و معناه : يقتل بعضهم قاتل بعض ، يقال أبات لفلان قاتله : أي قتله . و يوتغ : يفسد ، قاله ابن هشام . نقلت هذه الفوائد من خط جدي رحمه الله من حواشي كتابه الذي تقدم ذكره . |
ذكر المؤخاة
و كان المؤاخاة مرتين : الأولى بين المهاجرين بعضهم و بعض قبل الهجرة على الحق و المؤساة ، آخى بينهم النبي صلى الله عليه و سلم ، فآخى بين أبي بكر و عمر ، و بين حمزة و زيد بن حارثة ، و بين عثمان و عبد الرحمن بن عوف ، و بين الزبير و ابن مسعود ، و بين عبيدة بن الحارث و بلال ، و بين مصعب بن عمير و سعد بن أبي وقاص ، و بين عبيدة و سالم مولى أبي حذيفة ، و بين سعيد بن زيد و طلحة بن عبيد الله ، و بين علي و نفسه صلى الله عليه و سلم . قرأت على أبي الربيع سليمان بن أحمد المرجاني بثغر الاسكندرية و غيره ، " عن محمد ابن عماد ، أخبرنا ابن رفاعة ، أخبرنا الخلعي قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن جعفر العطار ، حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري ، حدثنا أبو عبد الله محمد ابن زريق بن جامع المديني ، حدثنا أبو الحسين سفيان بن بشر الأسدي ، حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن كثير النواء ، عن جميع بن عمير ، عن عبد الله بن عمر ، قال : آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه ، فآخى بين أبي بكر و عمر ، و فلان و فلان ، حتى بقي علي عليه السلام ، و كان رجلاً شجاعاً ، ماضياً على أمره إذا أراد شيئاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما ترضى أن أكون أخاك ؟ قال : بلى يا رسول الله رضيت . قال : فأنت أخي في الدنيا و الآخرة . قال كثير : فقلت لجميع بن عمير : أنت تشهد بهذا على عبد الله بن عمر ؟ قال : نعم أشهد . فلما نزل عليه الصلاة و السلام المدينة آخى بين المهاجرين و الأنصار على المواساة و الحق في دار أنس بن مالك ، فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات ، حتى نزلت وقت وقعة بدر و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [ الأنفال : 75 ] فنسخت ذلك . و كانت المؤاخاة بعد بنائه عليه الصلاة و السلام المسجد . و قد قيل : كان ذلك و المسجد يبني " . و قال أبو عمر : بعد قدومه عليه السلام المدينة لخمسة أشهر . قرئ على أبي عبد الله بن أبي الفتح المقدسي بمرج دمشق و أنا أسمع ، أخبركم ابن الحرستاني سماعاً ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور بن قبيس الغساني قراءة عليه و أنا أسمع ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي ، أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان ، أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد أبو بكر الخرائطي قراءة عليه ، حدثنا سعدان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ! ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، و لا أحسن بذلاً من كثير ، كفونا المؤنة ، و أشركونا في المهنأ ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله . قال : لا ، ما أثنيتم عليهم و دعوتم لهم . و به إلى الخرائطي ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن نافعر ، عن ابن عمر ، قال : لقد رأيتنا و ما الرجل المسلم بأحق بديناره و درهمه من أخيه المسلم . رواه مسلم عن أبي كريب ، و الترمذي و النسائي عن هناد ، كلاهما عن أبي معاوية ، فوقع لنا بدلاً عالياً لهم . و قال ابن إسحاق : " آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار فقال : تآخوا في الله أخوين أخوين ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : هذا أخي . فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم و علي أخوين ، و حمزة و زيد بن حارثة أخوين ، و إليه أوصى حمزة يوم أحد " . و ذكر سنيد بن داود : أن زيد بن حارثة و أسيد بن حضير أخوان ، و هو حسن إذ هما الأنصاري و مهاجري ، و أما المؤاخاة بين حمزة و زيد فقد ذكرناها في المرة الأولى . رجع إلى ابن إسحاق : و جعفر بن أبي طالب و معاذ بن جبل أخوين ، و أنكره الواقدي لغبية جعفر بالحبشة ، و عند سنيد أن المؤاخاة كانت بين ابن مسعود و معاذ بن جبل . رجع : و أبو بكر بن أبي قحافة و خارجة بن زيد بن أبي زهير أخوين ، و عمر بن الخطاب و عتبان بن مالك أخوين ، و أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ أخوين ، و عبد الرحمن ابن عوف و سعد بن الربيع أخوين ، و الزيبر بن العوام و سلمة بن سلامة بن وقش أخوين و يقال : بل الزبير و عبد الله بن مسعود . قلت : هذا كان في المؤخاة الأولى قبل الهجرة ،و عثمان بن عفان و أوس بن ثابت بن المنذر أخوين ، و طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك أخوين ، و سعيد بن زيد و أبي بن كعب أخوين ، و مصعب بن عمير و أبو أيوب خالد ابن زيد أخوين ، و أبو حذيفة بن عتبة و عباد بن بشر أخوين ، و عمار بن ياسر و حذيفة ابن اليمان أخوين . و يقال : بل ثابت بن قيس بن الشماس . و أبو ذر و المنذر بن عمرو أخوين ، و أنكره الواقدي ، لغبية أبي ذر عن المدينة ، و قال : لم يشهد بدراً و لا أحداً و لا الخندق ، و إنما قدم بعد ذلك ، و عنده : طليب بن عمير و المنذر بن عمرو أخوين . رجع إلى ابن إسحاق : و حاطب بن أبي بلتعة و عويم بن ساعدة أخوين ، و سلمان الفارسي و أبو الدرداء أخوين ، و بلال و أبو رو يحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي أخوين ، و عند سنيد بن داود فيما حكاه أبو عمر المؤاخاة بين أبي مرثد و عبادة بن الصامت ، و بين سعد بن أبي وقاص و سعد بن معاذ ، و بين عبد الله بن جحش و عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، و بين عتبة بن عزوان و أبي دجانة ، و بين أبي سلمة بن عبد الأسد و سعد بن خيثمة ، و بين عثمان بن مظعون و أبي الهيثم بن التيهان . و زاد غيره : و بين عبيدة ابن الحارث و عمير بن الحمام ، و بين الطفيل بن الحارث أخي عبيدة و سفيان بن نسر ابن زيد من بني جشم بن الحارث بن الخزرج ، و بين الحصين أخيهما و عبد الله بن جبير ، و بين عثمان بن مظعون و العباس بن عبادة بن نضلة ، و بين صفوان بن بيضاء و رافع بن المعلى ، و بين المقداد و ابن رواحة ، و بين ذي الشمالين و يزيد بن الحارث ــ من بني حارثة ــ و بين عمير بن أبي وقاص و خبيب بن عدي ، و بين عبد الله بن مظعون و قطبة ابن عامر ابن حديدة ، و بين شماس بن عثمان و حنظلة بن أبي عامر ، و بين الأرقم بن أبي الأرقم و طلحة بن زيد ، و بين زيد بن الخطاب و معن بن عدي ، و بين عمرو بن سراقة و سعد بن زيد ــ من بني عبد الأشهل ــ و بين عاقل بن البكير و مبشر بن عبد المنذر ، و بين عبد الله بن مخرمة و فروة بن عمرو البياضي ، و بين خنيس بن حذافة و المنذر بن محمد بن عقبة ابن أحيحة بن الجلاح ، و بين سبرة بن أبي رهم و عبادة بن الخشخاش و بين مسطح بن أثاثة و زيد بن المزين ، و بين عكاشة بن محصن و المجذر بن ذياد حليف الأنصار ــ و بين عامر بن فهيرة و الحارث بن الصمة ، و بين مهجع مولى عمر و سراقة بن عمرو بن عطية ــ من بني غنم بن مالك بن النجار ــ . و كل هذ المزيد عن أبي عمر ، و قيل : كان عددهم مائة : خمسين من المهاجرين و خمسين من الأنصار . و زيد بن المزين ، كذا وجد بخط أبي عمر ، بزاي مفتوحة و الياء آخر الحروف مشددة مفتوحة . و في أصل ابن مفوز : المزين بكسر الميم ، ساكنة الزاي ، مفتوحة الياء عند ابن هشام : ابن المزني . قال ابن إسحاق : فلما دون عمر الدواوين بالشام ، و كان بلال قد خرج إلى الشام فأقام بها مجاهد ، فقال عمر لبلال : إلى من تجعل ديوانك ؟ قال : مع أبي رويحة ، لا أفارقه أبداً ، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عقد بيني و بينه ، فضمه إليه ، و ضم ديوان الحبشة إلى خثعم لمكان بلال منهم ، فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام . أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي و غازي بن أبي الفضل الدمشقي ، قالا : أخبرنا عمر بن محمد بن معمر ، أخبرنا هبة الله بن محمد ، أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن عمر الثقفي ، حدثنا العلاء ابن عمرو الحنفي ، حدثنا أيوب بن مدرك ، عن مكحول ، عن أبي أمامة ، قال : لما آخى النبي صلى الله عليه و سلم بين الناس آخى بينه و بين علي . أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الفتح فيما قرأ عليه الحافظ أبو الحجاج المزي و أنا أسمع ، قال له : أخبرك القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري قراءة عليه و أنت تسمع ؟ فأقر به ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المالكي سماعاً ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد السلمي ، أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد ، أخبرنا محمد بن جعفر الخرائطي ، حدثنا سعدان بن يزيد ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، أن عبد الرحمن بن عوف هاجر إلى المدينة ، فآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه و بين سعد بن الربيع ، فقال له سعد : يا عبد الرحمن إني من أكثر الأنصار مالاً ، و أنا مقاسمك ، و عندي امرأتان ، فأنا مطلق إحداهما ، فإذا انقضت عدتها فتزوجها . فقال له : بارك الله لك في أهلك و مالك . رواه البخاري من حديث حميد عن أنس أطول من هذا . |
بدء الأذان
و كان الناس إنما يجتمعون إلى الصلاة لتحين مواقيتها من غير دعوة ، فهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل بوقاً كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم ، ثم كرهه ، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين في الصلاة ، فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ـ أخو بلحارث بن الخزرج ـ النداء . روينا من طريق أبي داود ، " حدثنا عباد بن موسى الختلي و زياد بن أيوب ، و حديث عباد أتم ، قالا : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، قال زياد أخبرنا أبو بشر ، عن أبي عمير ابن أنس ، عن عمومة له من الأنصار ، قال : اهتم النبي صلى الله عليه و سلم للصلاة كيف يجمع الناس لها ، فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، قال : فذكر له القنع ـ يعني الشبور ـ و قال زياد : شبور اليهود . فلم يعجبه ذلك ، و قال : هو من أمر اليهود . قال : فذكر له الناقوس . فقال : هو من أمر النصارى فانصرف عبد الله بن زيد و هو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأري الأذان في منامه . قال فغدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره ، فقال يا رسول الله ! إني لبي نائم و يقظان إذا أتاني آت فأراني الأذان ، قال : و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً . قال : ثم أخبر النبي صلى الله عليه و سلم . فقال له : ما منعك أن تخبرني . فقال : سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا بلال ! قم فانظر ماذا يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ، فأذن بلال . قال أبو بشر : فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضاً لجعله رسول الله صلى الله عليه و سلم مؤذناً " . و روينا عن ابن إسحاق من طريق زياد ، و من طريق أبي داود ، " حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، قال : حدثني أبي عبد الله بن زيد ، قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس يجمع للصلاة ، طاف بي و أنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده ، فقلت : يا عبد الله ! أتبيع الناقوس ؟ قال : و ما تصنع به ؟ فقلت : ندعو به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت : بلى . فقال تقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله الله لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . قال : ثم استأخر عني غير بعيد ، ثم قال : تقول إذا قامت الصلاة : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بما رأيت . فقال : إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت ، فليؤذن به ، فإنه أندى صوتاً منك . فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه و يؤذن به ، قال : فسمع بذلك عمر بن الخطاب و هو في بيته فخرج يجر رداءه يقول : و الذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلله الحمد " . اللفظ لأبي داود . قال ابن هشام : " و ذكر ابن جريج قال : قال لي عطاء : سمعت عبيد بن عمرو يقول : ائتمر النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة ، فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس ، إذ رأى في المنام أن لا تجعلوا الناقوس ، بل أذنوا للصلاة ، فذهب إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليخبره بالذي رأى ، و قد جاء النبي صلى الله عليه و سلم الوحي بذلك ، فما راع عمر إلا بلال يؤذن ، فقال رسول الله حين أخبره بذلك : قد سبقك بذلك الوحي " . و كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم بلال ، و ابن أم مكتوم ، و أبو محذورة ، و سعد القرظ ، و هو ابن عائذ مولى عمار بن ياسر ، و كان يلزم التجارة في القرظ فعرف بذلك ، و كان يؤذن لأهل قباء ، و ابن أم مكتوم : عمرو بن قيس العامري ، و قيل : عبد الله . و أبو محذورة : سمرة بن معير ، و قيل أوس . و روينا عن الطبراني : حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن عامر الأحول ، عن مكحول ، عن عبد بن محيريز ، عن أبي محذورة ، قال : علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ، ثم يعوذ فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . رواه النسائي في سننه كذلك . و رواه مسلم عن ابن راهويه ، فوقع لنا عالياً ، و هذا من أعز الموافقات . قال ابن إسحاق : و نصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه و سلم العداوة بغياً و حسداً و ضغناً ، لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم ، و انضاف إليهم رجال من الأوس و الخزرج ممن كان عسى على جاهليته ، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك و التكذيب بالمبعث ، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره و اجتماع قومهم عليه ، فظهروا بالإسلام و اتخذوه جنة من القتل ، و نافقوا في السر ، فكان هواهم مع يهود ، و كان أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم و ينعتونه ليلبسوا الحق بالباطل ، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه ، إلا قليلاً من المسائل في الحلال و الحرام ، كان المسلمون يسألون عنها . فمن اليهود الموصوفين بذلك حيي بن أخطب و أخواه ياسر و جدي ، و سلام بن مشكم ، و كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، و كعب بن الأشرف ، و عبد الله بن صوريا الأعور ـ و من بني ثعلبة بن الفطيون ـ و لم يكن بالحجاز في زمانه أعلم بالتوراة . و ابن صلوبا ، و مخيريق ـ و كان حبرهم ـ . و ذكر ابن إسحاق منهم جماعة : منهم عبد الله بن سلام ، و كان حبرهم و أعلمهم ، و كان اسمه الحصين ، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله . |
إسلام عبد الله سلام رضي الله تعالى عنه
و هو من بني إسرائيل ، من ولد يوسف بن يعقوب نبي الله ، و هو حليف للقوافلة ، و هم بنو غنم و بنو سالم ابنا عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج . رويناعن ابن سعد : " أخبرنا عبد الله بن عمر ، و أبو معمر المنقري ، حدثنا عبد الوارث ابن سعيد : حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، قال : أقبل نبي الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ، قالوا : جاء نبي الله . فاستشرقوا ينظرون ، إذ سمع به عبد الله بن سلام و هو في نخل لأهله يخترف لهم منه ، فعجل أن يضع التي يخترف لهم فيها فجاء و هي معه ، فسمع من نبي الله صلى الله عليه و سلم ، ثم رجع إلى أهله . فلما خلى نبي الله صلى الله عليه و سلم جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله حقاً و أنك جئت بحق ، و لقد علمت اليهود أني سيدهم و ابن سيدهم ، و أعلمهم و ابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في . فأرسل نبي الله صلى الله عليه و سلم إليهم ، فدخلوا عليه ، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه و سلم : يا معشر اليهود ! ويلكم اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً ، و أني جئتكم بحق ، أسلموا . قالوا : ما نعلمه ، فأعادها عليهم ثلاثاً ، و هم يجيبونه كذلك . قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذلك سيدنا و ابن سيدنا و أعلمنا و ابن أعلمنا . قال : أفرأيتم إن أسلم . قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم . فقال : يا ابن سلام اخرج عليهم . فخرج إليهم ، فقال : يا معشر اليهود ! ويلكم ! اتقوا الله ، و الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقاً ، و أنه جاء بالحق . فقالوا : كذبت . فأخرجهم النبي صلى الله عليه و سلم " . رواه البخاري من حديث عبد العزيز بن صهيب . و روينا من طريق البخاري : " حدثني حامد بن عمر ، عن بشر بن المفضل ، حدثنا حميد ، حدثنا أنس : أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة ، فأتاه يسأله عن أشياء ، فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ، ما أول أشراط الساعة ، و ما أول طعام يأكله أهل الجنة ، و ما بال الولد ينزع إلى أبيه و إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفاً . قال ابن سلام : ذاك عدو اليهود من الملائكة . قال : أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، و أما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، و أما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، و إذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد . قال : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله . قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت " . فذكر نحو ما تقدم . و روينا عن ابن سعد : " أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله تعالى : " قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " [ الأحقاف : 10 ] قال جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : يا رسول الله ! إن اليهود أعظم قوم عضيهة ، فسلهم عني ، و خذ عليهم ميثاقاً أني إن اتبعتك و آمنت بكتابك أن يؤمنوا بك و بكتابك الذي أنزل عليك ، و اخبئني يا رسول الله قبل أن يدخلوا عليك ، فأرسل إلى اليهود ، فقال : ما تعلمون عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا : خيرنا و أعلمنا بكتاب الله ، سيدنا و عالمنا و أفضلنا . قال : أرأيتم إن شهد أني رسول الله و آمن بالكتاب الذي أنزل علي ، تؤمنون بي ؟ قالوا : نعم . فدعاه ، فخرج عليهم عبد الله . فقال : يا عبد الله بن سلام ! أما تعلم أني رسول الله ؟ تجدوني مكتوباً عندكم في التوراة و الإنجيل ، أخذ الله ميثاقكم أن تؤمنوا بي ، و أن يتبعني من أدركني منكم ؟ قال : بلى . قالوا : ما نعلم أنك رسول الله . و كفروا به و هم يعلمون أنه رسول الله ، و أن ما قال حق ، فأنزل الله : " قل أرأيتم إن كان من عند الله " ـ يعني الكتاب و الرسول ـ " وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " يعني عبد الله بن سلام " فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " [ الأحقاف : 10 ] ففي ذلك نزلت هذه الآية " . |
خبر مخيريق
قال ابن إسحاق : و كان حبراً عالماً غنياً كثير الأموال من النخل ، و كان يعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم بصفته ، و ما يجد في علمه ، و غلب عليه إلف دينه ، فلم يزل على ذلك حتى كان يوم أحد يوم السبت ، قال : و الله يا معشر يهود إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق . قالوا : إن اليوم يوم السبت . قال : لا سبت لكم ، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه بأحد ، و عهد إلى من وراءه من قومه : إن قتلت هذا اليوم فأموالي إلى محمد يصنع فيها ما أراه الله . فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل ، فكان رسول الله فيما بلغني يقول : " مخيريق خير يهود " . و قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أمواله فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة منها . و قال الواقدي : كان مخيريق أحد بني النضير حبراً عالماً ، فآمن برسول الله صلى الله عليه و سلم ، و جعل ماله له ، و هو سبعة حوائط ، فجعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقةً ، و هي الميثب ، و الصافية ، و الدلال ، و حسنى ، و برقة ، و الأعواف ، و مشربة أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هي مارية القبطية . |
أخبار كفار اليهود و المنافقين
و ذكر ابن إسحاق : عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : حدثت عن صفية ابنة حيي ، أنها قالت : كنت أحب ولد أبي إليه و إلى عمي أبي ياسر ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة غدوا عليه ، ثم جاءا من العشي ، فسمعت عمي يقول لأبي : أهو هو ؟ قال : نعم و الله . قال : أتعرفه و تثبته . قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته ـ و الله ـ ما بقيت . و ذكر ابن إسحاق من المنافقين روي بن الحارث ، و الحارث بن سويد ، و جلاس بن سويد ، و كان ممن تخلف عن غزوة تبوك ، و قال : لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمر . فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عمير بن سعد ، و كان في حجر جلاس ، خلف على أمه ، فقال له عمير : و الله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي ، و أحسنهم عندي يداً ، و لقد قلت مقالةً لئن رفعتها عنك لأفضحنك ، و لئن صمت عليها ليهلكن ديني ، و لإحداهما أيسر علي من الأخرى ، ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر له ما قال جلاس . فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد كذب علي عمير ، و ما قلت ما قال . فأنزل الله تعالى : " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم " إل قوله : " وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير " [ التوبة : 74 ] فزعموا أنه تاب ، فحسنت توبته . و زاد ابن سعد في هذا الخبر : فقال ـ يعني جلاساً ـ قد قلته و قد عرض الله علي التوبة فأنا أتوب ، فقبل ذلك منه . و كان له قتيل في الإسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك . و كالن قد هم أن يلحق بالمشركين . قال : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للغلام : " و فت أذنك " . و قال الواقدي : و لم ينزع جلاس عن خير كان يصنعه إلى عمير ، فكان ذلك مما عرف به توبته . و أخوه الحارث هو الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي يوم أحد بأبيه سويد بن الصامت ،فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب بقتل الحارث إن ظفر به ، ففاته فكان بمكة ، ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة ، فأنزل الله فيما بلغني عن ابن عباس : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " [ آل عمران : 86 ] إلى آخر القصة . و قال الواقدي : إن الحارث أتى مسلماً بعد الفتح ، و كان قد ارتدى و لحق بالمشركين ، فقتله النبي صلى الله عليه و سلم بالمجذر . و من بني ضبيعة بن زيد : بجاد بن عثمان ، و نبتل بن الحارث ، و هو الذي قال : إنما محمد أذن ، من حدثه شيئاً صدقه ، فأنزل الله فيه : " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن " [ التوبة : 61 ] و أبو حبيبة بن الأزعر ، و كان ممن بنى مسجد الضرار ، و ثعلبة بن حاطب ، و معتب بن قشير ، و هما اللذان عاهدا الله " لئن آتانا من فضله " [ التوبة : 75 ] إلى آخر القصة . و معتب الذي قال يوم أحد : " لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا " [ آل عمران : 154 ] و هو الذي قال يوم الأحزاب : كان محمداً يعدنا أن نأكل كنوز كسرى و قيصر ، و أحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط ، فأنزل الله : " وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " [ الأحزاب : 12 ] ـ و أنكر ابن هشام دخول ثعلبة و معتب في المنافقين ـ و عباد بن حنيف ـ أخو سهل و عثمان ـ و جارية بن عامر ، و ابناه مجمع و زيد ـ و قيل : لا يصح عن مجمع النفاق ـ و ذكر آخرين . و من بين أمية بن زيد : وديعة بن ثابت ، و هو الذي كان يقول : " إنما كنا نخوض ونلعب " [ التوبة : 65 ] . و من بني عبيد : خذام بن خالد ، و هو الذي أخرج مسجد الضرار من داره ، و بشر ، و رافع ابنا زيد . و من بني النبيت عمرو بن مالك بن الأوس : مربع بن قيظي ، و أخوه أوس ، و أوس الذي قال يوم الخندق : إن بيوتنا عورة فأذن لنا فلنرجع إليها ، فأنزل الله فيه : " يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة " الآية [ الأحزاب : 13 ] . و من بني ظفر : حاطب بن أمية ، و بشير بن أبيرق ، و الحارث بن عمرو بن حارثة . و عند ابن إسحاق : بشير ، و هو أبو طعمة سارق الدرعين ، الذي أنزل الله فيه " ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " [ النساء : 107 ] و قزمان : حليف لهم ، و هو المقتول يوم أحد بعد أن أبلى في المشركين ، قتل نفسه ، بعد أن أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه من أهل النار . و لم يكن في بني عبد الأشهل منافق و لا منافقة ، إلا أن الضحاك بن ثابت اتهم بشيء من ذلك و لم يصح . و من الخزرج من بني النجار : رافع بن وديعة ، و زيد بن عمرو ، و عمرو بن قيس ، و قيس بن عمرو بن سهل . و من بني جشم بن الخزرج : الجد بن قيس و هو الذي يقول : يا محمد ائذن لي و لا تفتني . و من بني عوف بن الخزرج : عبد الله بن أبي بن سلول ، و كان رأس المنافقين ، و هو الذي قال : " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " [ المنافقون : 8 ] في غزوة بني المصطلق ، و فيه نزلت سورة المنافقين بأسرها . قال أبو عمر : و زيد بن الأرقم هو الذي رفع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبد الله بن أبي قوله : " لئن رجعنا إلى المدينة " فأكذبه عبد الله بن أبي و حلف ، فأنزل الله تصديق زيد بن الأرقم ، فتبادر أبو بكر و عمر إلى زيد ليبشراه ، فسبق أبو بكر ، فأقسم عمر أن لا يبادره بعدها إلى شيء ، و جاء النبي صلى الله عليه و سلم فأخذ بأذن زيد و قال : " وفت أذنك ياغلام " . و وديعة و سويد و داعس من رهط ابن سلول ، و هم و عبد الله بن أبي الذين كانوا يدسون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن اثبتوا ، فو الله لئن أخرجتم لنخرجن معكم القصة . و كان النفاق في الشيوخ و لم يكن في الشباب ، إلا في واحد و هو قيس بن عمرو بن سهل . رجع إلى ابن إسحاق : فكان ممن تعوذ بالإسلام و أظهره و هو منافق من أحبار يهود . من بني قينقاع : سعد بن حنيف ، و زيد بن اللصيت ، و نعمان بن أوفى بن عمرو ، و عثمان بن أوفى . و زيد بن اللصيت هو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ، و هو لا يدري أين ناقته . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و حاءه الخبر بما قاله عدو الله ـ : " إن قائلاً قال : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء و هو لا يدري أين ناقته . و إني و الله ما أعلم إلا ما علمني ربي ، و قد دلني الله عليها ، و هي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها " . فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و كما وصف . و رافع بن حميلة ، و هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مات : " قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين " . و رفاعة بن زيد بن التايوت ، و هو الذي اشتدت الريح يوم موته ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو قافل من غزوة بني الصطلق : " إنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار " . و سلسلة بن برهام ، و كنانة بن صوريا . و كان هؤلاء يحضرون المسجد فيسخرون من المسلمين ، فأمر صلى الله عليه و سلم بإخراجهم منه فأخرجوا ، ففيهم نزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها . قال ابن إسحاق : " و كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يهود خبير فيما حدثني مولى لآل زيد ابن ثابت ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاحب موسى و أخيه ، و المصدق لما جاء به موسى ، ألا إن الله تعالى قد قال لكم يا معشر أهل التوارة ، و إنكم تجدون ذلك في كتابكم " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " [ الفتح : 29 ] و إني أنشدكم باللهو أنشدكم بما أنزل عليكم و أنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسبطاكم المن و السلوى ، و أنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون و عمله ، إلا أخبرتمونا ، هل تجدون فيما أنزل عليكم أن تؤمنوا بمحمد ، فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم ، قد تبين الرشد من الغي ، فأدعوكم إلى الله و إلى نبيه " . و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس و الخزرج برسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به و جحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل و بشر بن البراء : يا معشر يهود اتقوا الله و أسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد و نحن أهل شرك ، و تخبروننا أنه مبعوث ، و تصفونه لنا بصفته . فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، ماهو بالذي كنا نذكره لكم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم " ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " [ البقرة : 89 ] . قال ابن إسحاق : و قال مالك بن الصيف ـ حين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذكر لهم ما أخذ الله عليهم له من الميثاق و ما عهد الله إليهم فيه ـ : و الله ما عهد إلينا في محمد عهد ، و ما أخذ له علينا ميثاق . فأنزل الله فيه : " أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون " [ البقرة : 100 ] و قال ابن صلوبا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه و سلم : يا محمد ! ما جئتنا بشيء نعرفه ، و ما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك بها ، فأنزل الله في ذلك من قوله : " ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون " [ البقرة : 99 ] . و قال رافع بن حريملة و وهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه و سلم يا محمد ائتنا بكتاب تنزله من السماء نقرؤه ، و فجر لنا أنهاراً نتبعك و نصدقك ، فأنزل الله في ذلك : " أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل " [ البقرة : 108 ] و كان حيي بن أخطب ، و أبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً ، إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه و سلم ، فكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا ، فأنزل الله فيهما : " ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق " [ البقرة : 109 ] . الآية . و لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه و سلم أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال لهم رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء ، و كفر بعيسى و بالإنجيل ، فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شيء ، و جحد نبوة موسى ، و كفر بالتوراة ، فأنزل الله تعالى : " وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء " [ البقرة : 113 ] الآية . و قال رافع بن حريملة : يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فيكلمنا ، فأنزل الله : " وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية " [ البقرة : 118 ] . و قال عبد الله بن صوريا الأعور : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تهتد . و قالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله تعالى : " وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " [ البقرة : 135 ] الآية . و سأل معاذ بن جبل و سعد بن معاذ و خارجة بن زيد نفراً من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إياه ، فأنزل الله : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس " [ البقرة : 159 ] الآية . و دعا عليه الصلاة و السلام اليهود إلى الإسلام ، فقال له رافع و مالك بن عوف : بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فأنزل الله تعالى : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا " [ لقمان : 21 ] و لما أصاب الله قريشاً يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يهود في سوق بني قينفاع ، حين قدم المدينة ، فقال : يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشاً . قالوا له : يا محمد ! لا يغرنك من نفسك أنك نفراً من قريش ، كانوا أغماراً لا يعرفون القتال ، إنك و الله لو قاتلنا لعرفت أنا نحن الناس ، و إنك لم تلق مثلنا ، فأنزل الله تعالى : " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " [ آل عمران : 12 ] الآية و التي بعدها . و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت المدراس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له النعمان بن عمرو و الحارث بن يزيد : و على أي دين أنت يا محمد ؟ قال : " على ملة إبراهيم و دينه " . قالا : فإن إبراهيم كان يهودياً . فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : " فهلم إلى التوراة فهي بيننا و بينكم فأبيا عليه " ، فأنزل الله : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " [ آل عمران : 23 ] الآية و التي تليها . و قال أحبار يهود : و ما كان إبراهيم إلا يهودياً ، و قالت نصارى نجران : ما كان إلا نصرانياً ، فأنزل الله : " يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم " الآيات إلى " والله ولي المؤمنين " [ آل عمران : 65 ـ 68 ] . و قال عبد الله بن صيف و عدي بن زيد و الحارث بن عوف ، بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل الله على محمد غدوة و نكفر به عشية ، حتى نلبس عليهم دينهم ، لعلهم يصنعون كما نصنع ، فيرجعون عن دينهم ، فأنزل الله : " يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون " إلى قوله " والله واسع عليم " [ آل عمران : 71 ـ 73 ] . و قال أبو رافع القرظي " حين اجتمعت الأحبار من يهود ، و النصارى من أهل نجران ، عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و دعاهم إلى الإسلام : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم ؟ ! و قال رجل من نصارى نجران مثله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : معاذ الله أن يعبد غير الله ، فأنزل الله تعالى : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " [ آل عمران : 79 ] الآية . ثم ذكر ما أخذ عليهم من ميثاق بتصديقه ، فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " [ آل عمران : 81 ] إلى آخر القصة " . ========== |
و مر شاس بن قيس ـ و كان شيخاً قد عسا ، عظيم الكفر ، شديد الطعن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ـ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأوس والخزرج يتحدثون ، فغاظه ما رأى من إلفتهم و جماعتهم بعدما كان بينهم من العداوة ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، لا و الله مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار ، فأمر فتى شاباً من يهود كان معهم ، فقال : اعمد إليهم ، فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث ، و ما كان فيه ، و أنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من الأشعار ، ففعل ، فتكلم القوم عند ذلك ، و تنازعوا حتى تواثب رجلان على الركب : أوس بن قيظي من الأوس ، و جبار بن صخر من الخزرج ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم رددتها الآن جذعة ، و غضب الفريقان جميعاً ، و قالوا : قد فعلنا ، موعدكم الظاهرة ـ و الظاهرة : الحرة ـ السلاح السلاح ، فخرجوا ، و بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه ، حتى جاءهم ، فقال : " يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية و أنا بين أظهركم ، بعد أن هداكم الله إلى الإسلام ، و أكرمكم به ، و قطع به عنكم أمر الجاهلية ، و استنقذكم من الكفر ، و ألف به بينكم " . فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان ، و كيد من عدوهم ، فبكوا ، و عانق الرجال من الأوس الرجال من الخزرج ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأنزل الله في شاس بن قيس : " قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا " [ آل عمران : 99 ] الآية . و في أوس و جبار : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " إلى قوله " وأولئك لهم عذاب عظيم " [ آل عمران : 100 ـ 105 ] .
و كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من يهود لما كان بينهم من الجوار ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا " إلى " عليم بذات الصدور " [ آل عمران : 118 ـ 119 ] . و دخل أبو بكر بيت المدراس ، فقال لفنحاص : اتق الله و أسلم ، و الله إنك لتعلم أن محمداً لرسول الله . فقال : و الله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر ، و إنه إلينا لفقير . فغضب أبو بكر و ضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً ، و قال : لولا العهد الذي بيننا و بينك لضربت عنقك . فشكاه فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فذكر له أبو بكر ما كان منه ، فأنكر قوله ذلك ، فأنزل الله تعالى : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " [ آل عمران : 181 ] الآية . و أنزل في أبي بكر رضي الله عنه " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " [ آل عمران : 186 ] الآية . و كان كردم بن قيس و أسامة بن حبيب في نفر من يهود يأتون رجالاً من الأنصار يتنصحون لهم ، فيقولون لهم : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ، فأنزل الله فيهم : " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله " ـ أي التوراة التي فيها تصديق ما جاء به محمد ـ " وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا " [ النساء : 37 ] . و كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود ، إذا كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم لوى لسائه ، و قال أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ، ثم طعن في الإسلام و عابه ، فأنزل الله فيه : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل " إلى " ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا " [ النساء : 46 ] . و كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا الأعور و كعب ابن أسد ، فقال لهم : " يا معشر يهود ! اتقوا الله و أسلموا ، فو الله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق . قالوا ما نعرف ذلك ، فأنزل الله " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا " " [ النساء : 47 ] . و قال سكين بن عدي بن زيد : يا محمد ! ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ، فأنزل الله تعالى : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى قوله : " وكان الله عزيزا حكيما " [ النساء : 163 ـ 165 ] . و دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة منهم ، فقال لهم : أما و الله إنكم لتعلمون أني رسول الله . قالوا : ما نعلمه و ما نشهد عليه ، فأنزل الله تعالى : " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " [ النساء : 166 ] . و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم نعمان بن أضا و بحري بن عمرو و شاس بن عدي ، فكلموه و كلمهم ، و دعاهم إلى الله و حذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد ، نحن أبناء الله و أحباؤه ـ كقول النصارى ـ فأنزل الله فيهم : " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " [ المائدة : 18 ] الآية . و دعاهم إلى الإسلام مرة و حذرهم عقوبة الله ، فأبوا عليه ، فقال لهم معاذ بن جبل و سعد بن عبادة و عقبة بن وهب : يا معشر يهود ! اتقوا الله فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله و لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، و تصفونه بصفته ، فقال رافع بن حريملة و وهب ابن يهوذا : ما قلنا لكم هذا ، و ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ، و ما أرسل بشيراً و لا نذيراً بعده . فأنزل الله في ذلك من قولهما : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " [ المائدة : 19 ] الآية . و اجتمع أحبارهم في بيت المدراس ، فأتوا برجل و امرأة زنيا بعد إحصانهما ، فقالوا : حكموا فيهما محمداً ، فإن حكم فيهما بحكمكم من التجبية ـ و هو الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ، ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل أدبار الحمارين ـ فإنما هو ملك ، و إن حكم فيهما بالرجم فهو نبي ، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه . ففعلوا ، فمشى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتت بيت المدراس ، فقال لهم : " أخرجوا إلي علماءكم " . فأخرجوا له عبد الله بن صوريا ـ فخلا به يناشده : " هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟ " قال : اللهم نعم ، أما و الله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك نبي مرسل ، و لكنهم يحسدونك . قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده ، ثم جحد ابن صوريا بعد ذلك نبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " [ المائدة : 41 ] الآية . و في بعض طرق هذا الحديث أن حبراً منهم جلس يتلو التوراة بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فوضع يده على آية الرجم ، فضرب عبد الله بن سلام يده ، و قال : هذه آية الرجم أبى أن يتلوها عليك . . . الحديث . و قال كعب بن أسد و ابن صلوبا و ابن صوريا و شاس بن قيس بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه ، فإنما هو بشر ، فأتوه فقالوا : قد عرفت أنا أحبار يهود و أشرافهم ، و أنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ، و لم يخالفونا ، و إن بيننا و بين بعض قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، و نؤمن بك و نصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأنزل الله " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم " إلى قوله " ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " [ المائدة : 49 ـ 50 ] . و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة منهم ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، فقال : " آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون " [ البقرة : 136 ] فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته ، و قالوا : لا نؤمن بعيسى و لا نؤمن بمن آمن به ، فأنزل الله : " قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون " [ المائدة : 59 ] . و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم رافع بن حارثة ، و سلام بن مشكم ، و مالك بن الصيف ، و رافع ابن حريملة ، فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم و دينه ، و تؤمن بما عندنا من التوراة ، و تشهد أنها من الله حق ؟ قال : بلى ، و لكنكم أحدثتم و جحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق ، و كتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه الناس ، فبرئت من إحداثكم . قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الهدى و الحق ، و لا نؤمن بك و لا نتبعك ، فأنزل الله تعالى : " قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " [ المائدة : 68 ] الآية . و كان رفاعة بن زيد بن التابوت ، و سويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام و نافقا ، فكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " إلى قوله " والله أعلم بما كانوا يكتمون " [ المائدة : 57 ـ 61 ] . و قال جبل بن أبي قشير ، و شمويل ابن زيد : يا محمد متى الساعة إن كنت نبياً ؟ فأنزل الله " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي " [ الأعراف : 187 ] الآية . و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم سلام بن مشكم ، و نعمان بن أوفى ، و محمود بن دحية ، في نفر منهم ، فقالوا له : كيف نتبعك و قد تركت قبلتنا ، و أنت لا تزعم أن عزيراً ابن الله ؟ فأنزل الله : " وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم " [ التوبة : 30 ] الآية . و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم محمود بن سيحان و عزير بن أبي عزير في جماعة منهم ، فقالوا : إنا لا نرى ما جئت به متسقاً كما تتسق التوراة ، أما يعلمك هذا أنس و لا جن ؟ فقال لهم : " أما و الله إنكم لتعلمون أنه من عند الله ، و أني رسول الله تجدون ذلك مكتوباً عندكم في التوراة " . قالوا : فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ، فأنزل علينا كتاباً من السماء نقرؤه و نعرفه ، و إلا جئناك بمثل ما تأتي به ، فأنزل الله تعالى : " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " [ الإسراء : 88 ] . و قال قوم منهم لعبد الله بن سلام حين أسلم : ما تكون النبوة في العرب ، و لكن صاحبك ملك متقول ، ثم جاءوا فسألوه عن ذي القرنين ، فقص عليهم ما جاءه من الله فيه مما كان قص على قريش ، و هم كانوا ممن أمر قريشاً أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط ، و أتى رهط منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : يا محمد ! هذا الله خلق الخلق فمن خلقه ؟ فغضب حتى انتفع لونه ، ثم ساورهم غضباً لربه ، فجاءه جبريل فسكنه ، و أنزل عليه : " قل هو الله أحد " السورة ، فلما تلاها عليهم ، قالوا : فصف لنا كيف خلقه ؟ و كيف ذراعه ؟ و كيف عضده ؟ فغضب أشد من غضبه الأول ، فأتاه جبريل من الله تعالى بقوله تعالى : " ما قدروا الله حق قدره " [ الحج : 74 ] الآية . و كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش و غطفان و بني قريظة : حيي بن أخطب ، و سلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، و الربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، و أبو عمار ، و وحوح ابن عامر و هوذة بن قيس ، فأما وحوح و أبو عمار و هوذة فمن بني واثلة ، و سائرهم من بني النضير ، فلما قدموا على قريش ، قالوا : هؤلاء أحبار يهود و أهل العلم بالكتاب الأول ، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم ، فقالوا : بل دينكم خير من دينه و أنتم أهدى منه و ممن اتبعه ، فأنزل الله فيهم : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " إلى قوله : " ملكا عظيما " [ النساء : 51 ـ 54 ] . |
خبر عبد الله بن أبي بن سلول ، و أبي عامر الفاسق ، و كان يقول له الراهب
قال ابن إسحاق : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ـ كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ـ و سيد أهلها عبد الله بن أبي بن سلول لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان لم يجتمع الأوس و الخزرج قبله و لا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام : غيره ، و معه في الأوس رجل هو في قومه من الأوس شريف مطاع ، أبو عامر عبد عمرو ابن صيفي بن النعمان ، أحد بني ضبيعة بن زيد ، و هو أبو حنظلة ، الغسيل يوم أحد ، و كان قد ترهب في الجاهلية و لبس المسوح ، فكان يقال له : الراهب . فشقيا بشرفهما . أما ابن أبي ، فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم ، فجاءهم الله برسوله و هم على ذلك ، فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن ، و رأى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد سلبه ملكاً عظيماً ، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام ، دخل فيه كارهاً مصراً على نفاق . و أما أبو عامر فأبى إلا الكفر و الفراق لقومه حين اجتمعوا على الإسلام ، فخرج منهم إلى مكة ببضعة عشر رجلاً مفارقاً للإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تقولوا الراهب و لكن قولوا الفاسق " و كان قد قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يخرج إلى مكة : ما هذا الذي جئت به ؟ قال : جئت بالحنيفية دين إبراهيم عليه السلام . قال : فأنا عليها . قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنك لست عليها . قال : بلى ، إنك أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها قال : ما فعلت و لكني جئت بها بيضاء نقية . قال : الكاذب أماته الله طريداً غريباً وحيداً . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أجل . فكان هو ذلك ، خرج إلى مكة فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة خرج إلى الطائف ، فلما أسلم أهل الطائف ، خرج إلى الشام فمات بها طريداً غريباً وحيداً . |
جماع أبواب مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم و بعوثه و سراياه
و لما أذن الله عز و جل لنبيه في القتال كانت أول آية نزلت في ذلك : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير " [ الحج : 39 ] . كما روينا من طريق أبي عروبة ، " حدثنا سلمة ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان يقرأ : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " قال : و هي أول آية نزلت في القتال " . و روينا عن ابن عائذ ، أخبرنا الوليد بن محمد ، عن محمد بن مسلم الزهري ، قال : و كان أول آية نزلت في القتال قوله عز و جل : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " [ الحج : 39 ـ 40 ] . قرئ على أبي محمد عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني و أنا أسمع ، " أخبركم أبو علي بن أبي القاسم بن الحريف حضوراً في الخامسة ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم الباقلاني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، عن ابن عجلان ، عن المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله تعالى " . |
ذكر الخبر عن عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم و بعوثه
روينا عن ابن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي ، و موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، و محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري ، و موسى بن يعقوب بن عبد الله ابن وهب بن زمعة بن الأسود ، و عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري ، و يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري ، و ربيعة بن عثمان بن عبد الله بن الهدير التيمي ، و إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة الأشهلي ، و عبد الحميد بن جعفر الحكمي ، و عبد الرحمن بن أبي الزناد ، و محمد الله صالح التمار . قال ابن سعد : أخبرنا رويم بن يزيد المقرئ ، حدثنا هارون بن أبي عيسى ، عن محمد بن إسحاق . قال : أخبرنا حسين بن محمد ، عن أبي معشر ، قال : و أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمه موسى بن عقبة ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض . قالوا : كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم التي غزا بنفسه سبعاً و عشرين ، و كانت سراياه التي بعث فيها سبعاً و أربعين سرية ، و كان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات : بدر القتال ، و أحد ، و المريسيع ، و الخندق ، و قريظة ، و خيبر ، و فتح مكة ، و حنين ، و الطائف . فهذا ما اجتمع لنا عليه ، و في بعض رواياتهم أنه قاتل في بني النضير و لكن الله جعلها له نفلاً خاصة ، و قاتل في غزاة وادي القرى منصرفه من خيبر ، و قتل بعض أصحابه ، و قاتل في الغابة . |
غزوة ودان
فأول مغازيه صلى الله عليه و سلم بنفسه : غزوة ودان . روينا عن أبي عروبة ، حدثنا سليمان بن سيف ، حدثنا سعيد بن يزيع ، حدثنا ابن إسحاق : قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفر غازياً على رأس اثني عشر شهراً ، من مقدمه المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر صفر ، حتى بلغ ودان ، و كان يريد قريشاً و بني ضمرة ، و هي غروة الأبواء ، ثم رجع إلى المدينة ، و كان استعمل عليها سعد بن عبادة فيما ذكره ابن هشام . قال : ابن إسحق : فوادعته فيها بنو ضمرة ، و كان الذي وادعه منهم عليهم مخشي بن عمرو الضمري ، و كان سيدهم في زمانه ذلك ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و لم يلق كيداً . |
بعث حمزة و عبيدة بن الحارث
روينا عن ابن إسحاق قال : فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بها بقية صفر و صدراً من شهر ربيع الأول ، و بعث في مقدمة ذلك عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف في ستين أو ثمانين راكباً من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد ، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة ، فلقي بها جمعاً عظيماً من قريش ، فلم يكن بينهم قتال ، إلا أن سعد ابن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم ، فكان أول سهم رمى به في الإسلام ، ثم انصرف القوم عن القوم و للمسلمين حامية ، و فر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو و عتبة ابن غزوان ، و كانا مسلمين ، و لكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار ، و كان على القوم عكرمة بن أبي جهل . و قال ابن هشام : مكرز بن حفص بن الأخيف . قال ابن إسحاق : فكانت راية عبيدة فيما بلغنا أول راية عقدت في الإسلام . و بعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل إلى المدينة ، و بعث في مقامه ذلك حمزة بن عبد المطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد ، فلقي أبا جهل بن هشام في ذلك الساحل في ثلاثمائة راكب ، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني ، و كان موادعاً للفريقين جميعاً ، فانصرف بعض القوم عن بعض ، و لم يكن بينهم قتال ، و بعض الناس يقول كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذلك أن بعثه و بعث عبيدة كانا معاً فشبه ذلك على الناس . و روينا عن موسى بن عقبة أن أول البعوث بعث حمزة في ثلاثين راكباً ، فلقوا أبا جهل في ثلاثين و مائة راكب من المشركين ، ثم كانت الأبواء على رأس اثني عشر شهراً ، ثم بعث عبيدة فلقوا بعثاً عظيماً من المشركين على ماء يدعى الأحياء ، من رابغ ، قال : و هو أول يوم التقى فيه المسلمون و المشركون في قتال . و روينا عن ابن عائذ ، عن الوليد ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، أن راية حمزة هي الأولى . و روينا عنه أيضاً : عن محمد بن شعيب ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ذكر بعث عبيدة ثم بعث حمزة بنحو ما ذكر ابن إسحاق . و روينا عن ابن سعد : أن أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه و سلم لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر لواءً أبيض ، و كان الذي حمله أبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي في ثلاثين راكباً من المهاجرين . قال : و لم يبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أحداً من الأنصار مبعثاً حتى غزا بهم بدراً ، و ذلك أنهم شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم . و خرج حمزة يعرض لعير قريش قد جاءت من الشام تريد مكة و فيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل . ثم سرية عبيدة في ستين من المهاجرين إلى بطن رابغ في شوال على رأس ثمانية أشهر عقد له لواءً أبيض حمله مسطح بن أثاثة ، فلقي أبا سفيان بن حرب في مائتين من أصحابه على ماء يقال له أحياء ـ و قال أبو عمر : أبنى ـ من بطن رابغ على عشرة أميال من الجحفة و أنت تريد قديداً على يسار الطريق و إنما نكبوا على الطريق ليرعوا ركابهم . |
سرية سعد بن أبي وقاص
إلى الخرار في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر ، و عقد له لواءً أبيض حمله المقداد بن عمرو و بعثه في عشرين من المهاجرين . ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه و سلم الأبواء ، وهي غزوة ودان ، و كلاهما قد ورد . و بينهما ستة أميال ، و كانت على رأس اثني عشر شهراً من الهجرة ، و حمل اللواء حمزة بن عبد المطلب ، فكانت الموادعة على أن بني ضمرة لا يغزونه و لا يكثرون عليه جمعاً ، و لا يعينون عليه عدواً ، ثم انصرف عليه السلام إلى المدينة ، و كانت غيبته خمس عشرة ليلة . |
غزوة بواط
قال ابن إسحاق : ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر ربيع الأول يريد قريشاً حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ، ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيداً . و استعمل على المدينة السائب بن مظعون فيما ذكر ابن هشام . و حمل اللواء ـ و كان أبيض ـ سعد بن معاذ فيما ذكر ابن سعد ، و قال : و خرج في مائتين من أصحابه يعرض لعير قريش فيها أمية بن خلف الجمحي و مائة رجل من قريش و ألفان و خمسمائة بعير . |
غزوة العشير
قال ابن إسحاق : " في أثناء جمادى الأولى يعني من السنة الثانية : ثم غزا قريشاً حتى نزل العشيرة من بطن ينبع ، فأقام بها جمادى الأولى و ليالي من جمادى الآخرة ، و وادع فيها بني مدلج و حلفائهم من بني ضمرة ، و فيها كنى رسول الله صلى الله عليه و سلم علياً أبا تراب حين و جده نائماً هو و عمار بن ياسر ، و قد علق به تراب ، فأيقظه عليه الصلاة و السلام برجله ، و قال له : مالك أبا تراب ؟ لما يرى عليه من التراب . ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس ؟ رجلين . قلنا : بلى يا رسول الله . قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، و الذي يضريك يا علي على هذه ــ و وضع يده على قرنه ــ حتى يبل منها هذه . و أخذ بلحيته " . و استعمل على المدينة أبا سلمة عبد الأسد ، فيما ذكر ابن هشام . و ذكر ابن سعد أهنا كانت في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهراً ، و حمل لواء رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها حمزة بن عبد المطلب ــ و كان أبيض ــ و خرج في خمسين و مائة و يقال : في مائتين من قريش من المهاجرين ممن انتدب ، و لم يكره أحداً على الخروج ، و خرجوا على ثلاثين بعيراً يعتقبونها ، و خرج يعترض لعير قريش حين أبدأت إلى الشام فكان قد جاءه الخبر بفصولها من مكة ، فيها أموال قريش ، و هي لبني مدلج بناحية الينبع ، و بين ينبع و المدينة تسعة برد ، فوجد العير التي خرج إليها قد مضت قبل ذلك بأيام ، و هي العير التي خرج إليها حين رجعت من الشام ، فكانت بسببها وقعة بدر الكبرى . |
غزوة بدر الأولى
قال ابن إسحاق : فلم يقم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبه حتى بلغ وادياً يقال له سفوان من ناحية بدر ،وفاته كرز بن جابر فلم يدركه . و اسعتم لعلى المدينة فيما قال ابن هشام زيد بن حارثة . و ذكر ابن سعد أنها في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشراً شهراً من الهجرة ، و حمل اللواء فيهاعلي بن أبي طالب ، قال : و السرح : ما رعوا من نعمهم . |
سرية عبد الله بن جحش
و بعث عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى ، و معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد ، و كتب له كتاباً و أمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ، و لا يستكره أحداً من أصحابه . و كان أصحابه : أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، و عكاشة بن محصن الأسدي ، و عتبة بن غزوان ، و سعد بن وقاص ، و عامر بن ربيعة ، من عنز بن وائل حليف بني عدي ، و واقد بن عبد الله أحد بني تميم ، حليف لهم ، و خالد بن البكير ، و سهيل بن بيضاء . فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب ، فنظر فيه ، فإذا فيه : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة و الطائف ، فترصد بها قريشاً ، و تعلم لنا من أخبارهم . فلما نظر قي الكتاب قال : سمعاً و طاعة . ثم قال ذلك لأصحابه ، و قال : قد نهاني أن أستكره أحداً منكم . فمضوا لم يتخلف عليه منهم أحد . و سلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران ، أضل سعد ابن أبي الوقاص و عتبة بن عزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه ، فتخلفا عليه في طلبه ، و مضى عبد الله بن جحش و أصحابه حتى نزل بنخلة ، فمرت به عير لقريش فيها عمرو بن الحضرمي ، و عثمان بن عبد الله بن المغيرة ، و أخوه نوفل ، المخزوميان ، و الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة . فلام رآهم القوم هابوهم ، و قد نزلوا قريباً منهم ، فأشرف عليهم عكاشة بن محصن ، و كان قد حلق رأسه ، فلما رأوه أمنوا ، و قالوا : عمار لا بأس عليكم منهم . و تشاورالقوم فيهم ، و ذلك في آخر يوم من رجب ، فقال القوم : و الله لئن تركتم القوم في هذه اللية ليدخلن الحرم فليمنتعن منكم به ، و لئن قتلتوهم لتقتلنهم في الشهر الحرام . فتردد القوم و هابوا الإقدام عليهم ، ثم شجعوا أنفسهم عليهم ، و أجمعوا قتل من قدروا عليه منهم و أخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، و استأسر عثمان بن عبد الله و الحكم بن كيسان ، و أفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم ، و أقبل عبد الله بن جحش و أصحابه بالعير و الأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة . و قد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه : إن لرسول الله صلى الله عليه و سلم مما غنمنا الخمس ، و ذلك قبل أن يفرض الله لخمس من المغانم ، فعزل لرسول الله صلى الله عليه و سلم خمس العير ، و قسم سائرها بين أصحابه . قال ابن إسحاق : فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ، فوقف العير و الأسيرين ، و أبى أن يأخذ من ذلك شيئاً ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم في أيدي القوم ، و ظنوا أنهم قد هلكوا ، و عنفهم إخوانهم من المسلمين فما صنعوا ، و قالت قريش : قد استحل محمد و أصحابه الشهر الحرام ، و سكفوا فيه الدم ، و أخذوا فيه الأموال ، و أسروا فيه الرجال . فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة : إنما أصابوا ما أصابوافي شعبان . و قالت يهود ــ تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم : عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله ، عمرو : عمرت الحرب ، و الحضرمي : حضرت الحرب ، و واقد ابن عبد الله : وقدت الحرب . فجعل الله ذلك عليهم لا لهم . فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل " [ البقرة : 217 ] ففرج الله عن المسلمين ما كونوا فيه ، و قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم العير و الأسيرين ، و بعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله ، و الحكم بن كيسان . فقال رسول الله : " لا نفديكما حتى يقدم صاحبانا ، يعني : سعد بن أبي وقاص ، و عتبة بن غزوان ، فإنا نخشاكم عليهما ، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم ، فقدم سعد و عتبة ، فأفادهما رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم ، فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه ، و أقام عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و مات في بئر معونة شهيداً ، و أما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافراً " . فلما تجلى عن عبد الله بن جحش و أصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر ، فقالوا : يا رسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ، فأنزل الله فيهم : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم " [ البقرة : 218 ] فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء . و الحديث في هذا عن الزهري و يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير . ثم قسم الفيء بعد كذلك . قال ابن هشام : و هي أول غنيمة غنمها المسلمون . و عمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون ، و عثمان و الحكم أول من أسر المسلمون . فقال في ذلك أبو بكر الصديق ، و يقال هي لعبد الله بن جحش : تعدون قتلاً في الحرام عظيمة و أعظم منه لو يرى الرشد راشد صدودكم عما يقول محمد و كفر به و الله راء وشاهد شفينا من ابن الحضرمي رماحنا بنخلة لما أوقد الحرب واقد و ذكر موسى بن عقبة و محمد بن عائذ نحو ذلك ، غير أنهما ذكرا صفوان بن بيضاء بدل سهيل أخيه ، و لم يذكرا خالداً و لا عكاشة ، و ذكر ابن عقبة فيهم عامر بن إياس . و قال ابن سعد : كان الذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو ، و ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث عبد الله بن جحش في اثني عشر رجلاً من المهاجرين ، كل اثنين يعتقبان بعيراً إلى بطن نخلة ، و هو بستان ابن عامر ، و أن سعد بن أبي وقاص كان زميل عتبة بن غزوان ، فضل بهما بعيرهما فلم يشهدا الوقعة . و الذي ذكره موسى بن عقبة أن ابن جحش لما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و خير أصحابه ، تخلف رجلان سعد و عتبة ، فقدما بحران و مضى سائرهم . و قال ابن سعد : و يقال إن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم و قسم بين أصحابه سائر المغانم ، فكان أول خمس خمس في الإسلام ، و يقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر ، و أعطى كل قوم حقهم ، و في هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين . |
تحويل القبلة
قرئ على الشيخ أبي عبد الله بن محمد بن إبراهيم المقدسي و أنا حاضر في الرابعة ، أخبركم أبو الحسن علي بن النفيس بن بورانداز ، قراءة عليه ببغداد فأقر به ، أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى ، أخبرنا أبو عطاء بن أبي عاصم ، أخبرنا أبو حاتم بن محمد بن يعقوب ، أخبرنا أبو العباس محمد بن محمد بن الحسن الفريزني ، حدثنا أبو جعفر رجاء بن عبد الله بن فورجة ، حدثنا مالك بن سليمان الهروي ، عن يزيد ، بن عطاء ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، قال : لقد صلينا بعد قدوم النبي صلى الله عليه و سلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ، و كان الله يعلم أنه يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فلما وجه النيي صلى الله عليه و سلم إليها صلى رجل معه ، ثم أتى قوما من الأنصار و هم ركوع نحو بيت المقدس ، فقال لهم و هم ركوع : أشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم قد وجهه نحو الكعبة ، فاستداروا و هم ركوع فاستقبوها . رواه البخاري و غيره من حديث أبي إسحاق عن البراء . و روينا من طريق ابن سعد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء .. الحديث . و فيه : و أنه صلى أول صلاة صلاها العصر ، و صلاها معه قوم ، فخرج رجل ممن صلاها معه ، فمر على أهل مسجد و هم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت . و كان يعجبه أن يحول قبل البيت ، و كانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس ، و أهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك . و فيه : أنه مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت : رجال ، و قتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله تعالى " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم " [ البقرة : 143] . و قد اتفق العلماء على أن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة كانت إلى بيت المقدس ، و أن تحويل القبلة إلى الكعبة كان بها ، و اختلفوا كم أقام النبي صلى الله عليه و سلم يصلي إلى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة ؟ و في أي صلاة كان التحويل ؟ و في صلاته عليه الصلاة و السلام قبل ذلك بمكة كيف كانت ؟ فأما مدة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس بالمدينة فقد رويناه أنه كان ستة عشر شهراً ، أو سبعة عشر شهراً ، أو ثمانية عشر شهراً ، و روينا بضعة عشر شهراً . قال الحربي : ثم قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة في ربيع الأول فصلى إلى بيت المقدس تمام السنة ، و صلى من سنة اثنتين ستة أشهر ثم حولت القبلة في رجب . و كذلك روينا عن ابن إسحاق ، قال : و لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة ، و صرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة . في خبر ذكره . و سنذكره بعد تمام هذا الكلام إن شاء الله تعالى . و قال موسى بن عقبة و إبراهيم بن سعد : عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك ، أن القبلة صرفت في جمادى . و قال الواقدي : إنما صرفت في صلاة الظهر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان . كذا و جدته عن أبي عمر بن عبد البر . و الذي رويناه عن الواقدي من طريق ابن سعد : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس . قال ابن سعد : " و أخبرنا عبد الله بن جعفر الزهري ، عن عثمان بن محمد الأخنسي و عن غيرهما ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً ، و كان يحب أن يصرف إلى الكعبة ، فقال : يا جبريل ! وددت أن الله صرف وجهي عن قبلة يهود . فقال جبريل : إنما أنا عبد فادع ربك و سله ، و جعل إذا صلى إلى بيت المقدس يرفع رأسه إلى السماء ، فنزلت : " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " [ البقرة : 144 ] فوجه إلى الكعبة إلى الميزاب . و يقال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ، ثم أمر أن يوجه إلى المسجد الحرام ، فاستدار إليه ، و دار معه المسلمون ، و يقال : بل زار رسول الله صلى الله عليه و سلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة ، فصنعت له طعاماً ، و حانت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأصحابه ركعتين ، ثم أمر أن يوجه إلى الكعبة ، فاستقبل الميزاب ، فسمي المسجد مسجد القبلتين ، و ذلك يوم الأثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهراً . و فرض صوم شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً . قال محمد بن عمر : و هذا الثبت عندنا " . قال القرطبي : الصحيح سبعة شهراً و هو قول مالك و ابن المسيب و ابن إسحاق . و قد روي ثمانية عشر ، و روي بعد سنتين ، و روي بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر ، و الصحيح ما ذكرماه أولاً . و أما الصلاة التي و قع فيها تحويل القبلة ، ففي خبر الواقدي هذا أنها الظهر ، و قد ذكرنا في حديث البراء قبل هذا أنها العصر . و قد روينا عن ابن سعد ، قال : " أخبرنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا ثابت ، عن أنس ابن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزل : " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " [ البقرة : 144 ] فمر رجل يقوم من بني سلمة و هم ركوع في صلاة الفجر و قد صلوا ركعة ، فنادى : ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة ، فمالوا إلى الكعبة " . و روينا عن ابن سعد ، قال أخبرنا الفضل بن دكين ، حدثنا قيس بن الربيع ، حدثنا زياد بن علاقة ، عن عمارة ابن أوس الأنصاري ، قال : صلينا إحدى صلاتي العشي ، فقام رجل على الباب و نحن في الصلاة ، فنادى : إن الصلاة قد و جهت نحو الكعبة ، فتحول أو تحرف إمامنا نحو الكعبة و النساء و الصبيان ، و ليس في هذين الخبرين ما يعارض ما قبلهما لأن بلوغ التحويل غير التحويل . و قرىء على أبي عبد الله بن أبي الفتح بن و ثاب الصوري ، و انا أسمع ، أخبركم الشيخان : أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة البغدادي نزيل أصبهان ، و أبو المجد زاهر طاهر الثقفي الأصبهاني إجازة ، قال الأول : أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي ، و قال الثاني : أخبرنا أبو الوفاء منصور بن محمد بن سليم ، قالا : أخبرنا أبو الطيب عبد الرزاق بن عمر بن موسى بن شمة ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم ، قال : أخبرنا علي بن العباسي المقالعي ، عن محمد ابن مروان ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، قال : و حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : كانوا يصلون الصبح فانحرفوا و هم ركوع . و أما كيف كانت صلاته صلى الله عليه و سلم قبل تحويل القبلة ، فمن الناس من قال كانت صلاته صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس ، من حين فرضت الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة ، ثم بالمدينة إلى وقت التحويل . ==== |
و روينا من طريق أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء بالسند المذكور آنفاً ، " قال أخبرنا علي بن العباس المقالعي ، عن محمد بن مروان ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن السدي في كتاب الناسخ و المنسوخ له قال : قوله تعالى : " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " [ البقرة : 142 ] قال : قال ابن عباس : أول ما نسخ الله تعالى من القرآن حديث القبلة . قال ابن عباس : إن الله تبارك و تعالى فرض على رسوله الصلاة ليلة أسري به إلى بيت المقدس ركعتين ركعتين ، الظهر و العصر و العشاء و الغداة و المغرب ثلاثاً ، فكان يصلي إلى الكعبة و وجهه إلى بيت المقدس . قال : ثم زيد في الصلاة بالمدينة حين صرفه الله إلى الكعبة ركعتين ركعتين إلا المغرب فتركت كما هي . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه يصلون إلى بيت المقدس . و فيه : قال : فصلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة سنة حتى هاجر إلى المدينة . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبه أن يصلي قبل الكعبة ، لأنها قبلة آبائه إبراهيم و إسماعيل . قال : و صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة حتى هاجر إلى المدينة و بعدما هاجر ستة عشر شهراً إلى بيت المقدس . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر لعل الله أن يصرفه إلى الكعبة . قال : و قال رسول الله صلى ا-لله عليه و سلم لجبريل عليه السلام : وددت أنك سألت الله أن يصرفني إلى الكعبة . فقال جبريل : لست أستطيع أن أبتدئ الله جل و علا بالمسئلة ، و لكن إن سألني أخبرته . قال فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقلب وجهه في السماء ينتظر جبريل ، ينزل عليه ، قال : فنزل عليه جبريل و قد صلى الظهر ركعتين إلى بيت المقدس و هم ركوع ، فصرف الله القبلة إلى الكعبة . . " الحديث . و فيه : فلما صرف الله القبلة اختلف الناس في ذلك ، فقال المنافقون : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ و قال بعض المؤمنين : فكيف بصلاتنا التي صلينا نحو بيت المقدس ؟ فكيف بمن مات من إخواننا و هم يصلون إلى بيت المقدس ؟ تقول : قبل الله عز و جل منا و منهم أم لا ؟ و قال ناس من المؤمنين : كان ذلك طاعة و هذا طاعة ، نفعل ما أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم . و قالت اليهود : اشتاق إلى بلد أبيه و هو يريد أن يرضي قومه ، و لو ثبت على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبي الذي كنا ننتظر أن يأتي ، و قال المشركون من قريش : تحير على محمد دينه ، فاستقبل قبلتكم و علم أنكم أهدى منه ، و يوشك أن يدخل في دينكم . فأنزل الله في جميع الفرق كلها :
فأنزل في المنافقين : " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " إلى دين الإسلام " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " [ البقرة : 142 ـ 143 ] إلى آخر الآية . و أنزل في المؤمنين : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " يقول : إلا لنبتلي بها . و إنما كانت قبلتك التي تبعث بها إلى الكعبة ، ثم تلا : " وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : من المتقين . قال المؤمنون كانت القبلة الأولى طاعة و هذه طاعة ، فقال الله عز و جل : " وما كان الله ليضيع إيمانكم " [ البقرة : 143 ] . قال : صلاتكم ، لأنكم كنتم مطيعين في ذلك ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : " قد نرى تقلب وجهك في السماء " يقول : تنتظر جبريل حتى ينزل عليك " فلنولينك قبلة ترضاها " يقول : تحبها " فول وجهك شطر المسجد الحرام " [ البقرة : 144 ] نحو الكعبة " وإنه للحق من ربك " [ البقرة : 149 ] أي أنك تبعث بالصلاة إلى الكعبة . و أنزل الله في اليهود : " ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك " [ البقرة : 145 ] قال : لئن جئتهم بكل آية أنزلها في التوراة في شأن القبلة أنها إلى الكعبة ما تبعوا قبلتك ، قال : و أنزل الله في أهل الكتاب : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " [ البقرة : 146 ] قال : يعرفون أن قبلة النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل عليهما السلام قبل الكعبة ، كذلك هو مكتوب عندهم في التوراة ، و هم يعرفون بذلك كما يعرفون أبناءهم ، و هم يكتمون ذلك ، و هم يعلمون أن ذلك هو الحق ، يقول الله تعالى : " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " [ البقرة : 147 ] يقول من الشاكين . قال : ثم أنزل في قريش و ما قالوا ، فقال : " لئلا يكون للناس عليكم حجة " قال : لكيلا يكون لأحد من الناس حجة " إلا الذين ظلموا منهم " يعني قريشاً ، و ذلك قول قريش : قد عرف محمد أنكم أهدى منه فاستقبل قبلتكم ، ثم قال : " فلا تخشوهم " قال : فحين قالوا يوشك أن يرجع إلى دينكم يقول : لا تخشوا أن أردكم في دينهم ، قال " ولأتم نعمتي عليكم " [ البقرة : 150 ] أي أظهر دينكم على الأديان كلها . كل هذا عن السدي من كتابه في الناسخ و المنسوخ و هو مروي لنا بالإسناد المذكور ، و هو مروي عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، ثم يتخلل سياق خبره فوائد عن بعض رواة الكتاب ، ثم يقول جامعه عند انقضائها و عودة إلى الأول : رجع إلى السدي . ثم يقول عنه : قال ابن عباس كذا في أخبار متعددة متغايرة ، فيحتمل أن يكون ذلك عنده عن أبي مالك عن ابن عباس ، و يحتمل الانقطاع ، و لو كان ذلك في خبر واحد لكان أقرب إلى الاتصال . و السدي هذا هو الكبير : إسماعيل بن عبد الرحمن ، يروي عن أنس ، و عبد خير ، روى عنه الثوري و شعبة و زائدة ، و كان يجلس بالمدينة في مكان يقال له السد فنسب إليه ، احتج به مسلم ، و وثقه بعضهم و تكلم فيه آخرون . و السدي الصغير : هو محمد بن مروان المذكور في الإسناد إليه ، مضعف عندهم . و قال آخرون إنه عليه الصلاة و السلام صلى أول ما صلى إلى الكعبة ثم إنه صرف إلى بيت المقدس . قال أبو عمر : ذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم أول ما صلى إلى الكعبة ، ثم إنه صرف إلى بيت المقدس ، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه عليه الصلاة و السلام بثلاث ، و صلى النبي صلى الله عليه و سلم بعد قدومه ستة عشر شهراً ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة . و قال ابن شهاب : و زعم ناس ـ و الله أعلم ـ أنه كان يسجد نحو بيت المقدس و يجعل وراءه ظهره الكعبة و هو بمكة ، و يزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها ، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس . قال أبو عمر : و أحسن من ذلك قول من قال : إنه عليه الصلاة و السلام كان يصلي بمكة مستقبل القبلتين ، يجعل الكعبة بينه و بين بيت المقدس . و قد روينا ذلك من طريق مجاهد " عن ابن عباس ، قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي بسفح قاسيون ، أخبركم الشيخ أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادي ، و أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران بن الزهري سماعاً عليهما ، الأول بالشام و الثاني بالعراق ، قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن البسري بن الزاغوني ، زاد ابن ملاعب : و أبو منصور أنوشتكين بن عبد الله الرضواني ، قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري ، و قال ابن الزغواني : أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد الزينبي ، قالا : أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص ، حدثنا يحيى ، حدثنا الحسن بن يحيى الآرزي أبو علي بالبصرة ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان ـ يعني الأعمش ـ عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و هو بمكة نحو بيت المقدس و الكعبة بين يديه ، و بعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهراً ، ثم صرف إلى الكعبة " . و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد ابن كعب القرظي ، قال : ما خالف نبي نبيياً قط في قبلة و لا في سنة ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل بيت المقدس من حين قدم المدينة ستة عشر شهراً ثم قرأ : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " [ الشورى : 13 ] . ===== |
و قد ذكرنا فيما سلف حديث البراء بن معرور و توجهه إلى الكعبة ، و فيه دليل على أن الصلاة كانت يومئذ إلى بيت المقدس . و لما كان صلى الله عليه و سلم يتحرى القبلتين جميعاً و لم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة .
قال السهيلي : و كرر الباري سبحانه و تعالى الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات ، لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف : اليهود ، لأنهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم . و أهل الريب و النفاق اشتد إنكارهم له : لأنه كان أول نسخ نزل . و كفار قريش ، لأنهم قالوا : ندم محمد على فراق ديننا ، و كانوا يحتجون عليه ، فيقولون : يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم و إسماعيل و قد فارق قبلة إبراهيم و إسماعيل و آثر عليها قبلة اليهود ، فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة : " لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " [ البقرة : 150 ] على الاستثناء المنقطع ، أي : لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون و لا يهتدون ، و ذكر الآيات إلى قوله تعالى : " ليكتمون الحق وهم يعلمون " [ البقرة : 146 ] أي يكتمون ما علموا من أن الكعبة هي قبلة الأنبياء . و روينا من طريق أبي داود في كتاب الناسخ و المنسوخ له : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيلياء كما يعظمها أهل بيته ، قال : فسرت معه و هو ولي عهد ، قال : و معه خالد بن يزيد بن معاوية ، قال سليمان و هو جالس فيها : و الله إن في هذه القبة التي صلى إليها المسلمون و النصارى لعجبا . قال خالد بن يزيد : أما و الله إني لأقرأ الكتاب الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه و سلم ، واقرأ التوراة ، فلم تجدها اليهود في الكتاب الذي أنزل الله عليهم و لكن تابوت السكينة كان على الصخرة ، فلما غضب الله على بني إسرائيل رفعه ، فكانت صلاتهم إلى الصخرة على مشاورة منهم . و روى أبو داود أيضاً : أن يهودياً خاصم أبا العالية في القبلة ، فقال أبو العالية : إن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة و يستقبل البيت الحرام ، فكانت الكعبة قبلته ، و كانت الصخرة بين يديه ، و قال اليهودي : بيني و بينك مسجد صالح النبي عليه السلام ، فقال أبو العالية : فإني صليت في مسجد صالح و قبلته إلى الكعبة ، و أخبر أبو العالية أنه صلى في مسجد ذي القرنين و قبلته إلى الكعبة . قلت : قد تقدم في حديث البراء أن رجلاً صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم تحويل القبلة ، ثم أتى قوماً من الأنصار فأخبرهم و هم ركوع فاستداروا ، و لم يسمي المخبر في ذلك الخبر ، و الرجل هو عباد بن نهيك بن إساف الشاعر بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو [ النبيت ] بن مالك بن الأوس ، عمر في الجاهلية زماناً ، و أسلم و هو شيخ كبير ، فوضع النبي صلى الله عليه و سلم عنه الغزو ، و هو الذي صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم القبلتين في الظهر ، ركعتين إلى بيت المقدس و ركعتين إلى الكعبة يوم صرفت القبلة ، ثم أتى قومه بني حارثة و هم ركوع في صلاة العصر ، فأخبرهم بتحويل القبلة ، فاستداروا إلى الكعبة . و قد ذكروا أبو عمرو هذا الرجل بذلك لكنه لم يرفع نسبه ، إنما قال : عباد ابن نهيك فقط ، و نسبه الخطمي ، فلم يصنع شيئاً ، فخطمة هو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس ليس هذا منه ، هذا حارثي و بنو خطمة تأخر إسلامهم . |
ذكر فرض صيام شهر رمضان و زكاة الفطر ، و سنة الأضحية
روينا عن ابن سعد " أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة . قال الواقدي : و أخبرنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر . قال : أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، عن جده ، قالوا : نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر ، في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم . و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه السنة بزكاة الفطر ، و ذلك قبل أن تفرض الزاكاة في الأموال ، و أن تخرج عن الصغير و الكبير و الحر و العبد و الذكر و الأنثى ، صاع من تمر أو صاع من شعير ، أو صاع من زبيب ، أو مدان من بر . و كان يخطب صلى الله عليه و سلم قبل الفطر بيومين ، فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى ، و قال : أغنوهم ـ يعني المساكين ـ عن طواف هذا اليوم . و كان يقسمها إذا رجع ، و صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العيد يوم الفطر بالمصلى قبل الخطبة . و صلى العيد يوم الأضحى و أمر بالأضحية ، و أقام بالمدينة عشر سنين يضحى في كل عام ، قالوا : و كان يصلي العيدين قبل الخطبة بغير أذان و لا إقامة ، و كان تحمل العنزة بين يديه ، و كانت العنزة للزبير بن العوام ، قدم بها من أرض الحبشة ، فأخذها منه رسول الله صلى الله عليه و سلم . قالوا : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى و خطب أتي بأحدهما و هو قائم في مصلاه ، فيذبحه بيده بالمدية ، ثم يقول : هذا عن أمتي جميعاً ، ممن شهد لك بالتوحيد و شهد لي بالبلاغ . ثم يؤتئ بالآخر فيذبحه هو عن نفسه ، ثم يقول : هذا عن محمد و آل محمد ، فيأكل هو و أهله منه ، و يطعم المساكين ، و كان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية " . قال محمد بن عمر : و كذلك تصنع الأئمة عندنا بالمدينة . |
ذكر المنبر و حنين الجذع
قرأت على الشيخة الأصيلة أم محمد مؤنسة خاتون بنت السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب بالقاهرة ، قلت لها : أخبرتك الشيخة أم هانيء عفيفة بنت أحمد ابن عبد الله الفارقانية إجازة ؟ فأقرت به ، قالت : " أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الواحد الصباغ ، أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو علي بن الصواف ، حدثنا الحسين بن عمر ، حدثنا أبي ، حدثنا المعلى بن هلال ، عن عمار الدهني ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أم سلمة ، أنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة . قال : و كانت أساطين المسجد من دوم ، و ظلاله من جريد النخل ، و كانت الأسطوانة التي تلي المنبر عن يسار المنبر إذا استقبلته دومة . قالت : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسند ظهره إليها يوم الجمعة إذا خطب الناس قبل أن يصنع المنبر . فأول يوم وضع المنبر استوى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعداً في الساعة التي كان يستند فيها إلى الأسطوانة ، ففقدته الأسطوانة فجأرت جؤار الثور ، أو خارت خوار الثور ، و النبي صلى الله عليه و سلم على المنبر ، فنزل النبي صلى الله عليه و سلم ، فأتاها فوضع يده عليها ، و قال لها : اسكني ، أو اسكتي ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم إلى منبره " . و قرأت على أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بسفح قاسيون ، " أخبركم أبو العباس الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع قراءة عليه و أنتم تسمعون سنة ست أو سبع و ستمائة ، و أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة ، إن لم يكن سماعاً ، قال الأول : أخبرنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي ، و قال الثاني : أخبرنا أبو الفتح محمد بن محمد بن البيضاوي ، قالا : أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن هزارمرد . [ ح ] و قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي ، أخبركم الشيخ أبو نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنت تسمع ؟ فأقر به ، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسين بن البنا ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري قالا : أخبرنا أبو طاهر محمد ابن عبد الرحمن بن العباس المخلص ، حدثنا عبد الله ـ يعني البغوي ـ حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا مبارك بن فضالة ، حدثنا الحسن ، عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسنداً ظهره إليها ، فلما كثر الناس ، قال : ابنوا لي منبراً . قال : فبنوا له منبراً له عتبان ، فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال أنس : و أنا في المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله ، فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكنت . فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ، ثم قال : يا عباد الله ، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم شوقاً إليه ، لمكانه من الله عز و جل ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه " . قال القاضي عياض : رواه من الصحابة بضعة عشر منهم : أبي بن كعب ، و جابر ابن عبد الله ، و أنس بن مالك ، و عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عباس ، و سهل بن سعد ، و أبو سعيد الخدري ، و بريدة ، و أم سلمة ، و المطلب بن أبي وداعة ، كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث ، قال الترمذي : و حديث أنس صحيح . و في حديث جابر : فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار . و في رواية أنس : حتى ارتج المسجد بخواره . و في رواية سهل : و كثر بكاء الناس لما رأوا به . و في رواية المطلب : " حتى تصدع و انشق ، حتى جاء النبي صلى الله عليه و سلم فوضع يده عليه فسكت "، زاد غيره : "فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إن هذا بكى لما فقد من الذكر " و زاد غيره : " والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزناً على النبي صلى الله عليه و سلم ، فأمر به فدفن تحت المنبر " . " و في حديث أبي أنه أخذه أبي فكان عنده إلى أن أكلته الأرض و عاد رفاتا " . و في حديث بريدة ، "فقال ـ النبي صلى الله عليه و سلم ـ : إن شئت أردك إلى الحائط الذي كنت فيه ،تنبت لك عروقك و يكمل خلقك ، و يجدد لك خوص و ثمرة ؟ و إن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ؟ ثم أصغى له عليه الصلاة و السلام يستمع ما يقول ، فقال : بل تغرسني في الجنة . فسمعه من يليه ، فقال عليه الصلاة و السلام : قد فعلت " . " و أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه ، أخبرنا ابن طبرزذ ، أخبرنا ابن عبد الباقي ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن الشخير ، حدثنا العباس بن أحمد ، حدثنا محمد بن أبان ، حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد ، عن سلمة بن وردان ، قال : سمعت أبا سعيد بن المعلي يقول ، سمعت علياً يقول ، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة " . " و رويناه من حديث جابر و فيه و إن منبري على ترعة من ترع الجنة " . |
القسم الأول من غزوة بدر الكبرى ـ و كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة ، فيها أموال لقريش و تجارة من تجارتهم ، و فيها ثلاثون رجلاً من قريش ، أو أربعون ، منهم : مخرمة بن نوفل ، و عمرو بن العاص . و قال ابن عقبة و ابن عائذ في أصحاب أبي سفيان : هم سبعون رجلاً ، و كانت عيرهم ألف بعير ، و لم يكن لحويطب بن عبد العزى فيها شيء فلذلك لم يخرج معهم . و قال ابن سعد : هي العير التي خرج لها حتى بلغ ذا العشيرة ، تحين قفولها من الشام ، فبعث طلحة بن عبيد الله التيمي و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يتجسسان خبر العير . قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم الزهري ، و عاصم بن عمر بن قتادة و عبد الله بن أبي بكر ، و يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، و غيرهم من علمائنا عن ابن عباس ، كل قد حدثني بعض الحديث ، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر ، قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بابي سفيان مقبلاً من الشام ، ندب المسلمين إليهم و قال : هذه عير قريش ، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها ، لعل الله ينفلكموها ، فانتدب الناس ، فخف بعضهم ، و ثقل بعضهم ، و ذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يلقى حرباً . و كان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار و يسأل من لقي من الركبان ، تخوفاً من أمر الناس ، حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك و لعيرك ، فحذر عند ذلك ، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، و أمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم ، و يخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه ، فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة . قال ابن سعد : فخرج المشركون من أهل مكة سراعاً ، و معهم القيان و الدفوف ، و أقبل أبو سفيان بن حرب بالعير ، و قد خافوا خوفاً شديداً حين دنوا من المدينة ، و استبطؤوا ضمضماً و النفير ، حتى وردوا بدراً ، و هو خائف ، فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسست أحداً من عيون محمد . قال ابن إسحاق : فأخبرني من لا أتهم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس و يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، قالا : و قد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها ، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب ، فقالت له : يا أخي ، و الله لقد رأيت الليلة رؤيا ، لقد أفظعتني ، و تخوفت أن يدخل على قومك منها شر و مصيبة ، فاكتم عني ما أحدثك . فقال لها : و ما رأيت ؟ قالت : رأيت راكباً أقبل على بعير له حتى و قف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد و الناس يتبعونه ، فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ، ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها ، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ، ارفضت ، فما بقي بيت من بيوت مكة و لا دار إلا دخلتها منه فلقة . قال العباس : و الله إن هذا لرؤيا ، و أنت فاكتميها و لا تذكريها . ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، و كان صديقاً له ، فذكرها له ، و استكتمه إياها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش ، قال العباس : فغدوت لأطوف بالبيت ، و أبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل ، قال : يا أبا الفضل : إذا فرغت من طوافك فاقبل إلينا ، فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب ! متى حدثت فيكم هذه النبية ؟ قال : قلت : و ماذاك ؟ قال : ذاك الرؤيا التي رأت عاتكة . قال فقلت : و ما رأت ؟ قال : يا بني عبد المطلب ! أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ ! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث ، فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك حقاً فسيكون ، و إن تمض الثلاث و لم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب ، قال العباس : فو الله ما كان مني إليه كبير ، إلا أني جحدت ذلك ، و أنكرت أن تكون رأت شيئاً . و عند ابن عقبة في هذا الخبر ، أن العباس قال لأبي جهل : هل أنت منته ؟ فإن الكذب فيك و في أهل بيتك . فقال من حضرهما أبو بكر ما كنت يا أبا الفضل جهولاً و لا خرقاً . و كذلك قال ابن عائذ ، و زاد فقال له العباس : مهلاً يا مصفر أسته ، و لقي العباس من عاتكة أذى شديداً حين أفشى من حديثها . رجع إلى خبر ابن إسحاق : قال : ثم تفرقنا ، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني ، فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ؟ ثم قد تناول النساء و أنت تسمع ؟ ثم لم تكن عندك غير لشيء مما سمعت ؟ قال : فقلت قد و الله فعلت ، ما كان مني إليه من كبير ، و ايم الله لأتعرضن له ، فإن عاد لأ كفينكنه قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة و أنا حديد مغضب ، أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فو الله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال ، فأوقع به ، وكان رجلاً خفيفاً ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر . قال : إذ خرج نحو باب المسجد يشتد . قال : قلت في نفسي : ماله لعنه الله ، أكل هذا فرق مني أن أشاتمه ؟ قال : فإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري و هو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره ، قد جدع بعيره ، و حول رحله ، و شق قميصه ، وهو يقول : يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . قال : فشغلني عنه و شغله عني ما جاء من الأمر ، فتجهز الناس سراعاً ، و قالوا : أيظن محمد و أصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي ، كلا و الله ليعلمن غير ذلك ، فكانوا بين رجلين ، إما خارج و إما باعث مكانه رجلاً و أوعبت قريش ، فلم يتخلف من أشرافها أحد ، إلا أن أبا لهب ابن عبد المطلب قد تخلف و بعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة ، وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه ، أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزي عنه بعثه ، فخرج عنه و تخلف أبو لهب . قال ابن عقبة و ابن عائذ : خرجوا في خمسين و تسعمائة مقاتل ، و ساقوا مائة فرس . و روينا عن ابن سعد : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن ابن إسحاق ، عن أبي عبيدة بن عبد الله ، عبد أبيه ، قال : لما أسرنا القوم في بدر ، قلنا : كم كنتم ؟ قالوا : كنا ألفاً . قال ابن إسحاق : و حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، أن أمية بن خلف كان أجمع القعود ، و كان شيخاً جليلاً جسيماً ثقيلاً ، فأتاه عقبة بن أبي معيط و هو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها ، فيها نار و مجمر ، حتى وضعها بين يديه ، ثم قال يا أبا علي ! استجمر ، فإنما أنت من النساء . قال : قبحك الله و قبح ما جئت به . قال : ثم تجهز فخرج مع الناس . قيل : و كان سبب تثبطه ، ما ذكره البخاري في الصحيح ، من حديثه مع سعد بن معاذ و أبي جهل بمكة ، و قول سعد له : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إنه قاتلك " . قلت : المشهور عند أرباب السير أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما قال ذلك لأخيه أبي بن خلف بمكة قبل الهجرة ، و هو الذي قتله النبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك يوم أحد بحربته ، و هذا أيضاً لا ينافي خبر سعد ، و الله أعلم . قال ابن إسحاق : و لما فرغوا من جهازهم و أجمعوا السير ، ذكروا ما بينهم و بين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب ، فقالوا : إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن مالك بن حعشم الكناني المدلجي ، و كان من أشراف بني كنانة ، فقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعاً . و ذكر ابن عقبة و ابن عائذ في هذا الخبر : و أقبل المشركون و معهم إبليس ـ لعنه الله ـ في صورة سراقة يحدثهم أن بني كنانة وراءه ، قد أقبلوا لنصرهم ، و أنه لا غالب لكم اليوم من الناس و إني جار لكم . قال ابن إسحاق : و عمير بن وهب أو الحارث بن هشام كان الذي رآه حين نكص على عقبيه عند نزول الملائكة ، و قال إني أرى ما لا ترون ، فلم يزل حتى أوردهم ثم أسلمهم ، ففي ذلك يقول حسان : سرنا وساروا إلى بدر لحينهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا دلالهم بغرور ثم أسلمهم إن الخبيث لمن والاه غرار في أبيات ذكرها . قال ابن إسحاق : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه ، قال ابن هشام : لثمان ليال خلون منه . و قال ابن سعد : يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت منه ، بعد ما وجه طلحة بن عبيد الله و سعيد بن زيد بعشر ليال ، و ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم عسكره ببئر أبي عنبة ، و هي على ميل من المدينة ، فعرض أصحابه ، و رد من استصغر ، و خرج في ثلاثمائة رجل و خمسة نفر ، كان المهاجرون منهم أربعة و سبعين رجلاً ، و سائرهم من الأنصار ، و ثمانية تخلفوا لعذر ، ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهامهم و أجورهم : ثلاثة من المهاجرين ، عثمان بن عفان ، خلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كانت مريضة ، فأقام عليها حتى ماتت . و طلحة ، و سعيد بن زيد ، بعثهما يتجسسان خبر العير . و خمسة من الأنصار : أبو لبابة بن عبد المنذر ، خلفه على المدينة ، وعاصم بن عدي العجلاني ، خلفه على أهل العالية ، و الحارث بن حاطب العمري رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم ، و الحارث بن الصمة كسر من الروحاء ، و خوات بن جبير كسر أيضاً . قال ابن إسحاق : و دفع اللواء إلى مصعب بن عمير ـ و كان أبيض ـ و كان أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم رايتان سوداوان ، إحداهما مع علي بن أبي طالب و الأخرى مع بعض الأنصار . و قال ابن سعد : كان لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ، و لواء الخزرج مع الحباب بن منذر ، و لواء الأوس مع سعد بن معاذ . كذا قال ، و المعروف أن سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش ، و أن لواء المهاجرين كان بيد علي . " قرىء على أبي حفص عمر بن عبد المنعم ابن عمر بن عبد الله بن غدير بعربيل ـ قرية بغوطة دمشق ـ و أنا أسمع ، أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني قراءة عليه و أنت حاضر في الرابعة ؟ فأقر به ، أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد السلمي سماعاً ، أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد ، أخبرنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين السمسار ، أخبرنا أبو القاسم المظفر بن حاجب بن مالك بن أركين الفرغاني ، أخبرنا أبو الحسن محمد ابن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي ، حدثنا أحمد ـ يعني ابن أبي أحمد ـ الجرجاني ، حدثنا شبابة بن سوار الفزاري ، حدثنا قيس بن ربيع ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى علياً الراية يوم بدر ، و هو ابن عشرين سنة " . |
الساعة الآن 04:26 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][