منتديات جعلان

منتديات جعلان (http://www.jalaan.com/index.php)
-   جعلان للتربية والتعليم (http://www.jalaan.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 (http://www.jalaan.com/showthread.php?t=10295)

اسير الصحراء 04-29-2006 01:13 AM

الثامنة عشرة : أنه يوم تكفير السيئات ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدري ما يوم الجمعة ؟ " قلت : هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم قال : " ولكني أدري ما الجمعة ، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ، ثم يأتي الجمعة ، فينصت حتى يقضي الإمام صلاته ، إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة ما اجتنبت المقتلة " .
وفي المسند أيضاً من حديث عطاء الخراساني ، عن نبيشة الهذلي ، أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ، أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحداً ، فإن لم يجد الإمام صلى ما بدا له ، وإن وجد الإمام قد خرج ، جلس ، فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه ، إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها ، أن تكون كفارة للجمعة التي تليها". وفي صحيح البخاري ، عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج ، فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " .
وفي مسند أحمد ، من حديث أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من اغتسل يوم الجمعة ، ثم لبس ثيابه ، ومس طيباً إن كان عنده ، ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة ، ولم يتخط أحداً ، ولم يؤذه ، وركع ما قضي له ، ثم انتظر حتى ينصرف الإمام ، غفر له ما بين الجمعتين ".

اسير الصحراء 04-29-2006 01:14 AM

التاسعة عشرة : أن جهنم تسجر كل يوم إلا يوم الجمعة . وقد تقدم حديث أبي قتادة في ذلك ، وسر ذلك - والله أعلم - أنه أفضل الأيام عند الله ، ويقع فيه من الطاعات ، والعبادات ، والدعوات ، والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى ، ما يمنع من تسجير جهنم فيه . ولذلك تكون معاصي أهل الإيمان ، فيه أقل من معاصيهم في غيره ، حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في يوم السبت وغيره .
وهذا الحديث الظاهر منه أن المراد سجر جهنم في الدنيا ، وأنها توقد كل يوم إلا يوم الجمعة ، وأما يوم القيامة ، فإنه لا يفتر عذابها ، ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوماً من الأيام ، ولذلك يدعون الخزنة أن يدعوا ربهم ليخفف عنهم يوماً من العذاب ، فلا يجيبونهم إلى ذلك .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:14 AM

العشرون : أن فيه ساعة الإجابة ، وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئاً إلا أعطاه ، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، وقال : بيده يقللها ". وفي المسند من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيد الأيام يوم الجمعة ، وأعظمها عند الله ، وأعظم عند الله من يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وفيه خمس خصال : خلق الله فيه آدم ، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض ، وفيه توفى الله عز وجل آدم ، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه ما لم يسأل حراماً ، وفيه تقوم الساعة ، ما من ملك مقرب ، ولا أرض ، ولا رياح ، ولا بحر ، ولا جبال ، ولا شجر ، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة " .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:15 AM

فصل في اختلاف الناس حول ساعة الاجابة وأقوالهم فيها

فصل
وقد اختلف الناس في هذه الساعة : هل هي باقية أو قد رفعت ؟ على قولين ، حكاهما ابن عبد البر وغيره ، والذين قالوا : هي باقية ولم ترفع ، اختلفوا ، هل هي في وقت من اليوم بعينه ، أم هي غير معينة ؟ على قولين . ثم اختلف من قال تعيينها : هل هي تنتقل في ساعات اليوم ، أو لا ؟ على قولين أيضاً ، والذين قالوا بتعيينها ، اختلفوا على أحد عشر قولاً .
قال ابن المنذر : روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : هي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .
الثاني : أنها عند الزوال ، ذكره ابن المنذر عن الحسن البصري ، وأبي العالية .
الثالث : أنها إذا أذن المؤذن بصلاة الجمعة ، قال ابن المندز : روينا ذلك عن عائشة رضي الله عنها .
الرابع : أنها إذا جلس الإمام على المنبر يخطب حتى يفرغ ، قال ابن المنذر : رويناه عن الحسن البصري .
الخامس : قاله أبو بردة : هي الساعة التي اختار الله وقتها للصلاة .
السادس : قاله أبو السوار العدوي ، وقال : كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة .
السابع : قاله أبو ذر : إنها ما بين أن ترتفع الشمس شبراً إلى ذراع .
الثامن : أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس ، قاله أبو هريرة ، وعطاء ، وعبد الله بن سلام ، وطاووس ، حكى ذلك كله ابن المنذر .
التاسع : أنها آخر ساعة بعد العصر ، وهو قول أحمد ، وجمهور الصحابة ، والتابعين .
العاشر : أنها من حين خروح الإمام إلى فراغ الصلاة ، حكاه النووي وغيره .
الحادي عشر : أنها الساعة الثالثة من النهار ، حكاه صاحب المغني فيه . وقال كعب : لو قسم الإنسان جمعة في جمع ، أتى على تلك الساعة ، وقال عمر : إن طلب حاجة في يوم ليسير .
وأرجح هذه الأقوال : قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة ، وأحدهما أرجح من الآخر .
الأول : أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى ، أن عبد الله بن عمر قال له : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئاً ؟ قال : نعم سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة " . وروى ابن ماجه ، والترمذي ، من حديث عمرو بن عوف المزني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه قالوا : يا رسول الله ! أية ساعة هي؟ قال : حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها " .
والقول الثانى : أنها بعد العصر ، وهذا أرجح القولين ، وهو قول عبد الله بن سلام ، وأبي هريرة ، والإمام أحمد ، وخلق . وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر ".
وروى أبو داود والنسائي ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " يوم الجمعة اثنا عشر ساعة ، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه ، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر ".
وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا ، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة ، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة .
وفي سنن ابن ماجه : "عن عبد الله بن سلام ، قال : قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس : إنا لنجد في كتاب الله ( يعني التوراة) في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله عز وجل شيئاً إلا قضى الله له حاجته قال عبد الله : فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة . قلت : صدقت يا رسول الله ، أو بعض ساعة . قلت : أي ساعة هي ؟ قال : هي آخر ساعة من ساعات النهار . قلت : إنها ليست ساعة صلاة ، قال : بلى إن العبد المؤمن إذا صلى ، ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة ، فهو في صلاة" . وفي مسند أحمد من حديث أبي هريرة ، قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لأي شئ سمي يوم الجمعة ؟ قال : " لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم ، وفيها الصعقة والبعثة ، وفيها البطشة ، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له " .
==>>يتبع

اسير الصحراء 04-29-2006 01:15 AM

وفي سنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة ، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة ، إلا الجن والإنس ، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه إياها قال كعب : ذلك في كل سنة يوم ؟ فقلت : بل في كل جمعة قال : فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو هريرة : ثم لقيت عبد الله بن سلام ، فحدثته بمجلسي مع كعب ، فقال عبد الله بن سلام : وقد علمت أية ساعة هي . قال أبو هريرة : فقلت : أخبرني بها ، فقال عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة من يوم الجمعة ، فقلت : كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلى فيها ؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جلس مجلساً ينتظر الصلاة ، فهو في صلاة حتى يصلي ؟ قال : فقلت : بلى . فقال : هو ذاك ".
قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وفي الصحيحين بعضه . وأما من قال : إنها من حين يفتتح الإمام الخطبة إلى فراغه من الصلاة ، فاحتج بما رواه مسلم في صحيحه ، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، قال : قال عبد الله بن عمر : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة ؟ قال : قلت : نعم سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الإمام الصلاة " .
وأما من قال : هي ساعة الصلاة ، فاحتج بما رواه الترمذي ، وابن ماجه ، من حديث عمرو بن عوف المزني ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن في الجمعة لساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه " . قالوا : يا رسول الله ! أية ساعة هي ؟ قال : حين تقام الصلاة إلى الإنصراف منها . ولكن هذا الحديث ضعيف ، قال أبو عمر بن عبد البر : هو حديث لم يروه فيما علمت إلا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، وليس هو ممن يحتج بحديثه . وقد روى روح بن عبادة ، عن عوف ، عن معاوية بن قرة ، عن أبي بردة عن أبي موسى ، أنه قال لعبد الله بن عمر : هي الساعة التي يخرج فيها الإمام إلى أن تقضى الصلاة . فقال ابن عمر : أصاب الله بك .
وروى عبد الرحمن بن حجيرة ، عن أبي ذر ، أن امرأته سألته عن الساعة التي يستجاب فيها يوم الجمعة للعبد المؤمن ، فقال لها: هي مع رفع الشمس بيسير ، فإن سألتني بعدها ، فأنت طالق .
واحتج هؤلاء أيضاً بقوله في حديث أبي هريرة "وهو قائم يصلي " وبعد العصر لا صلاة في ذلك الوقت ، والأخذ بظاهر الحديث أولى . قال أبو عمر : يحتج أيضاً من ذهب إلى هذا بحديث علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا زالت الشمس ، وفاءت الأفياء ، وراحت الأرواح ، فاطلبوا إلى الله حوائجكم ، فإنها ساعة الأوابين ، ثم تلا : " فإنه كان للأوابين غفورا " ( الإسراء :25) ".
وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : الساعة التي تذكر يوم الجمعة : ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس . وكان سعيد بن جبير ، إذا صلى العصر ، لم يكلم أحداً حتى تغرب الشمس ، وهذا هو قول أكثر السلف ، وعليه أكثر الأحاديث . ويليه القول : بأنها ساعة الصلاة ، وبقية الأقوال لا دليل عليها .
وعندى أن ساعة الصلاة ساعة ترجى فيها الإجابة أيضاً ، فكلاهما ساعة إجابة ، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر ، فهى ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر ، وأما ساعة الصلاة ، فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت ، لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيراً في الإجابة ، فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيها الإجابة ، وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها ، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حض أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين .
ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن المسجد الذى أسس على التقوى ، فقال : " هو مسجدكم هذا " وأشار إلى مسجد المدينة . وهذا لا ينفي أن يكون مسجد قباء الذي نزلت فيه الآية مؤسساً على التقوى ، بل كل منهما مؤسس على التقوى . وكذلك قوله في ساعة الجمعة " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة " لا ينافي قوله في الحديث الآخر " فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر " .
ويشبه هذا في الأسماء قوله "ما تعدون الرقوب فيكم ؟ قالوا : من لم يولد له ، قال : الرقوب من لم يقدم من ولده شيئاً " .
فأخبر أن هذا هو الرقوب ، إذ لم يحصل له من ولده من الأجر ما حصل لمن قدم منهم فرطاً ، وهذا لا ينافي أن يسمى من لم يولد له رقوباً .
ومثله قوله ما تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا : من لا درهم له ولا متاع . قال : " المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأتي وقد لطم هذا ، وضرب هذا ، وسفك دم هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته " الحديث .
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ، ولا يتفطن له . فيتصدق عليه " . وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر ، يعظمها جميع أهل الملل . وعند أهل الكتاب هي ساعة الإجابة ، وهذا مما لاغرض لهم في تبديله وتحريفه ، وقد اعترف به مؤمنهم .
وأما من قال بتنقلها ، فرام الجمع بذلك بين الأحاديث ، كما قيل ذلك في ليلة القدر ، وهذا ليس بقوي ، فإن ليلة القدر قد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : "فالتمسوها في خامسة تبقى ، في سابعة تبقى ، في تاسعة تبقى " . ولم يجىء مثل ذلك في ساعة الجمعة .
وأيضاً فالأحاديث التي في ليلة القدر ، ليس فيها حديث صريح بأنها ليلة كذا وكذا ، بخلاف أحاديث ساعة الجمعة ، فظهر الفرق بينهما .
وأما قول من قال : إنها رفعت ، فهو نظير قول من قال : إن ليلة القدر رفعت ، وهذا القائل ، إن أراد أنها كانت معلومة ، فرفع علمها عن الأمة ، فيقال له : يرفع علمها عن كل الأمة ، وإن رفع عن بعضهم ، وإن أراد أن حقيقتها وكونها ساعة إجابة رفعت ، فقول باطل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة ، فلا يعول عليه . والله أعلم .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:16 AM

الحادية والعشرون : أن فيه صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع ، والعدد المخصوص ، واشترط الإقامة ، والاستيطان ، والجهر بالقراءة . وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأت نظيره إلا في صلاة العصر ، ففي السنن الأربعة ، من حديث أبي الجعد الضمري - وكانت له صحبة - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك ثلاث جمع تهاوناً ، طبع الله على قلبه " قال الترمذي : حديث حسن ، وسألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي الجعد الضمري ، فقال : لم يعرف اسمه ، وقال : لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث .
وقد جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر لمن تركها أن يتصدق بدينار ، فإن لم يجد ، فنصف دينار . رواه أبو داود ، والنسائي من رواية قدامة بن وبرة ، عن سمرة بن جندب . ولكن قال أحمد : قدامة بن وبرة لا يعرف . وقال يحيى بن معين : ثقة ، وحكي عن البخاري ، أنه لا يصح سماعه من سمرة .
وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين ، إلا قولاً يحكى عن الشافعي ، أنها فرض كفاية ، وهذا غلط عليه منشؤه أنه قال : وأما صلاة العيد . فتجب على كل من تجب عليه صلاة الجمعة ، فظن هذا القائل أن العيد لما كانت فرض كفاية ، كانت الجمعة كذلك . وهذا فاسد ، بل هذا نص من الشافعي أن العيد واجب على الجميع ، وهذا يحتمل أمرين ، أحدهما : أن يكون فرض عين كالجمعة ، وأن يكون فرض كفاية ، فإن فرض الكفاية على الجميع ، كفرض الأعيان سواء ، وإنما يختلفان بسقوطه عن البعض بعد وجوبه بفعل الآخرين .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:16 AM

الثانية والعشرون : أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده ، والشهادة له بالوحدانية ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وتذكير العباد بأيامه ، وتحذيرهم من بأسه ونقمته ، ووصيتهم بما يقربهم إليه ، وإلى جنانه ، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره ، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:17 AM

الثالثة والعشرون : أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة ، وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة ، فالله سبحانه جعل لأهل كل ملة يوماً يتفرغون فيه للعبادة ، ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا ، فيوم الجمعة يوم عبادة ، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور ، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان . ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم ، سلمت له سائر جمعته ، ومن صح له رمضان وسلم ، سلمت له سائر سنته ، ومن صحت له حجته وسلمت له ، صح له سائر عمره ، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ، ورمضان ميزان العام ، والحج ميزان العمر . وبالله التوفيق .

اسير الصحراء 04-29-2006 01:18 AM

الرابعة والعشرون : أنه لما كان في الأسبوع كالعيد في العام ، و كان العيد مشتملاً على صلاة وقربان ، وكان يوم الجمعة يوم صلاة ، جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلاً من القربان ، وقائماً مقامه ، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة ، والقربان ، كما في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية ، فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنما قرب كبشاً أقرن "
وقد اختلف الفقهاء في هذه الساعة على قولين :
أحدهما : أنها من أول النهار ، وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما .
والثاني : أنها أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال ، وهذا هو المعروف في مذهب مالك ، واختاره بعض الشافعية ، واحتجوا عليه بحجتين .
إحداهما : أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ، وهو مقابل الغدو الذي لا يكون إلا قبل الزوال ، قال تعالى : " ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر " ( سبأ:12) . قال الجوهري : ولا يكون إلا بعد الزوال .
الحجة الثانية : أن السلف كانوا أحرص شئ على الخير ، ولم يكونوا يغدون إلى الجمعة من وقت طلوع الشمس ، وأنكر مالك التبكير إليها في أول النهار ، وقال : لم ندرك عليه أهل المدينة .
واحتج أصحاب القول الأول ، بحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة ". قالوا : والساعات المعهودة ، هي الساعات التي هي ثنتا عشرة ساعة ، وهي نوعان : ساعات تعديلية ، وساعات زمانية ، قالوا : ويدل على هذا القول ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما بلغ بالساعات إلى ست ، ولم يزد عليها ، ولو كانت الساعة أجزاء صغاراً من الساعة التي تفعل فيها الجمعة ، لم تنحصر في ستة أجزاء ، بخلاف ما إذا كان المردذ بها الساعات المعهودة ، فإن الساعة السادسة متى خرجت ، ودخلت السابعة ، خرج الإمام ، وطويت الصحف ، ولم يكتب لأحد قربان بعد ذلك ، كما جاء مصرحاً به في سنن أبي داود من حديث علي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان يوم الجمعة ، غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق ، فيرمون الناس بالترابيث أو الربائث ويثبطونهم عن الجمعة ، وتغدو الملائكة ، فتجلس على أبواب المساجد ، فيكتبون الرجل من ساعة ، والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام " . قال أبو عمر بن عبد البر : اختلف أهل العلم في تلك الساعات ، فقالت طائفة منهم : أراد الساعات من طلوع الشمس وصفائها ، والأفضل عندهم التبكير في ذلك الوقت إلى الجمعة ، وهو قول الثوري ، وأبي حنيفة والشافعي ، وأكثر العلماء ، بل كلهم يستحب البكور إليها .
قال الشافعي رحمه الله : ولو بكر إليه بعد الفجر ، وقبل طلوع الشمس ، كان حسناً . وذكر الأثرم ، قال : قيل لأحمد بن حنبل : كان مالك بن أنس يقول : لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكراً ، فقال : هذا خلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم . وقال : سبحان الله إلى أي شئ ذهب في هذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " كالمهدى جزوراً ". قال : وأما مالك فذكر يحيي بن عمر ، عن حرملة ، أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات : أهو الغدو من أول ساعات النهار ، أو إنما أراد بهذا القول ساعات الرواح ؟ فقال ابن وهب : سألت مالكاً عن هذا ، فقال : أما الذي يقع بقلبي ، فإنه إنما أراد ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات ، من راح من أول تلك الساعة ، أو الثانيه ، أو الثالثة ، أو الرابعة ، أو الخامسة ، أو السادسة . ولو لم يكن كذلك ، ما صليت الجمعة حتى يكون النهار تسع ساعات في وقت العصر ، أو قريباً من ذلك . وكان ابن حبيب ، ينكر مالك هذا ، ويميل إلى القول الأول ، وقال : قول مالك هذا تحريف في تأويل الحديث ، ومحال من وجوه . وقال : يدلك أنه لا يجوز ساعات في ساعة واحدة : أن الشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار ، وهو وقت الأذان ، وخروج الإمام إلى الخطبة ، فدل ذلك على أن الساعات في هذا الحديث هي ساعات النهار المعروفات ، فبدأ بأول ساعات النهار ، فقال : من راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة ، ثم قال : في الساعة الخامسة بيضة ، ثم انقطع التهجير ، وحان وقت الأذان ، فشرح الحديث بين في لفظه ، ولكنه حرف عن موضعه ، وشرح بالخلف من القول ، وما لا يكون ، وزهد شارحه الناس فيما رغبهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التهجير من أول النهار ، وزعم أن ذلك كله إنما يجتمع في ساعة واحدة قرب زوال الشمس ، قال : وقد جاءت الآثار بالتهجير إلى الجمعة في أول النهار ، وقد سقنا ذلك في موضعه من كتاب واضح السنن بما فيه بيان وكفاية .
===>>يتبع

اسير الصحراء 04-29-2006 01:18 AM

هذا كله قول عبد الملك بن حبيب ، ثم رد عليه أبو عمر ، وقال : هذا تحامل منه على مالك رحمه الله تعالى ، فهو الذي قال القول الذي أنكره وجعله خلفاً وتحريفاً من التأويل ، والذي قاله مالك تشهد له الآثار الصحاح من رواية الأئمة ، ويشهد له أيضاً العمل بالمدينة عنده ، وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل ، لأنه أمر يتردد كل جمعة لا يخفى على عامة العلماء . فمن الآثار التي يحتج بها مالك ، ما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم الجمعة ، قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة ، يكتبون الناس ، الأول فالأول ، فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ، ثم الذي يليه كالمهدي كبشاً ، حتى ذكر الدجاجة والبيضة ، فإذا جلس الإمام ، طويت الصحف ، واستمعوا الخطبة ". قال : ألا ترى إلى ما في هذا الحديث ، فإنه قال : يكتبون الأول فالأول ، فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه فجعل الأول مهجراً ، وهذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة والتهجير ، وذلك وقت النهوض إلى الجمعة ، وليس ذلك وقت طلوع الشمس ، لأن ذلك الوقت ليس بهاجرة ولا تهجير ، وفي الحديث : " ثم الذي يليه ، ثم الذي يليه ". ولم يذكر الساعة . قال : والطرق بهذا اللفظ كثيرة ، مذكورة في التمهيد ، وفي بعضها " المتعجل إلى الجمعة كالمهدى بدنة " . وفي أكثرها " المهجر كالمهدى جزوراً " الحديث . وفي بعضها ، ما يدل على أنه جعل الرائح إلى الجمعة في أول الساعة كالمهدي بدنة ، وفي آخرها كذلك ، وفي أول الساعة الثانية كالمهدي بقرة ، وفي آخرها كذلك . وقال بعض أصحاب الشافعي : لم يرد صلى الله عليه وسلم بقوله : " المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة " ، الناهض إليها في الهجير والهاجرة ، وإنما أراد التارك لأشغاله وأعماله من أغراض أهل الدنيا للنهوض إلى الجمعة ، كالمهدي بدنة ، وذلك مأخوذ من الهجرة وهو ترك الوطن ، والنهوض إلى غيره ، ومنه سمي المهاجرون . وقال الشافعي رحمه الله : أحب التبكير إلى الجمعة ، ولا تؤتى إلا مشياً . هذا كله كلام أبي عمر .
قلت : ومدار إنكار التبكير أول النهار على ثلاثة أمور ، أحدها : عل لفظة الرواح ، وإنها لا تكون إلا بعد الزوال ، والثاني : لفظة التهجير ، وهي إنما تكون بالهجرة وقت شدة الحر ، والثالث : عمل أهل المدينة ، فإنهم لم يكونوا يأتون من أول النهار .
فأما لفظة الرواح ، فلا ريب أنها تطلق على المضي بعد الزوال ، وهذا إنما يكون في الأكثر إذا قرنت بالغدو ، كقوله تعالى : " غدوها شهر ورواحها شهر " ( سبأ :12) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من غدا إلى المسجد وراح ، أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح ". وقول الشاعر :
نروح ونغدوا لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
وقد يطلق الرواح بمعنى الذهاب والمضي ، وهذا إنما يجئ ، إذا كانت مجردة عن الاقتران بالغدو .
وقال الأزهري في التهذيب : سمعت بعض العرب يستعمل الرواح في السير في كل وقت ، يقال : راح القوم : إذا ساروا ، وغدوا كذلك ، ويقول أحدهم لصاحبه : تروح ، ويخاطب أصحابه ، فيقول : روحوا أي : سيروا ، ويقول الآخر : ألا تروحون ؟ ومن ذلك ما جاء في الأخبار الصحيحة الثابتة ، وهو بمعنى المضي إلى الجمعة والخفة إليها ، لا بمعنى الرواح بالعشي .
وأما لفظ التهجير والمهجر ، فمن الهجير ، والهاجرة ، قال الجوهري : هي نصف النهار عند اشتداد الحر ، تقول منه : هجر النهار ، قال امرؤ القيس :
فدعها وسل الهم عنها بجسرة ذمول إذا صام النهار وهجرا
ويقال : أتينا أهلنا مهجرين ، أي : في وقت الهاجرة ، والتهجير والتهجر : السير في الهاجرة ، فهذا ما يقرر به قول أهل المدينة . قال الآخرون : الكلام في لفظ التهجير ، كالكلام في لفظ الرواح ، فإنه يطلق ويراد به التبكير .
قال الأزهري في التهذيب : روى مالك ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في التهجير ، لاستبقوا إليه " .
وفي حديث آخر مرفوع : " المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ". قال : ويذهب كثير من الناس إلى أن التهجير في هذه الأحاديث تفعيل من الهاجرة وقت الزوال وهو غلط ، والصواب فيه ما روى أبو داود المصاحفي ، عن النضر بن شميل ، أنه قال : التهجير إلى الجمعة وغيرها : التبكير والمبادرة إلى كل شئ قال : سمعت الخليل يقول ذلك ، قاله في تفسير هذا الحديث .
قال الأزهري : وهذا صحيح ، وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس ، قال لبيد :
أهل المدينة حجة ، فإن هذا ليس فيه إلا ترك الرواح إلى الجمعة من أول النهار ، وهذا جائز بالضرورة . وقد يكون اشتغال الرجل بمصالحه ومصالح أهله ومعاشه وغير ذلك من أمور دينه ودنياه أفضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار ، ولا ريب أن انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وجلوس الرجل في مصلاه حتى يصلي الصلاة الأخرى ، أفضل من ذهابه وعوده في وقت آخر للثانية ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " والذي ينتظر الصلاة ، ثم يصليها مع الإمام أفضل من الذي يصلي ، ثم يروح إلى أهله " وأخبر " أن الملائكة لم تزل تصلي عليه ما دام في مصلاه " وأخبر " أن انتظار الصلاة بعد الصلاة ، مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ، وأنه الرباط " وأخبر " أن الله يباهي ملائكته بمن قضى فريضة وجلس ينتظر أخرى " وهذا يدل على أن من صلى الصبح ، ثم جلس ينتظر الجمعة ، فهو أفضل ممن يذهب ، ثم يجيء في وقتها ، وكون أهل المدينة وغيرهم لا يفعلون ذلك ، لا يدل على أنه مكروه، فهكذا المجيء إليها والتبكير في أول النهار ، والله أعلم .


الساعة الآن 07:30 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][